7 حقائق تهمك عن العَرق

له دور مهم في تحمُّل حرارة الصيف

الغدّة العرقية
الغدّة العرقية
TT
20

7 حقائق تهمك عن العَرق

الغدّة العرقية
الغدّة العرقية

يتأثر الجسم بشكل «مباشر» بتقلبات درجات حرارة الأجواء المناخية التي يعيش فيها المرء. وفي أجواء الصيف الحارة، تنشط الغدد العرقية في إفراز العرق لتبريد الجسم. وبينما ينزعج البعض من كثرة التعرق في هذه الظروف، ينزعج البعض الآخر ممَّن هم حوله من رائحة عرقه.

حقائق علمية

وإليك 7 حقائق عن الغدد العرقية، وعمليات إفراز العرق، والعوامل التي تتحكم في ذلك لضمان تبريد الجسم، وهي:

1. إفراز العرق صمام الأمان للحياة؛ إذ إنه «خطوة أولى» لتبريد الجسم حال معايشة الأجواء المناخية الحارة. ومع ذلك فإن قدرة العرق على تبريد الجسم لا تعتمد فقط على إفراز الكمية اللازمة منه؛ بل أيضاً على ضمان حصول تبخر العرق عن سطح الجلد بكفاءة عالية؛ لأن تلك هي «الخطوة الأخرى» اللازمة لتبريد الجسم.

ومن أجل هذا، فكلما اضطربت كفاءة إنتاج كمية العرق، وكلما تراكمت الظروف التي تعيق قدرة سائل العرق على إتمام عملية التبخر، اختلت الكفاءة اللازمة لعملية تبريد الجسم وضبط حرارته الداخلية ومنع ارتفاعها، حال الوجود في الأجواء الحارة.

وارتفاع رطوبة الهواء أهم عامل يقلل من فرص تبخر العرق، وبالتالي تتدنى قدرة تبريد الجسم. وكبار السن، والأطفال الصغار جداً، ومنْ لديهم حروق بالجلد، ومرضى السكري، ومرضى ضعف القلب، ومرضى الجلطات الدماغية، لديهم عدد أقل من الغدد العرقية؛ ما يتسبب في تدني قدرتهم على تحمّل الحرارة، ويتسبب لهم في كثير من الاضطرابات الصحية حال الوجود في الأجواء المناخية الحارة.

2. الجلد أكبر أعضاء الجسم، وكتلته تشكل 16 في المائة من كتلة الجسم. ولكن من حيث المساحة السطحية، يُعدُّ الجلد هو الثاني في جسم الإنسان؛ حيث تتراوح مساحة سطح الجلد ما بين 1.5 متر ومترين مربعين، بينما تبلغ المساحة السطحية للأمعاء الدقيقة من الداخل 30 متراً مربعاً (أي أكبر من الجلد بما بين 15 و20 مرة).

وجلد جسم الإنسان البالغ يحتوي على ما يتراوح بين مليونين و5 ملايين غدة عرقية. وهذه الغدد العرقية تتوزع في جلد جميع مناطق الجسم، ما عدا جلد الشفتين والحلمتين والأعضاء التناسلية الخارجية. ولدى النساء غدد عرقية أكثر من الرجال؛ لكن الغدد العرقية للرجال تنتج في الواقع كمية عرق أكثر من النساء.

والغدد العرقية ليست نوعاً واحداً؛ بل 3 أنواع. ونوعان منها مهمتهما إفراز سائل العرق، هما: «الغدد العرقية المُفْترزة» (Apocrine Sweat Glands) و«الغدد العرقية الفارزة» (Eccrine Sweat Glands). وهما يختلفان في وقت بدء نشاطهما، وفي توزيعهما على مناطق الجلد المختلفة، وفي طبيعية عملهما، وفي مكان خروج سائل العرق منهما، وفي مكونات سائل العرق الذي تنتجه كل منهما. والنوع الثالث هو نوع متحور من الغدد العرقية، يوجد في القناة الخارجية للأذن، ومهمته إفراز شمع الأذن.

3. التركيب التشريحي للغدد العرقية يتكون من جزء سفلي بهيئة أنبوب ملفوف، يتم فيه إنتاج العرق. ومنه يصعد سائل العرق عبر أنبوب مستقيم، ليخرج إما إلى سطح الجلد عبر فتحات المسام الموجودة على طبقة البشرة الجلدية، أو إلى مجرى خروج الشعر من الجلد، كما سيأتي توضيحه. والجلد مكون من 3 طبقات. وتوجد الغدد العرقية في طبقة الأدمة (Dermis)، وهي الطبقة التي تقع مباشرة تحت طبقة البشرة الخارجية للجلد (Epidermis) وفوق طبقة نسيج ما تحت الجلد (Hypodermis). وبهذا التموضع، تقع الغدد العرقية قرب كل من بُصيلات الشعر ونهايات الشبكة العصبية للجلد ونهايات الشعيرات الدموية.

وإفراز العرق عملية تتم بشكل لا إرادي، ويتحكم فيها الجهاز العصبي اللاإرادي. وإفراز العرق ينضبط بإدراك الغدد العرقية لحرارة الدم في الشعيرات الدموية، ومنها تستخلص الغدد العرقية الماء والأملاح التي تكوِّن سائل العرق.

تبريد الجسم

4. ينتشر تركز «الغدد العرقية الفارزة» بشكل أكبر في راحة اليدين وباطن القدمين والجبين والصدر. وتتكون في وقت مبكّر جداً من عمر الإنسان، وتحديداً في سن 4 أشهر للجنين. وتمتاز بأن مساماتها تفتح مباشرة على سطح الجلد، لينتشر العرق عليه. وسائل عرق هذه الغدد لا رائحة له ولا لون، ويحتوي على ماء وأملاح فقط.

والهدف الرئيسي من إنتاجها هو تبريد الجسم عند التعرّض للأجواء الحارة. والإنسان البالغ، ودون أن يشعر، ينتج كمية 700 ملليلتر في اليوم من هذا العرق عند وجوده في أجواء معتدلة الحرارة. وتزيد تلك الكمية إلى نحو 6 أضعافها أو أكثر عند الوجود في ظروف الحرارة الشديدة. وكلما كانت لياقة المرء أعلى بدأ أبكر في التعرق أثناء التمرين. وذلك لأن جسمه يدرك حاجته الملحَّة للتبريد بشكل أسرع، كي يتمكن من ممارسة التمارين لفترة أطول. وخلال ممارسة التمارين الرياضية المكثفة في الحرارة، يمكن للرياضيين أن يتعرقوا بكمية تعادل نسبة 2 إلى 6 في المائة من وزن الجسم.

كبار السن والأطفال الصغار جداً ومرضى السكري لديهم عدد أقل من الغدد العرقية

5. «الغدد العرقية المُفْترزة» أكبر حجماً من «الغدد العرقية الفارزة». وتنتشر حصرياً في مناطق الإبطين، والأعضاء التناسلية، والجلد حول فتحة الشرج، وجلد منطقة السرة، وفروة الرأس، وأطراف الجفون. ومساماتها لا تفتح مباشرة على سطح الجلد؛ بل تفتح داخل بُصيلة الشعر، ليخرج عرقها مع ساق الشعرة. ولا تبدأ في إفراز العرق إلا مع بلوغ مرحلة المراهقة، تحت تأثير التغيرات في إفراز الهرمونات الجنسية.

ونشاط إفراز هذه الغدد العرقية يزيد سريعاً مع ارتفاع مستوى هرمون الأدرينالين، مثل عند معايشة حالة من التوتر النفسي، أو الإحساس بالألم، أو الانفعال العاطفي الجسدي. وسائل عرقها يحتوي على «بروتينات ودهون»، إضافة إلى ماء وأملاح. ولا رائحة له ولا لون عند لحظة إفرازه على الجلد، إلا أن وجود البروتينات والدهون ضمن مكوناته يُحفز البكتيريا (الموجودة بالأصل في منطقة الإبطين والأعضاء التناسلية) على القيام بتفتيت تلك الدهون والبروتينات التي في العرق، واستخدامهما كغذاء لها. وبالتالي تفرز البكتيريا آنذاك عدداً من المواد الكيميائية التي تغيّر رائحة العرق في تلك المناطق من الجسم.

تنظيف مناطق الإبطين بالماء والصابون أفضل وسيلة للتغلب على رائحة العرق

إزالة رائحة العرق

6. تنظيف مناطق الإبطين بالماء والصابون «العادي»، هو أفضل وسيلة للتغلب على رائحة العرق، عبر إزالة البكتيريا المتسببة في تكوين تلك المركبات الكيميائية ذات الرائحة. ومستحضرات «مزيلات رائحة العرق» (Deodorants) الموضعية تختلف عن مستحضرات موضعية أخرى تُسمى «مضادة للتعرّق» (Antiperspirant).

وللتوضيح، فإن «مزيلات رائحة العرق» هي مستحضرات تهدف إلى التخلص من الرائحة الكريهة. وقد تحتوي على مواد معطّرة، أو قد لا تحتوي عليها. وبالمقابل، فإن «مضادات التعرّق الموضعية» مهمتها تكوين سدادة هلامية لقناة الغدة العرقية لمنع إفراز سائل العرق. وتحتوي بشكل خاص على مركبات الألمونيوم. ولأن هذه السدادة تتلاشى بمرور الوقت، يجدر إعادة استخدام «مضادات التعرّق الموضعية». وأفضل وقت لوضعها هو في الليل، أي بعد الاستحمام المسائي، كي تُتاح لها الفرصة لتبدأ في عملها وتقلل من إفراز العرق خلال النهار التالي. وكثير من أنواع مستحضرات إزالة العرق تحتوي على كل من: مزيل رائحة العرق مع مُضاد التعرّق.

7. تفيد المصادر الطبية بأن البقع الصفراء التي تظهر على أجزاء القمصان البيضاء التي تغطي منطقة الإبطين، ليس مصدرها العرق نفسه؛ بل إنها ناتجة عن تفاعل كيميائي بين كل من: مكونات المستحضرات المضادة للتعرّق، وألياف قماش الملابس، والعرق نفسه.

وللتوضيح، فعندما يتفاعل الألمونيوم (الموجود في مستحضرات مضاد التعرّق) مع الملح في العرق الطبيعي، تظهر بقع صفراء، وتلتصق على القميص. ولكن هذا بخلاف ملاحظة البعض ظهور طبقة ملحية بيضاء على الملابس في المناطق التي ظهر عليها العرق؛ لأن هذا قد يكون علامة على أنواع من اضطرابات الأملاح في الجسم، أو في تكوين سائل العرق نفسه.

* استشارية في الباطنية


مقالات ذات صلة

أسباب خفية وراء الانتفاخ المزمن واضطرابات الهضم

صحتك أسباب خفية وراء الانتفاخ المزمن واضطرابات الهضم

أسباب خفية وراء الانتفاخ المزمن واضطرابات الهضم

هل تعاني من انتفاخ دائم، عدم ارتياح بعد تناول الطعام، أو نوبات مزعجة من مشكلات الهضم؟ لست وحدك، وقد يكون السبب أعمق من مجرد القولون العصبي أو التوتر،

د. عبد الحفيظ يحيى خوجة (جدة)
صحتك الأغذية الفائقة المعالجة ربما تُعيد برمجة الشهية في المخ

الأغذية الفائقة المعالجة ربما تُعيد برمجة الشهية في المخ

كشفت دراسة حديثة لباحثين في جامعة ماكجيل بكندا وجامعة هلسنكي بفنلندا عن الكيفية التي تُعيد بها الأطعمة فائقة المعالجة تشكيل دوائر الشهية في المخ،

د. هاني رمزي عوض (القاهرة)
صحتك تنظيف الأسنان وسيلة فعّالة للمساعدة في خفض معدلات الالتهاب الرئوي (آي ستوك)

احذر معجون الأسنان قد يكون ملوثاً بالرصاص ومعادن ثقيلة

أظهر بحث جديد أن معجون الأسنان يمكن أن يكون ملوثاً بمادة الرصاص وغيرها من المعادن الثقيلة الخطيرة.

«الشرق الأوسط» (لندن)
صحتك 8 نقاط تساعدك في تقييم مستوى شدة نشاطك البدني

8 نقاط تساعدك في تقييم مستوى شدة نشاطك البدني

جميعنا نمارس في كل يوم مقادير مختلفة من النشاط البدني بمستويات مختلفة من «الشدة». وفيما قد يقنع بعضنا بما يمارسه من «مشي معتاد» لفترات متفاوتة،

د. حسن محمد صندقجي (الرياض)
صحتك متى نستخدم الكمادات الباردة أو الساخنة لتخفيف الألم؟

متى نستخدم الكمادات الباردة أو الساخنة لتخفيف الألم؟

كيس (قربة) الماء الساخن أو الكمادات الباردة أو الكمادات الساخنة، هي من «أقدم» الوسائل العلاجية لدى مختلف شعوب العالم على مر العصور.

د. عبير مبارك (الرياض)

أسباب خفية وراء الانتفاخ المزمن واضطرابات الهضم

أسباب خفية وراء الانتفاخ المزمن واضطرابات الهضم
TT
20

أسباب خفية وراء الانتفاخ المزمن واضطرابات الهضم

أسباب خفية وراء الانتفاخ المزمن واضطرابات الهضم

هل تعاني من انتفاخ دائم، عدم ارتياح بعد تناول الطعام، أو نوبات مزعجة من مشكلات الهضم؟ لست وحدك، وقد يكون السبب أعمق من مجرد القولون العصبي أو التوتر، كما يخطر على بال كثيرين.

هناك حالتان مهمتان، نادراً ما يتم تشخيصهما رغم شيوعهما: الأولى فرط النمو البكتيري في الأمعاء الدقيقة (SIBO)، والثانية فرط النمو الفطري في الأمعاء الدقيقة (SIFO).

في السنوات الأخيرة، أصبحت مشكلات الجهاز الهضمي مثل الانتفاخ، وعدم الراحة في البطن، واضطراب حركة الأمعاء أكثر شيوعاً. وبينما يربط كثيرون هذه الأعراض بمتلازمة القولون العصبي (IBS)، هناك وعي متزايد بهذه المشكلات، وبشكل خاص بهاتين الحالتين، اللتين غالباً ما يتم تجاهلهما.

وهما مشكلتان تتشابهان في الأعراض، لكنهما تختلفان تماماً في الأسباب والعلاج، وفهمُ الفرق بينهما قد يكون مفتاح الراحة طويلة الأمد.

فرط النمو البكتيري

ما هو فرط النمو البكتيري في الأمعاء الدقيقة؟ يشير فرط النمو البكتيري في الأمعاء الدقيقة Small Intestinal Bacterial Overgrowth (SIBO) إلى وجود عدد مفرط من البكتيريا في الأمعاء الدقيقة، وهي منطقة من الجهاز الهضمي تحتوي عادة على عدد قليل نسبياً من البكتيريا مقارنةً بالقولون.

تقوم هذه البكتيريا الزائدة بتخمير الكربوهيدرات الموجودة في الطعام، تنتج عنه غازات مثل الهيدروجين والميثان، ما يؤدي إلى أعراض مزعجة مثل:

- غازات، وانتفاخ، وتورم في البطن

- إسهال، وإمساك، أو تناوب بينهما

- تقلصات أو آلام في البطن

- نقص امتصاص العناصر الغذائية وفقدان غير مقصود للوزن

وغالباً ما يرتبط فرط النمو هذا بحالات مثل القولون العصبي، السكري، قصور الغدة الدرقية، أو تغيّرات ما بعد العمليات الجراحية في الجهاز الهضمي.

وللتشخيص، فإن المعيار الذهبي هو اختبار الزفير، حيث يُقاس غاز الهيدروجين أو الميثان بعد تناول محلول سكري (غلوكوز أو لاكتولوز).

أما العلاج فيشمل مضادات حيوية موجهة مثل ريفاكسيمين (rifaximin)، تغييرات غذائية مثل حمية منخفضة الفودماب (Low-FODMAP)، وأحياناً أدوية لتحفيز حركة الأمعاء.

وكلمة (FODMAP) هي اختصار لـ: Fermentable Oligosaccharides, Disaccharides, Monosaccharides And Polyols وهي مجموعة من الكربوهيدرات قصيرة السلسلة التي يصعب امتصاصها في الأمعاء الدقيقة، ما يجعلها تتخمر بفعل البكتيريا في القولون، وتُنتج غازات تسبب الانتفاخ، والغازات، وآلام البطن، والإسهال أو الإمساك. وتؤثر بشكل خاص على الأشخاص المصابين بالقولون العصبي أو (SIBO).

فرط النمو الفطري

ما هو فرط النمو الفطري في الأمعاء الدقيقة؟ بينما ينتج فرط النمو البكتيري في الأمعاء الدقيقة عن نمو زائد للبكتيريا، فإن فرط النمو الفطري في الأمعاء الدقيقة Small Intestinal Fungal Overgrowth (SIFO) يحدث بسبب نمو زائد للفطريات، وغالباً من نوع الكانديدا، في الأمعاء الدقيقة.

ورغم أنه أقل شهرة ويصعب تشخيصه، فإن أعراضه تشبه بشكل كبير أعراض فرط النمو البكتيري في الأمعاء الدقيقة، ومنها:

- غازات وانتفاخ

- غثيان

- عدم ارتياح في البطن

- شعور بالامتلاء أو عسر الهضم

قد ينشأ فرط النمو الفطري في الأمعاء الدقيقة بعد استخدام متكرر للمضادات الحيوية، أو في حالات ضعف المناعة، أو عند استخدام الكورتيزون ومثبطات الحموضة بشكل مزمن، جميعها تخلّ بتوازن الفلورا (البكتريا والأحياء المجهرية الأخرى) الطبيعية في الأمعاء.

وللتشخيص، فإنه بخلاف فرط النمو البكتيري في الأمعاء الدقيقة، لا يُعدّ اختبار الزفير فعالاً هنا. وعادةً ما يتطلب التشخيص تنظيراً علوياً مع أخذ عينة من سوائل الإثني عشر، وهو إجراء تدخلي (invasive) وغير متوفر في جميع الأماكن.

ويتضمن العلاج أدوية مضادة للفطريات، مثل نيستاتين (nystatin) أو فلوكونازول (fluconazole)، إلى جانب تعديل النظام الغذائي لتقليل السكر والكربوهيدرات المكررة.

تجاهل واختلاط الحالاتلماذا يتم تجاهل هذه الحالات؟ في كثير من الأحيان، يتم التعامل مع المرضى الذين يعانون من أعراض مزمنة مثل الانتفاخ، والغازات، والإمساك أو الإسهال، كأنهم يعانون من «متلازمة القولون العصبي»، فيُصرف لهم علاج عرضي يهدف إلى تخفيف الأعراض دون التعمق في الأسباب الجذرية.

وهنا تكمن المشكلة؛ إذ إن هذه الأعراض قد تكون نتيجة لاختلالات دقيقة في التوازن الميكروبي داخل الأمعاء، مثل فرط النمو البكتيري (SIBO) أو فرط النمو الفطري (SIFO)، لا يتم الالتفات إليها إلا نادراً.

ما يزيد الأمر تعقيداً أن حالة «SIFO» على وجه الخصوص لا تزال غير معترفٍ بها بشكل واسع في الأوساط الطبية التقليدية، ويرجع ذلك إلى قلة الوعي بها وصعوبة تشخيصها، فتشخيص هذه الحالة يتطلب إجراءات أكثر دقة وتخصصاً، مثل التنظير وسحب عينات من سائل الأمعاء، وهو ما لا يتوفر في كثير من المراكز أو لا يُطلب من الأساس.

نتيجة لذلك، يظل كثير من المرضى يعانون لسنوات من أعراض غامضة ومزعجة دون تشخيص دقيق، ما يؤدي إلى دوامة من المحاولات الفاشلة، وكثرة الأدوية، والإحباط النفسي المتكرر بسبب غياب التحسن الحقيقي.

خطوات نحو صحة أمعاء أفضلإذا كنت تشك بإصابتك بإحدى حالتي فرط النمو البكتيري أو الفطري في الأمعاء الدقيقة (SIBO) أو (SIFO)، من المهم أن تتعاون مع إخصائي رعاية صحية متمكن، لإجراء التقييم المناسب ووضع خطة علاج دقيقة تناسب حالتك.

وفي الوقت ذاته، يمكنك البدء في تطبيق عدد من الخطوات الفعّالة لدعم صحة جهازك الهضمي وتقليل الأعراض:

- تجنّب استخدام المضادات الحيوية أو أدوية تقليل الحموضة غير الضرورية. إذ الإفراط في استخدام المضادات الحيوية يؤدي إلى قتل البكتيريا النافعة في الأمعاء، ما يُحدث خللاً في التوازن الميكروبي، ويزيد من خطر الإصابة بإحدى حالتي الإفراط البكتيري أو الفطري في الأمعاء الدقيقة: SIBO أو SIFO.

أما أدوية تقليل الحموضة مثل مثبطات مضخة البروتون (PPIs)، فقد تُضعف الدفاعات الطبيعية للمعدة ضد نمو الفطريات والبكتيريا، ما يسمح بانتقالها إلى الأمعاء الدقيقة.

والنصيحة... لا تستخدم هذه الأدوية إلا بوصفة طبية، وتجنب استخدامها لفترات طويلة دون داعٍ.

- اتبع نظاماً غذائياً غنياً بالألياف ومتنوعاً في مصادره. وتعدّ الألياف غذاءً للبكتيريا النافعة (Prebiotics)، وتساعد في تعزيز التنوع الميكروبي داخل الأمعاء.

ومع ذلك، إذا كنت تعاني من حساسية تجاه أطعمة معينة، مثل تلك الغنية بالفودماب (FODMAPs)، فقد تحتاج إلى تقليلها مؤقتاً (عادةً 4 إلى 6 أسابيع)، لتخفيف الأعراض ثم إعادة إدخالها تدريجياً لتحديد المهيجات الفردية، ويُنصح بتطبيق النظام الغذائي منخفض الفودماب تحت إشراف إخصائي تغذية.

والنصيحة... تناول أليافاً من مصادر طبيعية مثل الخضراوات، البقوليات، الحبوب الكاملة، المكسرات، وراقب استجابة جسمك. استشر إخصائي تغذية إذا لاحظت تدهور الأعراض.

- سيطر على التوتر، فالعلاقة بين الدماغ والأمعاء حقيقية. ما يُعرف بمحور الدماغ – الأمعاء (Gut - Brain Axis) يؤكد أن الحالة النفسية تؤثر مباشرة على الجهاز الهضمي. فالقلق والتوتر يمكن أن يُبطئا حركة الأمعاء، ويُضعفا المناعة، ويزيدا من تفاقم أعراض فرط النمو الميكروبي.

والنصيحة... جرّب تقنيات الاسترخاء مثل التنفس العميق، والتأمل، والرياضة الخفيفة، حتى الاستماع للموسيقى، للمساعدة في تقليل التوتر وتحسين حركة الأمعاء.

- استخدم البروبيوتيك بحذر.

رغم أن البروبيوتيك (المكملات التي تحتوي على بكتيريا نافعة) تساعد بعض الحالات، فإن استخدامها عند وجود أعراض «SIBO» النشط قد يُفاقم الأعراض، لأن البكتيريا الإضافية قد تُضاف إلى الحمل البكتيري الزائد في الأمعاء الدقيقة.

والنصيحة... لا تبدأ بتناول البروبيوتيك دون استشارة طبية، خصوصاً إذا كنت تشتبه بوجود «SIBO».

- استشر إخصائي صحة الجهاز الهضمي لإجراء فحوصات دقيقة. فالعلاج العشوائي أو الاعتماد على التشخيص الذاتي قد يؤدي إلى مضاعفات أو تأخير في الشفاء. الفحوصات المتخصصة، مثل اختبار الزفير لـ«SIBO» أو التنظير وسحب سوائل الأمعاء لـ«SIFO»، تساعد على تحديد السبب الحقيقي ووضع خطة علاج فعالة.

والنصيحة... لا تكتفِ بالتشخيصات العامة مثل القولون العصبي، بل اطلب فحوصات موجهة إذا استمرت الأعراض رغم العلاج.

يتضح مما سبق ذكره من معلومات أن فرط النمو البكتيري أو الفطري في الأمعاء الدقيقة قد يكون سبباً خفياً للمعاناة سنواتٍ عديدة من اضطرابات الهضم، ورغم التشابه الكبير في الأعراض لكلتا الحالتين فإنهما حالتان مختلفتان، ويجب التعامل معهما بطريقة مخصصة. وإذا استمرت أعراض الجهاز الهضمي رغم العلاج، فقد يكون الوقت قد حان للتحقّق مما يحدث في منطقة الأمعاء الدقيقة من قبل طبيب متخصص في الجهاز الهضمي. ومن خلال التشخيص الدقيق والعلاج المخصص، يجد كثيرون تحسناً ملحوظاً في حياتهم اليومية. ومن الحكمة عدم الاكتفاء بتناول المسكنات للتخلص أو التخفيف من الأعراض. ربما حان الوقت للغوص أعمق داخل الجهاز الهضمي للوصول إلى المسبب الحقيقي للمشكلة.

* استشاري طب المجتمع