تحول التباسات قانونية وعملانية دون تحصيل ضرائب مستحدثة على عمليات شراء الدولار عبر منصة «صيرفة» التي أنشأها الحاكم السابق لـ«مصرف لبنان» رياض سلامة وأوقفها الحاكم الحالي بالإنابة وسيم منصوري فور تسلمه الموقع ومسؤولياته قبل 11 شهراً، ضمن سلسلة تغييرات اعتمدها في إدارة السيولة النقدية وتوحيد أسعار الصرف عند مستوى 89.5 ألف ليرة للدولار رسمياً وفي أسواق القطع الموازية والاستهلاك.
واصطدم قرار صادر عن وزير المال يوسف الخليل، يقضي بفرض ضريبة بنسبة 17 في المائة على الناتج الربحي المحقق لصالح المستفيدين من عمليات تعدّت أحجامها شراء أكثر من 15 ألف دولار على المنصة، باعتراض فوري من قبل جمعية المصارف، وإحجامها عن إرسال البيانات المطلوبة، إلى حين صدور مرسوم من قبل مجلس الوزراء يغطي الثغرة القانونية لتمكينها من الاستجابة لطلب الوزارة.
ويقضي القرار المالي بتحديد الرّبح الخاضع للضريبة، عبر احتساب الفرق بين القيمة بالليرة التي دفعها المستفيد (أفراد وشركات) مقابل الدولارات التي نالها، وقيمة تلك الدولارات المحتسبة وفقاً لقيمتها الفعليّة بالليرة حسب منصة «صيرفة» بتاريخ تنفيذ العمليّة، مع استثناء الفروقات المرتبطة بالرواتب والأجور التي نتجت عن عمليّة شراء الدولارات، إضافة إلى عدم اعتبار هذه الضريبة من الأعباء القابلة للتنزيل.
السرية المصرفية
وأشارت الجمعية في كتاب رسمي وجّهته إلى وزير الماليّة، رداً على بند ورد في الآلية التطبيقية للضريبة يقضي بإلزام المصارف ومؤسّسات الصيرفة بتزويد الإدارة الضريبيّة إلكترونياً بمعلومات عن عمليّات الصيرفة التي تمّت لديها، إلى أن المادة رقم 23 من القانون رقم 44 (قانون الإجراءات الضريبيّة) تنصّ على أن آلية الطلب من المصارف التجاريّة العاملة تزويد بيانات خاضعة لقانون السريّة المصرفيّة، يجب أن تحدّد بمرسوم صادر عن مجلس الوزراء، وهو ما لم يحدث بعد، لتؤكد بالتالي أنّه في «ظلّ غياب هذا المرسوم، فإنّ قيام المصارف بتسليم هكذا معلومات يعرّضها لملاحقات قضائيّة».
ومن الواضح، حسب مسؤول مصرفي معنيّ، وجوب استكمال المسار القانوني للإجراء الضريبي قبل صدور القرار التطبيقي، مع التنويه بأن تعقيدات لا تقل أهمية ستبرز في عمليات التطبيق وتحصيل الضريبة بمفعول رجعي يمتد إلى سنتي 2022 و2023؛ أي من تاريخ إطلاق المنصة بموجب تعميم صادر عن البنك المركزي، والذي قضى بعرض بيع الدولار النقدي من محفظته للأفراد والشركات، وجرى تمديده تباعاً وتعديله من دون أي ذكر للضريبة.
مئات آلاف العملاء
وفي الأساس، ومع تخطي العقبة القانونية للإفصاح عن البيانات، فإن الآلية التطبيقية، سنداً للمادّة 93 من قانون الموازنة العامّة، تغفل ضمناً حقيقة أن البنوك كانت تقاسم العملاء العوائد المحققة بنسب تصل إلى 50 في المائة من قيمتها، ما يعني تلقائياً أن النسبة الضريبية ستتضاعف من 17 إلى 34 في المائة على الربح المتبقي للمستفيد في حال تكليفه بسداد ضريبة كامل الربح المحقق لكل عملية. كذلك، فإن عملية الشراء من قبل أغلب الأفراد استهدفت حفظ القيمة الشرائية وتخزين الدولار النقدي وليس المتاجرة، ما يعني أن الربح لم يتحقق فعلياً.
ويضيف المصرفي المعنيّ أن البيانات الخاصة بأحجام العمليات اليومية وتبدلات أسعار الصرف، بدءاً من أوائل عام 2022 وإلى حين إيقافها منتصف عام 2023، متوفرة لدى البنك المركزي بوصفه مديراً للمنصة، لكن تحديد هويات الأفراد، وهم بمئات الآلاف، عملية معقدة للغاية، لا سيما أن بينهم من هم من غير العملاء لدى البنوك أو الذين نفذوا عمليات عبر شركات الصرافة، فيما يمكن عملياً، وبعد التغطية القانونية المطلوبة، تحديد لوائح الشركات المستفيدة.
ضغوط المضاربات
ويستدل على ثغرات هذه الإشكالية بحصول عمليات كبيرة جداً من الناحية العددية والأحجام في فترات معينة بسبب شدة ضغوط المضاربات على سعر صرف الليرة. ومن النماذج الموثقة إعلان الحاكم السابق لمصرف لبنان يومي 27 و28 ديسمبر (كانون الأول) 2022، العرض المفتوح لشراء الليرات مقابل الدولار الأميركي، والإيعاز إلى كل مواطن لم يتجاوب معه مصرفه المعتاد أن يتجه فوراً إلى بنك محدّد (الموارد)، داعياً المصارف المستعدة لأخذ خطوة مماثلة.
وفي الأصل، حدد الحاكم السابق الهدف من التعميم بتهدئة أسواق القطع والمحافظة على القدرة الشرائية للموظفين، من خلال السيطرة على سعر صرف الدولار في السوق الموازية، وعبر سحب كميات من الكتلة النقدية بالليرة من السوق واستبدال بها الدولارات النقدية، وذلك عبر الطلب من المصارف تلبية السحوبات النقدية للعملاء وفق الحصص الشهرية لدى كل بنك بالدولار النقدي (الفريش) وفق سعر الصرف على منصّة «صيرفة» في اليوم السابق للسحب، كما سمح لموظفي القطاع العام البالغ عددهم نحو 320 ألف موظف بقبض مخصصاتهم بالدولار.