المجاعة تطرق أبواب غزة من جديد... والقطاع الصحي ينهار

بعد سيطرة إسرائيل على رفح وإغلاق المعابر

مواطنون ينتظرون في طابور للحصول على مساعدات غذائية في دير البلح الاثنين (أ.ف.ب)
مواطنون ينتظرون في طابور للحصول على مساعدات غذائية في دير البلح الاثنين (أ.ف.ب)
TT

المجاعة تطرق أبواب غزة من جديد... والقطاع الصحي ينهار

مواطنون ينتظرون في طابور للحصول على مساعدات غذائية في دير البلح الاثنين (أ.ف.ب)
مواطنون ينتظرون في طابور للحصول على مساعدات غذائية في دير البلح الاثنين (أ.ف.ب)

منذ أن استولت القوات الإسرائيلية على معبر رفح البري، سيطر شبح المجاعة مجدداً على قطاع غزة، بعدما توقف إدخال المساعدات والبضائع بشكل شبه كامل، في وقت بدأ فيه القطاع الصحي ينهار بشكل كامل.

ومنذ نحو 8 أيام لم تدخل إلى مناطق قطاع غزة أي بضائع، سوى عدة شاحنات تحمل مساعدات محدودة من الطحين (الدقيق)، بالإضافة إلى جزء بسيط من المعلبات الغذائية. وسبق ذلك بنحو أسبوع قرار بمنع إدخال الخضار واللحوم المجمدة بشكل كامل، ما خلق وضعاً قريباً من المجاعة.

وقال التاجر بلال أبو زايدة من حي الشيخ رضوان شمال مدينة غزة، إن الاحتلال لم يسمح لأي من التجار بإدخال أي بضائع إلى مناطق شمال القطاع أو جنوبه، وأضاف لـ«الشرق الأوسط»: «ما يتوافر في الأسواق الآن هو الليمون والبصل».

وأوضح أبو زايدة: «قبل اقتحام معبر رفح كانوا يتحججون بالأعياد اليهودية، والآن تعقّدت المسألة. لقد أغلقوا كل المعابر. الناس يسألوننا عن البضائع، ولا نعرف أي شيء».

ويخشى السكان الغزيون في شمال القطاع أن يتسبب وقف إدخال المساعدات والبضائع بمجاعة حقيقية تتهددهم مرة أخرى، بعد تلك التي اختبروها في الشهور الماضية، وأودت بحياة ما يصل إلى 26 من الأطفال وكبار السن. ويخشى الغزيون في الوسط والجنوب أن يختبروا بدورهم هذه التجربة القاسية.

توزيع مساعدات غذائية وطعام على السكان في دير البلح الاثنين (أ.ف.ب)

ووفقاً لتقارير عبرية، فإن الجيش الإسرائيلي قرر فتح طريق حدودية بمثابة معبر مؤقت غرب بيت لاهيا لإدخال المساعدات مجدداً إلى مناطق شمال القطاع، بعد بدء عملية عسكرية في جباليا المجاورة، لكن متطرفين يهوداً قطعوا طريق المساعدات إليه.

والمعبر الذي أعلن جيش الاحتلال عنه جاء من أجل امتصاص غضب الأميركيين، وإظهار أن إسرائيل معنية بإدخال المساعدات، لكن التاجر راجح مقداد، وهو أحد التجار المعروفين بمنطقة الشيخ رضوان شمال غزة، قال إن إسرائيل تتحكم في كل شيء حتى مع وجود معابر مفتوحة، وأضاف لـ«الشرق الأوسط»: «يتحكم الاحتلال في كل شيء، وما يشاع إعلامياً عن إدخال البضائع بانتظام غير صحيح، هناك معاناة في كل شيء. الحصول على البضائع شاق، ويتطلب مبالغ مالية كبيرة، ولا تصل (البضائع) دائماً».

وحذرت الأمم المتحدة في الأيام الماضية من أن عدم إدخال المواد والمساعدات إلى القطاع، ينذر بكارثة إنسانية جديدة، ومجاعة ستطول هذه المرة كل مناطق قطاع غزة.

وقالت نور النجار (39 عاماً) من سكان خان يونس جنوب قطاع غزة والتي عادت منذ يومين إلى منطقة سكنها قادمة من رفح: «البضائع قليلة، وصرت أخاف على أولادي من الجوع». وأضافت: «كأنه لا يكفي الدمار والموت والخراب. الجوع فوق ذلك. لا نعرف ماذا نعمل ولا ماذا نقول. ليس لنا إلا الله».

مُسن يتناول وجبة طعام يوزعها مطبخ عمومي في دير البلح الاثنين (أ.ف.ب)

وتتحدث النجار عن أطفالها الأربعة، قائلة: «ما ذنبهم كي يجوعوا؟ كل يوم يسألون: ماذا سنأكل؟ أنفسهم تأمل بالدجاج واللحوم التي لم يأكلوها منذ زمن».

وعبثاً حاول سمير مطاوع (56 عاماً) من سكان مدينة رفح جنوب قطاع غزة، والذي اضطُر للنزوح إلى دير البلح، إيجاد كميات وافية من الطحين من أجل عائلته. قال مطاوع لـ«الشرق الأوسط»: «النقص الحالي إذا استمر يعني الوصول لمجاعة كاملة وحقيقية». وأضاف: «لا نريد شيئاً من العالم، غير إدخال مساعدات الطحين، وأن يجري توزيعها بعدل علينا كي يعيش أطفالنا على أقل القليل... هذا كل ما نريده».

ومنذ بدء نزوح المواطنين من رفح باتجاه مناطق متفرقة، ارتفعت أسعار الطحين للكيس الواحد (25 كيلوغراماً) من 7 شواقل فقط (أقل من دولارين)، إلى 150 شيقلاً (نحو 42 دولاراً)، وقد يصل إلى أكثر من ذلك في الأيام المقبلة، علماً أنه وصل إلى 3000 شيقل (أكثر من 1000 دولار) في شمال القطاع خلال فترة المجاعة.

ولا تريد سجا العرجاني، من سكان مخيم الشاطئ في الشمال، تذكّر تلك الفترة.

وقالت: «(تنذكر ما تنعاد)، لكننا خائفون. الأسعار بدأت ترتفع، والتجار (بيستغلون) كل حدث كي يرفعوا الأسعار أكثر. ليس هناك من حسيب ولا رقيب. ونحن أصلاً ليس لدينا فلوس وحالنا بالويل، لا نعرف ماذا نفعل». وأضافت لـ«الشرق الأوسط»: «بدأنا نفقد البضائع. الطحين ارتفع، والخضار (اختفت). الوضع لا يُطمئن».

وزاد الطين بلة في مناطق شمال غزة أن الطائرات التي كانت تلقي المساعدات توقفت منذ أيام.

فلسطينيون يستعدون للنزوح من رفح الاثنين (أ.ف.ب)

وإغلاق المعابر لم يمس احتياجات الناس فقط، بل فاقم الأوضاع الصحية، وراح يهدد المستشفيات بالخروج عن العمل بشكل شبه كامل. وقالت وزارة الصحة في غزة، الاثنين: «إن ساعات قليلة تفصلنا عن انهيار المنظومة الصحية في قطاع غزة نتيجة عدم إدخال الوقود اللازم لتشغيل مولدات الكهرباء في المستشفيات وسيارات الإسعاف ونقل الموظفين».

وتعمل مستشفيات في شمال ووسط وجنوب القطاع في وضع صعب للغاية، مع نقص حاد في الكوادر الصحية، والمعدات الطبية ومستلزماتها، بينما أخرجت الحرب معظمها فعلاً عن العمل.

وقال أشرف القدرة الناطق باسم وزارة الصحة في غزة لـ«الشرق الأوسط»: «نعيش في ساعات حرجة جداً، مع بدء نفاد الوقود، ما يعني أن كل المستشفيات التي تعمل بطاقة كاملة أو جزئية، على شفا الانهيار التام».

وناشد القدرة كل المؤسسات الأممية والدولية بالتحرك الجاد لإنقاذ حياة آلاف الجرحى والمرضى الذين يواجهون خطر الموت، في حال توقفت هذه المستشفيات عن العمل، وفي ظل تهديدات الاحتلال المتكررة باستهدافها على غرار ما جرى في مستشفيات أخرى.


مقالات ذات صلة

المشرق العربي الناطق الرسمي باسم الرئاسة الفلسطينية نبيل أبو ردينة (وكالة الأنباء الفلسطينية- وفا)

الرئاسة الفلسطينية: الإدارة الأميركية تتحمل مسؤولية المجازر اليومية بحق شعبنا

أعلن الناطق الرسمي باسم الرئاسة الفلسطينية، نبيل أبو ردينة، إن «الضوء الأخضر الذي حصل عليه بنيامين نتنياهو من الإدارة الأميركية جعله يستمر في عدوانه».

«الشرق الأوسط» (الضفة الغربية)
الولايات المتحدة​ طفل فلسطيني يعاني من سوء التغذية يتم حمله أثناء تلقيه العلاج في مستشفى ميداني تابع لهيئة الخدمات الطبية الدولية في دير البلح في جنوب قطاع غزة (رويترز)

آسيان تعبر عن قلقها إزاء العدد المروع للقتلى في غزة

قال وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن إن الولايات المتحدة «تعمل يومياً بشكل حثيث» من أجل وقف إطلاق النار في قطاع غزة.

«الشرق الأوسط» (فينتيان)
المشرق العربي أطفال فلسطينيون يركبون على ظهر عربة وهم يحملون أمتعتهم في غزة (أ.ف.ب)

غزة: تحذير من انتشار فيروس شلل الأطفال بين النازحين

حذرت وزارة الصحة الفلسطينية في غزة، السبت، من انتشار فيروس شلل الأطفال وغيره من الأمراض بين جموع النازحين في القطاع.

«الشرق الأوسط» (غزة)
الولايات المتحدة​ وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن  يحضر اجتماع وزراء خارجية رابطة دول جنوب شرقي آسيا الإقليمي في لاوس (أ.ب)

بلينكن: نعمل بشكل حثيث على وقف إطلاق النار في غزة

أعلن وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن اليوم (السبت) أن الولايات المتحدة «تعمل يومياً بشكل حثيث» من أجل وقف إطلاق النار في قطاع غزة.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

«روما الرباعي»... زخم يتصاعد نحو هدنة في غزة

فلسطينيون يحملون جريحاً في مستشفى «شهداء الأقصى» في أعقاب غارة إسرائيلية بدير البلح (رويترز)
فلسطينيون يحملون جريحاً في مستشفى «شهداء الأقصى» في أعقاب غارة إسرائيلية بدير البلح (رويترز)
TT

«روما الرباعي»... زخم يتصاعد نحو هدنة في غزة

فلسطينيون يحملون جريحاً في مستشفى «شهداء الأقصى» في أعقاب غارة إسرائيلية بدير البلح (رويترز)
فلسطينيون يحملون جريحاً في مستشفى «شهداء الأقصى» في أعقاب غارة إسرائيلية بدير البلح (رويترز)

في مسعى جديد لإقرار هدنة ثانية في قطاع غزة، وإنهاء الحرب المستمرة منذ 10 أشهر، يلتقي الوسطاء (قطر ومصر والولايات المتحدة)، في اجتماع رباعي، الأحد، بروما بمشاركة إسرائيلية، وسط مخاوف من «تجدد العراقيل الإسرائيلية». وأعد لـ«اجتماع روما الرباعي» خبراء ضمن زخم يتصاعد وحراك مكثف في مسار المفاوضات يشي بإمكانية أن يكون هناك جديد في مستقبل مفاوضات الهدنة.

ويتوقع الخبراء أن يكون اجتماع روما «إجرائياً» ويناقش «الخلافات» التي من بينها كيفية عودة النازحين وفتح معبر رفح الحدودي؛ لتنفيذ المرحلة الأولى من الهدنة الممتدة إلى 42 يوماً، من بين 3 مراحل تضمنها مقترح الرئيس الأميركي جو بايدن، في مايو (أيار) الماضي، لوقف إطلاق النار في غزة.

ويجتمع الأحد مسؤولون من مصر وقطر والولايات المتحدة وإسرائيل في روما، في «إطار استمرار جهود الوسطاء للوصول لاتفاق هدنة بقطاع غزة»، حسب ما نقلت قناة «القاهرة الإخبارية» الفضائية عن مصدر مصري وصفته بـ«رفيع المستوى». ويبحث الوفد الأمني المصري تطورات مفاوضات الهدنة في قطاع غزة، وفق المصدر ذاته، الذي أكد تمسك مصر بضرورة الوصول لصيغة تحمل 4 بنود؛ هي: «وقف فوري لإطلاق النار، وضمان دخول المساعدات الإنسانية إلى غزة، وضمان حرية حركة المواطنين في القطاع، والانسحاب الكامل من منفذ رفح».

مشيعون يُصلّون على أشخاص قتلوا في غارة إسرائيلية في دير البلح وسط قطاع غزة (رويترز)

بلينكن والحراك المكثف

ذكر موقع «أكسيوس» الأميركي، نقلاً عن مسؤولين أميركيين وإسرائيليين، أن «اجتماع روما» سيكون بمشاركة مدير وكالة المخابرات المركزية، ويليام بيرنز، ورئيس المخابرات المصرية، عباس كامل، ورئيس الوزراء القطري، محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، ومدير الموساد، ديفيد بارنياع.

تلك التطورات تشي بـ«حراك مكثف» في طريق المفاوضات قد يؤدي إلى نتيجة، أو يعود إلى سلسلة جديدة من الجولات من دون الوصول لاتفاق، وسط استمرار الانتهاكات الإسرائيلية، وفق ما قال مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق، السفير رخا أحمد حسن، لـ«الشرق الأوسط».

وقال وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، السبت، خلال اجتماع رابطة «آسيان» في فينتيان، إن واشنطن «تعمل يومياً بشكل حثيث» للوصول إلى اتفاق هدنة، بعد مطالبة الرئيس الأميركي جو بايدن ونائبته كامالا هاريس من رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، خلال زيارته لواشنطن، تنفيذ الاتفاق في أقرب وقت ممكن ووقف الحرب، وذلك قبيل الإعلان عن عقد اجتماع بروما.

شكوك في النجاح

وإزاء توالي المواقف الأميركية الضاغطة بشكل أكبر، سواء من بايدن أو هاريس ثم اجتماع روما، يأمل الكثيرون أن يقود هذا الزخم الكبير، إلى اتفاق هدنة جديدة، شريطة أن تكون هناك رغبة إسرائيلية حقيقة في التوصل إلى اتفاق، وفق الخبير في العلاقات الدولية عمرو الشوبكي.

ولا يُتوقع أن يتضمن اجتماع روما «مفاوضات مفصلة حول الفجوات المتبقية، لكنه سيركز بشكل أساسي على الاستراتيجية للمضي قدمًا»، وفقاً لما نقله موقع «أكسيوس» عن مصدر مطلع. وقال المصدر «لم يكن المفاوضون الإسرائيليون متفائلين بأن الاجتماع في روما سيؤدي إلى انفراجة، وشككوا في أن ضغوط بايدن على نتنياهو قد أقنعته بتخفيف بعض مطالبه الصعبة الجديدة في الاقتراح الإسرائيلي المحدث»، في إشارة لما ذكره، الجمعة، مسؤول غربي ومصدر فلسطيني ومصدران مصريان لـ«رويترز» عن سعي إسرائيل إلى «إدخال تعديلات قد تعقّد التوصل إلى اتفاق».

وكانت أهم التعديلات، وفق حديث المصادر الأربعة، بند يتمثل في «مطالبة إسرائيلية بفحص النازحين الفلسطينيين لدى عودتهم إلى شمال القطاع، خشية أن يكون من بينهم مسلحون من حماس أو متعاطفون مع الحركة»، وهو ما ترفضه حماس. وبند آخر تمثل في «احتفاظ الجانب الإسرائيلي بالسيطرة على حدود غزة مع مصر»، وهو ما ترفضه القاهرة بوصفه «يتجاوز أي إطار لاتفاق نهائي ترضى به الأطراف».

فلسطينيون يجلسون بجوار مبنى دمره القصف الإسرائيلي على قطاع غزة في وقت سابق (أ.ب)

الانسحاب الكامل من غزة

ونقلت «وكالة الأنباء الألمانية» عن مصدر قيادي فلسطيني لم تسمه، السبت، أن «حماس» لا تزال على موقفها بضرورة الانسحاب الإسرائيلي الكامل من غزة، بما فيه ممر نتساريم ومحور فيلادلفيا، وعدم قبول أي صيغة جديدة لا تتضمن نصاً واضحاً على وقف إطلاق النار.

وإذا لم يتجاوز اجتماع روما عقبات الحكومة الإسرائيلية وشروطها الجديدة، فإن عملية تفاوض ستكون صعبة جداً، وفق تقدير رخا أحمد حسن، متوقعاً ألا يتجاوب نتنياهو مع الموقف المصري - الذي سيضع مطالب القاهرة الـ4 على الطاولة في اجتماع روما - أملاً في إطالة أمد التفاوض لما بعد الانتخابات الأميركية الرئاسية، رغم أن إسرائيل حققت قدراً من أهدافها العسكرية، لكنها تريد المزيد على صعيد الجانب السياسي.

كما يتوقع أن يبحث اجتماع روما نقاط الخلاف في الاتفاق، مثل الانسحاب الإسرائيلي من داخل المدن، واستمرار إسرائيل في السيطرة على معبر رفح وتفتيش النازحين، ودور «حماس» بعد الحرب، بجانب نقاط فرعية مثل أعداد الأسرى.

نصب فلسطينيون خيماً بالقرب من الحدود المصرية بعد فرارهم من المعارك العنيفة في غزة (د.ب.أ)

ويعتقد عمرو الشوبكي أن «المطالب المصرية سوف تنفذ حال الوصول إلى اتفاق، كونها بعضا من كل، ودون ذلك سيماطل نتنياهو ويواصل كسب الوقت». وأضاف لـ«الشرق الأوسط»: «لكن هذه المرة الزخم كبير» نحو إقرار هدنة في غزة، وبالتالي فرصة إبرام اتفاق وتحقيق انفراجة قائمة، لكن «نتعامل معها بحذر» في ضوء تكرر تلك المؤشرات مع مسارات تفاوضية سابقة دون الوصول إلى صفقة جادة وحقيقية.