مع بدء تدفق المساعدات عبر رصيف بحري أقامته الولايات المتحدة قبالة ساحل قطاع غزة، أبدى فلسطينيون شكوكاً إزاء وجود أهداف أخرى للميناء العائم الذي بدأ الأميركيون تشييده قبل ما يقرب من شهرين، بحسب «وكالة أنباء العالم العربي».
الفلسطيني مسعد شملخ النازح من ذات المنطقة التي أقيم فيها الرصيف البحري بمدينة غزة إلى مخيم النصيرات في وسط القطاع، يعتبر أن أهالي غزة بحاجة ماسة إلى كل مساعدة يمكن أن تصلهم خلال هذه المرحلة من أي جهة، وبأي وسيلة برية أو بحرية أو جوية مع استمرار الحرب الإسرائيلية الشعواء التي أودت بحياة ما يزيد على 35 ألف فلسطيني.
وبينما يرى شملخ، الأب لطفلين، أن المساعدات التي بدأت في الوصول يوم الخميس عبر الرصيف البحري يمكن أن تخفف قليلاً من حاجات النازحين التي تزايدت بعد إغلاق إسرائيل معبري رفح وكرم أبو سالم بسبب العمليات العسكرية في رفح قبل أكثر من عشرة أيام، فإنه يعتقد أيضاً أن ما يأتي من أميركا وحليفتها إسرائيل يجب أن يكون محل شك وتوجس.
ولا يستبعد شملخ (34 عاماً) أن يكون الرصيف البحري مقدمة لما هو أخطر من مجرد المساعدات، مشيراً إلى عملية التهجير التي تسعى إسرائيل إلى تحقيقها كأحد أهداف الحرب، على حد قوله.
وقال شملخ لـ«وكالة أنباء العالم العربي»: «مطلوب يقظة فلسطينية كبيرة، لأن أميركا تشارك إسرائيل في الحرب علينا، وتقدم لها كل أشكال الدعم، وبالتأكيد هذا الميناء سيكون جزءاً من هذا الدعم، أما الحديث عن الأبعاد الإنسانية فيبدو غير حقيقي رغم حاجتنا إليه».
وفي حين أكد مدير المكتب الإعلامي الحكومي في غزة إسماعيل الثوابتة عدم وجود تنسيق مع أي جهة حكومية بشأن الرصيف البحري، فإنه أبدى ترحيبه بكل أشكال المساعدة التي تصل إلى القطاع، مشيراً إلى أنه لن يتم منع أي جهة من القيام بذلك في ظل الظروف الإنسانية المروعة التي تسببت فيها الحرب لنحو 2.3 مليون فلسطيني في القطاع الساحلي الضيق.
وفي المقابل، شكك الثوابتة في النيات الأميركية وراء إنشاء الرصيف البحري «كونها (الولايات المتحدة) منخرطة بشكل كامل في الإبادة الجماعية ضد الشعب الفلسطيني، وتمد الاحتلال الإسرائيلي بمائتي ألف قنبلة ليكون الفلسطينيين ضحايا السلاح الأميركي».
وقال الثوابتة: «نرحب بالمساعدات، وبوجود ممر بحري لغزة مع العالم، لكن لدينا تخوفات كبيرة وكثيرة، وعدم ثقة بالولايات المتحدة، لأنه إن كانت لديها رغبة في دعمنا، فالأولى الضغط على الاحتلال لإعادة فتح 11 معبراً مع غزة».
وأضاف: «غزة بحاجة لألف شاحنة مساعدات يومية لوقف التجويع، وتوفير احتياجات النازحين خلال الحرب، ولن يقدم هذا الرصيف سوى القليل، فالأسرع فتح المعابر».
وأشار مدير المكتب الإعلامي الحكومي في غزة إلى أن الرصيف البحري: «قد يكون مقدمة لعملية تهجير تساهم فيها الإدارة الأميركية لصالح إسرائيل»، مؤكداً ضرورة فتح المعابر للمساعدات والأفراد في ظل وجود 22 ألف مصاب ومريض بحاجة إلى السفر للعلاج خارج القطاع.
ويؤكد المحلل السياسي عاهد فروانة أنه لا يساور أي فلسطيني أي شك في أن إسرائيل تبحث عن وسيلة يمكن من خلالها تنفيذ هدفها «الحقيقي والاستراتيجي» من وراء الحرب، وهو تهجير الفلسطينيين خارج قطاع غزة، على حد قوله.
وبينما أوضح فروانة أن اللجوء إلى ممر بحري يكون عادة في ظل استحالة استخدام الممرات البرية، قال إنه في حالة قطاع غزة «هناك معابر ميسرة وسهلة، وتحتاج فقط لقرار إسرائيلي لإعادة عملها». وأشار إلى أن ذلك يؤكد أن هذه الخطوة التي كلفت الإدارة الأميركية 320 مليون دولار لا يمكن أن تقتصر على الأهداف الإنسانية فحسب.
ولفت إلى أن الشكوك تمتد إلى السيطرة على مصادر الغاز في البحر المتوسط، فضلاً عن تعزيز محاولات إسرائيل نفض يدها من المسؤولية المدنية تجاه الفلسطينيين في القطاع لتبقي سيطرتها العسكرية والأمنية من دون أي تكاليف.
وقال فروانة: «يصر الاحتلال على إخلاء مسؤوليته المدنية وإبقاء مسؤوليته العسكرية، وبالتالي هو يتجه لعدم تشغيل معابره مع غزة بانتظام، واللجوء إلى جهات دولية وممر بحري ليكون العالم هو المسؤول عن توفير متطلبات حياة الغزيين وليست إسرائيل».
وأضاف: «لا ننسى الأهداف الخاصة بفصل غزة عن الكيان الفلسطيني بالضفة الغربية، وهو هدف أساسي لدى (رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين) نتنياهو لإفشال أي مشروع سياسي لإقامة دولة فلسطينية، وذلك عبر إبعاد أي وجود فلسطيني رسمي بالقطاع، وتحميل مسؤوليته لإدارة دولية».
واعتبر فروانة أن موقع الرصيف البحري قبالة القاعدة العسكرية التي يقيمها الجيش الإسرائيلي ويوسعها بشكل مستمر لعزل شمال القطاع عن جنوبه يعكس إمكانية إطالة أمد الحرب، وتعزيز وجود إسرائيل العسكري في غزة.
وقالت حركة «حماس» في بيان إن أي طريق لإدخال المساعدات بما في ذلك الرصيف البحري ليس كافياً لتلبية الاحتياجات الإنسانية، ولن يكون بديلاً عن فتح كافة المعابر البرية تحت إشراف فلسطيني.
وكانت الأمم المتحدة قد بدأت في تسلم المساعدات القادمة عبر الرصيف البحري، ونقلها في شاحنات إلى مخازنها في خان يونس بعد التنسيق مع الجيش الإسرائيلي للسماح لها بانتقال الشاحنات الفارغة من جنوب القطاع إلى شماله، وعودتها محملة إلى الجنوب.
وشوهدت سفن كثيرة في المنطقة المقام فيها الرصيف البحري قبالة ساحل مدينة غزة والمنطقة العسكرية التي دشنها الجيش الإسرائيلي لتكون فاصلاً بين وسط وجنوب القطاع، وبين مدينة غزة وشمال القطاع.