نظرة تشاؤمية تطغى على مؤتمر «مستقبل الثقافة العربية» بالإسكندرية

أبحاثه تأثرت بقضايا السياسة والإرهاب في الوطن العربي

د. إسماعيل سراج الدين مدير مكتبة الإسكندرية يلقي كلمة الافتتاح
د. إسماعيل سراج الدين مدير مكتبة الإسكندرية يلقي كلمة الافتتاح
TT
20

نظرة تشاؤمية تطغى على مؤتمر «مستقبل الثقافة العربية» بالإسكندرية

د. إسماعيل سراج الدين مدير مكتبة الإسكندرية يلقي كلمة الافتتاح
د. إسماعيل سراج الدين مدير مكتبة الإسكندرية يلقي كلمة الافتتاح

تباينت الرؤى والأفكار وزوايا الرصد والتحليل التي طرحها نحو 300 مثقف وكاتب وناقد عربي على طاولة مؤتمر «الثقافة العربية: استحقاقات مستقبل حائر»، الذي نظمته مكتبة الإسكندرية في الفترة من 16 إلى 18 نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي. بدا لافتا التداخل الذي يصل إلى حد التماهي أحيانا، ما بين السياسي والثقافي، وهو ملمح فرضته الأوضاع المتردية لواقع العديد من البلدان العربية التي ضربها الإرهاب في مقتل، حتى أصبحت لقمة سائغة لسياسات وتقديرات خاطئة سواء على مستوى الداخل، أو الحلول المقترحة لها من قبل القوى والمنظمات الدولية.
لم ينفصل عن هذا المنحى إحساس بالرثاء والتشاؤم والبؤس واللاجدوى في التعاطي مع الحالة الثقافية العربية وتوصيف ظواهرها المتشعبة، وكأنها جسد مريض ومختل، في واقع أكثر مرضا واختلالا على كل المستويات. كما سادت نظرة لا تخلو من شعور بالحنق والكراهية تجاه المنجز الأدبي الغربي، واعتبار الانفتاح عليه، وعدم إلمام الكتاب والمثقفين أولا بالتراث الأدبي العربي والتفاتهم إليه، إحدى إشكاليات الثقافة العربية، باعتبار هذا التراث الرحم الأم لكل تجليات الفعل الثقافي والإبداعي.
طغت كل هذه التخوفات والرؤى المتشائمة لمستقبل الثقافة العربية على المؤتمر، وشكلت مبررا لإحالة الفعل الثقافي خارج ذاته وأحلامه وحريته وذاكرته ومغامرته في التجريب والتجديد، وأصبح عليه أن يكون فعلا واضحا، بل استهلاكيا، مرتبطا بالدولة، يقدم خدماته بشكل مباشر في واقع متأزم، تتآكل هويته ووجدانه ويخرب تراثه على مرأى ومسمع من الجميع.
إنه «الوضع البائس» إذن الذي تعيشه المجتمعات العربية، كما وصفه الروائي الجزائري واسيني الأعرج في كلمته بالجلسة الافتتاحية للمؤتمر، لافتا إلى أن «الثقافة أصبحت جزئية ثانوية، وتدهورت القضية الثقافية في ظل التفكك العنيف للدولة العربية التي لا تتيح فرصة لبناء منظومة ثقافية جديدة».
واعتبر الأعرج أن مسألة «الانفصال» هي من القضايا المهمة التي يجب أن نتأملها حينما نتطرق إلى الثقافة العربية، فقد عانى المشروع الثقافي العربية من أزمات كثيرة وممارسات غير صحيحة، فالممارسات السابقة تحتاج إلى وقفة وإلا سنعيد إنتاج المعوقات السابقة.
وشدد الأعرج على أن الدولة لا يمكن أن تقوم بدور الرقيب على الثقافة، بل يجب أن تكون مساهمة ومشاركة في العملية الثقافية، ومن هنا يأتي السؤال: كيف نجعل من الثقافة وسيلة للمواطنة؟
وفي نهاية كلمته شدد واسيني الأعرج على أن المشروع الثقافي العربي يحتاج إلى رؤية تعددية، رؤية واضحة من طرف الدولة المتبنية لمشروع المواطنة، وجهد متكاتف من المثقفين.
ولم يبتعد كثيرا عن هذه الحالة الكاتب السوري محيي الدين اللازقاني في كلمته بالمؤتمر حول وضع الأديب في الوطن العربي، مشيرًا إلى أن «العالم العربي في حالة تقلقنا جميعًا، خاصة حالة الأديب العربي عندما يقف منبهرًا بالثقافة والحضارة الغربية، وهو ابن ثقافة وحضارة، وابن أدب مليء بالإنجازات».
ورغم أن اللازقاني لم يضع هذه القضية في سياقها الصحيح، كونها صراع رؤى وأفكار وثقافات بين حضارتين، فإنه أكد أن التحدي الحقيقي للأديب العربي في هذا العصر الرقمي هو التحدي التقني «حيث ما زال الأدباء العرب لا يستخدمون التكنولوجيا.. والمشكلة الأخرى هي وجود مجتمع لا يقرأ؛ حيث إن أرقام القراء في ربع القرن الأخير لم تتغير».
وبنظرة أخرى أقل تشاؤما أكد الكاتب المغربي شعيب خليفي أن «الحديث عن الثقافة والحديث عن المثقف والحديث مع المثقف وفي قضايا المثقف في هذا المؤتمر هو حديث مرتبط بالأمل، فلا أحد يستطيع أن ينكر أن الثقافة هي المجال الوحيد للخروج من المحن التي نعيش فيها، وهذا ليس تضخيما لدور الأدب والثقافة، لكنه حقيقة؛ حيث إن الكثير من مشاكلنا إذا لم تُحل ثقافيًا فلن تجد السبيل إلى ذلك».
أيضا كانت لافتة في المؤتمر نزعة الهروب إلى الماضي، والقياس عليه في ما يخص واقعنا الراهن، وهو ما طرحه محمد أبو الشوارب؛ رئيس قسم اللغة العربية بجامعة الإسكندرية، مشيرا إلى أن أزمة الواقع الذي نعيشه الآن في الحياة الأدبية والثقافية ترتد إلى مرحلة عصر النهضة، هذه المرحلة الذي اكتشف فيها الإنسان العربي بصفة عامة والمثقف العربي بصفة خاصة أنه ربما يكون متراجعا إلى حد كبير عن اللحاق بركب الثقافة والحضارة العالمية، وفي هذه اللحظة شعر المثقف العربي بالانبهار، وهذا الانبهار هو الذي جعله يقف في مرحلة تالية، ويكون بالاستمرار رد فعل، ويكون دائمًا ملاحقًا للمنتج الثقافي الغربي.
وفي جلسة «الصحافة والإعلام والثقافة المعاصرة» برئاسة محمد السنعوسي؛ وزير الإعلام السابق بدولة الكويت، تحدثت الدكتورة خديجة عبد الله؛ عضو المكتب التنفيذي لشبكة الصحافيات الموريتانيات، عن الثقافة العربية والإعلام الجديد، مشيرة إلى أن العالم شهد في السنوات الأخيرة جملة من التحديات المعلوماتية ذات الأبعاد المختلفة التي ساعدت على ظهور ما يعرف بالإعلام الجديد، والذي يتمثل في البث المباشر عبر الفضاء والهاتف الجوال وتطبيقات شبكة الإنترنت، والذي أدى إلى الانكشاف الثقافي للمجتمعات العربية.
ومن جانبه، أكد الإعلامي المصري جمال الشاعر أن الإعلام تعامل مع المواطنين بمنطق كائنات ناقصة الأهلية وليس لها أي تفاعل، وأن الضحية هنا هو المشاهد، مضيفًا أن المشكلة تنحصر ما بين السلطة السياسية والمال وسلطة الإعلاميين، وأن شهوة السبق الإعلامي قد تؤدي إلى كوارث. ولفت الشاعر إلى أن «المشاهد هو الضحية لأن رأس المال أقوى من السلطة السياسية، والوكالات الإعلانية متحكمة في المحتوي، وأنه لا بد من الإصلاح السياسي والتشريعي لضمان حرية التعبير، ومحاربة الكيانات الاحتكارية، وتحكم المعلنين في المحتوى، وولاء الإعلاميين للوكالات الإعلانية».
وفي السياق نفسه، أشارت الأديبة الجزائرية ندى مهري إلى أن وسائل الإعلام باتت تسهم وبقوة في تشكيل المواقف وآراء المجتمع تجاه القضايا المختلفة التي تواجه الأمة في ترسيخ قيم النظام الاجتماعي، ولها دورها الاستراتيجي في تعميق الخلاف أو في تقريب وجهات النظر ومد الجسور بين الشعوب والتعريف بها وبتاريخها بما يعزز التفاهم بين الثقافات على نحو أفضل. وأوصت مهري بإعداد استراتيجية إعلامية كاملة الأركان؛ لخلق خطاب إعلامي صديق للتنوع الثقافي وللحوار، ويشجع على التواصل وقبول الآخر من أجل خلق مجتمع متماسك وشريك أساسي في عملية التنمية والبناء.
وقال الكاتب الصحافي وائل السمري؛ رئيس القسم الثقافي بجريدة «اليوم السابع» المصرية، إن المثقفين والصحف الثقافية سجنوا أنفسهم في الشعر والرواية، وأصبحوا يقدمون سلعة لا يتناولها إلا هم، مضيفًا أن الثقافة في المجتمع لا تتوقف عند هذه المنتجات فحسب، فهي تتدخل في التاريخ والاقتصاد والدين؛ حيث إن الدين جزء من الثقافة.
وأعلن الدكتور إسماعيل سراج الدين في بداية المؤتمر عن ثلاث مبادرات جديدة ستطلقها مكتبة الإسكندرية لخدمة الثقافة العربية؛ وهي: مشروع «ذاكرة الوطن العربي» على غرار مشروع «ذاكرة مصر المعاصرة» الذي تنفذه مكتبة الإسكندرية، ومبادرة «ديوانية الشعر العربي» التي ستبدأ في يناير (كانون الثاني) 2016، ومبادرات الشراكة مع المؤسسات الثقافية في الوطن العربي والتي تهدف إلى تضافر الجهود ضد القوى الظلامية وأفكار التطرف.
وقدم الدكتور مصطفى عثمان إسماعيل؛ مستشار رئيس السودان، والذي ألقى الكلمة الختامية للمؤتمر، دراسة مهمة، تناول فيها الملامح المستقبلية للثقافة العربية، محللا جدلياتها الثنائية وأنماط سلوكياتها في المجتمعات العربية، كما استعرض تقاطعاتها الحديثة خاصة مع ظاهرة العولمة، وثورة الاتصال في الفضاء الإلكتروني، والشركات متعددة الجنسيات، وغيرها من الوسائل التي تسعى إلى بناء ثقافة منفتحة على العالم، غير خاضعة للمحليات الإقليمية المنغلقة على نفسها.
وفي جلسة «المجتمع والثقافة العربية.. تساؤلات المستقبل»، والتي تولت إدارتها رفيعة غباش؛ أستاذة الطب النفسي بدولة الإمارات، أكد محمد أبو حمور؛ الأمين العام لمنتدى الفكر العربي، أن الإصلاح الثقافي في الحياة العربية يتطلب إعادة البناء في كل مجال من مجالات هذه الحياة سواء كانت اقتصادية أو سياسية أو في المجتمع والسلوكيات الاجتماعية، وطريقة التفكير.
من جانبه، أكد نادر سراج؛ أستاذ اللسانيات بالجامعة اللبنانية، أن الصورة الناقلة للشعار والمنقولة فضائيًا وعنكبوتيًا تمتلك إيجابيات خاصة بها مكنتها من تجاوز قاعدة التواصل اللغوي المباشر، وأدت إلى تبادل أسرع للمعلومات، وبلورت نوعًا تواصليًا متميزًا على الرغم من أنه غير متعادل ومتكافئ. وأشار سراج إلى أن النمط التواصلي الجديد رجح كفة وسائل الإعلام، غير المتكافئة في العلاقة بين طرفي عملية التواصل؛ حيث إن تدفق المعلومات والصور يأتي من طرف واحد، كما أن وسائل التواصل الاجتماعي والمواقع الإلكترونية تتميز بأنها أفسحت المجال للمتلقي للرد بشكل فوري على مخاطبه، وتمكين المتابعين من رصد وقياس مناسيب التأثر والتأثير بين طرفي عملية التواصل.
وقارن المؤرخ التونسي خالد عبيد النهضة العربية منذ القرن التاسع عشر بنجاح التجربة اليابانية، مشيرا إلى أنه «رغم أننا لدينا التحدي للتقدم لكنه تحد لفظي لم يصل إلى مرحلة الفعل، بالإضافة إلى أننا نبرر أخطاءنا بنظرية المؤامرة».
وتناول عبد الله الخطيب؛ الملحق الثقافي السابق للسعودية في باريس، مأزق العلوم الإنسانية في الوطن العربي، وهو شيطنة هذه العلوم بسبب خوف السلطات السياسية والدينية، بالإضافة إلى حالة الفهم غير الواضح لأهمية هذه العلوم في العالم العربي، مشيرًا إلى أن الخروج من هذا المأزق يتطلب ضرورة تحقيق الإصلاح التعليمي بجميع مراحله، كذلك إتاحة حرية الرأي والتعبير، ودعم البحث العلمي والأكاديمي في هذه العلوم، بالإضافة إلى توفير فرص عمل من خلال إنشاء المراكز البحثية المتخصصة في هذه العلوم.
وطرح محمد الجمل؛ أستاذ الحضارة والآثار بجامعة الإسكندرية، موضوع التراث الأثري المندثر في سوريا، وقال إن سوريا هي مهد للعديد من الحضارات مثل الآرامية والكنعانية وغيرهما، وبها أهم المباني في مدينه دمشق وحماه وحلب والبصرة وتدمر والتي تنطق بتاريخ وحضارة عظيمة. كما قام الجمل بعرض صور لآثار مدينة حلب قبل وبعد التدمير.
واستعرض قحطان أحمد المشهداني، الأستاذ بكلية التربية والعلوم الإنسانية بالعراق، ما تعرض له العراق من قبل الاحتلال الأميركي في 2003، من عمليات سلب ونهب واسعة النطاق، طالت المتحف الوطني العراقي، وتدمير حضارة وادي الرافدين، ومتحف ذي قار ومدن أور وبابل وكيش الأثرية، وغيرها من المواقع الأثرية.
وشهد المؤتمر جلسة ختامية عن «الفضاء الرقمي والثقافة العربية»، وتأثيره على الثقافة في الوطن العربي، وكيفية تطويعه لخدمتها، بمشاركة الكاتب الأردني مفلح العدوان، والباحث الموريتاني السيد ولد سيدي، والمفكر الأردني حسين دعسة.
وخلصت الجلسة في مجملها إلى أن المحتوى الثقافي المعروض على المواقع بشكل عام لا يعكس قدرا معقولا من الثراء الشديد الذي تتميز به الثقافة العربية والتراث العربي في المجالات المختلفة، كما أن هناك نسبة غير قليلة من المواقع الثقافية العربية تظهر إهمالا واضحا للغة العربية، ولا تبدي أي اعتزاز بها كوعاء للثقافة، وهذه الأمور تسهم بدرجة واضحة في حدوث حالة من الإهمال الجماهيري للمواقع الثقافية العربية.



رحيل ماريو فارغاس يوسا... حائز «نوبل» وعملاق الأدب اللاتيني

الكاتب البيروفي ماريو فارغاس يوسا في صور خلال مقابلة بمنزله 7 أكتوبر 2009 (أ.ف.ب)
الكاتب البيروفي ماريو فارغاس يوسا في صور خلال مقابلة بمنزله 7 أكتوبر 2009 (أ.ف.ب)
TT
20

رحيل ماريو فارغاس يوسا... حائز «نوبل» وعملاق الأدب اللاتيني

الكاتب البيروفي ماريو فارغاس يوسا في صور خلال مقابلة بمنزله 7 أكتوبر 2009 (أ.ف.ب)
الكاتب البيروفي ماريو فارغاس يوسا في صور خلال مقابلة بمنزله 7 أكتوبر 2009 (أ.ف.ب)

تُوفي الكاتب البيروفي، الحائز جائزة نوبل للآداب، وأحد أعلام الأدب في أميركا اللاتينية، والكاتب بصحيفة «الشرق الأوسط»، ماريو فارغاس يوسا، يوم الأحد، عن 89 عاماً، وفقاً لما أعلنه نجله.

الكاتب البيروفي ماريو فارغاس يوسا في الأكاديمية الفرنسية بباريس فبراير 2023 (أ.ف.ب)
الكاتب البيروفي ماريو فارغاس يوسا في الأكاديمية الفرنسية بباريس فبراير 2023 (أ.ف.ب)

وجاء في رسالة وقَّعها أولاده ألفارو وغونزالو ومورغانا، ونشرها ألفارو على منصة التواصل الاجتماعي «إكس»: «ببالغ الحزن والأسى نعلن أن والدنا ماريو فارغاس يوسا تُوفي بسلام في ليما، اليوم، محاطاً بعائلته». وجاء في الرسالة أنه سيجري حرق جثمانه، ولن تقام أي مراسم عامة.

وأضافوا: «إن رحيله سيُحزن أقاربه وأصدقاءه والقُراء في جميع أنحاء العالم، لكننا نأمل أن يجدوا العزاء كما نجده نحن في حقيقةِ أنه تمتَّع بحياة طويلة ومثمرة ومليئة بالمغامرات»، مشيرين إلى أنه ترك إرثاً يتألف من مجموعة من الأعمال الأدبية ستظل باقية.

ماريو فارغاس يوسا يحضر حفل منحه درجة الدكتوراه الفخرية في جامعة نوفا لشبونة بالبرتغال (أ.ف.ب)
ماريو فارغاس يوسا يحضر حفل منحه درجة الدكتوراه الفخرية في جامعة نوفا لشبونة بالبرتغال (أ.ف.ب)

وُلد فارغاس يوسا في عائلة بيروفية من الطبقة المتوسطة، وكان أحد أبرز الأسماء في «الفورة» الأدبية الأميركية اللاتينية خلال الستينات والسبعينات مع الكولومبي غابريال غارسيا ماركيز، والأرجنتيني خوليو كورتازار.

وكان يوسا كاتباً وكاتب مقالات غزير الإنتاج، وله روايات شهيرة مثل «زمن البطل»، و«عيد التيس»، وفاز بجوائز لا حصر لها، بما في ذلك جائزة نوبل لعام 2010.

ونشر فارغاس يوسا، الموجة الجديدة من كُتاب أميركا اللاتينية، مجموعته القصصية الأولى «الأشبال وقصص أخرى» (Los Jefes) عام 1959، لكنه اقتحم الساحة الأدبية عام 1963 بروايته الأولى الرائدة «زمن البطل»، وهي رواية استوحى فيها من تجاربه في أكاديمية عسكرية بيروفية وأثارت غضب الجيش في البلاد. أحرقت السلطات العسكرية ألف نسخة، ووصف بعض الجنرالات الكتاب بأنه زائف، ووصف فارغاس يوسا بأنه شيوعي.

رئيس الإكوادور غييرمو لاسو (يسار) يُكرّم ماريو فارغاس يوسا بوسام الصليب الأعظم تقديراً لإسهاماته بالأدب العالمي في كيتو بالإكوادور 27 سبتمبر2021 (أ.ب)
رئيس الإكوادور غييرمو لاسو (يسار) يُكرّم ماريو فارغاس يوسا بوسام الصليب الأعظم تقديراً لإسهاماته بالأدب العالمي في كيتو بالإكوادور 27 سبتمبر2021 (أ.ب)

وأكد محامي الكاتب وصديقه المقرَّب، إنريكي غيرسي، الوفاة، لوكالة أسوشييتد برس، وتذكَّر عيد ميلاد الكاتب الأخير في 28 مارس (آذار) الماضي بمنزل ابنته مورغانا. قال غيرسي: «لقد أمضى حياته سعيداً؛ أحاط به أصدقاؤه المقرَّبون، وتناول كعكته، وكنا نمزح في ذلك اليوم بأن هناك 89 عاماً أخرى متبقية، لقد عاش حياة طويلة ومثمرة وحرة».

وتُعد رواية «زمن البطل»، وروايات لاحقة مثل «محادثة في الكاتدرائية» عام 1969، من الروايات التي رسّخت مكانة فارغاس يوسا بصفته واحداً من رواد ما يُسمى «الطفرة» أو الموجة الجديدة من كُتّاب أميركا اللاتينية خلال الستينات والسبعينات، إلى جانب غابرييل غارسيا ماركيز، وكارلوس فوينتس.

الكاتب الحائز جائزة نوبل للآداب ماريو فارغاس يوسا يضبط قبعته خلال احتفالات منحِه درجة الدكتوراه الفخرية في الآداب بجامعة دي لا سال بمانيلا بالفلبين 8 نوفمبر 2016 (أ.ب)
الكاتب الحائز جائزة نوبل للآداب ماريو فارغاس يوسا يضبط قبعته خلال احتفالات منحِه درجة الدكتوراه الفخرية في الآداب بجامعة دي لا سال بمانيلا بالفلبين 8 نوفمبر 2016 (أ.ب)

وبدأ فارغاس يوسا الكتابة مبكراً، وفي سن الخامسة عشرة عمل مراسلاً بدوام جزئي لأخبار الجريمة في صحيفة «لا كرونيكا». ووفقاً لموقعه الرسمي، شملت وظائفه الأخرى العمل مدرساً في مدرسة بيرلتز بباريس، ولفترة وجيزة في قسم اللغة الإسبانية بـ«وكالة الصحافة الفرنسية» في باريس، كما أنه استمر في نشر مقالات بالصحافة طوال معظم حياته، وأبرزها عمود رأي سياسي نصف شهري بعنوان «بيدرا دي توكي (أحجار الاختبار)»، الذي نُشر في عدد من الصحف.

الكاتب البيروفي والمرشح الرئاسي عن ائتلاف جبهة يمين الوسط آنذاك ماريو فارغاس يوسا يتلقى عناقاً من أحد مؤيديه خلال تجمع انتخابي ببلدة تشينتشا على بُعد 300 كيلومتر جنوب ليما 20 مارس 1990 (أ.ف.ب)
الكاتب البيروفي والمرشح الرئاسي عن ائتلاف جبهة يمين الوسط آنذاك ماريو فارغاس يوسا يتلقى عناقاً من أحد مؤيديه خلال تجمع انتخابي ببلدة تشينتشا على بُعد 300 كيلومتر جنوب ليما 20 مارس 1990 (أ.ف.ب)

وأصبح فارغاس يوسا مدافعاً شرساً عن الحريات الشخصية والاقتصادية، متخلياً تدريجياً عن ماضيه المرتبط بالشيوعية، وهاجم بانتظامٍ قادة اليسار في أميركا اللاتينية الذين عَدَّهم ديكتاتوريين.

ورغم أنه كان من أوائل المؤيدين للثورة الكوبية، بقيادة فيدل كاسترو، لكنه شعر بخيبة أمل لاحقاً وندَّد بكاسترو. وبحلول عام 1980، أعلن أنه لم يعد يؤمن بالاشتراكية حلاً للدول النامية.

وفي حادثة شهيرة بمدينة مكسيكو عام 1976، لكَمَ فارغاس يوسا زميله الحائز جائزة نوبل وصديقه السابق غارسيا ماركيز. ولم يتضح قط ما إذا كان الشجار سياسياً أم شخصياً، إذ لم يرغب أيٌّ من الكاتبين في مناقشته علناً. ومع تحول مساره السياسي تدريجياً نحو السوق الحرة المحافظ، خسر فارغاس يوسا دعم عدد من معاصريه الأدبيين من أميركا اللاتينية، وتعرَّض لانتقادات شديدة، حتى من المعجبين بأعماله، وفق وكالة أسوشييتد برس.

حياة مبكرة مدللة و«جحيم» في مدرسة عسكرية

وُلد خورخي ماريو بيدرو فارغاس يوسا في 28 مارس 1936، بمدينة أريكيبا جنوب بيرو، الواقعة في أعالي جبال الأنديز عند سفح بركان ميستي.

وترك والده، إرنستو فارغاس مالدونادو، العائلة قبل ولادته. ولتجنُّب الفضيحة العامة، أخذت والدته، دورا يوسا يوريتا، طفلها إلى بوليفيا، حيث كان والدها قنصلاً لبيرو في كوتشابامبا. وقال فارغاس يوسا إن حياته المبكرة كانت «صادمة بعض الشيء»، إذ دلّلته والدته وجَدَّته في منزل كبير مع الخدم، مُلبّيتين جميع رغباته.

ولم يعلم فارغاس يوسا أن والده على قيد الحياة إلا في سن العاشرة، بعد أن انتقلت العائلة إلى مدينة بيورا الساحلية في بيرو. تصالح والداه وانتقلت العائلة إلى ليما، عاصمة بيرو. كما وصف فارغاس يوسا والده بأنه رجل صارم عَدَّ حب ابنه لجول فيرن وكتابة الشعر طريقاً مؤكَّداً للموت جوعاً، وكان يخشى على مستقبله.

ماريو فارغاس يوسا يلقي كلمة في تجمع جماهيري بليما 21 أغسطس 1987 أمام حشدٍ تجاوز 50 ألف شخص (أ.ب)
ماريو فارغاس يوسا يلقي كلمة في تجمع جماهيري بليما 21 أغسطس 1987 أمام حشدٍ تجاوز 50 ألف شخص (أ.ب)

وبعد فشله في تسجيل ابنه بأكاديمية بحرية لصِغر سنه، أرسله والده إلى أكاديمية ليونسيو برادو العسكرية، وهي تجربةٌ ستبقى في ذاكرة يوسا، وستُفضي إلى تأليف رواية «زمن البطل»، إذ حاز الكتاب جائزة النقاد الإسبان.

قال فارغاس يوسا لاحقاً إن الأكاديمية العسكرية «كانت بمثابة اكتشاف الجحيم». والتحق بجامعة سان ماركوس في بيرو لدراسة الأدب والقانون، «الأول كمهنة، والثاني لإرضاء عائلتي، التي كانت تعتقد، ليس دون سبب وجيه، أن الكُتّاب يموتون جوعاً».

وبعد حصوله على شهادة الآداب عام 1958 - لم يُكلّف نفسه عناء تقديم أطروحته النهائية في القانون - فاز فارغاس يوسا بمنحة دراسية للحصول على الدكتوراه في مدريد.

استلهم فارغاس يوسا كثيراً من إلهامه من وطنه البيروفي، لكنه فضّل العيش في الخارج، مقيماً لفترات سنوية في مدريد ونيويورك وباريس.

الكاتب ماريو فارغاس يوسا في منزله بليما عام 1978 (أ.ب)
الكاتب ماريو فارغاس يوسا في منزله بليما عام 1978 (أ.ب)

كشفت رواياته الأولى عن عالم بيروفيّ من الغطرسة والوحشية العسكرية، والانحطاط الأرستقراطي، وهنود الأمازون في العصر الحجري الذين تعايشوا، في الوقت نفسه، مع تدهور المدن في القرن العشرين. وكتب فارغاس يوسا، في عام 1983: «البيرو مرضٌ عضال، وعلاقتي بها شديدةٌ وقاسيةٌ ومليئةٌ بعنف العاطفة».

وبعد 16 عاماً في أوروبا، عاد عام 1974 إلى بيرو، التي كانت آنذاك تحت حكم ديكتاتوري عسكري يساري. قال: «أدركتُ أنني أفقد صلتي بواقع بلدي، وخصوصاً لغته، التي قد تكون قاتلة للكاتب».

الكاتب البيروفي ماريو فارغاس يوسا يتحدث في مؤتمر صحافي بنادي الصحافة الوطني بواشنطن 21 سبتمبر 1989 (أ.ف.ب)
الكاتب البيروفي ماريو فارغاس يوسا يتحدث في مؤتمر صحافي بنادي الصحافة الوطني بواشنطن 21 سبتمبر 1989 (أ.ف.ب)

في عام 1990، ترشّح لرئاسة بيرو، متردداً في بلدٍ مزّقته حرب العصابات الماوية المتشددة، واقتصاد يعاني تضخماً مفرطاً وحالة من الضعف، لكنه هُزم على يد عميد جامعة غير معروف آنذاك، ألبرتو فوجيموري، الذي حلَّ جزءاً كبيراً من الفوضى السياسية والاقتصادية، لكنه أصبح، في نهاية المطاف، زعيماً فاسداً ومستبداً، وفق وكالة أسوشييتد برس.

واعترف الكاتب الكوبي غييرمو كابريرا إنفانتي، صديق فارغاس يوسا القديم، لاحقاً بأنه عارض ترشيح الكاتب، قائلاً: «إن مكسب بيرو غير المؤكَّد سيكون خسارة للأدب. الأدب هو الخلود، والسياسة مجرد تاريخ».

الكاتب البيروفي والمرشح الرئاسي عن الجبهة الديمقراطية البيروفية آنذاك ماريو فارغاس يوسا يلوّح لأنصاره بعد مؤتمر صحافي أشاد فيه بسياسة السوق المفتوحة التي انتهجتها الحكومة العسكرية التشيلية 19 أغسطس 1989 (أ.ف.ب)
الكاتب البيروفي والمرشح الرئاسي عن الجبهة الديمقراطية البيروفية آنذاك ماريو فارغاس يوسا يلوّح لأنصاره بعد مؤتمر صحافي أشاد فيه بسياسة السوق المفتوحة التي انتهجتها الحكومة العسكرية التشيلية 19 أغسطس 1989 (أ.ف.ب)

واستخدم فارغاس يوسا أيضاً مواهبه الأدبية لكتابة عدد من الروايات الناجحة عن حياة أشخاص حقيقيين، بما في ذلك الفنان الفرنسي ما بعد الانطباعية بول غوغان وجَدَّته فلورا تريستان، في رواية «الطريق إلى الجنة» عام 2003، والقومي الآيرلندي والدبلوماسي السير روجر كيسمنت في القرن التاسع عشر، في رواية «حلم السلتي» عام 2010. وكانت آخِر رواية منشورة له هي «أوقات عصيبة» عام 2019 عن انقلاب مدعوم من الولايات المتحدة في غواتيمالا عام 1954. كما أصبح عضواً في الأكاديمية الملكية الإسبانية عام 1994، وشغل مناصب أستاذ زائر وكاتب مقيم في أكثر من اثنتي عشرة كلية وجامعة حول العالم.

فارغاس يوسا مع إيزابيل بريسلر على السجادة الحمراء لحفل توزيع جوائز غويا السينمائية في مدريد 6 فبراير 2016 (أ.ب)
فارغاس يوسا مع إيزابيل بريسلر على السجادة الحمراء لحفل توزيع جوائز غويا السينمائية في مدريد 6 فبراير 2016 (أ.ب)

وفي عام 1965، تزوَّج ابنة عمه الأولى، باتريشيا يوسا، التي تصغره بعشر سنوات، وأنجبا ثلاثة أطفال، ثم انفصلا بعد 50 عاماً، وبدأ علاقة مع شخصية اجتماعية إسبانية بارزة، إيزابيل بريسلر، الزوجة السابقة للمغني خوليو إغليسياس ووالدة المغني إنريكي إغليسياس، ثم انفصلا عام 2022.