إسرائيل توسّع حربها وتطيل بقاء قواتها في جنين

«الشرق الأوسط» دخلت المدينة ورصدت فصول العملية العسكرية الموسعة

جرافة إسرائيلية تدمر البنية التحتية لمخيم جنين شمال الضفة الغربية خلال عملية عسكرية الثلاثاء (د.ب.أ)
جرافة إسرائيلية تدمر البنية التحتية لمخيم جنين شمال الضفة الغربية خلال عملية عسكرية الثلاثاء (د.ب.أ)
TT

إسرائيل توسّع حربها وتطيل بقاء قواتها في جنين

جرافة إسرائيلية تدمر البنية التحتية لمخيم جنين شمال الضفة الغربية خلال عملية عسكرية الثلاثاء (د.ب.أ)
جرافة إسرائيلية تدمر البنية التحتية لمخيم جنين شمال الضفة الغربية خلال عملية عسكرية الثلاثاء (د.ب.أ)

تتواصل في جنين العملية العسكرية الواسعة التي أطلقتها إسرائيل في الساعات الأولى من صباح يوم الثلاثاء، إذ شرع الجيش بتنفيذ عملية في المدينة ومخيمها شمال الضفة الغربية، جاءت مغايرة عن سابقاتها سواء على صعيد شكلها وحجم القوات المشاركة فيها، أو أمدها الزمني.

الجيش الإسرائيلي دفع في عمليته الممتدة منذ 48 ساعة، بأكثر من ألف جندي وعناصر من الوحدات الخاصة إلى جانب عشرات الآليات العسكرية والجرافات الثقيلة، تزامناً مع إعلان المتحدث باسم الجيش عن البدء بـ«حملة عسكرية لضرب الإرهاب» تستهدف المجموعات الفلسطينية المسلحة والبنية التحتية التابعة لها في المدينة.

حملت الدقائق الأولى للعملية العسكرية فصولاً دامية، إذ شرعت القوات الإسرائيلية الخاصة التي تسللت لشوارع المدينة مع بدء العملية، بإطلاق النار بشكل عشوائي، فقتلت ثمانية فلسطينيين بينهم طبيب ومعلم وطالب، وأصابت آخرين لا تزال إصابات بعضهم حرجة.

حرق إطارات في جنين خلال التوغل الإسرائيلي الأربعاء (رويترز)

في حديث مع «الشرق الأوسط»، قال الطبيب وسام بكر، مدير مستشفى جنين الحكومي، إن اليوم الأول للعملية كان «الأكثر سخونة حيث وصل للمستشفيات ثمانية شهداء وعدد كبير من الإصابات الحرجة غالبيتها في الصدر والرأس»، مشيراً إلى أن الاستهداف طال المستشفى وطواقمه كما اقتربت الآليات العسكرية من محيطه.

ومنذ الثلاثاء، تفرض القوات الإسرائيلية طوقاً محكماً على مخيم جنين والأحياء المحيطة به، بعد أن احتلت عدداً من المنازل ونشرت فرقاً من القناصة فيها، فيما شرعت الجرافات العسكرية بتجريف الشوارع المحيطة وهدم بعض المنازل والمنشآت والبنى التحتية المدنية.

وتدور اشتباكات عنيفة بين قوات الجيش وعناصر المجموعات الفلسطينية المسلحة التابعة لحركتي «الجهاد الإسلامي» و«حماس»، وكذلك لحركة «فتح»، يتخللها سماع دوي انفجار العبوات الناسفة المحلية الصنع التي طالت الآليات العسكرية الإسرائيلية، فيما لم تفارق طائرات الاستطلاع والطائرات الحربية الإسرائيلية سماء المدينة.

طائرة درون إسرائيلية في سماء جنين يوم الأربعاء (رويترز)

شوارع جنين... ساحة حرب

وسط مناخات التصعيد والتوتر، أضحت مهمة الدخول لشوارع المدينة مهمة صعبة ومعقدة ومحفوفة بالمخاطر، إذ تحولت لساحة حرب مفتوحة. سارت السيارة من مدخل المدينة الجنوبي ببطء نحو وسطها عبر شوارع خالية إلا من دوي الرصاص والانفجارات، ولا تعبرها إلا بعض سيارات الإسعاف التي تشق طريقها مسرعة عبر سحب الدخان الداكنة المتصاعدة من الإطارات المشتعلة قبالة واجهات الأسواق والمحال التجارية التي أقفلت أبوابها.

بدت مسافة الأمتار الأخيرة قبيل الوصول لمدخل الفندق حيث يقيم الصحافيون، ثقيلة وصعبة، وسط خشية من تحركات الآليات العسكرية التي تجول شوارع المدينة ومحاورها، وكذلك من فرق القناصة التي اعتلت أسطح البنايات المرتفعة وشرعت بإطلاق النار على أي تحرك أمام عدسات بنادقها بما فيها الفرق الطبية والصحافية.

جندي إسرائيلي يصوب بندقيته خلال مداهمة لمخيم جنين بالضفة الغربية الثلاثاء (أ.ف.ب)

فور الوصول للفندق، مضينا عبر المصاعد نحو الطوابق العليا حيث يظهر على الجهة المقابلة أمامها، مخيم جنين. لم تنقطع الاشتباكات داخل أزقته الضيقة وبين بيوته المتراصة في مساحة ضئيلة لا تتجاوز 400 متر مربع، فيما تتصاعد أمامنا أعمدة الدخان التي تخلفها الانفجارات المتلاحقة بين الحين والآخر وتهتز معها جدران البنايات المحيطة بالمنطقة.

المخيم منطقة معزولة

أضحى المخيم منطقة معزولة عن باقي المناطق المحيطة به، تحاصره الآليات العسكرية من كل اتجاه، وتتقدم على بعض مداخله الجرافات العسكرية ملحقة دماراً كبيراً بكل ما يقف أمامها.

حرائق مشتعلة في دوار بمدينة جنين خلال اجتياح عسكري إسرائيلي الثلاثاء (رويترز)

وتنفذ القوات الإسرائيلية منذ 48 ساعة عملية عسكرية لم تتضح حصيلة أهدافها بشكل جلي بعد، كما لم تتكشف أيضاً ما خلفته هذه الحملة المستمرة، مع تواصل حصار المخيم ومنع الأطقم الطبية أو الصحافية من الوصول إليه والاطلاع على حقيقة ما يجري بداخله.

أحد سائقي الإسعاف في المدينة سرد لـ«الشرق الأوسط» جانباً من مشاهداته لواقع الحال بعد دخوله مخيم جنين، إذ قال إن «دماراً كبيراً لحق بالبنى التحتية وببعض البيوت هناك، لا سيما في قلب المخيم»، مضيفاً أن القوات الإسرائيلية شرعت بعمليات تفتيش «من بيت لبيت» داخله.

مسعفون يحملون فلسطينياً أصيب بشظايا اشتباكات مع القوات الإسرائيلية في مدينة جنين الأربعاء (أ.ب)

أطباء ومسعفون وصحافيون في دائرة الاستهداف

وكانت القوات الإسرائيلية قتلت في اليوم الأول، عدداً من الفلسطينيين، بينهم رئيس قسم الجراحة في مستشفى جنين، دكتور أسيد جبارين، الذي كان في طريقه إلى المستشفى. يقول مدير مستشفى جنين الحكومي، دكتور وسام بكر، إن فقدان الدكتور جبارين «خسارة كبيرة» على المستوى الشخصي له ولزملائه، وكذلك خسارة على الصعيد المهني «لما كان يتمتع به دكتور جبارين من خبرة واسعة راكمها عشرين عاماً خلال عمله في المستشفى، لا سيما في التعاطي مع عمليات الجراحة للإصابات الحرجة التي تصل إلينا... إنها خسارة كبيرة للمرضى وكذلك للأطقم الطبية».

تواجه فرق الدفاع المدني والإسعاف في المدينة تحديات صعبة ومعقدة مع انتشار الآليات العسكرية والجنود في معظم أحياء المدينة، وتقييد حركة الإسعاف والأطقم الطبية أحياناً ومنع تحركاتها في أحيان أخرى. يقول ضابط الإسعاف إن طريق الدخول لمخيم جنين «صعبة للغاية»، وإن محاولات إجراء التنسيقات اللازمة لإخلاء الإصابات والحالات المرضية من المخيم «تواجه في أغلب الأحيان بالرفض» من قبل الجيش، فيما تخضع سيارات الإسعاف لإجراءات تفتيش «مضنية» حال السماح لها بالدخول للمخيم.

وأوضح ضابط الإسعاف، أنه على الرغم من إجراء التنسيقات الضرورية مع الجيش، تعرضت 3 سيارات إسعاف لإطلاق نار مباشر، ما أدى لإصابة إحداها خلال محاولة إخلاء بعض الحالات المرضية من المخيم. ويلفت إلى أن هذه العملية، وبخلاف العمليات العسكرية الإسرائيلية السابقة في المدينة، تبدو «غير واضحة المعالم»، سواء على صعيد ما يجري عسكرياً على الأرض أو على صعيد المدى الزمني للحملة العسكرية.

دخان يتصاعد من الإطارات المحترقة وسط اشتباكات بين الفلسطينيين والقوات الإسرائيلية في جنين بالضفة الغربية الأربعاء (أ.ف.ب)

صحافي: «أصبت... وتملكني الخوف»

نيران القوات الإسرائيلية طالت أيضاً الفرق الصحافية العاملة على الأرض، إذ أصيب الصحافي عمرو مناصرة بشظايا طلقات في فخذه بعد إطلاق الجيش النار عليه خلال عمله على الأرض. يروى الصحافي المصاب لـ«الشرق الأوسط»، تفاصيل اللحظات «المرعبة» التي عاشها هو وزملاؤه خلال الساعات الأولى للعملية العسكرية، إذ خلال وجوده عند أحد مداخل مخيم جنين مع مجموعة من الصحافيين، أطلقت القوات الإسرائيلية النار باتجاههم.

يوضح عمرو: «خلال محاولتنا عبور أحد الشوارع القريبة نحو المستشفى، بدأ الجيش إطلاق النار بشكل مباشر نحونا ما أدى لإصابتي في الفخذ بشظايا الرصاص الذي تناثر حولي». ويروي كيف سارع زملاؤه لسحب حمّالة من سيارة إسعاف قريبة لإخلائه ونقله للمستشفى وسط مخاوف من استهدافهم مرة أخرى. «تملكني الخوف وأنا ملقى على الحمّالة من أن يعاود الجيش إطلاق النار نحونا».

وتتعرض مدينة جنين ومخيمها منذ أكثر من عامين، لعمليات اجتياح متواصلة أخذت تتصاعد أكثر بعد السابع من أكتوبر (تشرين الأول)، إذ قتلت إسرائيل في جنين وحدها منذ ذلك الحين، أكثر من 120 فلسطينياً، وهو يمثل العدد الأكبر من إجمالي الضحايا في الضفة الغربية الذي تخطى 513 فلسطينياً.


مقالات ذات صلة

مقتل فلسطيني في نابلس وسط هجمات للمستوطنين

المشرق العربي جنود إسرائيليون يعتقلون فلسطينياً خلال عملية عسكرية في قلقيلة بالضفة الغربية الخميس (د.ب.أ)

مقتل فلسطيني في نابلس وسط هجمات للمستوطنين

تصاعدت هجمات المستوطنين بمناطق متفرقة من الضفة، وسط تحذيرات رسمية من استمرار الانتهاكات الإسرائيلية بحق الأسرى الفلسطينيين.

«الشرق الأوسط» (غزة)
المشرق العربي جنود إسرائيليون يقومون بدوريات في شوارع طوباس بالضفة الغربية المحتلة (أ.ف.ب)

مقتل فلسطيني برصاص الجيش الإسرائيلي في الضفة الغربية

قالت وزارة الصحة الفلسطينية، اليوم (الجمعة)، إن فلسطينياً قُتل برصاص الجيش الإسرائيلي في الضفة الغربية.

«الشرق الأوسط» (نابلس)
المشرق العربي جنود إسرائيليون خلال عملية في بلدة القلقيلة في الضفة الغربية الخميس (د.ب.أ)

إسرائيل: إقرار موازنة تخدم الاستيطان بالضفة

طلبت وزارة الدفاع الإسرائيلية 144 مليار شيقل وحصلت على 112 بما يزيد بنحو 20 ملياراً على ميزانية العام الحالي 2025.

«الشرق الأوسط» (غزة)
شؤون إقليمية آليات تابعة للاحتلال الإسرائيلي في مدينة نابلس بالضفة الغربية يوم الثلاثاء (إ.ب.أ) play-circle

إسرائيل تتأهب لتصعيد من الضفة... وتمدد عملياتها لأسبوعين

تستعد إسرائيل لتصعيد أكبر في الضفة الغربية يشمل هجمات فلسطينية محتملة على خلفية العملية العسكرية المتواصلة في شمال الضفة التي تم تمديدها لأسبوعين إضافيين

كفاح زبون (رام الله)
المشرق العربي صورة لمخيم للنازحين الفلسطينيين في الجامعة الإسلامية أثناء استئناف الدراسة خلال وقف إطلاق النار بين إسرائيل و«حماس» بمدينة غزة 2 ديسمبر 2025 (أ.ف.ب)

مقتل شخصين في قصف إسرائيلي على حي التفاح شرق مدينة غزة

قالت المديرية العامة للدفاع المدني في قطاع غزة مساء اليوم الثلاثاء إن شخصين قُتلا وأصيب أكثر من 15 نتيجة قصف مدفعي إسرائيلي على منزل شرق مدينة غزة

«الشرق الأوسط» (غزة)

قاسم: مشاركة مدني في لجنة وقف النار تنازل مجاني لإسرائيل

أمين عام «حزب الله» نعيم قاسم متحدثاً في احتفال «تعظيماً للعلماء الشهداء على طريق القدس وأولي البأس» (الوكالة الوطنية للإعلام)
أمين عام «حزب الله» نعيم قاسم متحدثاً في احتفال «تعظيماً للعلماء الشهداء على طريق القدس وأولي البأس» (الوكالة الوطنية للإعلام)
TT

قاسم: مشاركة مدني في لجنة وقف النار تنازل مجاني لإسرائيل

أمين عام «حزب الله» نعيم قاسم متحدثاً في احتفال «تعظيماً للعلماء الشهداء على طريق القدس وأولي البأس» (الوكالة الوطنية للإعلام)
أمين عام «حزب الله» نعيم قاسم متحدثاً في احتفال «تعظيماً للعلماء الشهداء على طريق القدس وأولي البأس» (الوكالة الوطنية للإعلام)

رفع الأمين العام لـ«حزب الله»، نعيم قاسم، سقف خطابه السياسي، مؤكداً أنّ المشاركة برئيس مدني في لجنة وقف إطلاق النار تمثل «إجراءً مخالفاً للتصريحات والمواقف الرسمية السابقة»، التي كانت تشترط، حسب تعبيره، وقف الأعمال العدائية من قبل إسرائيل قبل إشراك أي مدني في آلية التنفيذ.

وفيما أعرب عن تأييده «خيار الدبلوماسية» الذي تتبعه السلطات اللبنانية، رأى أن تعيين السفير سيمون كرم على رأس الوفد اللبناني، هو «تنازل مجاني لن يغيّر من موقف إسرائيل ولا من عدوانها ولا من احتلالها»، مشيراً إلى أنّ «المندوب المدني ذهب واجتمع فازداد الضغط، وأن إسرائيل ومعها أميركا تريدان إبقاء لبنان تحت النار».

وتأتي مواقف قاسم في وقتٍ لم يعلن فيه رئيس البرلمان نبيه بري اعتراضاً على تعيين السفير سيمون كرم رئيساً للوفد اللبناني، إنما أكد على ضرورة حصر دوره بالإطار التقني وعدم توسيعه إلى مستويات تفاوضية أو سياسية، وهو ما يعكس تمايزاً واضحاً حول هذا القرار بين الحليفين.

تقديم تنازلات في لحظة حساسة

ووصف قاسم في كلمة له خطوة تعيين مدني بـ«سقطة إضافية تُضاف إلى خطيئة 5 أغسطس (قرار الحكومة لحصرية السلاح)» معتبراً أنّه «بدلاً من اتخاذ خطوات إلى الأمام تُقدَّم تنازلات لن تنفع مع إسرائيل»، داعياً الحكومة للتراجع عن القرار، وأن «يجري تفاهم داخلي على قاعدة عدم السماح بأي تنازل حتى تطبق إسرائيل ما عليها».

مناصرون يحملون أعلام «حزب الله» اللبناني في بيروت (أرشيفية - رويترز)

«السفينة الغارقة»

واعتبر قاسم أنّ الحزب «قام بما عليه ومكّن الدولة من فرض سيادتها في إطار الاتفاق»، قبل أن ينتقل إلى تشبيه لبنان بـ«السفينة»، معتبراً أنّ «التماهي مع إسرائيل يعني ثقب السفينة، وعندها يغرق الجميع».

وقال إنه يجب مواجهة العدوان الإسرائيلي التوسعي بكل الوسائل والسبل، مضيفاً: «هناك اتفاق لم يتم الالتزام به رغم التزام لبنان، الاعتداءات ليست من أجل السلاح، بل من أجل التأسيس لاحتلال لبنان ورسم إسرائيل الكبرى من بوابة لبنان».

وفي المقابل، أكد قاسم أنّ «الدولة اختارت طريق الدبلوماسية لإنهاء العدوان، ونحن معها أن تستمر في هذا الاتجاه». لكنه شدد على أنّه «لا علاقة لأميركا وإسرائيل بكيفية تنظيم شؤوننا الداخلية، ولا علاقة لهما بما نختلف عليه أو نقرره في لبنان».

وشدّد على أنّ «الحدّ الذي يجب الوقوف عنده هو حدود الاتفاق الذي يتحدث حصراً عن جنوب نهر الليطاني، ولا وجود لما يسمى ما بعد جنوب نهر الليطاني».

وتابع قاسم: «هم يريدون إلغاء وجودنا»، لكن «سندافع عن أنفسنا وأهلنا وبلدنا، ونحن مستعدون للتضحية إلى الأقصى، ولن نستسلم».


الشيباني: نشكر كندا على رفع اسم سوريا من قوائم الدول الراعية للإرهاب

وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني (أ.ف.ب)
وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني (أ.ف.ب)
TT

الشيباني: نشكر كندا على رفع اسم سوريا من قوائم الدول الراعية للإرهاب

وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني (أ.ف.ب)
وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني (أ.ف.ب)

شكر وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني «كندا على قرارها رفع اسم سوريا من قوائم الدول الراعية للإرهاب». وأضاف، في بيان، اليوم (الثلاثاء): «نثمن دعم كندا لسوريا في مسيرتها الحالية نحو الاستقرار وإعادة الإعمار».

وتابع البيان: «إن هذا القرار يشكل لحظة مهمة لتعزيز العلاقات السورية – الكندية، ويمهِّد لمرحلة جديدة من الشراكات المتعددة... إن سوريا تشدد على استعدادها للعمل مع الشركاء الدوليين كافة والتواصل الإيجابي بما يسهم في دعم جهود التعافي الاقتصادي وإعادة الإعمار، ويصبّ في مصلحة الأمن والاستقرار الإقليميين والدوليين».


توافق رئاسي ثلاثي لبناني على الجانب «التقني - الأمني» للمفاوضات

رئيس البرلمان نبيه بري مجتمعاً مع وفد مجلس الأمن في بيروت الجمعة (رئاسة البرلمان)
رئيس البرلمان نبيه بري مجتمعاً مع وفد مجلس الأمن في بيروت الجمعة (رئاسة البرلمان)
TT

توافق رئاسي ثلاثي لبناني على الجانب «التقني - الأمني» للمفاوضات

رئيس البرلمان نبيه بري مجتمعاً مع وفد مجلس الأمن في بيروت الجمعة (رئاسة البرلمان)
رئيس البرلمان نبيه بري مجتمعاً مع وفد مجلس الأمن في بيروت الجمعة (رئاسة البرلمان)

أكّدت مصادر وزارية أنه لا خلاف بين الرؤساء الثلاثة، مع دخول المفاوضات اللبنانية - الإسرائيلية مرحلةً جديدةً بإدخال مدني إليها، هو سفير لبنان السابق لدى واشنطن، المحامي سيمون كرم، لترؤس الوفد اللبناني للجنة الـ«ميكانيزم»، بغية تفعيل اجتماعاتها للتوصل إلى اتفاق أمني، قاعدته الأساسية تطبيق وقف الأعمال العدائية، بخلاف اجتماعاتها السابقة التي غلبت عليها المراوحة، وتشاركت وقيادة القوات الدولية «اليونيفيل» في تعداد الخروق والغارات الإسرائيلية.

ولفتت إلى أن توافق الرؤساء على إخراج الـ«ميكانيزم» من الدوران في حلقة مفرغة، تلازم مع رسم حدود سياسية للتفاوض، محصورة بوقف الخروق والاعتداءات الإسرائيلية، والانسحاب من الجنوب، وإطلاق الأسرى اللبنانيين، وإعادة ترسيم الحدود وتصحيحها، انطلاقاً من التجاوب مع تحفّظ لبنان على النقاط المتداخلة الواقعة على الخط الأزرق والعائدة لسيادته.

رئيس الحكومة نواف سلام مجتمعاً مع السفير سيمون كرم (رئاسة الحكومة)

وقالت المصادر لـ«الشرق الأوسط» إن لبنان يصر على حصر جدول أعمال المفاوضات ببنود أمنية لا يمكن تجاوزها للبحث في تطبيع العلاقات اللبنانية - الإسرائيلية، والتوصل إلى اتفاقية سلام بين البلدين، وهذا ما أجمع عليه رؤساء «الجمهورية»، العماد جوزيف عون، و«الحكومة»، نواف سلام، و«المجلس النيابي»، نبيه بري، الذي كان أول من اقترح إدخال مدنيين للـ«ميكانيزم»، ومن ثم أصروا على تكرار موقفهم في هذا الخصوص استباقاً لانعقاد الجولة الأولى من المفاوضات، بحضور الموفدة الأميركية مورغان أورتاغوس ومشاركة كرم فيها، بما يتعارض مع جدول أعمالها الذي حدده رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو.

وقالت إن نتنياهو يريد تكبير الحجر لتحريض «حزب الله» على الدولة وإرباكها، فيما يواصل جيشه خروقه واعتداءاته لتأليب بيئته عليه، وهذا ما تبين باستهدافه عدداً من المنازل الواقعة بين جنوب نهر الليطاني وشماله، رغم خلوها من مخازن لسلاح الحزب. ورأت بأنه يواصل ضغطه بالنار لإلزام لبنان بالتسليم لشروطه، وإن كان يدرك سلفاً أنه لا مجال أمام المفاوضات لخروجها عن جدول أعمالها التقني - الأمني، بالتلازم مع إصرار الحكومة اللبنانية على تطبيق حصرية السلاح بيد الدولة، ولا عودة عنه.

وتوقفت المصادر أمام تأكيد بري أنه كان أول مَن اقترح إدخال مدنيين للـ«ميكانيزم»، وسألت، أين يقف الأمين العام لـ«حزب الله» الشيخ نعيم قاسم من اقتراحه؟ وهل سبق أن اعترض على اقتراح «أخيه الأكبر» في هذا الخصوص؟ رغم أنه في كتابه المفتوح إلى الرؤساء الثلاثة أكّد رفضه للمفاوضات مع إسرائيل، ليعود لاحقاً إلى تصويب ما حمله كتابه هذا، بتكليفه قيادياً في الحزب بأن ينقل رسالة إليه مفادها أنه لم يكن هو المقصود به، لقطع الطريق على افتعال مشكلة داخل البيت الشيعي.

كما سألت قاسم، ألم يوافق الحزب على اجتماعات الـ«ميكانيزم»، ما دام «أخوه الأكبر» هو مَن يفاوض باسمه وكان وراء التوصل لاتفاق وقف النار مع الوسيط الأميركي آنذاك أموس هوكستين؟ وقالت إنه ليس لدى الحزب من أوراق سوى رفع سقف اعتراضه على المفاوضات، ولم يعد يملك ما يسمح له بأن يعيد خلطها في ضوء اختلال ميزان القوى لمصلحة إسرائيل، بعد أن أفقده إسناده غزة منفرداً توازن الردع وقواعد الاشتباك.

الدخان يتصاعد في بلدة المجادل في جنوب لبنان إثر استهدافها بقصف إسرائيلي يوم الخميس (أ.ف.ب)

ولفتت المصادر إلى أن الحزب يفتقد إلى أي بدائل لقلب موازين القوى، ويكتفي بتسجيل اعتراض من العيار الثقيل على المفاوضات، من دون أن يكون في وسعه ترجمته عسكرياً، رغم إصراره على تمسكه بسلاحه واتهامه حكومة سلّام بارتكاب خطيئة بموافقتها على حصرية السلاح التي يُفترض أن تتقدم بدءاً من شمال الليطاني حتى حدود لبنان الدولية مع سوريا، بالتلازم مع تسجيل تقدم في المفاوضات.

ورأت أن الحزب مضطر لوزن موقفه، لأنه ليس وارداً كسر علاقته بعون وتهديد تحالفه ببري، ما يُسبّب انكشافه فيما هو بأمس الحاجة لحماية الداخل، إضافة لما يترتب على «خدش» علاقته بهما من تداعيات سلبية على الطائفة الشيعية، لا يريدها ويتفداها، وما هو المانع من أن يضع ما لديه من أوراق بعهدة بري، كونه الأقدر منه على مراعاته للمزاج الشيعي الذي ينشد تحرير الجنوب، وإفساحاً في المجال أمام عودة أهله إلى قراهم، ولا يرى من منقذ غيره، ويتطلع إليه خصومه على أنه الممر الإلزامي للتوصل إلى تسوية تُعيد إدراج لبنان على لائحة الاهتمام الدولي، وتفتح كوّة لإعادة إعمار البلدات المدمرة، خصوصاً أنه يحظى بعلاقات دولية وعربية، بخلاف الحزب الذي لم يعد له سوى إيران.

وأكدت المصادر أن دخول المفاوضات في مرحلة جديدة كان وراء الضغط الأميركي على إسرائيل لمنعها من توسعتها للحرب، بعد أن استجاب لبنان لطلبها بتطعيم الـ«ميكانيزم» بمدني كُلّف برئاسة وفده، وتمنت على «حزب الله» الوقوف خلف الدولة في خيارها الدبلوماسي، وأن مخاوفه من أن تؤدي إلى ما يخشاه بالتوصل مع إسرائيل إلى اتفاقية سلام ليست في محلها، ما دام أن حليفه بري هو أول من أيد تطعيمها بمدنيين، وبالتالي ما المانع لديه من أن يعطيها فرصة ليكون في وسعه بأن يبني على الشيء مقتضاه لاحقاً، بدلاً من أن يُبادر من حين لآخر إلى «فش خلقه» بسلام، رغم أنه ليس فاتحاً على حسابه، وينسق باستمرار مع عون، ويتعاونان لتطبيق حصرية السلاح التي نص عليها البيان الوزاري للحكومة.

وكشفت أن التواصل بين عون وبري لم ينقطع، وهما قوّما قبل انعقاد الجلسة الأخيرة لمجلس الوزراء الأجواء التي سادت اجتماع الـ«ميكانيزم» في الناقورة، وقالت إن بري كان أوصى النواب المنتمين لكتلته النيابية، والمسؤولين في حركة «أمل»، بعدم التعليق لا سلباً ولا إيجاباً على كل ما يختص بالمفاوضات، وأن توصيته جاءت بناءً على رغبته في حصر الموقف به شخصياً لتفادي إقحام محازبي الطرفين في سجال، سرعان ما يتحول إلى مناوشات في الشارع، فيما الحزب يحرص، كما تقول قيادته، على تحصين علاقته بحليفه الأوحد في الساحة اللبنانية، بعد أن تفرّق عنه شركاؤه السابقون في محور الممانعة بتأييدهم حصرية السلاح.

وقالت المصادر إن الحزب يدرك جيداً أن الأبواب ما زالت مقفلة أمام تصويب علاقاته العربية والدولية، بخلاف بري. وسألت على ماذا يراهن، بعد أن رفضت قيادته المبادرة المصرية إصراراً منها، حسب مصادر دبلوماسية غربية لـ«الشرق الأوسط»، بأن ترهن موقفها بالمفاوضات الأميركية - الإيرانية، ليكون بمقدورها أن تضعه في سلة إيران، لعلها تتمكن من الحفاظ على نفوذها في لبنان بعد تراجع محور الممانعة في الإقليم؟

لذلك، سيأخذ الحكم والحكومة علماً باعتراض «حزب الله»، من دون أن يكون له مفاعيل تصعيدية بتحريك الشارع لتفادي الاحتكاك مع محازبي «أمل»، ما دام أن انطلاقة المفاوضات لا تلقى اعتراضاً من بري، وتبقى تحت سقف تحرير الجنوب تطبيقاً للـ«1701»، إلا إذا ارتأى الدخول في مزايدة شعبوية مع حليفه لا طائل منها، وستؤثر سلباً على حمايته، على الأقل داخل طائفته.