في سابقة لم تحدث من قبل عَبَر قاضٍ عسكري في معتقل «خليج غوانتانامو»، يوم الجمعة، إلى المنطقة الأمنية، التي تضم السجن الذي كان وقت الحرب، وفحص منشأة سابقة لمركز اعتقال سري تابع للاستخبارات المركزية الأميركية، بات محل جدال بشأن اتهامات بممارسة التعذيب في قضية الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) 2001.
لحظة فارقة في تاريخ
محاكمات «غوانتانامو»
مثلت الزيارة لحظة فارقة وبارزة في تاريخ محاكمات «غوانتانامو» التي امتدت عقدين، إذ لم يسبق لأي قاضٍ بمحاكم الحرب أن قطع رحلة الأميال الخمسة لتفقد عمليات الاحتجاز، التي يحتفظ فيها الجيش بالأثر الوحيد المعروف الباقي الكامل لشبكة السجون الخارجية السرية التي تعرف باسم «المواقع السوداء» وكانت تديرها الاستخبارات المركزية الأميركية من عام 2002 حتى 2009.
مع ذلك يتجه القاضي، العقيد ماثيو ماكول، نحو قرار بشأن ما إذا كان العقل المتهم بتدبير الهجمات، خالد شيخ محمد، و3 متهمين شاركوا معه، قد اعترفوا طواعية بالانخراط في الهجمات في عامهم الرابع من الاعتقال خلال عمليات الاستجواب التي أجراها عملاء مكتب التحقيقات الفيدرالي في معتقل «غوانتانامو».
بعيداً عن أعين «الصليب الأحمر»
وقد كان لموقع السجن الذي زاره، والذي يُطلق عليه «كامب إيكو»، دور رئيسي ولكنه سري في القضية. فمن عام 2003 إلى عام 2004، احتجزت الاستخبارات المركزية الأميركية 5 سجناء مهمين هناك، بالقرب من منشآت السجن، ولكن بعيداً عن أعين «الصليب الأحمر» الدولي. وكان السجن جزءاً من شبكتها الخارجية السرية التي أخفت نحو 120 «معتقلاً ذا قيمة عالية» في مواقع بعيدة مثل أفغانستان وتايلاند وبولندا.
في أبريل (نيسان) 2004، أغلقت وكالة الاستخبارات مركز الاعتقال السري في «غوانتانامو»، ونقلت السجناء الخمسة إلى مواقع سرية أخرى، بناءً على نصيحة وزارة العدل، لتجنب قرار وشيك للمحكمة العليا الأميركية في وقت لاحق من ذلك العام يمنح المعتقلين في «خليج غوانتانامو»، الذي تسيطر عليه الولايات المتحدة الأميركية، حق الاستعانة بمحامين.
بعد أن أمر الرئيس جورج بوش الابن بنقل خالد شيخ محمد، و13 معتقلاً آخرين خاضعين لتحقيق الاستخبارات المركزية الأميركية إلى «غوانتانامو» في سبتمبر 2006 لمحاكمتهم، استخدم عملاء فيدراليون القسم نفسه من «كامب إيكو» للحصول على اعترافات تبدو قانونية ظاهرياً من جانب ما أطلق عليه ممثلو الادعاء العام «الفرق النظيفة».
أهم ما يجري نقاشه حالياً هو ما إذا كانت الإفادات، التي قدمها المتهمون في عام 2007، على أساس مقبول في المحاكمة النهائية لخالد شيخ والمتهمين الثلاثة المتهمين بالتورط معه في مساعدة التسعة عشر مختطفاً الذين شاركوا في هجمات الحادي عشر من سبتمبر.
قضية عقوبتها الإعدام
ويعد ممثلو الادعاء العام تلك الاستجوابات الدليل الأهم في قضية عقوبتها الإعدام والتي انغمست في سلسلة من الجلسات التمهيدية منذ عام 2012. ويرى ممثلو الادعاء العام أن الإفادات كانت طوعية، وبالتالي فهي مقبولة.
على الجانب الآخر يوضح محامو الدفاع أنه بحلول عام 2007، جرى إخضاع خالد شيخ محمد والآخرين، على مدار سنوات من التعذيب والحبس الانفرادي والاستجوابات المستمرة من جانب الاستخبارات المركزية الأميركية، بحيث لم يكن بمقدورهم سوى الإجابة عن أسئلة عند الطلب.
وابتعد القضاة العسكريون بشكل عام عن عملية الاعتقال، التي تحتجز حالياً 30 سجيناً، واستدعى القضاة القادة إلى المحكمة للإجابة عن أسئلة، وقدّم المحامون صوراً فوتوغرافية لظروف السجن كدليل في المحكمة. كذلك اقترح محامو أحد المتهمين، وهو عمار البلوشي، على القاضي القيام بالرحلة الميدانية، التي أمضى فيها أقل من 20 دقيقة في فحص وتفقد مجمع الأكواخ الخشبية التي تضم زنزانات فولاذية منقسمة إلى نصفين.
وقالت ألكا برادان، محامية البلوشي، أمام المحكمة، يوم الجمعة، في إطار توجيه القاضي قبيل الزيارة، إن نصف الزنزانة يحتوي لوحة ذات سطح معدني لحصيرة النوم، ودش، وحوض غسيل، ومرحاض مصنوع أيضاً من المعدن. وجرى إعداد النصف الآخر للاستخدام كغرفة استجواب، وبه مشمع أرضية، ومسمار رباط مثبت في الأرض، يجري تقييد كاحل المعتقل بسلسلة فيه خلال الاجتماعات القانونية التي لا تزال تعقد هناك.
وقالت برادان: «بناءً على ما توافر من معلومات والاعتقاد في صحتها»، كانت هناك أيضاً «نقطة تقييد في السقف» لبعض الوقت، لكنها لم تحدد ذلك الوقت.
وفي جزء من «كامب إيكو»، وهو الذي زاره صحافيون، تحتوي الأكواخ الخشبية على نوافذ، لكن الأكواخ الموجودة في الجزء الذي جرى احتجاز سجناء الاستخبارات المركزية الأميركية فيه، واستجوابهم، تفتقر إلى الإضاءة الطبيعية، إلا إذا تُرك الباب الخارجي مفتوحاً.
وقالت برادان إن الجولة كانت تهدف إلى دعم حجة ودعوى فريق الدفاع بأن البلوشي عدَّ عملية التحقيق والاستجواب التي جرت خلال عام 2007 محطة أخرى في رحلة تعذيبه عبر مراكز الاعتقال السرية. وشهد المحققون أنهم تناولوا مع المعتقل وجبات من «ماكدونالدز»، وتجاذبوا معه أطراف الحديث.
مع ذلك قالت برادان إن مجرد وجود البلوشي هناك، في موقع مشابه لمراكز الاعتقال السرية السابقة، التي تعرض فيها للضرب، وللتقييد عارياً، وللحرمان من النوم، قد «أثار في نفسه هلعاً شديداً»، ولم يترك له خيار سوى إخبار المحققين بما يريدون سماعه.
ترك العقيد مكول رداءه الأسود في المحكمة، واتجه بصحبة مساعد له إلى نقطة التفتيش التي تتحكم في الدخول إلى مجمع السجن، والتي تقع على مسافة 15 دقيقة بالسيارة بعد حانة آيرلندية، وفرع لـ«ماكدونالدز»، وصالة للبولينغ تخدم القاعدة التي يبلغ عدد المقيمين فيها 5 آلاف 5000 شخص، لم يجرِ السماح لأكثرهم بالدخول إلى منطقة السجن.
منفذ تفجير المدمرة كول
في عام 2019، كشفت حكومة الولايات المتحدة عن حقيقة كون جزء من موقع «كامب إيكو» مركز اعتقال سري في «غوانتانامو»، لكن محامي الدفاع كانوا على علم بهذا السر من أسرار الأمن الوطني منذ سنوات. وأخبر 3 متهمين في القضايا، التي تصل عقوبتها إلى الإعدام، محاميهم بأنهم كانوا معتقلين هناك من قبل.
وجرى اتهام أحدهم، وهو عبد الرحيم الناشري، بتدبير التفجير الانتحاري الذي خطط له تنظيم «القاعدة» للمدمرة الأميركية «يو إس إس كول» قبالة سواحل اليمن في 12 أكتوبر (تشرين الأول) 2000، في أطول قضية عقوبتها الإعدام في خليج «غوانتانامو».
خلال العام الماضي، رفض العقيد لاني أكوستا، القاضي العسكري في تلك القضية، الإفادات التي أدلى بها الناشري خلال الاستجوابات الفيدرالية في «كامب إيكو» عام 2007، على أساس أنه قد جرى انتزاعها منه خلال سنوات من التعذيب على أيدي الاستخبارات المركزية الأميركية.
وكتب: «جرت المقابلة، التي أجراها مكتب التحقيقات الفيدرالي عام 2007، بالفعل في المجمع نفسه، وربما حتى الزنزانة نفسها».
* خدمة «نيويورك تايمز»