نتنياهو استغل تأخر قيادة «حماس» في قبول المشروع المصري

طفلان يجذبان قطعةً خشبيةً محملةً بالماء في ساحة مدرسة تديرها وكالة الأمم المتحدة (الأونروا) بمخيم الشاطئ للاجئين الفلسطينيين غرب مدينة غزة الثلاثاء (أ.ف.ب)
طفلان يجذبان قطعةً خشبيةً محملةً بالماء في ساحة مدرسة تديرها وكالة الأمم المتحدة (الأونروا) بمخيم الشاطئ للاجئين الفلسطينيين غرب مدينة غزة الثلاثاء (أ.ف.ب)
TT

نتنياهو استغل تأخر قيادة «حماس» في قبول المشروع المصري

طفلان يجذبان قطعةً خشبيةً محملةً بالماء في ساحة مدرسة تديرها وكالة الأمم المتحدة (الأونروا) بمخيم الشاطئ للاجئين الفلسطينيين غرب مدينة غزة الثلاثاء (أ.ف.ب)
طفلان يجذبان قطعةً خشبيةً محملةً بالماء في ساحة مدرسة تديرها وكالة الأمم المتحدة (الأونروا) بمخيم الشاطئ للاجئين الفلسطينيين غرب مدينة غزة الثلاثاء (أ.ف.ب)

تأخرت «حماس» في ردّها على المبادرة المصرية، طويلاً، فقرر رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، استغلال ذلك بكل ما يُعرف عن جيشه من بطش لم ينسه أحد. فالدماء الفلسطينية ما زالت تنزف والدمار يشهد، والعداء الجنوني في اليمين الإسرائيلي يستفز كل عين.

خرج نتنياهو إلى عملية اجتياح رفح، التي يسمونها في تل أبيب «محدودة وعينية كالعملية الجراحية». لكن أحداً لا يضمن ذلك، ولا حتى الرئيس الأميركي، جو بايدن، الذي تلقى وعوداً بذلك من نتنياهو فقط قبل ساعات قليلة من إطلاق الهجوم.

كانت الإشارات بأن هذا هو التطور الأقرب إلى الاحتمال واضحة كالشمس، لكن قيادة «حماس» لم تقرأ الخريطة جيداً. فقد بنت على الموقف الأميركي، الرافض للاجتياح رسمياً وفعلياً. لكن رفض الإدارة الأميركية له حدود، ولم تر قيادة «حماس» هذه الحدود، وبنتْ على موقف عائلات الأسرى واحتجاجها المتصاعد. ولكنها لا تدرك أن نتنياهو بنى لنفسه جلد فيل في قضية المشاعر، ولم ينتبه قادة الحركة إلى ما قاله ممثلو تلك العائلات من أن «مصير أولادهم الأسرى هو آخر هم عنده».

تحمل طفلتها التي أصيبت في غارة إسرائيلية داخل أحد المستشفيات بينما تشن القوات الإسرائيلية عملية برية جوية في الجزء الشرقي من رفح 7 مايو الحالي (رويترز)

جميع الخبراء في السياسة الإسرائيلية، سواء خارج أو داخل إسرائيل، كانوا يؤكدون أن نتنياهو يفتش عن وسيلة تجعله يتهم قيادة «حماس» بالمسؤولية عن الفشل، ويتمنى أن يأتي رفض الصفقة منها، لكن قيادة «حماس» لم تأخذ ذلك بالاعتبار.

الإدارة الأميركية التي كانت تتهم نتنياهو بعرقلة مسار الصفقة، أحدثت انعطافاً في موقفها بعد طرح المبادرة المصرية، وقالت إن الكرة في ملعب قيادة «حماس»، ثم قالت على لسان الرئيس ومستشار الأمن القومي ووزير الخارجية إن هناك عرضاً سخيّاً أمام «حماس»، وعليها أن تتلقفه. ولم يأت رد «حماس».

أهالي فلسطينيين قُتلوا خلال الغارات الإسرائيلية الليلية على مخيم رفح للاجئين يبكون بجوار جثثهم الملفوفة خارج مستشفى رفح الميداني جنوب قطاع غزة الثلاثاء (إ.ب.أ)

وخلال كل ذلك الوقت كانت قوى اليمين الإسرائيلي المتطرف، وليس فقط الوزيران بتسلئيل سموترتش وإيتمار بن غفير، بل وزراء ونواب كثر من حزب «الليكود»، يهددون نتنياهو بإسقاط حكومته في حال وافق على صفقة ويصرون على اجتياح رفح. وراح نتنياهو نفسه يقسم ويتعهد أنه سينفذ الاجتياح. ولكن قيادة «حماس» كانت تنتظر.

جنود ومسعفون إسرائيليون يتجمعون بالقرب من معبر كرم أبو سالم على الحدود مع قطاع غزة جنوب إسرائيل (إ.ب.أ)

ومتى جاء قرارها؟ فقط بعد أن تمكن «مقاتلو المقاومة» من تنفيذ عملية عسكرية نوعية نجحت خلالها في رصد استخباري دقيق وكشف قوة كبيرة من الجيش الإسرائيلي تؤدي مهمة حراسة الدبابات، المتأهبة لدخول المنطقة الجنوبية، بالقرب من معبر كرم أبو سالم، فقصفتها برشقة من 14 صاروخاً، فقتلت أربعة وجرحت تسعة من الجنود والضباط... وقد رأت إسرائيل أن هذه الضربة موجعة أريد لها أن تكون «صورة للنصر». وقررت أن ترد عليها بـ«صورة نصر أكبر»، على الأقل في سبيل إنقاذ ماء الوجه واستعادة الهيبة.

غزيون نازحون إلى رفح يعيدون تهيئة خيامهم وأمتعتهم استعداداً لنزوح جديد (رويترز)

قررت إسرائيل تبكير الهجوم على رفح، وعندما بدأت في استعجال ترحيل أهل رفح، المقيمين والنازحين، وحددت العدد 100 ألف من سكان الأحياء الشرقية، وتوجهت بمناشير لسكان هذه الأحياء تحثهم فيها على مغادرة بيوتهم، لأنها باتت في مرمى النار، اتصل الرئيس بايدن مع نتنياهو، غير أن نتنياهو حاول طمأنته بأنها «عملية لايت»، وبايدن حاول إقناعه بأن تكون «عملية صفر»، كما وصف ذلك الكاتب الإسرائيلي ناحوم بارنياع.

فلسطيني يستريح بعد ملء إناء بالماء من سطح منزل متضرر بشدة من القصف الإسرائيلي على منطقة تل السلطان في رفح بجنوب قطاع غزة (أ.ف.ب)

في النهاية، وبعد نصف ساعة من الحوار بين الحلفاء، اتفقا على أن تكون العملية «محدودة وسريعة». وفي هذه الأثناء، كانت عائلات الأسرى قد اشتمت رائحة رفض ومماطلة وألاعيب جديدة لدى حكومة نتنياهو، فخرجت إلى الشارع في مظاهرات صاخبة، في تل أبيب والقدس وبئر السبع وحيفا.

إسرائيل ولكي لا تبقى في خانة الرافض للصفقة، قررت إرسال وفد إلى القاهرة لمواصلة المفاوضات، وبدأت تنشر نصوص الاتفاق التي لا توافق عليها، ليتبين أنها «كثيرة».

واختار الجيش الإسرائيلي أن يبدأ عملية رفح باحتلال المعبر الواصل بين غزة وسيناء، وهو النافذة الوحيدة لأهل غزة إلى الخارج، ثم احتل شارع صلاح الدين، وأطبق على رفح من الشمال. وكانت أول صورة يعممها هذا الجيش؛ جرافاته تهدم لافتة كتب عليها «غزة»، ودوس العلم الفلسطيني وصياح هستيري للجنود «رفح بأيدينا» و«معبر رفح بأيدينا».

والآن يطالب المتطرفون بإكمال «المهمة»، واحتلال رفح بالكامل، على أمل العثور على قادة «حماس» وغالبية الأسرى. والمدنيون يهربون من رفح إلى أي مكان يستطيعون الوصول، وإسرائيل تضيق عليهم.

نتنياهو يفخر بإنجازاته ويفاوض من مركز قوة، ويطلب تغيير المقترح المصري ويهدد بالمزيد من العمليات. فالجشع عنده بلا حدود، خصوصاً إذا كان يلائم هدفه الأول، أي استمرار الحرب كي يستمر حكمه.

وعادت العصمة إلى الولايات المتحدة الأمريكية. فهي ليست وسيطاً فقط بل شريك وداعم وممول لإسرائيل وحربها. ويرى أصحاب الخبرة والتجربة أن مصيبةً كبيرةً فقط يمكن أن تنقذ الوضع وتجعل الطرفين يدفعان باتجاه صفقة.

في هذه الأثناء، عاد أهل غزة لكبت فرحتهم. ففي مساء الاثنين خرجوا إلى الشوارع عندما أعلن عن موافقة «حماس» على الصفقة، وبذلك أثبتوا كم هم موجوعون من مرور كل هذا الوقت بلا اتفاق على صفقة. لا يوجد واحد منهم إلا وقد فقد أعزاء له وأقرباء. ومع ذلك خرجوا فرحين ينشدون ويرقصون.

وتبين أن فرحتهم سابقة لأوانها. عادوا إلى الخيام خائبين، قبل أن تبدأ إسرائيل بتنغيص فرحتهم. هم لا يستطيعون التظاهر مثل عائلات الأسرى بتل أبيب، وتوجيه إصبع الاتهام لقادتهم المقصرين. لكنهم يعرفون أنهم «في الهوا سوا»، يقبعون في قاع قائمة الأولويات لدى القيادة.


مقالات ذات صلة

سموتريتش يدعو مجدداً إلى تهجير نصف سكان غزة

شؤون إقليمية مستوطنون يرقصون في مؤتمر يدعو إلى إعادة إنشاء المستوطنات اليهودية في غزة 21 أكتوبر الماضي (تايمز أوف إسرائيل)

سموتريتش يدعو مجدداً إلى تهجير نصف سكان غزة

دعا وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش، مجدداً، إلى احتلال قطاع غزة، وتشجيع نصف سكانه البالغ عددهم 2.2 مليون نسمة على الهجرة خلال عامين.

كفاح زبون (رام الله)
المشرق العربي أفراد من القوات المسلحة الأردنية يسقطون مساعدات جوية على غزة 9 أبريل 2024 (رويترز)

طائرات عسكرية أردنية تسقط مساعدات على شمال قطاع غزة

قال مصدر رسمي إن طائرات عسكرية أردنية أسقطت، الثلاثاء، مساعدات على شمال غزة لأول مرة في خمسة أشهر للمساعدة في تخفيف وطأة الوضع الإنساني المتردي في القطاع.

«الشرق الأوسط» (عمّان)
شؤون إقليمية وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش (أ.ب)

وزير المالية الإسرائيلي يدعو لخفض عدد سكان غزة للنصف

دعا وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش، اليوم الاثنين، إلى خفض عدد سكان قطاع غزة إلى النصف من خلال تشجيع الهجرة الطوعية لتسهيل السيطرة على القطاع.

«الشرق الأوسط» (القدس)
المشرق العربي فلسطينيات يستخدمن طريقاً جافاً لنقل المياه إلى خيمتهن بعد هطول أمطار غزيرة بدير البلح وسط قطاع غزة الأحد (أ.ف.ب) play-circle 00:39

الأمطار تزيد معاناة الغزيين... وتحرمهم من المصدر الوحيد للكهرباء

منذ أن قطعت الحكومة الإسرائيلية الكهرباء عن غزة بفعل حربها المستمرة ضد القطاع منذ نحو 14 شهراً، اعتمد السكان على البديل الوحيد المتوفر، وهو الطاقة الشمسية.

«الشرق الأوسط» (غزة)
المشرق العربي فلسطينيون نازحون في أحد شوارع غرب مدينة غزة اليوم (أ.ف.ب)

حكومة غزة: مئات آلاف النازحين يستعدون للعيش في الشوارع دون مساعدات أو مأوى

قال مكتب الإعلام الحكومي في غزة إن مئات آلاف النازحين في القطاع يستعدون للعيش في الشوارع دون مساعدات أو مأوى.

«الشرق الأوسط» (غزة)

إيران تقول إنها ستشغل عدة آلاف من أجهزة الطرد المركزي المتقدمة

وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي (رويترز)
وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي (رويترز)
TT

إيران تقول إنها ستشغل عدة آلاف من أجهزة الطرد المركزي المتقدمة

وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي (رويترز)
وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي (رويترز)

أعلن وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي، اليوم الثلاثاء، أن بلاده ستقوم بتشغيل عدة آلاف من أجهزة الطرد المركزي المتقدمة، وذلك رداً على قرار الوكالة الدولية للطاقة الذرية الأسبوع الماضي ضد طهران.

ونقلت «وكالة الأنباء الإيرانية الرسمية» عن عراقجي قوله: «إيران ستقوم بتشغيل آلاف من أجهزة الطرد المركزي المتقدمة رداً على قرار مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية المناهض للجمهورية الإسلامية الإيرانية».

وكان مجلس محافظي وكالة الطاقة الذرية صوت يوم الخميس بأغلبية 19 صوتاً لصالح قرار قدمته بريطانيا وفرنسا وألمانيا، الذي أفاد بأن طهران لم تتعاون بشكل كاف مع الوكالة وطلب تقريراً شاملاً عن أنشطتها النووية في موعد أقصاه ربيع عام 2025.