حسمت دار الإفتاء المصرية الجدل حول أصل لقب «أم الدنيا» الذي تشتهر به مصر على نطاق واسع، رغم أنه لا يُعرف على نحو محدد متى ظهر اللقب أو من الذي أطلقه.
وقالت دار الإفتاء إن لقب «أم الدنيا» ضارب في عمق التاريخ وتعود جذوره إلى زمن النبي نوح عليه السلام، مشيرة إلى أن كتب التاريخ تؤكد أن أرض مصر هي بالفعل أرض مباركة. وكانت تعليقات «سوشيالية» سابقة تساءلت عن أصل هذا اللقب وسببه، وعن سخرية البعض من إطلاقه على مصر.
وكتبت دار الإفتاء المصرية عبر صفحتها الرسمية على موقع «فيسبوك» إن «مصر سُميت بـ(أم الدنيا)، أو (أم البلاد وغوث العباد)؛ فبهذا سماها نبي الله نوحٌ عليه السلام». واستدلت الدار بكتب التاريخ في منشورها الذي حمل عنوان «مدى صحة مقولة: أرض مصر أرض مباركة وهي أم البلاد»، لا سيما كتاب «فتوح مصر والمغرب» لابن عبد الحكم الذي أورد فيه رواية تاريخية دالة في هذا السياق، قائلاً: «عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أن نوحاً عليه السلام قال لابنه حينما أجاب دعوته: (اللهم إنه قد أجاب دعوتي؛ فبارك فيه وفي ذريته وأسكنه الأرض المباركة، التي هي أم البلاد، وغوث العباد، التي نهرها أفضل أنهار الدنيا، واجعل فيها أفضل البركات، وسخِّر له ولولده الأرض وذلِّلها لهم، وقوِّهم عليها)».
وأضافت الدار: «وهذا الأثر ذكره جماعة من العلماء في كتبهم، واحتجوا به على فضائل مصر، ومنهم: الحافظ الكندي في (فضائل مصر المحروسة)، والمؤرِّخ العلَّامة البكري في (المسالك والممالك)، والمؤرِّخ العلامة ابن تغري بردي في (النجوم الزاهرة)، والحافظ السيوطي في (حسن المحاضرة)، والعلامة المقريزي في (المواعظ والاعتبار)، وغيرهم».
وقال الباحث بهيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، الدكتور حازم مبروك، إن «مصر هي الملاذ الآمن لجميع المستضعفين في كل مكان على مر التاريخ وفي كل العصور»، مضيفاً لـ«الشرق الأوسط» أن «ورود مصر في القرآن الكريم من دون تنوين بمعنى البلد الذي يسمى بهذا الاسم كما في قوله تعالى: (وقال ادخلوا مصر إن شاء الله آمنين)، كما أتت منونة بمعنى المكان المأهول كما في قوله تعالى: (اهبطوا مصراً فإن لكم ما سألتم)؛ دليل على مكانتها الكبيرة».
وذكر أن «مصر كانت مأوى لسيدنا يوسف والعائلة المقدسة واحتضنت الأديان والثقافات، ويكفي أن الله تعالى تجلى فيها دون غيرها، وتحديداً في طور سيناء؛ لذا فهي محروسة ومباركة وأم الدنيا».
وورد وصف مصر بـ«أم الدنيا» في مؤلفات قديمة مثل كتاب «تحفة النظّار فى غرائب الأمصار وعجائب الأسفار» للرحالة «ابن بطوطة» المولود في مدينة طنجة المغربية عام 1304م. يقول ابن بطوطة في كتابه: «ثم وصلت مصر، وهى أم البلاد، وقرارة فرعون ذي الأوتاد، ذات الأقاليم العريضة... المتناهية فى كثرة العمارة، قهرت قاهرتها الأمم، وتمكنت ملوكها نواصي العرب والعجم».
ويلفت مجدي شاكر، كبير الأثريين بوزارة السياحة والآثار المصرية، إلى أن «هناك أسباباً تاريخية موضوعية وراء تلقيب مصر بـ(أم الدنيا)، فهي التي عرفت أول حكومة مركزية في التاريخ، كما أن أول طفرة في الحضارة الإنسانية والتي تمثلت في اختراع حروف الأبجدية، جاءت من مصر عبر ما يسمى بـ(الكتابات السينائية) والتي انتقلت عبر اليونانيين إلى الحروف الفينيقية ومنها إلى اللغة اللاتينية التي تعد بمثابة الأم للعديد من اللغات الأوروبية الحديثة».
ويضيف لـ«الشرق الأوسط»: «إن مصر كان لها السبق في تنظيم أمور الزراعة والري، فضلاً عن علوم الهندسة والعمارة والرياضيات والكيمياء والطب والجراحة، على نحو جعل علماء الآثار من مختلف المدارس والاتجاهات يجمعون على أنها مهد الحضارة».