بوتين يستقبل «الأبطال» العائدين من سجون الغرب بالورود والجوائز

«روسيا لا تتخلى عن مواطنيها»... شعار حرب أوكرانيا يعلو في استقبال «الجواسيس»

بوتين مستقبلاً مواطنين روساً بعد إتمام صفقة التبادل في موسكو 1 أغسطس (إ.ب.أ)
بوتين مستقبلاً مواطنين روساً بعد إتمام صفقة التبادل في موسكو 1 أغسطس (إ.ب.أ)
TT

بوتين يستقبل «الأبطال» العائدين من سجون الغرب بالورود والجوائز

بوتين مستقبلاً مواطنين روساً بعد إتمام صفقة التبادل في موسكو 1 أغسطس (إ.ب.أ)
بوتين مستقبلاً مواطنين روساً بعد إتمام صفقة التبادل في موسكو 1 أغسطس (إ.ب.أ)

«عملية شاقة وطويلة ومعقدة»، هكذا لخص الكرملين مسار المفاوضات السرية التي تواصلت لسنوات عدة، قبل التوصل إلى صفقة تبادل السجناء الأكبر والأهم منذ عقود الحرب الباردة.

عملية توجت بإنجاز مهم للرئيس فلاديمير بوتين، الذي حرص على استقبال العائدين عند سلم الطائرة التي أقلتهم إلى موسكو. والعنوان الأبرز الذي سيطر على مشهد وصول ثمانية سجناء تم إطلاقهم من سجون بلدان غربية عدة إلى مطار «فنوكوفو» الحكومي قرب موسكو، هو ذاته الذي كررته موسكو مراراً، في غمار المواجهة المتفاقمة مع الغرب منذ سنوات: «روسيا لا تتخلى عن مواطنيها»، هو الشعار الذي رفعه بوتين وهو يطلق الحرب في أوكرانيا قبل ثلاثين شهراً، في إشارة إلى حماية «الروس» في منطقة دونباس.

في هذه المرة، رفع بوتين الشعار وهو يستقبل «الأبطال» العائدين من سجون الغرب، مُذكّراً بأنهم «خدموا بلادهم» وقاموا بواجبهم في ظروف صعبة ومعقدة.

هذه الإشارة كانت لها أهمية خاصة، فقد رفضت السلطات الروسية طوال السنوات الماضية الإقرار بأن مواطنيها المسجونين في بلدان غربية عدة لهم صلات بأجهزة المخابرات، وأصرت دائماً على أن الاتهامات الموجهة ضدهم بـ«الجاسوسية» لا تزيد على كونها جزءاً من الدعاية الغربية ضد روسيا، وعمليات «ملاحقة الروس في كل مكان والتضييق عليهم في إطار تأجيج مشاعر الروسفوبيا في الغرب»، وفقاً لبيانات الخارجية الروسية والكرملين.

مفاوضات شاقة

جانب من استقبال مواطنين روس في موسكو بعد إتمام أكبر صفقة تبادل منذ الحرب الباردة في 1 أغسطس (أ.ف.ب)

تمّت الصفقة، ولم يعد بوتين يخشى الإفصاح عن جانب من نشاط العائدين. ومع باقة الورود التي قدمها لمواطنته آنا دولتسيفا التي قضت سنوات في سجن في سلوفاكيا مع زوجها أرتيوم بعد إدانتهما بالتجسس، وعد الرئيس الروسي العائدين بـ«جوائز الدولة»، وبترتيب مستقبلهم الوظيفي والمعيشي.

وقبل ساعات قليلة من هذا المشهد، كان الفصل الأخير من عملية مفاوضات شاقة ومعقدة قد أسدل في مطار إيسنبوغا التركي، ونتيجة لذلك عاد ثمانية من المواطنين الروس، بالإضافة إلى قاصرين، هما ابنا آنا وأرتيوم إلى روسيا.

ومن بين هؤلاء فاديم كراسيكوف، الذي حكم عليه في ألمانيا بالسجن مدى الحياة بتهمة تصفية متشدد جورجي شيشاني، تتهمه موسكو بأنه قام في أثناء حرب الشيشان الثانية بوضع جنود روس أسرى على الطريق ثم قاد سيارة فوق رؤوسهم. مشهد لم يكن لأجهزة مخابرات بوتين أن تغفره أبداً.

ومسألة إدراج كراسيكوف ضمن السجناء العائدين في الصفقة كانت لها أهمية خاصة عند بوتين شخصياً، فهو تحدّث عنه تلميحاً قبل أشهر معدودة في مقابلة نادرة مع الصحافة، عندما قال إنه «يقبع في بلد متحالف مع الولايات المتحدة، رجل قام لأسباب وطنية بالقضاء على قاطع طريق في إحدى العواصم الأوروبية».

وبات معلوماً أن اللائحة الروسية ضمّت أيضاً فلاديسلاف كليوشين، الذي كان مسجوناً في الولايات المتحدة بتهمة التجسس، وبافيل روبتسوف وفاديم كونوشينوك وميخائيل ميكوشين ورومان سيليزنيف. وهم واجهوا اتهامات مماثلة في ألمانيا وبلدان غربية أخرى.

أكبر تبادل للأسرى

بوتين مُصافحاً مواطناً روسياً أُفرج عنه بموجب صفقة تبادل في 1 أغسطس (أ.ف.ب)

بشكل عام، كانت العملية أكبر تبادل للأسرى بين الغرب وروسيا منذ الحرب الباردة، حيث شارك فيها 26 شخصاً. وكانت الصعوبة الخاصة تتمثّل في أن مواطني روسيا كانوا في سجون بلدان مختلفة بتشريعات مختلفة، وبطبيعة الحال، مستويات مختلفة من العلاقات الدبلوماسية، وكذلك القنوات السرية بين أجهزة الاستخبارات.

وفي المقابل، غادر روسيا خلال عملية التبادل عدد من المواطنين المدانين بالتجسس وعدد من المعارضين الروس الذين تصفهم الصحافة الروسية عادة بأنهم «ذوو الجنسيات المزدوجة». وقد تمّت إدانة هؤلاء بموجب مواد الخيانة والدعوات إلى القيام بأنشطة متطرفة. وقال عنهم نائب رئيس مجلس الأمن ديمتري ميدفيديف، إنهم «حثالة، وكنت أتمنى أن يتعفنوا في السجون».

عملياً، خاضت روسيا، كما قال الناطق الرئاسي ديمتري بيسكوف، «مفاوضات شرسة حول كل واحد من الروس المفرج عنهم». وزاد أن المفاوضات بشأن تبادل السجناء بين روسيا والدول الغربية جرت بشكل رئيسي من خلال جهاز الأمن الفيدرالي ووكالة المخابرات المركزية.

بوتين منتظراً وصول المواطنين الروس في موسكو في 1 أغسطس (أ.ف.ب)

ووفقاً له، فقد «تم إجراء المفاوضات حول هذا التبادل المُعقّد بين جهاز الأمن الفيدرالي ووكالة المخابرات المركزية، وكان هذا هو الخط الرئيسي الذي تمّ من خلاله التوصل إلى اتفاق (...) لا يمكننا بالطبع كشف المزيد من التفاصيل، لأن المطبخ الداخلي لهذه المفاوضات لا يمكن أن يكون علنياً».

فضلاً عن أنه تمت إضافة مستوى آخر من التعقيد، من خلال التبادل المتزامن للمواطن الألماني كريجر، الذي حكم عليه بالإعدام بتهمة الإرهاب في بيلاروسيا.

تقول أوساط مقربة من الأجهزة الخاصة الروسية إن موسكو رفضت على مدى السنوات الماضية عدة عروض «غير متكافئة»، وقامت بتحسين شروط التفاوض عدة مرات، قبل التوصل إلى الصيغة النهائية للصفقة.

ووفقاً للعديد من الخبراء، كانت روسيا تنتظر انتخاب دونالد ترمب رئيساً قبل إبرام صفقة التبادل؛ لأن العلاقات مع الإدارة الأميركية الحالية، بعبارة ملطفة، ليست جيدة جداً. لكن القرار النهائي بتمرير الصفقة اتُّخذ بعدما بدا واضحاً أنها نضجت، وتلبي الشروط الروسية. هنا بات الأجدى، وفقاً لمعلق روسي، «تنفيذ الصفقة وإهداء جو بايدن (الإنجاز الدبلوماسي) الذي فاخر به وهو يستقبل السجناء الأميركيين العائدين من روسيا».

وأشار مراقبون إلى أن «غطرسة ترمب» ربما لعبت دوراً صغيراً جداً كذلك، فهو أعلن ذات مرة بتفاخر: «سيفعل فلاديمير بوتين، رئيس روسيا، هذا (تسليم المواطنين الأميركيين) من أجلي، وليس من أجل أي شخص آخر»، لكنّ بوتين، كما اتّضح، قرّر أن يلعب اللعبة بطريقته الخاصة.


مقالات ذات صلة

أوكرانيا وروسيا تتبادلان رفات نحو 300 جندي

أوروبا جثث تعود لجنود روس قُتلوا عند خط المواجهة في منطقة دونيتسك الأوكرانية (إ.ب.أ)

أوكرانيا وروسيا تتبادلان رفات نحو 300 جندي

أعلنت أوكرانيا، اليوم الجمعة، أنها استعادت رفات 250 جندياً وسلمت موسكو رفات 38 جندياً، في واحدة من كبرى عمليات التبادل من هذا النوع منذ بدء الغزو الروسي.

«الشرق الأوسط» (كييف)
أوروبا الناطق باسم الكرملين دميتري بيسكوف متحدثاً إلى الصحافيين (موقع الكرملين)

الكرملين يستبعد تقدّماً دبلوماسياً مع كييف بعد تبادل سجناء مع الغرب

استبعد الكرملين احتمال حدوث تقدّم فوري في المفاوضات بشأن النزاع في أوكرانيا في أعقاب عملية التبادل الكبيرة للسجناء بين موسكو ودول غربية.

«الشرق الأوسط» (موسكو)
أوروبا الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينكسي (أ.ف.ب)

زيلينسكي: الانتخابات الأميركية تشكل «تحدياً وخطراً» لنا

أقر الرئيس الأوكراني بأن نتيجة الانتخابات الرئاسية الأميركية المقررة في نوفمبر (تشرين الثاني) تشكل «خطراً» على أوكرانيا التي تعول على استمرار الدعم العسكري.

«الشرق الأوسط» (كييف)
أوروبا وزير الدفاع الروسي أندريه بيلوسوف (قناة وزارة الدفاع الروسية عبر تلغرام)

موسكو: وزير الدفاع الروسي وجه تحذيرا لنظيره الأميركي بشأن استفزازات كييف

أكد نائب وزير الخارجية الروسي سيرغي ريابكوف أن وزير الدفاع الروسي أندريه بيلوسوف وجه "تحذيرا جديا للغاية" لنظيره الأميركي لويد أوستن خلال محادثتهما

«الشرق الأوسط» (موسكو )
أوروبا عناصر من «لواء آزوف» يحيون ذكرى رفاق لهم قضوا في الحرب (أ.ف.ب)

أوكرنيا: مقتل أكثر من نصف مليون جندي روسي منذ بدء الحرب

قال سلاح الجو الأوكراني إنه اعترض 9 من أصل 10 طائرات مسيرة مقاتلة أطلقتها روسيا خلال ليل الاثنين - الثلاثاء، بالإضافة إلى صاروخ كروز روسي.

«الشرق الأوسط» (كييف) «الشرق الأوسط» (موسكو) «الشرق الأوسط» (واشنطن)

موسكو تتهم «يوتيوب» بفرض رقابة على المحتوى الروسي بطلب أميركي

المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا (قناة الخارجية الروسية على تلغرام)
المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا (قناة الخارجية الروسية على تلغرام)
TT

موسكو تتهم «يوتيوب» بفرض رقابة على المحتوى الروسي بطلب أميركي

المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا (قناة الخارجية الروسية على تلغرام)
المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا (قناة الخارجية الروسية على تلغرام)

اتهمت وزارة الخارجية الروسية موقع «يوتيوب»، الجمعة، بفرض رقابة على المحتوى، ومنع الوصول إلى المعلومات بناءً على طلب من الولايات المتحدة، محذرة من أنها ترى أسباباً كافية لاتخاذ إجراءات ضد موقع استضافة المقاطع المصورة.

وانتقدت روسيا شركة «غوغل»، التي تمتلك «يوتيوب»، في السنوات القليلة الماضية بسبب إغلاق قنوات لوسائل إعلام وشخصيات عامة روسية، وعدم إزالتها محتوى تعده موسكو غير قانوني أو غير مرغوب فيه.

وقالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا، في بيان: «نرى كثيراً من الأسباب المهمة لاتخاذ إجراءات ضد موقع استضافة المقاطع المصورة (يوتيوب)»، وفقاً لوكالة «رويترز».

وأضافت: «الانتهاكات المنهجية الكثيرة للقانون الروسي والتجاهل الواضح للجمهور المحلي ومصالحه يتركان للهيئات التنظيمية في دولتنا الحق في استخدام الأدوات القانونية المناسبة».

وقالت زاخاروفا: «عدم احترام القانون والرقابة السياسية يظلان القاعدة بالنسبة لإدارة (يوتيوب) التي تسيطر عليها واشنطن»، متهمة إياها بإزالة المحتوى الروسي بصورة منهجية في محاولة لحرمان العالم من مصادر المعلومات الروسية.

وقال متحدث باسم «يوتيوب»، في وقت سابق، إن الموقع على علم بالتقارير الواردة عن عدم تمكن بعض الأشخاص من الوصول إلى «يوتيوب» في روسيا. وأضاف المتحدث: «هذا ليس نتيجة أي مشكلات تقنية من جانبنا أو إجراء اتخذناه».