رحيل عبد الرحمن بن معمر حامل لواء الكلمة في وجه التعصّب

رحيل عبد الرحمن بن معمر حامل لواء الكلمة في وجه التعصّب
TT

رحيل عبد الرحمن بن معمر حامل لواء الكلمة في وجه التعصّب

رحيل عبد الرحمن بن معمر حامل لواء الكلمة في وجه التعصّب

فقدت الساحة الأدبية والإعلامية السعودية الأديب عبد الرحمن بن فيصل بن معمر، الذي كان رائداً من رواد الصحافة ومثقفاً رفيعاً من حملة الوعي والتنوير، ومدافعاً صلباً عن ثقافة التسامح والانفتاح في وجه التعصب والانغلاق.

تعرّف المثقفون السعوديون على عبد الرحمن المعمر (أبو بندر) خلال حضوره البهي في أروقة المنتديات الثقافية ولقاءاته المسائية بالمثقفين، حيث كان يثري النقاش، ويصبّ اهتمامه نحو القضايا المسكوت عنها، ويطرح المحاور الجريئة التي تعالج الهموم الراهنة، وقلّ أن يغيب عن منتدى كبيراً أو صغيراً في الرياض أو الطائف التي كان يقيم فيها، وكان يسوق الخطى نحو أطراف المملكة ليلتقي بالمثقفين ويتحدث معهم عن قضايا التسامح والتعايش والانفتاح، وتحدي ثقافة القطيعة والتعصب.

ولد عبد الرحمن المعمر في عام 1940 بقرية صغيرة تسمى «سدوس» (70 كيلو شمال غربي الرياض)، إحدى قرى إقليم العارض في نجد، وفي سن السادسة من عمره انتقل إلى الطائف، حيث نشأ في بيت ابن عمه ووالد زوجته الأمير الشَّيخ عبد العزيز بن فهد المعمَّر، وطالما كان الراحل عبد الرحمن بن معمَّر يستذكر أثر السنوات التي قضاها في الحجاز على نشأته الأدبية، وكان يقول إن حياته المبكرة في الطائف أتاحت له اللقاء «بأعلام وأدباء كبار كانوا يتوافدون على الطَّائف في الصَّيف، وكانت الطَّائف ملتقى لرجالات الدَّولة وزوَّارها وعدد من المثقَّفين والأدباء».

مع رواد الفكر والأدب

في الستينات الميلادية توطدت علاقته برواد الحركة الأدبية في الحجاز، أمثال أحمد عبد الغفور عطَّار، وعبد القدُّوس الأنصاري، وعبد العزيز الرفاعي الذي اشترك معه في تأسيس «دار ثقيف» للنشر والتأليف، كما اشتركا كذلك في إصدار مجلة «عالم الكتب»، وهي مجلة دورية (ربع سنوية)، صدرت في عام 1980 عن «دار ثقيف» للنشر والتوزيع.

ويتوقف الراحل عبد الرحمن المعمر كثيراً للحديث عن الفترة التي قضاها برفقة عبد العزيز الرفاعي الذي أثرّ كثيراً في حياته الفكرية والأدبية، وهو يعده «أباً روحياً» ساعدت العلاقة معه في الوصول لرواد الفكر والأدب في المملكة والعالم العربي، ومكنته من الانفتاح على مفكرين وعلماء في الحجاز ومصر وتونس وغيرها، كما ساهمت «دار ثقيف» و«مجلة عالم الكتب» في إثراء تجربته الأدبية والفكرية، وربطه بعدد من الكتاب والشعراء والأدباء في العالم العربي.

الطرافة في وجه التعصب

ومع تجربته الأدبية والصحافية، إلا أن عبد الرحمن المعمر له روح تتسم باللطف والفكاهة، وكتاباته تسير في هذا الاتجاه، كما في كتابه «المضيفات والممرضات في الشعر المعاصر»، الذي يقول في مطلعه: «في عام 1959 سافر إلى دمشق طائفةٌ من شعراء مصر لحضور مهرجان الشعر الذي أقيم بسوريا، وفي جوف الطائرة كانت المضيفة الحسناء (فاندا) تخطر بين الصفوف بهندامها البديع وقوامها الممشوق، وثغرها البسّام، فتنشي جواً رقيقاً مشبعاً بالأريج المسكر، وتهاويل الأحلام المبهجة، وكانت ابتسامتها الوديعة مبعث الأمن والطمأنينة في النفوس.

كانت (فاندا) تقدّر ما وهبها الله من سحر وفتون، وكانت تعرف أن هذه العصابة التي تناوشها من كل جانب هم شعراء وأدباء يستهويهم الجمال، ويدركون من مفاتنه ما لا يدركه غيرهم من عامة الناس».

ثم يورد مقاطع من أقوال الشعراء في «فاندا»، بينهم الشاعر علي الجندي: (رعاك الله يا فندا / وحاط جمالك الفردا / وصان محاسناً أهدت / إلى أكبادنا الوجدا / ولا برحت عنايته / لطيرك في السر جندا».

ثم يورد قصيدة أخرى للشاعر محمد علي السنوسي بعنوان «شد الحزام»، إلى أن يعرّج على الغزل في الممرضات مستعرضاً قصائد لشعراء أمثال الشاعر محمود سليم الحوت الذي تناسى كسوراً أصابته بعد أن افتتن بممرضة كانت تعالجه: «ممرضتي كدت أنسى المرض / وكسراً بضلعي وشرخاً أرضى / وأوجاع صدر وهي عظمة / وجرحاً بداخله قد أمضى».

كما أصدر كتاب «البرق والبريد والهاتف وصلتها بالحب والأشواق والعواطف»، الذي قال في مقدمته: «لما رأيت كثرة كتب الخلاف والتعصب، ومذكرات التكتل والتحزب، وهذا السيل الجارف والهدر من القراطيس المقرطسة، والكتب المكدسة، هنا وهناك وأكثرها يذهل العقل واللب، ويذهب بالوقت والجيب، ويشغل كل إنسان عما يعمل، لما رأيت كل هذا جئت أسوق هذه الدراسة الأدبية، وأقدم بين يدي نجواها كلمة علها تسهم ولو بشيء يعين في ترجيح كفة الميزان ويريح أعصاب المكدود ونفسية الحيران».

وبالنسبة لأبي بندر عبد الرحمن المعمر، كان البريد مرسال المحبين، يتساءل في الكتاب: هل سبق أن اغتربت؟ هل سبق أن اقتلعت من ترتبك بعيداً؟ هل سبق أن ذرفت الدموع شوقاً وولهاً وحباً وعطفاً؟ (..) وتنقطع عنك أخبار المحبوب وتصبح عرضةً ونهباً لنار الأشواق وتعود إلى أوراقك القديمة الجديدة تشتم منها ريح المحبوب وتنظر إلى الأوراق التي لمستها أنامل الحبيب وأودعها نظراته فتبحث عن العيون بين السطور... ثم يورد شعراً للشاعر العراقي أحمد الصافي النجفي:

«قد انقطع البريد فلا جديد.. ولا كتب ولا نبأ مفيد... فهل مات الهوى أو مات صاحبي... أو القرطاس أو مات البريدُ».

وقصيدة أخرى لنزار قباني: «تلك الخطابات الكسولة بيننا... خير لها أن تقطعا... إن كانت الكلمات عندك سخرة... لا تكتبي فالحب ليس تبرعا».


مقالات ذات صلة

«بلاك هات» تعود إلى الرياض بنسختها الثالثة

عالم الاعمال «بلاك هات» تعود إلى الرياض بنسختها الثالثة

«بلاك هات» تعود إلى الرياض بنسختها الثالثة

تعود فعالية الأمن السيبراني الأبرز عالمياً «بلاك هات» في نسختها الثالثة إلى «مركز الرياض للمعارض والمؤتمرات» ببلدة ملهم شمال العاصمة السعودية الرياض.

الخليج الأمير عبد العزيز بن سعود خلال مشاركته في الاجتماع الـ41 لوزراء الداخلية بدول الخليج في قطر (واس)

تأكيد سعودي على التكامل الأمني الخليجي

أكد الأمير عبد العزيز بن سعود وزير الداخلية السعودي، الأربعاء، موقف بلاده الراسخ في تعزيز التواصل والتنسيق والتكامل بين دول الخليج، خصوصاً في الشأن الأمني.

«الشرق الأوسط» (الدوحة)
الخليج م. وليد الخريجي وفروخ شريفزاده يترأسان الجولة الثالثة من المشاورات السياسية بين السعودية وطاجيكستان في الرياض (واس)

مشاورات سعودية - طاجيكية تناقش تعزيز التعاون في شتى المجالات

بحثت جولة المباحثات الثالثة من المشاورات السياسية بين وزارتي الخارجية السعودية والطاجيكستانية، الأربعاء، تطوير العلاقات الثنائية بين البلدين وسبل تعزيزها.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
الخليج وزير العدل السعودي خلال مباحثاته مع رئيس مؤتمر لاهاي للقانون الدولي الخاص (واس)

وزير العدل السعودي يبحث سبل تعزيز التعاون مع رئيس مؤتمر لاهاي

بحث الدكتور وليد الصمعاني وزير العدل السعودي مع كريستوف برناسكوني رئيس مؤتمر لاهاي للقانون الدولي الخاص، سبل تعزيز التعاون بين وزارة العدل ومؤتمر لاهاي للقانون.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
عالم الاعمال ديفيد كوهلر رئيس مجلس الإدارة والرئيس التنفيذي للشركة

«كوهلر» العالمية تفتتح مقرها الإقليمي في الرياض

أعلنت شركة كوهلر العالمية افتتاح مقرها الإقليمي الجديد بالعاصمة السعودية الرياض، في خطوة استراتيجية تهدف إلى دعم مسيرة التنمية والتحديث التي تشهدها المملكة.


استنفار الإعلام المرئي اللبناني على مدى 24 ساعة يُحدث الفرق

إدمون ساسين (إنستغرام)
إدمون ساسين (إنستغرام)
TT

استنفار الإعلام المرئي اللبناني على مدى 24 ساعة يُحدث الفرق

إدمون ساسين (إنستغرام)
إدمون ساسين (إنستغرام)

تلعب وسائل الإعلام المرئية المحلية دورها في تغطية الحرب الدائرة اليوم على لبنان.

نوع من «التجنيد الإجباري» فرضته هذه الحالة على المحطات التلفزيونية وموظفيها ومراسليها، فغالبيتهم يمضون نحو 20 ساعة من يومهم في ممارسة مهامهم. وبعضهم يَصِلون ليلهم بنهارهم في نقل مباشر وموضوعي، وآخرون يضعون دمهم على كفّ يدهم وهم يتنقلون بين مناطق وطرقات تتعرّض للقصف. أما رؤساء التحرير ومقدِّمو البرامج الحوارية اليومية، فهم عندما يحوزون على ساعات راحة قليلة، أو يوم إجازة، فإنهم يشعرون كما السمك خارج المياه. ومن باب مواقعهم ومسؤولياتهم الإعلامية، تراهم يفضلون البقاء في قلب الحرب، وفي مراكز عملهم؛ كي يرووا عطشهم وشهيّتهم للقيام بمهامهم.

المشهدية الإعلامية برمّتها اختلفت هذه عن سابقاتها. فهي محفوفة بالمخاطر ومليئة بالصدمات والمفاجآت من أحداث سياسية وميدانية، وبالتالي، تحقن العاملين تلقائياً بما يشبه بهرمون «الأدرينالين». فكيف تماهت تلك المحطات مع الحدث الأبرز اليوم في الشرق الأوسط؟

الدكتورة سهير هاشم (إنستغرام)

لم نتفاجأ بالحرب

يصف وليد عبود، رئيس تحرير الأخبار في تلفزيون «إم تي في» المحلي، لـ«الشرق الأوسط»، حالة الإعلام اللبناني اليوم بـ«الاستثنائية». ويضيف: «إنها كذلك لأننا في لبنان وليس عندنا محطات إخبارية. وهي، بالتالي، غير مهيأة بالمطلق للانخراط ببث مباشر يستغرق ما بين 18 و20 ساعة في اليوم. بيد أن خبراتنا المتراكمة في المجال الإعلامي أسهمت في تكيّفنا مع الحدث. وما شهدناه في حراك 17 أكتوبر (تشرين الأول) الشعبي، وفي انفجار مرفأ بيروت، يندرج تحت (الاستنفار الإعلامي) ذاته الذي نعيشه اليوم».

هذا «المراس» - كما يسميه عبود - «زوّد الفريق الإخباري بالخبرة، فدخل المواكبة الإعلامية للحرب براحة أكبر، وصار يعرف الأدوات اللازمة لهذا النوع من المراحل». وتابع: «لم نتفاجأ باندلاع الحرب بعد 11 شهراً من المناوشات والقتال في جنوب لبنان، ضمن ما عرف بحرب المساندة. لقد توقعنا توسعها كما غيرنا من محللين سياسيين. ومن كان يتابع إعلام إسرائيل لا بد أن يستشفّ منه هذا الأمر».

جورج صليبي (إنستغرام)

المشهد سوريالي

«يختلف تماماً مشهد الحرب الدائرة في لبنان اليوم عن سابقاته». بهذه الكلمات استهل الإعلامي جورج صليبي، مقدّم البرامج السياسية ونشرات الأخبار في محطة «الجديد» كلامه لـ«الشرق الأوسط». وأردف من ثم: «ما نشهده اليوم يشبه ما يحصل في الأفلام العلمية. كنا عندما نشاهدها في الصالات السينمائية نقول إنها نوع من الخيال، ولا يمكنها أن تتحقق. الحقيقة أن المشهد سوريالي بامتياز حتى إننا لم نستوعب بسرعة ما يحصل على الأرض... انفجارات متتالية وعمليات اغتيال ودمار شامل... أحداث متسارعة تفوق التصور، وجميعها وضعتنا للحظات بحالة صدمة. ومن هناك انطلقنا بمشوار إعلامي مرهق وصعب».

وليد عبود (إنستغرام)

المحطات وضغوط تنظيم المهام

وبالفعل، منذ توسع الحرب الحالية، يتابع اللبنانيون أخبارها أولاً بأول عبر محطات التلفزيون... فيتسمّرون أمام الشاشة الصغيرة، يقلّبون بين القنوات للتزوّد بكل جديد.

وصحيحٌ أن غالبية اللبنانيين يفضّلون محطة على أخرى، لكن هذه القناعة عندهم تتبدّل في ظروف الحرب. وهذا الأمر ولّد تنافساً بين تلك المحطات؛ كي تحقق أكبر نسبة متابعة، فراحت تستضيف محللين سياسيين ورؤساء أحزاب وإعلاميين وغيرهم؛ كي تخرج بأفكار عن آرائهم حول هذه الحرب والنتيجة التي يتوقعونها منها. وفي الوقت نفسه، وضعت المحطات جميع إمكاناتها بمراسلين يتابعون المستجدات على مدار الساعات، فيُطلعون المشاهد على آخر الأخبار؛ من خرق الطيران الحربي المعادي جدار الصوت، إلى الانفجارات وجرائم الاغتيال لحظة بلحظة. وفي المقابل، يُمسك المتفرجون بالـ«ريموت كونترول»، وكأنه سلاحهم الوحيد في هذه المعركة التنافسية، ويتوقفون عند خبر عاجل أو صورة ومقطع فيديو تمرره محطة تلفزيونية قبل غيرها.

كثيرون تساءلوا: كيف استطاعت تلك المحطات تأمين هذا الكمّ من المراسلين على جميع الأراضي اللبنانية بين ليلة وضحاها؟

يقول وليد عبود: «هؤلاء المراسلون لطالما أطلوا عبر الشاشة في الأزمنة العادية. ولكن المشاهد عادة لا يعيرهم الاهتمام الكبير. ولكن في زمن الحرب تبدّلت هذه المعادلة وتكرار إطلالاتهم وضعهم أكثر أمام الضوء».

ولكن، ما المبدأ العام الذي تُلزم به المحطات مراسليها؟ هنا يوضح عبود في سياق حديثه أن «سلامة المراسل والمصور تبقى المبدأ الأساسي في هذه المعادلة. نحن نوصيهم بضرورة تقديم سلامتهم على أي أمر آخر، كما أن جميعهم خضعوا لتدريبات وتوجيهات وتعليمات في هذا الشأن... وينبغي عليهم الالتزام بها».

من ناحيته، يشير صليبي إلى أن المراسلين يبذلون الجهد الأكبر في هذه الحرب. ويوضح: «عملهم مرهق ومتعب ومحفوف بالمخاطر. لذلك نخاف على سلامتهم بشكل كبير».

محمد فرحات (إنستغرام)

«إنها مرحلة التحديات»

وبمناسبة الكلام عن المراسلين، يُعد إدمون ساسين، مراسل قناة «إل بي سي آي»، من الأقدم والأشهر في هذه المحطة. وهو لا يتوانى عن التنقل خلال يوم واحد بين جنوب لبنان وشماله. ويصف مهمّته خلال المرحلة الراهنة بـ«الأكثر خطراً». ويشرح من ثم قائلاً: «لم تعُد هناك خطوط حمراء أو نقاط قتال محددة في هذه الحرب. لذا تحمل مهمتنا التحدّي بشكل عام. وهي محفوفة بخطر كبير، لا سيما أن العدو الإسرائيلي لا يفرّق بين طريق ومبنى ومركز حزب وغيره، ويمكنه بين لحظة وأخرى أن يختار أهدافه ويفاجئ الجميع... وهذا ما وضع الفرق الصحافية في خطر دائم، ونحن علينا بالتالي تأمين المعلومة من قلب الحدث بدقة».

وفق ساسين، فإن أصعب المعلومات هي تلك المتعلقة بالتوغّل البرّي للجيش الإسرائيلي، «فحينها لا يمكن للمراسل معرفة ما يجري بشكل سليم وصحيح على الأرض... ولذا نتّكل أحياناً على مصادر لبنانية من جهة (حزب الله)، و(اليونيفيل) (القوات الدولية العاملة بجنوب لبنان) والجيش اللبناني والدفاع المدني، أو أشخاص عاشوا اللحظة. ومع هذا، يبقى نقل الخبر الدقيق مهمة صعبة جداً. ويشمل ما أقوله أخبار الكمائن والأسر، بينما نحن في المقابل نفتقر إلى القدرة على معرفة هذه الأخبار، ولذا نتوخى الحذر بنقلها».

«لبنان يستأهل التضحية»

في هذه الأثناء، يتكلم مراسل تلفزيون «الجديد» محمد فرحات «بصلابة»، عندما يُسأل عن مهمّته الخطرة اليوم.

محمد كان من بين الفريق الإعلامي الذي تعرّض لقصف مباشر في مركز إقامته في بلدة حاصبيا، وخسر يومذاك زملاء له ولامس الموت عن قرب لولا العناية الإلهية، كما يقول. ويتابع: «لقد أُصبت بحالة إنكار للمخاطر التي أتعرّض لها. في تلك اللحظة عشت كابوساً لم أستوعبه في البداية. وعندما فتحت عيني سألت نفسي لبرهة: أين أنا؟»، ويضيف فرحات: «تجربتي الإعلامية ككل في هذه الحرب كانت مفيدة جداً لي على الصعيدين: الشخصي والمهني. من الصعب أن أُشفى من جروح هذه الحرب، ولكني لم أستسلم أو أفكر يوماً بمغادرة الساحة. فلبنان يستأهل منا التضحية».

العلاج النفسي الجماعي ضرورة

أخيراً، في هذه الحرب لا إجازات ولا أيام عطل وراحة. كل الإعلاميين في مراكز عملهم بحالة استنفار. ولكن ماذا بعد انتهاء الحرب؟ وهل سيحملون منها جراحاً لا تُشفى؟

تردّ الاختصاصية النفسية الدكتورة سهير هاشم بالقول: «الإعلاميون يتعرضون لضغوط جمّة، وفي الطليعة منهم المراسلون. هؤلاء قد لا يستطيعون اليوم كشف تأثيرها السلبي على صحتهم النفسية، ولكن عند انتهاء الحرب قد يكون الأمر فادحاً. وهو ما يستوجب الدعم والمساندة بصورة مستمرة من مالكي المحطات التي يعملون بها». وأضافت الدكتورة هاشم: «ثمة ضرورة لإخضاعهم لجلسات علاج نفسية، والأفضل أن تكون جماعية؛ لأن العلاج الموسمي غير كافٍ في حالات مماثلة، خلالها يستطيعون أن يساندوا ويتفهموا بعضهم البعض بشكل أفضل».