التوتر الإيراني - الإسرائيلي يؤجل البتّ في سحب القوات الأميركية من العراق

صفقة عسكرية بقيمة 550 مليون دولار بين بغداد و«البنتاغون»

من مراسم استقبال أوستن لرئيس الوزراء العراقي في البنتاغون (رويترز)
من مراسم استقبال أوستن لرئيس الوزراء العراقي في البنتاغون (رويترز)
TT

التوتر الإيراني - الإسرائيلي يؤجل البتّ في سحب القوات الأميركية من العراق

من مراسم استقبال أوستن لرئيس الوزراء العراقي في البنتاغون (رويترز)
من مراسم استقبال أوستن لرئيس الوزراء العراقي في البنتاغون (رويترز)

أثمرت لقاءات رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني في البيت الأبيض والخارجية ووزارة الدفاع الأميركية، إبرامَ اتفاقات عسكرية وتفاهمات أمنية، استقبلتها الأوساط العراقية بترحيب وارتياح.

وكان السوداني أظهر اختلافاً مع الرئيس الأميركي جو بايدن على صعيد الموقف من الحرب الدائرة في غزة، رغم تأكيده أهمية عدم توسيع نطاقها. كما عبر عن رغبة العراق الواضحة في إنهاء مهمة التحالف الدولي وتحويل العلاقة بين البلدين إلى علاقة ثنائية، سواء على النطاق العسكري، أو في الميادين السياسية والاقتصادية والتنموية والتكنولوجية والثقافية التي تنظمها اتفاقية «الإطار الاستراتيجي»، على ما علمت «الشرق الأوسط».

بايدن والسوداني في البيت الأبيض (رويترز)

واتفق الرئيس بايدن مع رئيس الوزراء العراقي على مسارات للتعاون السياسي والاقتصادي والأمني، وما يحقق للعراق اكتفاء ذاتياً في مجال الطاقة بحلول عام 2030، وتوفير الكهرباء بشكل أكثر موثوقية، واستكمال توصيلات الشبكة الكهربائية مع الدول المجاورة، وربطها مع الأردن ودول مجلس التعاون الخليجي.

وكان الملف الأساسي في المحادثات، هو ضمان منع تنظيم «داعش» من إعادة تنظيم صفوفه بعد التقدم الكبير الذي أحرزه التحالف الدولي ضده خلال السنوات العشر الماضية. والتزم بايدن والسوداني بالاستمرار في نقاشات «اللجنة العسكرية العليا»، ومجموعات العمل الثلاثة لتقييم التهديدات المستمرة من «داعش»، وتعزيز قدرات قوات الأمن العراقية، ومراجعة هذه العوامل لتحديد متى وكيف يمكن إنهاء مهمة التحالف الدولي، والانتقال إلى شراكة أمنية ثنائية دائمة وفقاً للدستور العراقي، واتفاقية الأطر الاستراتيجية بين البلدين.

بايدن في مستهل لقائه بالسوداني (رويترز)

وخيمت التوترات في الشرق الأوسط، والقلق من ردود فعل إسرائيلية ضد إيران، على المحادثات المتعلقة بخروج القوات الأميركية وقوات التحالف الدولي من العراق، وأصر الجانب الأميركي على الاستمرار في المحادثات من دون تحديد موعد محدد لخروج تلك القوات.

كما تطرقت المحادثات إلى سبل إصلاح القطاع المالي والمصرفي، وحمايته من عمليات غسل الأموال والفساد، وربط العراق بالاقتصاد الدولي، وتحسين مناخ الاستثمار فيه لجذب رؤوس الأموال الأجنبية. وتعهد مسؤولو الإدارة الأميركية بالتعاون مع بغداد ضد عمليات غسل الأموال وتمويل الإرهاب والأنشطة الخاضعة للعقوبات. وأشاد بايدن بجهود رئيس الوزراء العراقي للتوصل إلى اتفاق مع حكومة إقليم كردستان، وإلى اتفاقات دائمة لمواجهة التحديات، ووضع الترتيبات لدفع رواتب موظفي الخدمة المدنية في حكومة الإقليم (المتأخرة منذ شهرين)، والرؤية المشتركة بأن كردستان العراق جزء لا يتجزأ من العراق... وشجع بايدن إجراء انتخابات حرة ونزيهة وشفافة في الإقليم.

علم العراق في «البنتاغون» (إ.ب.أ)

وفيما أعلن «البنتاغون» التوقيع على بروتوكول عمل مشترك مع العراق بشأن صفقة عسكرية مزمعة بقيمة نحو 550 مليون دولار، قالت أوساط عراقية إن الصفقة قد تتضمن تزويد العراق بأنظمة إلكترونية داعمة لصفقة طائرات أميركية مسيرة متقدمة، ونشرها في مواقع مختلفة لتعزيز جهوزية القوات العراقية، وتمكينها من مواصلة التصدي لتنظيم «داعش»، وأي «تهديدات أخرى».

وقال البيان المشترك الذي صدر بعد لقاء السوداني ووزير الدفاع الأميركي لويد أوستن، إن الجانبين، أشادا بتوقيع بروتوكول عمل مشترك يعترف بشراء العراق المزمع لخدمات عسكرية بقيمة 550 مليون دولار تقريباً، باستخدام آلية الدفع المرنة الجديدة لجدول الدفع المضمون بالائتمان.

وسيكون العراق الدولة الأولى التي تستغل فرصة التمويل هذه، والتي تسمح شروط البيع للعراق بتسديد مدفوعاته مع مرور الوقت بدلاً من الدفع مقدماً، «وهي علامة على قوة شراكتنا الآن وفي المستقبل». كما سلط الوزير ورئيس الوزراء الضوء على الجهود المستمرة بين وزارتي الدفاع لتأمين المواقع الرئيسية في جميع أنحاء العراق، بما في ذلك إقليم كردستان، من التهديدات الجوية.

أوستن يرحب بالسوداني (أ.ب)

كما أكدا «التزام البلدين بعلاقة دفاعية ثنائية دائمة، وبوجود عراق قوي قادر على الدفاع عن نفسه دعماً لمنطقة أكثر استقراراً وسلاماً. كما ناقش الجانبان التعاون الأمني الحالي بينهما، والجهود المشتركة لمعالجة التهديدات الأمنية التي يتعرضان لها، ومستقبل التحالف الدولي لهزيمة تنظيم «داعش» الإرهابي في العراق.

وقال البيان إن زيارة السوداني جاءت بعد أسبوع واحد من اجتماع رؤساء «اللجنة العسكرية العليا الأميركية - العراقية في 8 أبريل (نيسان) الجاري، وهو حوار عسكري احترافي بين القادة العسكريين العراقيين والأميركيين والمهنيين لتحديد كيفية إنهاء التحالف الدولي وتوقيت ذلك، وكيف سيتطور التحالف ضد (داعش) بناء على مستوى التهديد الذي يمثله، وقدرات قوات الأمن العراقية، والعوامل التشغيلية والبيئية الأخرى». وأضاف البيان «أن تنظيم (داعش) يهدد الأمن الدولي، ويمثل العراق، بوصفه شريكاً يتمتع بموقع جيد ومجهز، محوراً أساسياً في حملة هزيمة (داعش) من خلال استضافة قوات التحالف».

وزير الدفاع الأميركي (أ.ب)

وشكر الوزير أوستن رئيس الوزراء السوداني «على دور العراق في دعم العمليات التي يقوم بها التحالف الدولي لضمان عدم تمكن تنظيم (داعش) من إعادة تشكيل نفسه في العراق وسوريا. وأشاد الوزير بالتضحيات الهائلة التي قدمها الشعب العراقي وقوات الأمن في الكفاح من أجل تحرير الملايين من حكم الإبادة الجماعية والهمجية، الذي يمارسه تنظيم (داعش)».

وفي معرض تناول «الطبيعة الاستراتيجية للعلاقة الدفاعية الثنائية بين الولايات المتحدة والعراق، ودور العراق (بوصفه) قائداً في ضمان الأمن الإقليمي، ناقش الوزير أوستن ورئيس الوزراء السوداني الجهودَ المبذولة لتحديث قوات الأمن العراقية، بما في ذلك قوات البشمركة الكردية، وبناء قدراتها».

وأكد البيان أن الطرفين يتطلعان إلى إجراء مناقشات استراتيجية حول مستقبل العلاقة الأمنية بين الولايات المتحدة والعراق، بموجب اتفاقية الإطار الاستراتيجي بينهما لعام 2008، خلال مؤتمر حوار التعاون الأمني المشترك الثاني ​​في وقت لاحق من هذا العام». وأكد الجانبان مجدداً التزامهما «بالانتقال المنظم إلى شراكات أمنية ثنائية دائمة بين العراق والولايات المتحدة ودول التحالف الأخرى، وفقاً للدستور العراقي واتفاقية الإطار الاستراتيجي».

رئيس الوزراء العراقي (أ.ب)

وفي هذا السياق، أكد فرهاد علاء الدين، مستشار رئيس الوزراء العراقي، في تصريح خاص لـ«الشرق الأوسط»، أن هذه الزيارة «تمضي حسب جدولها المرسوم، والاجتماعات التي تخللتها مفيدة ومثمرة». وأوضح أنه «بعد استكمال الاجتماعات السياسية الأساسية، ننتقل نحو الاجتماعات العامة مع أصحاب المال والاستثمار والشركات التي ندعوها للعمل في العراق»، فضلاً عن «لقاءات الجالية في محطة هيوستن وميتشيغان واللقاءات مع الإعلام والنخب الفكرية والباحثين من مراكز البحوث والدراسات والجامعات».

ومن جانبه، وصف مساعد وزير الخارجية الأميركي لشؤون موارد الطاقة، جيفري بايت، زيارة رئيس الوزراء العراقي لواشنطن بـ«الناجحة». وجدد في مقابلة تلفزيونية دعمَ بلاده للعراق لتعزيز الطاقة ونظام طاقة مستقر يخدم مصالح العراق. ولفت إلى أن «نقاشات اللجنة العليا المشتركة ركزت على دعم العراق، وتعزيز أمن الطاقة فيه»، مشيراً إلى أن «العراق يمتلك إمكانيات هائلة لتجديد الطاقة في الشرق الأوسط».

وتضمن البيان المشترك للجنة التنسيقية العليا «HCC» بين العراق والولايات المتحدة، بحسب ما ورد من المكتب الإعلامي لرئاسة مجلس الوزراء العراقي، التأكيد على «أهمية الشراكة الثنائية ودور العراق الحيوي في أمن المنطقة، وإبداء الرغبة في توسيع عمق العلاقة في مجالات استقلالية الطاقة والإصلاح المالي، وتقديم الخدمات للشعب العراقي».

وزير الدفاع الأميركي (أ.ب)

كما تم الاتفاق بين الجانبين على أن «العراق يمتلك القدرة على استغلال موارده الهائلة من الغاز الطبيعي، والاستثمار في بنية تحتية جديدة للطاقة ومصادر الطاقة المتجددة، وتحقيق الاكتفاء الذاتي من الطاقة بحلول عام 2030».

وتضمن البيان أيضاً «تأكيد الولايات المتحدة على العراق للتقدم الذي أحرزه في مجال تقليل انبعاثات الغاز، والعمل على تسويق الغاز المصاحب، وتعد إمكانات الغاز الكبيرة في إقليم كردستان العراق عنصراً رئيساً بأمن الطاقة في العراق».

وناقش اجتماع الطرفين، بحسب البيان، «اهتمام العراق باستخدام الطاقة النووية السلمية بما في ذلك التقنيات النووية الناشئة بموجب توجهات الحكومة العراقية».

وأشار إلى أن «التقدم الكبير الذي أحرزه العراق في تحديث قطاعه المالي والمصرفي، كان حاضراً في الاجتماع المشترك الذي سيؤدي لاحقاً إلى توسيع علاقات المراسلة مع البنوك في الولايات المتحدة وأوروبا».

وقرر الجانبان «تعزيز التعاون من خلال خطة مشاركة معززة بين العراق والخزانة الأميركية، مع التشديد على تحسين مناخ الاستثمار في العراق، ومكافحة الفساد، بوصف ذلك ركيزة أساسية في عمل الحكومة العراقية وبموجب المنهاج الذي أعلنه السوداني».

السوداني وأوستن قبل بدء محادثاتهما (أ.ب)

كما ستقدم «مؤسسة التمويل الدولية للتنمية» التابعة للولايات المتحدة قرضاً بقيمة 50 مليون دولار من أجل دعم تطوير الأعمال الخاصة في العراق، وهذا القرض سيكون بتسهيل من الوكالة الأميركية للتنمية الدولية للبنك الوطني العراقي؛ دعمـاً لتقديم القروض للمشاريع الصغيرة والمتوسطة، بحسب ما ورد في البيان.

ورحب «الطرف الأميركي بالتزام الحكومة العراقية باحترام حرية التعبير، وفقاً للقانون العراقي كما تمت الإشارة إلى التقدم المثير للإعجاب الذي حققه العراق في إعادة أكثر من 8000 من مواطنيه من مخيم الهول للنازحين في شمال شرقي سوريا».


مقالات ذات صلة

ترمب يختار مايك هاكابي سفيراً لأميركا لدى إسرائيل

الولايات المتحدة​ الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب يصافح الحاكم السابق لولاية أركنسو مايك هاكابي (أ.ف.ب)

ترمب يختار مايك هاكابي سفيراً لأميركا لدى إسرائيل

أعلن الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب اليوم (الثلاثاء) اختيار الحاكم السابق لولاية أركنسو مايك هاكابي، سفيرا لواشنطن لدى إسرائيل.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
شؤون إقليمية الرئيس الأميركي جو بايدن يلتقي بالرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتسوغ في المكتب البيضوي في البيت الأبيض بالعاصمة الأميركية واشنطن... 12 نوفمبر 2024 (إ.ب.أ)

الرئيس الإسرائيلي يؤكد لبايدن الحاجة الملحة لإعادة الرهائن ومحاربة إيران

أكد الرئيس الإسرائيلي خلال لقائه الرئيس الأميركي بواشنطن، اليوم (الثلاثاء)، على ضرورة إعادة الرهائن المحتجزين في قطاع غزة وعلى ضرورة مواجهة إيران.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الولايات المتحدة​ أحد المعتقلين يظهر داخل زنزانة انفرادية خارجية وهو يتحدث مع جندي في سجن أبو غريب بالعراق (أ.ب)

القضاء الأميركي يمنح 3 من معتقلي «أبو غريب» السابقين 42 مليون دولار

أصدرت هيئة محلفين أميركية، اليوم (الثلاثاء)، حكماً بمنح 42 مليون دولار لثلاثة معتقلين سابقين في سجن أبو غريب العراقي سيئ السمعة.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
المشرق العربي المستشار الأميركي آموس هوكستين يتحدث بعد اجتماع في القصر الرئاسي اللبناني في بعبدا بلبنان في 27 أكتوبر 2022 (رويترز)

هوكستين: هناك فرصة للتوصل إلى وقف لإطلاق النار في لبنان قريباً

صرّح المبعوث الأميركي الخاص إلى لبنان آموس هوكستين للصحافيين في البيت الأبيض، الثلاثاء، بأن «هناك فرصة» لتأمين وقف إطلاق النار بين إسرائيل و«حزب الله» قريباً.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
المشرق العربي دورية مشتركة بقيادة أميركية في ريف القامشلي شمال شرقي سوريا (أرشيفية-رويترز)

«المرصد»: القوات الأميركية في ريف دير الزور تسقط مُسيرة تابعة لفصائل موالية لإيران

أفاد «المرصد السوري لحقوق الإنسان» بأن القوات الأميركية في قاعدة كونيكو للغاز في ريف دير الزور أسقطت طائرة مسيرة تابعة لفصائل موالية لإيران.

«الشرق الأوسط» (بيروت)

«حزب الله»: سقوط 100 جندي إسرائيلي في لبنان منذ بدء العملية البرية

فرقة إنقاذ تخلي جندياً إسرائيلياً من ساحة المعركة (أرشيفية - الجيش الإسرائيلي)
فرقة إنقاذ تخلي جندياً إسرائيلياً من ساحة المعركة (أرشيفية - الجيش الإسرائيلي)
TT

«حزب الله»: سقوط 100 جندي إسرائيلي في لبنان منذ بدء العملية البرية

فرقة إنقاذ تخلي جندياً إسرائيلياً من ساحة المعركة (أرشيفية - الجيش الإسرائيلي)
فرقة إنقاذ تخلي جندياً إسرائيلياً من ساحة المعركة (أرشيفية - الجيش الإسرائيلي)

قالت جماعة «حزب الله» اللبنانية، اليوم (الثلاثاء)، إن عملياتها العسكرية أوقعت أكثر من 100 قتيل و1000 مصاب في صفوف جنود وضباط الجيش الإسرائيلي منذ بدء عمليته البرية في جنوب لبنان في أول أكتوبر (تشرين الأول) الماضي.

وأضافت الجماعة، في بيان، أنها «دمرت 43 دبابة (ميركافا) وثماني جرافات عسكرية ومدرعتين وناقلتي جند... هذه الحصيلة لا تتضمن خسائر إسرائيل في القواعد والمواقع والثكنات العسكرية والمستوطنات والمدن المحتلة». وقال «حزب الله» إن قرار الجيش الإسرائيلي الانتقال للمرحلة الثانية من الهجوم البري في جنوب لبنان «لن يكون مصيره سوى الخيبة، وسيكون حصاده الحتمي المزيد من الخسائر والإخفاقات؛ وإن مجاهدينا في الانتظار».

ووسعت إسرائيل حربها التي تشنها على قطاع غزة لتشمل لبنان في الأسابيع الماضية، وقتلت العديد من قيادات جماعة «حزب الله» التي تتبادل معها إطلاق النار منذ أكتوبر العام الماضي. وأعلنت إسرائيل عن بدء توغل بري محدود في الأول من أكتوبر الماضي.