لبنان: الموسم السياحي يبدّل المعطيات الاقتصادية من الإحباط إلى الانتعاش

زحام في صالة الوصول بـ«مطار بيروت»... (الشرق الأوسط)
زحام في صالة الوصول بـ«مطار بيروت»... (الشرق الأوسط)
TT

لبنان: الموسم السياحي يبدّل المعطيات الاقتصادية من الإحباط إلى الانتعاش

زحام في صالة الوصول بـ«مطار بيروت»... (الشرق الأوسط)
زحام في صالة الوصول بـ«مطار بيروت»... (الشرق الأوسط)

تكفّل الارتفاع الكبير في أعداد الوافدين إلى لبنان بمناسبة عيد الأضحى المبارك، والإقبال الكثيف الذي تشهده حجوزات الحفلات الفنية للموسم الصيفي، بإنعاش الآمال المعلّقة على بريق النشاط السياحي ومساهمته الحيوية في استعادة مسار النمو الإيجابي للناتج المحلي، بعد نحو 9 أشهر من تعميم مناخات محبطة أعقبت اندلاع حرب غزة وامتداداتها إلى المواجهات المحتدمة على الحدود الجنوبية.

وبعكس المخاوف التي سرت أوائل الشهر الحالي، ربطاً بتعميم أخبار وتحليلات عن توسّع وشيك للاعتداءات والضربات الإسرائيلية باتجاه الداخل، كشف وزير الأشغال العامة والنقل، علي حمية، عن ارتفاع المتوسط اليومي لقدوم الوافدين إلى بيروت عبر «مطار رفيق الحريري الدولي» إلى 14 ألفاً، وعن أنه في ازدياد مستمر.

وبالمثل، أكد رئيس «أصحاب مكاتب السفر والسياحة»، جان عبود، أن «التهديدات الإسرائيلية بشأن ضربة محتملة في منتصف هذا الشهر كانت لها تداعيات سلبية، لكن المؤشرات عاودت الارتفاع، حيث ارتفعت نسبة ملاءة الحجوزات إلى ما بين 90 و95 في المائة». علماً بأن اللبنانيين المغتربين والعاملين في الخارج يشكلون الغالبية العظمى من الوافدين.

وقبل الطفرة المستجدة على أبواب الموسم الصيفي، تراجع عدد الوافدين إلى لبنان بنسبة 5.37 في المائة، في ظل تسجيل انخفاض في عدد الرحلات الجويّة بنسبة 9.34 في المائة، وتراجع عدد المسافرين عبر «مطار بيروت» بنسبة 6.84 في المائة، خلال الأشهر الخمسة الأولى من العام الحالي، وبرقم 2.29 مليون مسافر، مقارنةً مع 2.46 مليون مسافر خلال الفترة ذاتها من العام الماضي. وجرى تعليل هذا الانخفاض بامتداد التوتّرات التي خلفّتها حرب غزّة على حدود لبنان الجنوبيّة.

5 مليارات دولار سنوياً

ويحوز القطاع السياحي بتدفقاته التي تتعدى 5 مليارات دولار سنوياً، وفق الأنماط المحققّة في السنتين الأخيرتين، المصدر الثاني الأكثر أهمية بعد التحويلات الواردة التي تناهز «رسمياً» نحو 7 مليارات دولار من قبل المغتربين والعاملين في الخارج. وبذلك يمثلان معاً أكثر من نصف الناتج الوطني، الذي انزلق من حده الأعلى البالغ نحو 55 مليار دولار إلى أقل من 22 مليار دولار، بفعل انفجار الأزمتين المالية والنقدية قبل نحو 5 سنوات.

ومع الخسارة المحقّقة لمواسم سياحية موسمية وناشطة، لا سيما عطلة أعياد الميلاد السابقة، وبعدها موسم التزلج، ثم عيدي الفصح والفطر، يقدر تقرير صادر عن «بنك عوده» أن تكون الإيرادات السياحية الضائعة خلال أول 6 أشهر من اندلاع الحرب قد فاقت المليار دولار أميركي، وذلك على أساس انخفاض متوسط عدد السياح بنسبة 24 في المائة، واستناداً إلى أن متوسط إنفاق السائح في لبنان يبلغ نحو 3 آلاف دولار أميركي.

أضرار الحرب

وتشير التحليلات الموثقة محلياً ودولياً إلى أن الاقتصاد اللبناني من بين الاقتصادات الإقليمية الأكثر تضرراً جراء الحرب؛ بحيث تبرز التأثيرات المباشرة في الجنوب مترجمة بخسائر بشرية ومادية جسيمة على طول المنطقة الحدودية عموماً. في حين تنعكس الآثار غير المباشرة بالتداعيات الأمنية والاقتصادية على إجمالي الاستثمار، في ظل ضبابية الآفاق من جهة، وتأثيرات الحرب على أداء القطاع السياحي من جهة أخرى، الذي كان قد بدأ يشهد مؤشرات ملموسة على النهوض قبيل الصراع.

كما يكتسب النشاط السياحي أهمية استثنائية وقيمة مضافة في ظل انكماش حركة الاستثمارات في لبنان، والتأثيرات المستجدة التي تعكسها الحرب على قرارات المستثمرين ورجال الأعمال؛ إذ تسود، وفق تحليل مصرفي، حال حذر وترقب في ظل ضبابية الوضع الأمني داخل البلاد، الذي يؤثر سلباً على الآفاق الماكرو - اقتصادية والمالية في لبنان. علماً بأنّ نسبة حجم الاستثمار إلى الناتج المحلي الإجمالي تبلغ مستوى متدنياً يقل عن 10 في المائة، وهو أحد أدنى المستويات تاريخياً في البلد، ومن بين أقل المستويات في الأسواق الناشئة، مما يشير إلى الضعف الملحوظ في تكوين رأس المال بشكل عام.

سيناريوهات سيئة

في هذا السياق، واستناداً إلى أهمية القطاع السياحي في لبنان ومساهمته التي تستحوذ على نحو 26 في المائة من إيرادات الحساب الجاري، أجرت وكالة «ستاندرد آند بورز» اختبارات حسابية تستهدف استقصاء التأثير الصافي لاحتمالات معاناة لبنان من فقدان نسب تبلغ 10 أو 30 أو 70 في المائة من إيرادات السياحة على الاقتصاد.

ووفق السيناريو الأول، وجدت «الوكالة» أنّه في حال تراجعت العائدات السياحية بنسبة 10 في المائة نتيجة الصراع، فسيتقلص الاقتصاد الحقيقي في لبنان بنسبة 3 في المائة. أما السيناريو الثاني، الذي يفترض تراجعاً في العائدات السياحية بنسبة 30 في المائة، فسينتج عنه تقلص في الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي بنسبة 10 في المائة. في حين يفترض السيناريو الثالث والأسوأ انخفاضاً في العائدات السياحية بنسبة 70 في المائة، مما ينعكس تقلصاً في الاقتصاد الحقيقي بلبنان بنسبة 23 في المائة.


مقالات ذات صلة

«كوب 29» يشتعل في اللحظات الحاسمة مع اعتراضات من كل الأطراف

الاقتصاد سيارات تُحضر بعض الوفود إلى مقر انعقاد مؤتمر «كوب 29» في العاصمة الأذرية باكو (رويترز)

«كوب 29» يشتعل في اللحظات الحاسمة مع اعتراضات من كل الأطراف

سيطر الخلاف على اليوم الختامي لـ«كوب 29» حيث عبرت جميع الأطراف عن اعتراضها على «الحل الوسطي» الوارد في «مسودة اتفاق التمويل».

«الشرق الأوسط» (باكو)
الاقتصاد أبراج إدارية وخدمية في الضاحية المالية بالعاصمة الصينية بكين (أ.ف.ب)

حاكم تكساس يأمر الوكالات المحلية ببيع أصولها في الصين

أمر حاكم ولاية تكساس الأميركية وكالات الولاية بالتوقف عن الاستثمار في الصين، وبيع أصول هناك في أقرب وقت ممكن.

«الشرق الأوسط» (واشنطن - بكين)
الاقتصاد منظر جوي لناطحة سحاب «شارد» في لندن مع الحي المالي «كناري وارف» (رويترز)

انكماش إنتاج الشركات البريطانية لأول مرة منذ عام 2023

انكمش إنتاج الشركات البريطانية لأول مرة منذ أكثر من عام، كما أثرت الزيادات الضريبية في أول موازنة للحكومة الجديدة على خطط التوظيف والاستثمار.

«الشرق الأوسط» (لندن)
الاقتصاد شعار شركة «غازبروم» الروسية على أحد الحقول في مدينة سوتشي (د.ب.أ)

في أحدث صورها بـ«غازبروم»... العقوبات الأميركية على روسيا تربك حلفاء واشنطن

تسبب إعلان واشنطن عن عقوبات ضد «غازبروم بنك» الروسي في إرباك العديد من الدول الحليفة لواشنطن حول إمدادات الغاز

«الشرق الأوسط» (عواصم)
الاقتصاد مشاة يعبرون طريقاً في منطقة تجارية وسط العاصمة اليابانية طوكيو (أ.ب)

اليابان تدرس رفع الحد الأدنى لضريبة الدخل ضمن حزمة التحفيز

قالت الحكومة اليابانية إنها ستدرس رفع الحد الأدنى الأساسي للدخل المعفى من الضرائب

«الشرق الأوسط» (طوكيو)

تقرير: مقتل القيادي بـ«حزب الله» علي موسى دقدوق بغارة إسرائيلية في سوريا

الضابط الأميركي كيفين بيرغنير يعلن للصحافيين في بغداد اعتقال علي موسى دقدوق 2 يوليو (تموز) 2007 (أ.ف.ب - غيتي)
الضابط الأميركي كيفين بيرغنير يعلن للصحافيين في بغداد اعتقال علي موسى دقدوق 2 يوليو (تموز) 2007 (أ.ف.ب - غيتي)
TT

تقرير: مقتل القيادي بـ«حزب الله» علي موسى دقدوق بغارة إسرائيلية في سوريا

الضابط الأميركي كيفين بيرغنير يعلن للصحافيين في بغداد اعتقال علي موسى دقدوق 2 يوليو (تموز) 2007 (أ.ف.ب - غيتي)
الضابط الأميركي كيفين بيرغنير يعلن للصحافيين في بغداد اعتقال علي موسى دقدوق 2 يوليو (تموز) 2007 (أ.ف.ب - غيتي)

قال مسؤول دفاعي أميركي كبير إن قائداً كبيراً في «حزب الله» اللبناني كان قد ساعد في التخطيط لإحدى أجرأ وأعقد الهجمات ضد القوات الأميركية، خلال حرب العراق، قُتل في غارة إسرائيلية على سوريا.

واعتقلت القوات الأميركية علي موسى دقدوق، بعد مداهمة عام 2007، عقب عملية قتل فيها عناصرُ يتنكرون في صورة فريق أمن أميركي، خمسة جنود أميركيين. ووفقاً لموقع «إن بي سي» الأميركي، أطلقت السلطات العراقية سراحه لاحقاً.

وأضاف المسؤول الدفاعي الأميركي، وفق ما نقل عنه موقع «إن بي سي»، أن تفاصيل الضربة الجوية الإسرائيلية غير معروفة، متى حدثت، وأين وقعت في سوريا، وهل كان هدفها دقدوق تحديداً.

الغارة المعقدة، التي ساعد دقدوق في التخطيط لها، حدثت في مجمع عسكري مشترك أميركي-عراقي في كربلاء، في 20 يناير (كانون الثاني) 2007.

تنكَّر مجموعة من الرجال في زي فريق أمن عسكري أميركي، وحملوا أسلحة أميركية، وبعضهم كان يتحدث الإنجليزية، ما جعلهم يَعبرون من عدة نقاط تفتيش حتى وصلوا قرب مبنى كان يأوي جنوداً أميركيين وعراقيين.

كانت المنشأة جزءاً من مجموعة من المنشآت المعروفة باسم «محطات الأمن المشترك» في العراق، حيث كانت القوات الأميركية تعيش وتعمل مع الشرطة والجنود العراقيين. كان هناك أكثر من عشرين جندياً أميركياً في المكان عندما وصل المسلّحون.

حاصرت العناصر المسلّحة المبنى، واستخدموا القنابل اليدوية والمتفجرات لاختراق المدخل. قُتل جندي أميركي في انفجار قنبلة يدوية. بعد دخولهم، أَسَر المسلّحون جندين أميركيين داخل المبنى، واثنين آخرين خارج المبنى، قبل أن يهربوا بسرعة في سيارات دفع رباعي كانت في انتظارهم.

طاردت مروحيات هجومية أميركية القافلة، ما دفع المسلّحين لترك سياراتهم والهروب سيراً على الأقدام، وخلال عملية الهرب أطلقوا النار على الجنود الأميركيين الأربعة.

وفي أعقاب الهجوم، اشتبه المسؤولون الأميركيون بأن المسلّحين تلقّوا دعماً مباشراً من إيران، بناءً على مستوى التنسيق والتدريب والاستخبارات اللازمة لتنفيذ العملية.

وألقت القوات الأميركية القبض على دقدوق في مارس (آذار) 2007. وكما يذكر موقع «إن بي سي»، أثبتت أن «فيلق القدس»، التابع لـ«الحرس الثوري الإيراني»، كان متورطاً في التخطيط لهجوم كربلاء. واعترف دقدوق، خلال التحقيق، بأن العملية جاءت نتيجة دعم وتدريب مباشر من «فيلق القدس».

واحتجز الجيش الأميركي دقدوق في العراق لعدة سنوات، ثم سلَّمه إلى السلطات العراقية في ديسمبر (كانون الأول) 2011.

وقال المسؤول الأميركي: «قالت السلطات العراقية إنها ستحاكم دقدوق، لكن جرى إطلاق سراحه خلال أشهر، مما أثار غضب المسؤولين الأميركيين. وعاد للعمل مع (حزب الله) مرة أخرى بعد فترة وجيزة».