عدَّ خبراء في القانون أن نشر جنود إسرائيليين صوراً وفيديوهات مسيئة لمعتقلين فلسطينيين في الضفة الغربية المحتلة قد يشكل جريمة حرب، وفقاً لما يقتضيه القانون الدولي.
وحسب هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي)، فقد نشر الجيش الإسرائيلي مقاطع فيديو وصوراً لمعتقلين ملفوفين بالأعلام الإسرائيلية، في حين يقول الجيش الإسرائيلي إنه سيتم تأديب الجنود أو إيقافهم عن العمل في حالة ارتكاب «سلوك غير مقبول».
وينص القانون الدولي على عدم تعريض المعتقلين للإذلال غير الضروري، لكن خبراء حقوق الإنسان يقولون لـ«بي بي سي» إن نشر لقطات الاحتجاز تظهر تعرّض المعتقلين للإذلال.
ولم تكن تلك المرة الأولى للجيش الإسرائيلي التي ينشر فيها لقطات وصوراً لاحتجاز معتقلين، فقد رصدت وسائل إعلام في فبراير (شباط) الماضي تقريراً عن سوء سلوك جنود جيش الدفاع الإسرائيلي على وسائل التواصل الاجتماعي خلال الحرب في غزة بعد السابع من أكتوبر (تشرين الأول).
وكانت وزارة الصحة في غزة أعلنت، الجمعة، ارتفاع عدد القتلى الفلسطينيين في الحرب الإسرائيلية على القطاع منذ السابع من أكتوبر الماضي إلى 35 ألفاً و303، بينما زاد عدد المصابين إلى 79 ألفاً و261.
وذكرت هيئة الإذاعة البريطانية أنها رصدت «نمطاً مشابهاً من السلوك في الضفة الغربية، التي شهدت ارتفاعاً حاداً في أعمال العنف خلال الفترة نفسها».
ويقول الجندي الإسرائيلي السابق، والمتحدث باسم منظمة «كسر الصمت»، وهي منظمة للجنود الإسرائيليين السابقين والحاليين تعمل على فضح مخالفات في الجيش الإسرائيلي، أوري جيفاتي، إنه لم يشعر بالصدمة عندما سمع أن هذا النشاط مستمر، مضيفاً أنه «في الواقع يعتقد أن الخطاب السياسي اليميني المتطرف الحالي في البلاد يشجعه».
وقال جيفاتي: «إن (الجنود الإسرائيليين) يحظون بالتشجيع والدعم من أعلى وزراء الحكومة». ويقول إن هذا يلعب دوراً في عقلية يؤيدها الجيش بالفعل. وأضاف جيفاتي: «الثقافة السائدة في الجيش، عندما يتعلق الأمر بالفلسطينيين، هي أنهم مجرد أهداف. إنهم ليسوا بشراً. هذه هي الطريقة التي يعلمك بها الجيش كيف تتصرف».
وقال جيفاتي، وهو أيضاً قائد إسرائيلي سابق في الضفة الغربية، إنه يشعر بالخجل والاشمئزاز من معاملة الجنود الإسرائيليين للمحتجزين. وأضاف: «يجب أن نعاملهم بالكرامة نفسه التي نود أن نعامل بها». وتابع: «هذا السلوك يعكس رؤية المجتمع الإسرائيلي إلى الفلسطينيين»، ويشكك جيفاتي في ادعاء الجيش الإسرائيلي بالالتزام بالقانون الدولي.
وبنت إسرائيل نحو 160 مستوطنة تؤوي نحو 700 ألف يهودي منذ احتلت الضفة الغربية والقدس الشرقية، وتعدّ أغلبية المجتمع الدولي أن المستوطنات غير قانونية بموجب القانون الدولي.
وحللت هيئة الإذاعة البريطانية 45 صورة وفيديو نشرها جنود إسرائيليون عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وهم جنود في لواء كفير، وهو أكبر لواء مشاة في الجيش الإسرائيلي ويعمل بشكل رئيسي في الضفة الغربية. ووجد التحليل أن جميع الأشخاص الـ11 هم جنود في الخدمة أو تركوا الخدمة، ولم يخفوا هويتهم على وسائل التواصل الاجتماعي.
ورصد التحليل أن أربعة منهم ينتمون إلى كتيبة الاحتياط في لواء كفير – 9213 – والتي يبدو أن منطقة عملياتها تقع في الجزء الشمالي من الضفة الغربية. وكان أكثر هؤلاء الجنود إنتاجاً منشورات تحت اسم يوهاي فازانا، والذي يحمل رتبة رقيب أول.
وتُظهر العديد من مقاطع الفيديو الخاصة به كتيبته وهي تدخل المنازل ليلاً وتعتقل الفلسطينيين، وغالباً ما يتم ربط أيديهم وتعصيب أعينهم. وشوهدت النساء مذعورات أثناء تصويرهن من دون حجابهن.
وفازانا يحمل وشماً على ساعديه يقول: «لا تنس أبداً، لا تسامح أبداً، 7/ 10» (في إشارة لحادث 7 أكتوبر، ويشير إلى عملياته باسم «الصيد». وقد نشر فازانا 22 مقطع فيديو وصورة على «فيسبوك» و«تيك توك»؛ مما يبدو أنها لقطات من كاميرا خاصة بالدوريات، تظهر اعتقال الفلسطينيين.
أكدت «تيك توك» أن مقطعي فيديو عرضا انتهاكات لفلسطينيين، ولم تتم إزالتهما على الفور، قد تمت إزالتهماً لاحقاً لانتهاكهما الإرشادات التي «توضح أننا لا نتسامح مع المحتوى الذي يسعى إلى الحط من قدر ضحايا المآسي العنيفة».
وفي سياق متصل، أوضحت شركة «ميتا» المالكة لـ«فيسبوك»، أنها تقوم بمراجعة المحتوى وستزيل أي مقاطع فيديو تنتهك سياساتها.
وقال خبراء إن اللقطات التي نشرها الجنود يمكن أن تنتهك القانون الدولي.
ودعا الدكتور مارك إليس، رئيس اللجنة الاستشارية التي أنشأتها الأمم المتحدة بشأن المحاكم الجنائية الدولية، إلى إجراء تحقيق في الأحداث التي تظهر في اللقطات، كما دعا الجيش الإسرائيلي إلى «تأديب الجنود المتورطين».
واتفق محامي حقوق الإنسان الدولي، السير جيفري نيس، الذي عمل مع المحكمة الجنائية الدولية في قضية يوغوسلافيا بين عامي 1998 و2006، مع الدكتور إليس، لكنه كان متشككاً في إمكانية محاسبة أي شخص على أفعاله.
ورداً على «بي بي سي»، أجاب الجيش الإسرائيلي: «يلزِم جيش الدفاع الإسرائيلي جنوده بالمعايير المهنية... ويحقق عندما لا يتماشى السلوك مع قيم الجيش الإسرائيلي. وفي حالة السلوك غير المقبول، يتم تأديب الجنود وحتى إيقافهم عن الخدمة الاحتياطية».