شواهد تراثية وآثار تاريخية سعودية تضيء في يوم التراث العالمي

السعودية تطلق مشروعاً جديداً لحماية الأصول الثقافية وصونها

نوافذ معرفية وتجارب إثرائية لاستكشاف تاريخ التراث الثقافي في السعودية (هيئة التراث)
نوافذ معرفية وتجارب إثرائية لاستكشاف تاريخ التراث الثقافي في السعودية (هيئة التراث)
TT

شواهد تراثية وآثار تاريخية سعودية تضيء في يوم التراث العالمي

نوافذ معرفية وتجارب إثرائية لاستكشاف تاريخ التراث الثقافي في السعودية (هيئة التراث)
نوافذ معرفية وتجارب إثرائية لاستكشاف تاريخ التراث الثقافي في السعودية (هيئة التراث)

شهدت مواقع تاريخية ووجهات تراثية في مختلف مدن ومناطق السعودية، احتفالات وفعاليات بالتزامن مع اليوم العالمي للتراث، فتحت معها نوافذ معرفية وتجارب إثرائية لاستكشاف تاريخ التراث الثقافي في المملكة، وإضفاء الطابع الإنساني على التراث بطرق مبتكرة.

ومنذ (الخميس) الذي يصادف الـ18 من شهر أبريل (نيسان) من كل عام، الذي اختاره العالم موعداً سنوياً للتوعية بأهمية التراث الوطني والمحافظة عليه وصوْنه، أضاء عدد من المواقع التراثية في المدن السعودية التي بقيت شاهدة على رحلة الإنسان وأثره عبر الزمن، فيما وجدت أجيال ناشئة فرصة للتعرف على كثير من التقاليد والمنتجات التقليدية والحرف والصناعات اليدوية التي كانت مصادر الرزق ووسائل الازدهار في الزمن القديم.

عدد من الأنشطة الثقافية التراثية المتنوعة، والمعارض التفاعلية للتراث الثقافي، والعروض الحيَّة، إلى جانب الأنشطة التفاعلية التي تُجسِّد من خلالها الهيئة الحياة المجتمعية القديمة، وعروض لطائرات الدرون التراثية في سماء مدينة الرياض ضمن فعاليات اليوم العالمي للتراث‬⁩.

عدد من الأنشطة الثقافية التراثية المتنوعة والمعارض التفاعلية للتراث الثقافي في يوم التراث العالمي (واس)

تسعى السعودية لجعل التراث ثروة وطنية تعكس الامتداد الحضاري العريق للبلاد (هيئة التراث)

الاحتفاء بالتراث الوطني ومواقعه التاريخية

احتفاء بالقيمة الثقافية لمواقع وعناصر التراث السعودي، أطلقت هيئة التراث عروض الصوت والصورة في عدد من المواقع التراثية في المدن السعودية، لتسليط الضوء على التراث الوطني واستحضار المواقع التاريخية، والتذكير بقيمتها التاريخية وتراثها الثمين.

في منطقة الجوف السعودية أضاء موقع الجمل الأثري بمدينة سكاكا للتذكير بقيمته التاريخية (واس)

وفي منطقة الجوف السعودية، أضاء موقع الجمل الأثري بمدينة سكاكا، وتأتي أهمية هذا الموقع بعد الدراسة التي قام بها فريق سعودي عالمي مشترك كشف خلالها عن نتائج علمية جديدة حول تاريخ موقع الجمل، حيث كشفت الدراسة المنشورة في مجلة علوم الآثار (Journal of Archaeological Science ) عن أن هذا الموقع الذي يضم 21 نحتاً مجسماً، منها 17 نحتاً مجسماً لجِمال، واثنان لفصيلة الخيليات، ونحت آخر لم تتضح هويته قد يكون من أقدم المواقع في العالم لنحت الحيوانات المجسمة بالحجم الطبيعي. وأشارت النتائج العلمية إلى أن الموقع يعود إلى فترة العصر الحجري الحديث ما بين 5200 - 5600 سنة قبل الميلاد، ويتميز بمجموعة من مجسمات الجِمال وحيوانات من فصيلة الخيليات بالحجم الطبيعي، وتختلف في طريقة تنفيذها عن الفن الصخري الشائع في أنحاء المملكة، فهي بارزة بشكلٍ كبير عن الصخرة التي نُحتت منها ولها شكل مجسم.

سلطت العروض الضوئية على 58 منزلاً تراثياً في قرية ذي عين الأثرية بمنطقة الباحة (واس)

وفي منطقة الباحة، سلطت العروض الضوئية على 58 منزلاً تراثياً في قرية ذي عين الأثرية، مع صوت العرضة الشعبية، والمجلس التراثي، وصناعة القهوة السعودية. وتمتاز قرية ذي عين الأثرية بتراث أصيل وتاريخ عريق وجمال أخاذ يأسر الألباب، يعود تاريخها الزمني إلى نهاية القرن العاشر الهجري (القرن الثامن الميلادي)، ما يجعل عمرها أكثر من 400 عام، بحسب موقع منظمة اليونسكو، حيث تعد القرية إحدى أهم القرى التراثية على مستوى المملكة، حيث شيدت قصورها البالغ عددها 58 قصراً المبنية بالحجر، على جبل من المرو الأبيض، وتضم القرية مسجداً تؤدى فيه الصلوات المفروضة وصلاة الجمعة.

في نجران تزينت واجهة قصر الإمارة التاريخي بعروض الضوء للتنبيه إلى تاريخ وحضارة المكان التراثية (واس)

وفي نجران، تزينت واجهة قصر الإمارة التاريخي بعروض الضوء للتنبيه إلى تاريخ وحضارة المكان التراثية، حيث تم بناؤه عام 1363هـ على مساحة تقدر بـ6252 متراً مربعاً، من ثلاثة طوابق وإنشاؤه بوصفه مقراً لإمارة منطقة نجران والإدارات الحكومية آنذاك، ويضم القصر مجلس الأمير الذي خصص لاستقبال الضيوف والمناسبات الرسمية، وغرفة الطعام، وغرفة إعداد القهوة، وغرفة كمخزن، كما يشتمل على 17 غرفة تحوي غرفاً سكنية، وغرفاً كمستودعات للأطعمة، والأدوات، إضافةً إلى أربع غرف لمستودعات المواشي، و 12 غرفة أخرى. وتقع في فناء القصر من الجهة الشرقية بئر قديمة ترجع إلى عصر ما قبل الإسلام بُني الجزء السفلي منها بواسطة اللبن المحروق، ويعتلي سور القصر المرتفع أربعة أبراج دائرية على أركانه الأربعة تتميز بشكل دائري تسمى القصبات.

وفي ينبع، أضاء حي الصور التاريخي، للتذكير بالمكتسبات الثمينة من تراث المنطقة التي يرجع تاريخها إلى 2500 عام على الأقل، فيما يوجد فيها العديد من الآثار القديمة التي لا تزال موجودة إلى وقتنا الحاضر وتشكل إرثاً ثقافياً واجتماعياً لأبناء المنطقة.

أعلنت السعودية عن مشروع جديد يُمكّن ملّاك الأعمال الفنية والمباني التاريخية في البلاد من التأمين عليها (هيئة التراث)

توجه سعودي لتأمين التراث

ويأتي هذا الاحتفال ضمن جهود هيئة التراث في مواكبة الاحتفالات باليوم العالمي للتراث الذي حدَّده المجلس الدولي للمباني والمواقع الأثرية في الثامن عشر من شهر أبريل في كل عام برعايةٍ من منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة «اليونسكو» ومنظمة التراث العالمي؛ وذلك حرصاً من الهيئة على تفعيل الأصول التراثية في اليوم العالمي للتراث، وتماشياً مع رؤيتها الرامية لجعل التراث ثروة وطنية تعكس الامتداد الحضاري العريق للسعودية.

وبالتزامن مع يوم التراث العالمي، كشف الأمير بدر بن عبد الله بن فرحان، وزير الثقافة السعودي، الخميس، عن مشروع جديد يُمكّن ملّاك الأعمال الفنية والمباني التاريخية في البلاد من التأمين عليها.

وقال وزير الثقافة، في منشور عبر حسابه على منصة «إكس» للتواصل الاجتماعي، إن هذا المشروع يأتي بتعاون بين وزارة الثقافة وهيئة التأمين، عادّاً إياه خطوة مهمة لحماية الأصول الثقافية.

وينطلق المشروع من حرص الوزارة على صون الإرث الثقافي السعودي، وتطوير البنية التحتية، وتأهيل المواقع التاريخية، والعناية بالأعمال الفنية، ودعم الاقتصاد الإبداعي، بما يحقق مستهدفات الاستراتيجية الوطنية للقطاع المتماشية مع طموحات «رؤية 2030».



جيسيكا ألبا تكشف عن مشروع سينمائي مع هيفاء المنصور

جيسيكا ألبا خلال حضورها مهرجان البحر الأحمر (إدارة المهرجان)
جيسيكا ألبا خلال حضورها مهرجان البحر الأحمر (إدارة المهرجان)
TT

جيسيكا ألبا تكشف عن مشروع سينمائي مع هيفاء المنصور

جيسيكا ألبا خلال حضورها مهرجان البحر الأحمر (إدارة المهرجان)
جيسيكا ألبا خلال حضورها مهرجان البحر الأحمر (إدارة المهرجان)

كشفت الفنانة الأميركية جيسيكا ألبا عن ملامح مشروع سينمائي جديد يجمعها بالمخرجة السعودية هيفاء المنصور، مشيرة خلال ندوتها في «مهرجان البحر الأحمر السينمائي» إلى أن هذا التعاون لم يتشكل بين ليلة وضحاها، بل جاء نتيجة نقاشات طويلة امتدت على مدار سنوات.

وأوضحت في اللقاء الذي أقيم، الجمعة، أن الفكرة التي استقرتا عليها تدور حول قصة إنسانية عميقة تتناول علاقة ابنة بوالدها المتقدّم في العمر، ضمن سردية تقترب من تفاصيل العائلة وتحولاتها، وتسلّط الضوء على هشاشة العلاقات حين تواجه الزمن، وما يتركه ذلك من أسئلة مفتوحة حول الذاكرة والواجب العاطفي والمسؤولية المتبادلة.

وأضافت أن ما شدّها إلى المشروع ليس موضوعه فقط، بل الطريقة التي تقارب بها هيفاء المنصور هذه العلاقات الحسّاسة وتحولها إلى لغة بصرية تتسم بالهدوء والصدق، لافتة إلى أن «هذا التعاون يمثّل بالنسبة لي مرحلة جديدة في اختياراتي الفنية، خصوصاً أنني أصبحت أكثر ميلاً للأعمال التي تمنح الشخصيات النسائية مركزاً واضحاً داخل الحكاية، بعيداً عن الأنماط التقليدية التي سيطرت طويلاً على حضور المرأة في السينما التجارية».

وأشارت إلى أنها تبحث اليوم عن قصص تستطيع فيها المرأة أن تظهر بوصفها شخصية كاملة، تملك مساحتها في اتخاذ القرارات والتأثير في مسار الحكاية، وهو ما تراه في مشروعها مع المنصور، الذي وصفته بأنه «قريب من قلبها»؛ لأنه يعيد صياغة علاقة الأم والابنة من منظور مختلف.

وخلال الندوة، قدّمت ألبا قراءة موسّعة لتغيّر مسارها المهني خلال السنوات الأخيرة، فهي، كما أوضحت، لم تعد تنظر إلى التمثيل بوصفه مركز عملها الوحيد، بل بات اهتمامها الأكبر موجّهاً نحو الإنتاج وصناعة القرار داخل الكواليس.

وأكدت أن دخولها عالم الإنتاج لم يكن مجرد انتقال وظيفي، وإنما خطوة جاءت نتيجة إحساس عميق بأن القصص التي تُقدَّم على الشاشة ما زالت تعكس تمثيلاً ناقصاً للنساء وللأقليات العرقية، خصوصاً للمجتمع اللاتيني الذي تنتمي إليه.

وتحدثت ألبا عن تجربة تأسيس شركتها الإنتاجية الجديدة، معتبرة أن الهدف منها هو خلق مساحة لصناع المحتوى الذين لا يجدون غالباً فرصة لعرض رؤاهم، موضحة أن «غياب التنوّع في مواقع اتخاذ القرار داخل هوليوود جعل الكثير من القصص تُروى من زاوية واحدة، ما أدّى إلى تكريس صور نمطية ضيّقة، خصوصاً فيما يتعلّق بالجاليات اللاتينية التي غالباً ما تظهر في الأعمال ضمن أدوار مرتبطة بالعنف أو الجريمة أو الأعمال الهامشية».

وشددت على أنها تريد أن تساهم في معالجة هذا الخلل، ليس عبر الخطابات فقط، بل من خلال إنتاج أعمال تظهر فيها الشخصيات اللاتينية والعربية والنساء بصورة كاملة، إنسانية، متنوّعة، لافتة إلى أن تنوّع التجارب الحياتية هو العنصر الذي يجعل صناعة السينما أكثر ثراء، وأن غياب هذا التنوع يجعل الكثير من الكتّاب والمخرجين عاجزين عن تخيّل شخصيات خارج ما اعتادوا عليه.

وأضافت أن مهمتها اليوم، من موقعها الجديد، هي فتح المجال أمام أصوات غير مسموعة، سواء كانت نسائية أو تنتمي إلى أقليات ثقافية واجتماعية، لافتة إلى أنها تعمل على تطوير فيلم جديد مع المخرج روبرت رودريغيز، يعتمد على مزيج من الكوميديا العائلية وأجواء أفلام السرقة، مع طاقم تمثيل لاتيني بالكامل.

وأوضحت أن هذا العمل يأتي امتداداً لرغبتها في دعم المواهب اللاتينية، وفي الوقت نفسه تقديم أعمال جماهيرية لا تُختزل في سرديات العنف أو الهوامش الاجتماعية، واصفة المشروع بأنه خطوة مختلفة على مستوى بنية الحكاية؛ لأنه يجمع بين الترفيه والأسئلة العائلية، ويقدّم الشخصيات اللاتينية في إطار طبيعي وغير مصطنع.

وتوقفت جيسيكا عند مشاركتها المرتقبة في فيلم «الشجرة الزرقاء»، ويتناول علاقة أم بابنتها التي تبحث عن استقلاليتها رغم حساسية ظروفها موضحة أن ما جذبها لهذا العمل هو طبيعته الهادئة، واعتماده على بناء علاقة حميمة بين شخصيتين، بعيداً عن الصراعات المفتعلة، معتبرة أن هذا النوع من الحكايات يمثّل مرحلة أصبحت قريبة جداً منها في هذه الفترة من حياتها.


«الآثار المسترَدة»... محاولات مصرية لاستعادة التراث «المنهوب»

جهود مصرية متواصلة لاسترداد الآثار المهرَّبة إلى الخارج (وزارة السياحة والآثار)
جهود مصرية متواصلة لاسترداد الآثار المهرَّبة إلى الخارج (وزارة السياحة والآثار)
TT

«الآثار المسترَدة»... محاولات مصرية لاستعادة التراث «المنهوب»

جهود مصرية متواصلة لاسترداد الآثار المهرَّبة إلى الخارج (وزارة السياحة والآثار)
جهود مصرية متواصلة لاسترداد الآثار المهرَّبة إلى الخارج (وزارة السياحة والآثار)

في إطار الجهود المصرية المستمرة للحفاظ على التراث وحمايته واستعادة الآثار المصرية المنهوبة من الخارج وصيانتها، تعدَّدت الجهود الرسمية والأهلية والبحثية والأكاديمية للعمل على حفظ التراث واستعادة الآثار المُهرَّبة، واستضافت مكتبة الإسكندرية مؤتمراً علمياً، بالتعاون مع مؤسسة ألمانية، تناول استرداد الآثار المصرية من الخارج، وحفظ وصيانة التراث.

وركز المؤتمر على تجارب مصر في استرداد القطع الأثرية التي خرجت من البلاد بطرق غير قانونية، سواء عبر المتاحف الأجنبية أو الأسواق غير المشروعة. وشارك فيه عدد من المسؤولين والخبراء المصريين والدوليين، وتم عرض نماذج بارزة من الآثار المسترَدة حديثاً، مثل التوابيت المذهبة والقطع الخشبية النادرة، مع مناقشة الإجراءات القانونية والدبلوماسية التي اعتمدتها مصر لاستعادة هذه القطع الأثرية وحمايتها بوصفها جزءاً من التراث العالمي.

وأكد عالم الآثار المصرية، الدكتور حسين عبد البصير، أن هذه الجهود تمثل رسالةً قويةً للعالم حول أهمية حماية التراث الثقافي المصري والعربي والعالمي، وأن استعادة كل قطعة أثرية هي خطوة نحو الحفاظ على الهوية الوطنية وإعادة حق الأجيال القادمة في التراث الحضاري لمصر، والعالم العربي، والعالم.

وأضاف لـ«الشرق الأوسط» أن دور المجتمع المدني والجمعيات الأثرية مهم في دعم هذه الجهود، من خلال التوعية، والبحث العلمي، والتعاون مع المنظمات الدولية؛ لتقوية موقف مصر القانوني في مواجهة التجارة غير المشروعة بالآثار.

جانب من المؤتمر الذي ناقش الآثار المسترَدة وحفظ التراث (الشرق الأوسط)

وتحت عنوان «الاتجار بالآثار سرقة للتاريخ وطمس للهوية»، تحدَّث الدكتور شعبان الأمير، أستاذ ترميم الآثار ومواد التراث بكلية الآثار بجامعة الفيوم، وتناول التنقيب والاتجار بالآثار وتقارير اليونيسكو حول هذه العمليات، التي تُقدَّر بنحو 10 مليارات دولار سنوياً، وهي ثالث أكبر عملية تجارية بعد المخدرات والسلاح على مستوى العالم.

وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «حماية التراث واجب وطني ومجتمعي، والاتجار بالآثار يعدّ سرقةً للتاريخ وطمساً ومحواً وفقداناً للهوية». وأشار إلى أن المؤتمر تناول أبحاثاً حول تطبيقات الذكاء الاصطناعي، والهندسة، والكيمياء، والوعي المجتمعي، وغيرها من الموضوعات التي اهتمت بكيفية حماية التراث والآثار، والحد من عمليات التنقيب غير الشرعي، وعمليات التسجيل والتوثيق والفحص والتحليل تمهيداً لعمليات الترميم والصيانة والحفظ والعرض المتحفي أو بالمواقع الأثرية.

وفي ورقة بحثية بالمؤتمر، تناولت الدكتورة منى لملوم، قوة الميديا ووسائل الإعلام المختلفة في المطالبة باسترداد الآثار، مشيرة إلى الحملات التي تقوم بها وسائل الإعلام من أجل الضغط لاسترداد الآثار المُهرَّبة من مصر بطرق غير مشروعة. وأضافت لـ«الشرق الأوسط» أنها «تناولت كثيراً من النماذج، منها استعادة تمثال من أميركا عام 2019 بجهود رسمية كبيرة، بالإضافة إلى قوة الإعلام، وكذلك الضغط من خلال حملات صحافية وأهلية، إلى جانب الجهود الحكومية لاستعادة آثار مصرية مهمة مثل رأس نفرتيتي من ألمانيا، وجدارية (الزودياك) أو الأبراج السماوية من متحف اللوفر، فضلاً عن استعادة حجر رشيد من المتحف البريطاني».

ولفتت د. منى إلى دور الدراما والسينما في التعامل مع الآثار والتاريخ مثل فيلم «المومياء» من إخراج شادي عبد السلام الذي لعب دوراً إيجابياً وصُنِّف من أهم 100 فيلم مصري في القرن الـ20، وهناك نماذج سلبية مثل مسلسل «كليوباترا» الذي أنتجته «نتفليكس» وقوبل بهجوم شديد لتجسيد الملكة المصرية بممثلة سوداء، و«اضطرت الشبكة إلى تغيير تصنيف الفيلم من (وثائقي) إلى (درامي) تحت ضغط (الميديا)» على حد تعبيرها.


«الملحد» للعرض في السينمات المصرية بعد معركة مع الدعاوى القضائية

«الملحد» تعرَّض لعدد من الدعاوى القضائية التي طالبت بمنع عرضه (الشركة المنتجة)
«الملحد» تعرَّض لعدد من الدعاوى القضائية التي طالبت بمنع عرضه (الشركة المنتجة)
TT

«الملحد» للعرض في السينمات المصرية بعد معركة مع الدعاوى القضائية

«الملحد» تعرَّض لعدد من الدعاوى القضائية التي طالبت بمنع عرضه (الشركة المنتجة)
«الملحد» تعرَّض لعدد من الدعاوى القضائية التي طالبت بمنع عرضه (الشركة المنتجة)

بعد معركة مع الدعاوى القضائية، أعلنت الشركة المنتجة لفيلم «الملحد» طرحه في دور العرض السينمائي بمصر يوم 31 ديسمبر (كانون الأول) الحالي، بالتزامن مع ليلة «رأس السنة»، بعدما رفضت محكمة القضاء الإداري جميع الدعاوى التي طالبت بمنعه، واستند الحكم إلى حصول الفيلم على التراخيص المطلوبة من الرقابة على المصنفات الفنية، وفق منتجه.

الفيلم الذي كان مقرراً عرضه في شهر أغسطس (آب) 2024، تأجّل طرحه أكثر من مرة بسبب تجدد الدعاوى القضائية، من بينها دعوى المحامي مرتضى منصور، بالإضافة إلى الجدل الذي أُثير حوله عقب عرض «البرومو الترويجي»، واعتبار البعض أنه عمل مسيء من الناحية الدينية، إلى جانب تعرّضه لأزمات أخرى، من بينها التحفّظات الرقابية، وانسحاب الفنان الراحل مصطفى درويش من العمل احتجاجاً على آراء مؤلفه.

لقطة من البرومو الترويجي لفيلم «الملحد» (الشركة المنتجة)

وانتقد عدد من الفنانين والنقاد والجمهور، وبعض صنّاعه، منع الفيلم عبر منشورات «سوشيالية»، مؤكدين أن المنع ليس حلاً، وأن حرية الإبداع حق للجميع، ولا بدّ من المشاهدة قبل الاعتراض لوضع تصوّر كامل عن فكرة أي عمل فني.

من جانبه أكّد المنتج أحمد السبكي أن الفيلم حصل على جميع التراخيص والموافقات الرقابية اللازمة، لافتاً في حديثه لـ«الشرق الأوسط» إلى أن «قرار تأجيل العرض كان بسبب المناوشات (السوشيالية) من بعض المحامين، التي حصلت بالتزامن مع طرح البرومو الترويجي، وليس لأسباب أخرى».

وأوضح السبكي أن العرض سيتم دون أي تعديل أو حذف، بعدما أصدر القضاء الإداري حكماً يقضي برفض جميع الدعاوى المقامة لمنع عرضه. وقال: «لا توجد أي إشارة تمنع عرضه، وبحوزتي النصّ القانوني الذي يؤكد أن العمل لا يتضمّن أي إساءة كما اعتقد بعضهم، وقد صدر الحكم قبل المشاهدة».

وأشار السبكي إلى تأثير وسائل التواصل الاجتماعي على آراء الجمهور قبل مشاهدة العمل، قائلاً: «في عصر (السوشيال ميديا)، يتشكّل رأي الناس بسرعة من خلال البرومو، وهذا أمر طبيعي، لكننا نؤكد أن الحكم النهائي يعود للمشاهد بعد مشاهدة الفيلم كاملاً».

الملصق الترويجي للفيلم (الشركة المنتجة)

واتّفق نقاد على أن المنع يحدّ من حرية الإبداع؛ إذ أكدت الكاتبة والناقدة المصرية صفاء الليثي رفضها لفكرة المنع، خصوصاً بعد حصول الفيلم على الموافقات الرقابية وتصويره بالفعل. وأشارت إلى أن «المنع بعد إنجاز الفيلم مشكلة كبيرة وكارثة على الصناعة، كما أنه أسلوب غير واقعي؛ فالجمهور اليوم يستطيع الوصول إلى كل الأفكار بسهولة، ولم يعد الاطلاع على أي موضوع أمراً صعباً».

وقالت صفاء الليثي في حديثها لـ«الشرق الأوسط» إن «سياسة المنع لا بدّ من التراجع عنها؛ فمن غير المعقول الحكم على عمل من اسمه أو من لقطاته الترويجية. فالأسماء أحياناً تكون وسيلة للجذب التجاري، وكذلك الأمر بالنسبة للبرومو، الذي لا يُفترض أن يكون ملخصاً للفيلم، بل قد يُستخدم فقط لجذب الجمهور. والحكم من خلاله غير صائب، فهو دافع للمشاهدة لا سبب للرفض والمنع».

ويتناول فيلم «الملحد» قضية فكرية واجتماعية بطريقة درامية، من خلال قصة رجل دين متشدّد وابنه الذي يتمرّد على أفكاره ويعلن إلحاده. والفيلم من بطولة أحمد حاتم، وحسين فهمي، ومحمود حميدة، وصابرين، وتارا عماد، ونخبة من الفنانين، وهو من إخراج محمد العدل، وتأليف إبراهيم عيسى، وإنتاج أحمد السبكي.

من جهتها أكدت الناقدة الفنية المصرية فايزة هنداوي أن «حرية الإبداع مكفولة للجميع، وأنها ضدّ المنع مطلقاً»، لافتةً في حديثها لـ«الشرق الأوسط» إلى أن «عرض (الملحد) بعد رفض كبير يُعد مؤشراً جيداً إلى أن الحرية تبقى أول العناصر الضرورية للإبداع».