لم تنقضِ سوى دقائق قلائل على دخول القادة الأوروبيين إلى القاعة التي ينعقد فيها آخر قمم الرئاسة الدورية البلجيكية للاتحاد، الخميس والجمعة، حتى انسدلت على الأجواء غمامة من التوتر، الذي بدا واضحاً على ملامح رئيس الوزراء المجري فكتور أوربان، وحليفته رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني، التي استبقت مشاركتها في القمة بتصريحات في البرلمان الإيطالي، تضمنت انتقادات قاسية لبيروقراطية «الاتحاد المترهل وطرق عمله البالية»، بعد أن تعمّد الشركاء إقصاءها من المفاوضات التي أثمرت توزيع المناصب القيادية في مؤسسات الاتحاد.
الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، برغم الانتكاسات الداخلية المتتالية والهزائم الانتخابية التي مُني بها، وتلك التي تنتظره في الأيام المقبلة، لم تُفارقه ابتسامة العارف بأنه الذي كان وراء إقصاء ميلوني حليفة خصمه اللدود مارين لوبان، وإجهاض مساعيها لدخول نادي الكتل الضامنة لتوازن المشروع الأوروبي واستقراره، ومنع انحرافه عن المبادئ التأسيسية.
لكن فيما بدا أن التوافق على تنصيب الاشتراكي البرتغالي أنطونيو كوستا في رئاسة المجلس، والليبرالية الأستونية كاجا كالّاس ممثلة عليا للسياسة الخارجية الأوروبية، يرسو على قاعدة متينة وأغلبية كافية داخل المجلس، بقي التجديد لفون دير لاين معرّضاً لمفاجآت اللحظة الأخيرة يوم مثولها أمام البرلمان الأوروبي الجديد الشهر المقبل لتثبيت تعيينها.
أزمة الهجرة
يسود الاعتقاد بأن هذا ما دفع فون دير لاين لتوجيه رسالة إلى القادة الأوروبيين عشيّة القمة، تؤكد فيها أن المفوضية مستعدة لاستكشاف «استراتيجيات جديدة لمنع الهجرة غير الشرعية»، والبحث عن صيغ تسمح لمعالجة طلبات اللجوء والهجرة وإدارتها خارج حدود الاتحاد الأوروبي. ورغم أن الرسالة لا تشير إلى نموذج مُحدّد، فإن مضمونها يماثل بوضوح الصيغة التي لجأت إليها إيطاليا لنقل طالبي اللجوء والمهاجرين غير الشرعيين إلى ألبانيا لبتّ طلباتهم على يد موظفين إيطاليين.
وتعدّ هذه المبادرة من رئيسة المفوضية محاولة لاستدرار تأييد رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني، والكتلة السياسية التي تتزعمها في البرلمان الأوروبي. وهي أيضاً رد على الرسالة التي وجّهتها 15 دولة عضو في الاتحاد، تطالب فيها بإيجاد «حلول مبتكرة» لإدارة الهجرة غير الشرعية على غرار النموذج الإيطالي في ألبانيا.
ورغم أنه لم ينقضِ شهران بعد على اعتماد الاتحاد الأوروبي الصيغة النهائية لميثاق الهجرة، بعد سنوات من المفاوضات المعقدة، من المنتظر أن يبقى ملف الهجرة وما ينشأ عنه من مسؤوليات لمعالجة طلبات اللجوء، من الملفات الرئيسية على مائدة الاتحاد في السنوات المقبلة، كما الحال في معظم البلدان الأعضاء، مثل ألمانيا وفرنسا.
ويلفت في رسالة فون دير لاين إلى قادة الاتحاد قولها إن «الاتفاق حول ميثاق الهجرة ليس نهاية المطاف في النقاش حول الأدوات التي في متناول الاتحاد، إذ إن دولاً كثيرة تبحث في استراتيجيات مبتكرة لمنع الهجرة غير الشرعية والنظر في طلبات اللجوء خارج حدود الاتحاد».
مبادرات دفاعية
إلى جانب ذلك، طلبت الدول الأعضاء المجاورة للاتحاد الروسي وبيلاروسيا من النادي الأوروبي حزمة من التدابير والأدوات الاستثنائية لتمويل «خط دفاع» من أجل تحصين حدودها في مواجهة «التهديد الوجودي الذي تُشكّله مطامع الكرملين الإمبريالية». وجاء في رسالة وجّهتها ليتوانيا وأستونيا وبولندا إلى رئيس المجلس ورئيسة المفوضية. وطرحت أمام القمة: «نحتاج إلى مبادرة دفاعية تحمي الأوروبيين اليوم، وفي السنوات المقبلة». وتضيف الرسالة أن «روسيا لم تُغيّر أهدافها الاستراتيجية التي تشمل استعادة الأحزمة الأمنية ومناطق النفوذ التي كان تسيطر عليها في السابق، والتي تشكّل تهديداً وجودياً بالنسبة لأوروبا وحلفائها... وعلى الاتحاد الأوروبي أن يُسخّر الموارد والسياسات اللازمة لتعزيز قدراته الدفاعية على امتداد البلدان الأعضاء». وتقول أوساط مُطّلعة إن دولاً وازنة داخل الاتحاد، مثل ألمانيا وهولندا وإيطاليا، ليست متحمسة لمناقشة هذا الطلب والتعهد بمزيد من الالتزامات المالية في المرحلة الراهنة.
وتقول مصادر المفوضية إن فون دير لاين، في حال تجديد ولايتها، ستطرح على القيادات الأوروبية حزمة من «المبادرات الدفاعية» لمناقشتها، ثم تحديد مصادر تمويلها، من بينها «قبّة حديدية» اقترحها رئيس الوزراء البولندي دونالد توسك، ونظيره اليوناني كيرياكوس متسوتاكيس، لتحصين الأجواء الأوروبية ضد المسيّرات المتطورة، والحرب الإلكترونية، والصواريخ بعيدة المدى، والمقاتلات الحربية من الجيل الخامس.
وكان الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلنسكي قد وصل إلى القمة الأوروبية، صباح الخميس، لتوقيع اتفاق «الالتزامات الأمنية» مع الاتحاد لضمان الدعم المالي والسياسي والدبلوماسي لبلاده التي حصلت حتى الآن من الاتحاد الأوروبي على مساعدات بقيمة 100 مليار يورو، منها 35 مليار لشراء أسلحة. ويشير نصّ الاتفاق إلى استعداد الاتحاد الأوروبي لتوقيع اتفاقات حول التزامات أمنية أوسع مع أوكرانيا، على غرار تلك المُوقّعة ثُنائياً مع بعض الدول الأعضاء. ويأتي هذا الاتفاق بعد أيام قليلة من انطلاق المفاوضات الرسمية لانضمام أوكرانيا إلى عضوية الاتحاد الأوروبي.