ما الدعم الذي تطالب به مصر لرعاية اللاجئين على أراضيها؟

عقب شكواها من عدم تناسب المساعدات الدولية مع زيادة تدفق المهاجرين

لاجئون سودانيون يزورون عيادة طبية في حي الزمالك بالقاهرة (أرشيفية - المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين)
لاجئون سودانيون يزورون عيادة طبية في حي الزمالك بالقاهرة (أرشيفية - المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين)
TT

ما الدعم الذي تطالب به مصر لرعاية اللاجئين على أراضيها؟

لاجئون سودانيون يزورون عيادة طبية في حي الزمالك بالقاهرة (أرشيفية - المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين)
لاجئون سودانيون يزورون عيادة طبية في حي الزمالك بالقاهرة (أرشيفية - المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين)

تشكو مصر من عدم تناسب المساعدات الدولية المقدمة إليها، مع زيادة تدفق اللاجئين والمهاجرين إلى أراضيها؛ بسبب انتشار الصراعات في المنطقة. وبينما تطالب الحكومة المصرية بزيادة الدعم الدولي المقدم لها، تحدّث مسؤولون حكوميون وأمميون، لـ«الشرق الأوسط»، عن أشكال الدعم الذي تطالب به القاهرة من المجتمع الدولي، مع زيادة الأعباء الاقتصادية الخاصة بتقديم خدمات للأجانب المقيمين.

وتواجه مصر تدفقات مستمرة من مهاجرين اضطروا إلى ترك بلادهم؛ بسبب الصراعات أو لأسباب اقتصادية ومناخية، خصوصاً من دول الجوار العربي والأفريقي، ومنها سوريا، واليمن، والسودان وفلسطين.

ووفق تقديرات حكومية مصرية ودولية، فإن أعداد اللاجئين والأجانب المقيمين على أراضيها يتعدى 9 ملايين أجنبي، من نحو 133 دولة.

واستغل رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، لقاء المدير العام للمنظمة الدولية للهجرة إيمي بوب، الاثنين، التي تزور القاهرة، بالتشديد على أن «الدعم الذي تتلقاه مصر من المجتمع الدولي لا يتناسب مع ما تتحمله من أعباء لتوفير حياة كريمة للوافدين إليها»، منوهاً، بحسب إفادة رسمية، إلى أن «هذه الظاهرة تتزامن مع وقت يعاني فيه الاقتصاد المصري تبعات الأزمات العالمية؛ وهو ما يتطلب قيام المنظمة الدولية بدورها في توفير الدعم لمصر».

وبينما لم يحدد مدبولي قيمة الدعم المطلوب لمواجهة الزيادة في أعداد اللاجئين، أكد أن «الزيادة الحادة في أعداد المهاجرين دفع الحكومة لبدء عملية تقييم شاملة لتلك الأعباء؛ حتى يمكن التواصل مع الجهات المانحة لتقديم الدعم المناسب».

وفي يناير (كانون الثاني) الماضي، أعلنت الحكومة المصرية عن عملية شاملة لـ«حصر أعداد اللاجئين والأجانب المقيمين على أراضيها، وتقدير تكلفة استضافتهم والأعباء التي تتحملها الدولة نظير راعيتهم»، خاصة الخدمات التعليمية والصحية وتوفير السلع الأساسية لهم.

وتعهدت المدير العام للمنظمة الدولية للهجرة، وفق البيان المصري، بـ«التواصل بصورة دائمة مع الجهات المانحة لحثهم على تقديم الدعم اللازم للاجئين والدول المُستضيفة لهم، ومنها مصر»، التي وصفتها بأنها «شريك مُهم للمنظمة في المنطقة».

وتتميز مصر بأنها «لا تضع قيوداً أو ضغوطاً» على إقامة اللاجئين والمهاجرين أو على عملهم، وفق رئيس اللجنة الوطنية التنسيقية لمكافحة ومنع الهجرة غير الشرعية والاتجار بالبشر السفيرة نائلة جبر، التي أوضحت لـ«الشرق الأوسط»، أن «مصر تقدم الخدمات الأساسية دون تفرقة مع المواطنين المصريين أو قيود»، بعكس دول أخرى «تهدد المجتمع الدولي بملف اللاجئين على أراضيها».

وتشير جبر إلى تضاعف أعداد الأجانب في مصر أخيراً، وتقدر بأن «تعدادهم ربما وصل إلى 10 ملايين أجنبي، بينهم نصف مليون لاجئ مسجلون لدى مفوضية الأمم المتحدة، منهم مهاجرون شرعيون وغير شرعيين»، وقالت: «مع اشتعال الأزمة في السودان استقبلت مصر أكثر من نصف مليون سوداني، بالإضافة إلى نحو 5 ملايين آخرين كانوا موجودين في مصر».

لاجئون سودانيون يسجّلون لدى المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في مصر (المفوضية)

وقبل ثلاثة أشهر، انتشرت حملات على مواقع التواصل الاجتماعي بمصر، تنادي بترحيل اللاجئين والمهاجرين؛ كونهم «تسببوا في غلاء المعيشة» على حد مروجيها، في مواجهة رأي مقابل يعدّهم في «بلدهم الثاني».

وحول حجم الدعم الذي تطالب به مصر، تقول جبر إن «الحكومة المصرية تعمل الآن على تقييم كامل لحجم ما تتكفل به، حيث تقدم سلعاً ومنتجات مدعمة من الدولة، مثل رغيف العيش والمشتقات البترولية، وما تطالب به هو زيادة الدعم المقدم من المانحين الأوروبيين والدول المستقبلة للهجرة»، لافتة إلى أن «ما يُقدّم إلى مصر من دعم من المجتمع الدولي لا يضاهي الخدمات المقدمة لأعداد الأجانب المقيمين على أرضها».

وتوضح رئيس اللجنة الوطنية التنسيقية، أن «هدف مصر هو أن يكون هناك دعم يوازي ما يقدم من خدمات للأجانب في صورة منح ومعونات تلبي الخدمات المقدمة للمهاجرين»، وتستهدف القاهرة بشكل أساسي زيادة الدعم من «دول المقصد للمهاجرين»، خصوصاً الدول الأوروبية المستقبلة للهجرة غير الشرعية.

وفي مارس (آذار) الماضي وقّع الاتحاد الأوروبي اتفاقات في مصر تضمنت حزمة تمويل بقيمة 7.4 مليار يورو (8.06 مليار دولار) على مدى أربعة أعوام، تشمل قروضاً واستثمارات وتعاوناً في ملفي الهجرة إلى أوروبا ومكافحة الإرهاب.

وتزايدت أعباء الحكومة المصرية المالية، في توفير الخدمات الأساسية للأجانب على أراضيها، مع تفاقم الأزمة الاقتصادية التي تمرّ بها البلاد خلال الأشهر الأخيرة، في ظل ارتفاع معدلات التضخم على خلفية تراجع سعر الجنيه أمام الدولار، وتراجع إيراد قناة السويس والسياحة؛ بسبب تداعيات حرب غزة.

وتؤيد مسؤولة العلاقات الخارجية بمكتب مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في القاهرة كريستين بشاي، الموقف المصري بضرورة زيادة الدعم الدولي المقدم، موضحة لـ«الشرق الأوسط»، أن المفوضية «تقدّم دعماً محدوداً للحكومة المصرية في ضوء الإمكانات التي تمتلكها وفي ضوء ضعف التمويل المتاح لها، مثل خدمات التعليم والصحة ومعونات مادية للأسر الأكثر احتياجاً من اللاجئين».

وكشفت عن دعم المفوضية للمدارس والمستشفيات الحكومية، خاصة التي تقدم خدمات للاجئين المسجلين، حيث قدمت دعماً لوزارة الصحة المصرية خلال السنوات العشر الماضية بأكثر من 5 ملايين دولار في صورة مستلزمات طبية، وفي مجال التعليم شاركت المفوضية في مشروع مدارس الشبكة الفورية مع إحدى شركات الاتصالات، وتم دعم 48 مدرسة بهذا المشروع، وجار العمل في 22 مدرسة إضافية، بإجمالي 70 مدرسة.

وتسجل المفوضية في مصر، بحسب كريتسين بشاي، نحو 590 ألف لاجئ من 60 دولة، أكثرهم من السودان بواقع 315 ألف لاجئ، يليهم السوريون بواقع 155 لاجئ سوري، بالإضافة إلى جنسيات أخرى.

وفي مايو (أيار) العام الماضي، كشف المفوض السامي للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين فيليبو غراندي، عن تخصيص 114 مليون دولار لمصر؛ لدعم جهودها في استضافة الفارين من الصراع بالسودان، ضمن خطة عاجلة لحشد تمويل قدره 470 مليون دولار لمواجهة تدفق اللاجئين للجوار، غير أن مصر شكت من عدم التطبيق. ودعت «الخارجية المصرية»، في منتصف أبريل (نيسان) الماضي، الدولَ المانحة لـ«تنفيذ تعهداتها التي أعلنت عنها العام الماضي».


مقالات ذات صلة

واشنطن تبحث نقل رعايا دول ثالثة إلى بالاو

الولايات المتحدة​ أحد المؤيدين لترمب يحمل لافتة مكتوباً عليها «ترحيل المهاجرين غير الشرعيين الآن» خلال تجمع انتخابي العام الماضي (أ.ف.ب)

واشنطن تبحث نقل رعايا دول ثالثة إلى بالاو

قالت الولايات المتحدة إن نائب وزير الخارجية كريستوفر لانداو أجرى اتصالاً هاتفياً مع سورانغيل ويبس، رئيس بالاو، بحثا خلاله نقل رعايا دول ثالثة إليها.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الولايات المتحدة​ أفراد من الجيش الأميركي يرافقون أعضاءً مزعومين في عصابة ترين دي أراغوا الفنزويلية وعصابة إم إس-13 رحّلتهم الحكومة الأميركية إلى مركز احتجاز في السلفادور (رويترز)

«سي بي إس» تمنع بث تقرير عن عمليات ترحيل جماعي نفذتها إدارة ترمب

منعت رئيسة التحرير الجديدة لشبكة «سي بي إس» الأميركية بث تقرير نهاية هذا الأسبوع حول تبعات عمليات الترحيل الجماعي التي نفذتها إدارة دونالد ترمب.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
المشرق العربي قادمون من لبنان عند معبر «جديدة يابوس» جنوب غربي سوريا في 6 أكتوبر الماضي (أ.ف.ب)

مسؤول أممي يتوقع عودة مليون لاجئ إلى سوريا في عام 2026

تقديرات «المفوضية» أن أكثر من 4 ملايين سوري سيعودون خلال فترة عامين، ما يجعل الدعم المالي الدولي مسألة عاجلة لضمان الاستقرار ومنع تفاقم الأزمات الإنسانية.

«الشرق الأوسط» (دمشق)
المشرق العربي برهم صالح المفوض السامي لوكالة اللاجئين التابعة للأمم المتحدة (ا.ب)

ردود فعل عراقية على انتخاب برهم صالح رئيساً لوكالة اللاجئين

أعلن الرئيس العراقي السابق، برهم صالح، الجمعة، انتخابه رسمياً مفوضاً سامياً جديداً للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، متعهداً بنهج يقوم على الالتزام بالقانون الدولي.

«الشرق الأوسط» (بغداد)
أوروبا أفغان يدخلون حافلة بمطار هانوفر فور وصولهم إلى ألمانيا بعد منحهم حق اللجوء فيها (أرشيفية - رويترز)

ألمانيا تعتزم استقبال مئات الأفغان العالقين في باكستان

أعلنت برلين الخميس أنها تعتزم استقبال 535 أفغانيا كانوا قد تلقوا وعودا لم تنفذ بمنحهم اللجوء إلى ألمانيا وظلوا عالقين في باكستان.

«الشرق الأوسط» (برلين)

«ضعف المشاركة» في الاقتراع يهدد إعادة الدوائر الملغاة بـ«النواب» المصري

مصريون في طابور أمام القنصلية المصرية بالرياض قبل الإدلاء بأصواتهم الخميس (تنسيقية شباب الأحزاب)
مصريون في طابور أمام القنصلية المصرية بالرياض قبل الإدلاء بأصواتهم الخميس (تنسيقية شباب الأحزاب)
TT

«ضعف المشاركة» في الاقتراع يهدد إعادة الدوائر الملغاة بـ«النواب» المصري

مصريون في طابور أمام القنصلية المصرية بالرياض قبل الإدلاء بأصواتهم الخميس (تنسيقية شباب الأحزاب)
مصريون في طابور أمام القنصلية المصرية بالرياض قبل الإدلاء بأصواتهم الخميس (تنسيقية شباب الأحزاب)

تُلاحق مخاوف «ضعف المشاركة» مجدداً الانتخابات البرلمانية المصرية، مع انطلاق جولة إعادة التصويت في الدوائر الـ19 التي أُلغيت نتائجها في المرحلة الأولى من انتخابات مجلس النواب، والمقرر إجراؤها يومَي السبت والأحد، وهو ما بدا واضحاً في تقديرات حقوقيين وسياسيين وإعلاميين راهناً.

وتُعد نسب المشاركة أحد أبرز التحديات التي تواجه انتخابات «النواب»، التي وُصفت بأنها «الأطول والأكثر إثارة للجدل»، بعد أن جرى التصويت خلالها عبر ثماني جولات متتالية، تخللتها إعادة الانتخابات في عشرات الدوائر التي أُلغيت نتائجها بقرارات من الهيئة الوطنية للانتخابات والمحكمة الإدارية العليا.

ورغم أن «الوطنية للانتخابات» المخولة بالإشراف على العملية الانتخابية، لا تعلن رسمياً نسب المشاركة، فإن «تراجع الإقبال بدا واضحاً»، بحسب متابعات منظمات حقوقية، من بينها المركز الإعلامي لحقوق الإنسان (إحدى الجهات المعتمدة لمراقبة الانتخابات)، وظهر ذلك جلياً في أحد مراكز الاقتراع بحي الهرم في محافظة الجيزة، ضمن الدوائر الثلاثين التي أُعيد التصويت فيها يومَي 10 و11 ديسمبر (كانون الأول) الحالي.

وعلى الرغم من أن دوائر الريف عادة ما تشهد إقبالاً نسبياً أكبر، بفعل الاعتبارات العائلية والقبلية، فإن النتائج جاءت دون التوقعات خلال جولة الإعادة في المرحلة الثانية، التي أُجريت يومَي 14 و15 ديسمبر. ففي دائرة مركز ومدينة طنطا، على سبيل المثال، «لم تتجاوز نسبة المشاركة 9.3 في المائة».

مركز اقتراع بجولة الإعادة في المرحلة الثانية لانتخابات «النواب» (تنسيقية شباب الأحزاب)

وعلى وقع هذه الأرقام التي تحدثت عنها نتائج الفرز، تصاعد الحديث في وسائل إعلام حكومية وشبه حكومية عن ضعف المشاركة. وخصّص الكاتب الصحافي المصري، محمود مسلم، في مقال له بصحيفة «الأهرام» شبه الرسمية، الجمعة، الضوء على ما وصفه بـ«المقارنات المنتشرة على وسائل التواصل الاجتماعي بين انتخابات مجلس النواب وانتخابات الأندية»، معتبراً أن هذه المقارنات «ليست في مصلحة العملية السياسية ولا القائمين عليها».

وفي السياق نفسه، أشار الإعلامي المصري، أسامة كمال، عبر برنامجه على قناة «دي إم سي» مساء الأربعاء الماضي، إلى أن «انتخابات مجلس النواب تكشف عن ضعف في نسب المشاركة في عدد من الدوائر»، متناولاً المسألة بإيجاز ضمن نقاش أوسع حول المشهد السياسي.

وتكرر الهيئة الوطنية للانتخابات، في مؤتمراتها الصحافية المتعاقبة خلال جولات الإعادة، دعوة المواطنين إلى «المشاركة بكثافة في الاقتراع». وكان رئيس غرفة العمليات المركزية بالهيئة، القاضي أحمد بنداري، قد دعا المواطنين، أخيراً، إلى «المشاركة والتصويت بشكل أكبر في الانتخابات».

غير أن رئيس حزب «التحالف الشعبي الاشتراكي»، مدحت الزاهد، قال لـ«الشرق الأوسط» إن «ضعف المشاركة لا يقتصر على المرحلة الحالية، بل يمثل امتداداً لسنوات سابقة».

ناخبون مصريون أمام أحد مراكز الاقتراع في محافظة كفر الشيخ خلال جولة إعادة المرحلة الثانية (تنسيقية شباب الأحزاب)

وعزا الزاهد ضعف المشاركة الانتخابية إلى «سياق عام يتيح لأصحاب الأموال الفوز، مروراً بتقسيم الدوائر، وصولاً إلى نظام القوائم المطلقة، الذي يحرم كثيراً من الكفاءات من التمثيل البرلماني». ويرى أن «تعزيز المشاركة السياسية وحماية حقوق المرشحين والمواطنين يمثلان خطوة أساسية لتقوية الديمقراطية وإنتاج برلمان قادر على مواجهة التحديات الوطنية».

وفي مقابل الجدل المتزايد حول ضعف الإقبال، نقلت «وكالة أنباء الشرق الأوسط» الرسمية بمصر، الجمعة، استعدادات أمنية مكثفة لتأمين جولة الإعادة في الدوائر الـ19. وأفادت بأن وزير الداخلية المصري، اللواء محمود توفيق، كلف مديري الأمن والقيادات الأمنية والمستويات الإشرافية بالمحافظات المعنية، بالمرور على القوات المشاركة في خطة التأمين، للتأكد من جاهزيتها الكاملة لتنفيذ المهام الموكلة إليها بدقة وانضباط.

في حين يعتقد أستاذ علم الاجتماع، الدكتور سعيد صادق، أن ضعف الإقبال على انتخابات الإعادة في الدوائر الملغاة «ليس مفاجئاً»، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن «هذا التراجع يعكس انخفاض حماس الناخبين مقارنة بالجولات السابقة».


مصر: الفائدة تنخفض والتضخم يتراجع... ما تأثير ذلك على الأسعار؟

وزير التموين المصري شريف فاروق أثناء تفقده أحد الأسواق بالقاهرة (وزارة التموين المصرية)
وزير التموين المصري شريف فاروق أثناء تفقده أحد الأسواق بالقاهرة (وزارة التموين المصرية)
TT

مصر: الفائدة تنخفض والتضخم يتراجع... ما تأثير ذلك على الأسعار؟

وزير التموين المصري شريف فاروق أثناء تفقده أحد الأسواق بالقاهرة (وزارة التموين المصرية)
وزير التموين المصري شريف فاروق أثناء تفقده أحد الأسواق بالقاهرة (وزارة التموين المصرية)

ينتظر محمد إبراهيم، وهو موظف مصري في منتصف الأربعينات من عمره، أن «تنعكس قرارات خفض الفائدة وتراجع مؤشرات التضخم على أسعار السلع والخدمات الرئيسية»، ويرى أن «لغة الأرقام ما زالت لم تظهر على الأسواق بشكل واضح، خاصة أنه يعاني من زيادة الأعباء التي تلتهم ميزانية المعيشة الشهرية».

المواطن المصري، الذي يقطن في حي إمبابة الشعبي بمحافظة الجيزة، ولديه اثنان من الأبناء في مراحل التعليم المختلفة، تابع قرار البنك المركزي المصري الصادر مساء الخميس بـ«خفض سعر الفائدة بنسبة 1 في المائة»، وقال لـ«الشرق الأوسط» إنه «اعتاد خلال عام 2025 أن يستمع إلى أرقام إيجابية بشأن الاقتصاد، لكن ذلك لم ينعكس بعد بشكل ملحوظ على الأسعار، بخاصة السلع الرئيسية التي لا غنى عنها في المنزل».

ويعتقد إبراهيم أن «أي مؤشرات لا تنعكس على الواقع المعيشي لا يتم التعويل عليها؛ لكنه يظل يطرح تساؤلاً مستمراً منذ سنوات، وهو متى تنخفض الأسعار؟»، مشيراً إلى أن «ما يحدث في الواقع أن الخدمات الرئيسية التي من المفترض أن تنخفض حدثت بها زيادات أخيرة مع رفع أسعار الوقود، وبالتالي ارتفاع تكاليف التنقلات، كما أن الأرقام الإيجابية تتزامن مع أحاديث عن رفع أسعار الكهرباء مع بداية العام الجديد».

وقرّرت «لجنة السياسة النقدية» بالبنك المركزي المصري في اجتماعها، الخميس، خفض أسعار الفائدة بنسبة 1 في المائة، ليصبح سعري عائد الإيداع والإقراض لليلة واحدة 20 في المائة، و21 في المائة على الترتيب. وبحسب بيان صادر عن «المركزي»، فإن «القرار يأتي انعكاساً لتقييم لجنة السياسة النقدية لآخر تطورات التضخم وتوقعاته منذ اجتماعها السابق».

وهذه هي المرة الخامسة التي يقرر فيها «المركزي» خفض أسعار الفائدة خلال عام 2025، فيما عاود المعدل السنوي للتضخم العام مسار الهبوط مسجلاً 12.3 في المائة خلال نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، وذلك على الرغم من الزيادة الأخيرة في أسعار الوقود في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي.

البنك المركزي المصري يخفض سعر الفائدة مجدداً الخميس (الصفحة الرسمية للبنك)

ويتابع «مركز معلومات مجلس الوزراء» المصري بشكل يومي أسعار السلع، وفقاً لما يتم نشره على «بوابة أسعار السلع المحلية والدولية». وتشير مؤشرات، الجمعة، إلى أن «هناك ارتفاعاً في أسعار الفول والدقيق والزيت والسكر واللحوم»، بينما انخفضت «أسعار الأرز والجبن والمسلي الصناعي مقارنة بما كانت عليه الأسعار يوم الخميس».

وهو ما يفسره رئيس شركة «مصر» للمستحضرات الغذائية، عضو غرفة الصناعات الغذائية سابقاً، محمد شكري، بأن «تراجع أسعار الفائدة والتضخم يمكن أن يقود إلى خفض أسعار السلع الرئيسية؛ لكن بعد فترة قد تتراوح بين شهر ونصف شهر إلى 6 أشهر بحسب الإقبال على السلع ودورة استيرادها من الخارج».

وأضاف لـ«الشرق الأوسط» أن «السلع الغذائية الموجودة الآن في الأسواق تم استيرادها منذ شهر أو أكثر، كما أن بعض السلع قد لا تشهد انخفاضاً في أسعارها إذا ما كان هناك طلب مرتفع عليها».

ويرى أن «السلع الغذائية التي تعتمد على السكريات من الممكن أن تنخفض أسعارها بشكل أسرع، نتيجة لأن هناك تراجعاً في الإقبال عليها مع تراجع القوة الشرائية والتركيز على الاحتياجات الغذائية الرئيسية»، مشيراً إلى أن «المنافسة القوية في الأسواق يمكن أن تُسرع من وتيرة خفض الأسعار».

وتظهر مؤشرات التضخم السنوي للسلع الغذائية في مصر تراجعاً حيث سجلت 0.7 في المائة، وهو أدنى معدل له منذ أكثر من 4 سنوات، وفقاً لإحصائيات «البنك المركزي»، الذي توقع أيضاً استمرار انخفاض التضخم خلال العام المقبل، لكنه في الوقت ذاته شدد على أن «وتيرة التراجع لا تزال متأثرة نسبياً ببطء انحسار تضخم السلع غير الغذائية، وتأثير إجراءات ضبط أوضاع المالية العامة، علاوة على ذلك، لا تزال التوترات الجيوسياسية على المستوى العالمي تشكل مخاطر صعودية على توقعات التضخم».

معدلات التضخم في مصر تراجعت خلال الشهور الماضية (وزارة التموين)

الخبير الاقتصادي المصري، علي الإدريسي، يرى أن حركة الاقتصاد لا تتسم بالسرعة التي ينتظرها المواطنين وأن ما يمكن وصفه «بعجلة الاقتصاد» يأخذ فترة زمنية وتختلف من سلع إلى أخرى وهو ما يترجم تراجع أسعار بعض السلع الاستهلاكية الغذائية عن غيرها من السلع، ويرجع ذلك إلى أن دورة الإنتاج صغيرة، لكنها تأخذ في الاتساع على مستوى الدواجن ثم اللحوم مثلاً، وهو أمر يختلف عن أسعار السيارات والعقارات مثلاً.

وأوضح لـ«الشرق الأوسط» أن «الحكومة لا بد أن تبدأ بنفسها، بمعنى أن تتوقف عن اتخاذ أي قرارات برفع أسعار الخدمات التي تبقى لديها تأثيرات سلبية على انخفاض معدلات التضخم، والأمر لا يتوقف على المحروقات أو الكهرباء فقط؛ لكن كل ما يرتبط بالخدمات التي يتعامل معها المواطنون».

وأشار إلى أن حركة السوق في مصر تعاني تباطاً في حركة الشراء بسبب «تدني الأجور»، وهو ما يحافظ بقدر ما على ثبات الأسعار؛ لكن دون أن يؤدي ذلك إلى تراجعها في ظل حديث متكرر عن الركود من جانب التجار.

وانخفض معدل التضخم السنوي في مصر من مستوى قياسي بلغ 38 في المائة في سبتمبر (أيلول) 2023، بدفعة من حزمة دعم مالي بقيمة 8 مليارات دولار من صندوق النقد الدولي في مارس (آذار) 2024.

ويستهدف «المركزي المصري» بلوغ متوسط معدل التضخم نطاقاً من 5 إلى 9 في المائة في الربع الرابع من 2026، ونطاقاً من 3 إلى 7 في المائة في الربع الرابع من 2028، وفقاً لبيانه الأخير.


بين «الرواية الرسمية» وواقع «السناتر»... هل انكسرت شوكة «الدروس الخصوصية» بمصر؟

وزير التعليم المصري خلال تفقد مدرسة في محافظة كفر الشيخ الشهر الماضي (التربية والتعليم)
وزير التعليم المصري خلال تفقد مدرسة في محافظة كفر الشيخ الشهر الماضي (التربية والتعليم)
TT

بين «الرواية الرسمية» وواقع «السناتر»... هل انكسرت شوكة «الدروس الخصوصية» بمصر؟

وزير التعليم المصري خلال تفقد مدرسة في محافظة كفر الشيخ الشهر الماضي (التربية والتعليم)
وزير التعليم المصري خلال تفقد مدرسة في محافظة كفر الشيخ الشهر الماضي (التربية والتعليم)

بين «رواية رسمية» تحدثت عن «انخفاض الإقبال على الدروس الخصوصية بـ(السناتر)»، و«هي أماكن غير رسمية للدروس»، و«واقع» تحدث عنه طلاب وخبراء تربية أشاروا إلى عكس ذلك؛ أثيرت تساؤلات حول إشكالية «الدروس الخصوصية» في البلاد.

محمد «ح»، يدرس في الصف الثالث الثانوي، ويقطن في ضاحية حدائق الزيتون (شرق العاصمة المصرية)، يشكو من «صعوبة وجود أماكن داخل (السنتر) الذي يتلقى فيه بعض المواد لكثرة الأعداد»، وأنه «لو أراد الجلوس في الـصف الأول، فعليه أن يذهب قبل أي درس بساعتين على الأقل، مما يضيّع عليه وقتاً طويلاً».

حال محمد لا يختلف عن زميله علي «س»، الذي يقطن في المطرية، ويفضّل «عدم تضييع وقته لحجز الصف الأول، ويظل في نهاية الصف». وقال: «المهم هو مُذكّرة المدرس؛ لكن الشرح أحياناً لا أسمع منه شيئاً».

وبحسب وزير التربية والتعليم المصري، محمد عبد اللطيف، فإن «لغة الأرقام والمؤشرات الميدانية تعكس تراجعاً ملحوظاً في (بيزنس) الدروس الخصوصية والكتب الخارجية نتيجة عودة الثقة في دور المدرسة». وأشار في حديث متلفز أخيراً إلى «انخفاض حجم العمل في مراكز الدروس الخصوصية (السناتر) بنسبة تتراوح بين 50 و60 في المائة، نتيجة انتظام الطلاب في المدارس خلال الفترة الصباحية»، مؤكداً أن «هدف وزارته هو حصر العملية التعليمية بالكامل داخل أسوار المدرسة مع المعلمين».

أحد «السناتر» في منطقة فيصل بمحافظة الجيزة (الشرق الأوسط)

إجراءات «التعليم»

وترتبط إشكالية «الدروس الخصوصية» في مصر بطلاب المدارس، خاصة في المرحلة «الثانوية»، وترسخت ثقافياً لدى بعض الأسر بعد أن أضحت مشكلة تعليمية منذ سنوات عديدة، ولم تُفلح الإجراءات الحكومية في مواجهتها، إلى أن أصبح هناك تعايش معها رغم اتخاذ إجراءات إدارية بغلق «سناتر»، وأخرى تتعلق بتوفير بديل للطلاب داخل المدرسة عبر «فصول التقوية» (حصص في مقابل مادي زهيد).

الخبير التربوي، أستاذ التقويم التربوي بجامعة عين شمس الحكومية، الدكتور تامر شوقي، يرى أن وزارة «التعليم» اتبعت عدة إجراءات لتقييد «الدروس الخصوصية» طيلة السنوات الماضية، لكنه أشار إلى «صعوبة القضاء على الدروس الخصوصية؛ نظراً لأنها متصلة بأمور نفسية لأولياء الأمور أكثر من كونها تعليمية وتربوية».

ولفت إلى أن «التعليم» اتبعت بعض الإجراءات التربوية وغير التربوية للحد من «الدروس الخصوصية»، بينها «تخفيف المناهج»، وهذا قد ينعكس بدوره على اختيار مواد بعينها للتقوية فيها عبر «الدروس الخصوصية» دون أخرى.

وفسّر شوقي لجوء الطلاب إلى «السناتر» بسبب «غياب المعلم عن المدرسة والكثافات العالية داخل الفصول الدراسية»، لكنه قال لـ«الشرق الأوسط» إن وزارة «التعليم» عالجت الأمرين، وهذا قد يكون أثر بشكل مباشر أو غير مباشر على بعض الطلاب في تلقي «الدروس الخصوصية»، لكن «السناتر» تعمل كما هي ولم تتأثر، حسب تعبيره.

وزير التعليم المصري خلال زيارة لإحدى مدارس إدارة التبين التعليمية بالقاهرة مطلع الشهر الجاري (التربية والتعليم)

«اقتصاد السناتر»

ويثار من وقت لآخر الحديث حول «بيزنس السناتر والدروس الخصوصية»، والذي قال عنه شوقي إنه «لا يوجد تقديرات رسمية حقيقية حول حجم أموال الدروس الخصوصية»، لكنه قدرها بحسب ما يتردد بـ«120 أو 160 مليار جنيه أو أكثر من ذلك سنوياً» (الدولار الأميركي يساوي 47.5 جنيه في البنوك المصرية). ونهاية يناير (كانون الثاني) الماضي، ذكر رئيس «جمعية خبراء الضرائب المصرية»، أشرف عبد الغني، في بيان نشرته صحف محلية، أن «الدروس الخصوصية تستنزف 247 مليار جنيه سنوياً من موارد الأسر».

أستاذ القياس والتقويم والإحصاء النفسي والتربوي، الدكتور محمد فتح الله، تساءل: هل انخفضت «الدروس الخصوصية» داخل «السناتر»؟ وكانت إجابته سريعة: لا. ويرى أنه «كان على وزير التعليم أن يقول إن وزارته تقوم بمواجهة مشكلة (الدروس الخصوصية)، لكن حديث انخفاض العمل داخلها إلى هذا الرقم غير واقعي». فالملاحظ أن «هناك انضباطاً بالمدارس بين طلاب صفوف مراحل النقل، لكن الثانوية العامة (3 ثانوي) لا يذهب الطلاب فيها إلى المدارس».

وأضاف لـ«الشرق الأوسط» أن «حديث الوزارة يبقى واقعياً عندما نجد طلاب 3 إعدادي (المرحلة الدراسية التي تسبق الثانوية)، و3 ثانوي (التي تؤهل لدخول الجامعات) في المدارس».

وبحسب فتح الله، فإنه «يوجد الآن نسب حضور مرتفعة في المدارس، لكن أولياء الأمور والطلاب عندما يسمعون حديث انخفاض الدروس بـ(السناتر) يفقدون الثقة في المؤسسة التعليمية؛ لأنهم شهود على الكثافة العالية داخل هذه المراكز»، على حد قوله. وطرح فتح الله مقترح «تقنين السناتر» بشكل يضمن تقديم خدمات تعليمية موازية مثل التعليم الخاص، لكن يتم ذلك «وفق ضوابط محددة ومراقبة من الدولة على ما يقدم داخلها».

وتابع حديثه: «منذ تسعينيات القرن الماضي و(التعليم) تردد بنفس الثقة: قضينا على الدروس الخصوصية»، لكن «الواقع يشير إلى تزايدها وليس كسر شوكتها».

ويصل سعر المحاضرة الواحدة في المراكز التعليمية إلى 100 أو 200 جنيه للطالب الواحد، وهي أسعار تتفاوت بحسب المنطقة، وفقاً لمحمد، الذي فضّل عدم ذكر اسمه الثاني، هو وزميله علي، وقال: «ممكن أحصل على أكثر من محاضرة في اليوم الواحد، فضلاً عن أن سعر المحاضرة يتوقف على (صيت) المدرس، وتجهيزات المكان، وعدد الطلاب».

مقر وزارة التربية والتعليم في مصر (الصفحة الرسمية للوزارة على «فيسبوك»)

«بدائل مراكز الدروس»

وزير التعليم المصري ذكر في تصريحاته المتلفزة أن «وزارته تعمل حالياً على إنشاء منصة رقمية تعليمية موحدة بالتعاون مع الجانب الياباني، بعد النجاحات التي تحققت في مجالات البرمجة والذكاء الاصطناعي، على أن تضم المنصة كل ما يخص الطالب والمنظومة التعليمية، بالتنسيق مع وزارة الاتصالات»، مؤكداً أن «الهدف النهائي هو تعليم حقيقي داخل المدرسة، وتقليل الاعتماد على أي بدائل خارج الإطار الرسمي».

عودة إلى شوقي الذي قال إن «هناك اهتماماً ملحوظاً بالعملية التعليمية خلال الفترة الحالية، لكن هذا الاهتمام من الناحية الكمية والشكلية أكثر من الكيفية والواقعية». وشرح ذلك قائلاً: «من الناحية الشكلية، وزارة (التعليم) وضعت إجراءات تُحسب لها، لكنها أرغمت الأسر وفرضت ضغوطاً عليها، بإجبار الطلاب على الحضور للمدارس من أجل (التقييمات الشهرية)»، وأوضح: «التقييمات وظيفتها التربوية معالجة الأخطاء لدى الطلاب، لكن لم تعالج الأخطاء في التحصيل أو الاستيعاب؛ لكونها أصبحت وسيلة فقط للإجبار؛ لأن الطلاب حضروا بالفعل إلى المدارس».

ولفت إلى أن «التعليم» تسعى بقدر الإمكان لعلاج العجز في المعلمين، لكن المطلوب وجودهم داخل الفصل الدراسي، فنسب حضور الطلاب إلى المدارس قد تكون عالية مثلما أكدت «التعليم»، لكن الأهم جودة العملية التعليمية، وفق قوله.

وعن كيفية كسر شوكة «الدروس الخصوصية»، يرى شوقي أن ذلك يمكن أن يحدث عبر «التوسع في الفصول وتقليل الكثافات، وتغطية العجز في المعلمين بشكل حقيقي وليس بشكل مؤقت، ورفع رواتبهم حتى لا يلجأوا إلى الدروس، فضلاً عن سن تشريعات ضد أي معلم يُضبط وهو يعطي درساً خصوصياً، وكذا تغيير ثقافة أولياء الأمور نحو العملية التعليمية في المدارس».

في حين أوضح فتح الله أن أي نظام تعليمي قوته في التقويمات (الامتحانات)، فـ«بضبط منظومة الامتحانات سوف نتحكم في (الدروس الخصوصية)».