بعد الضربة على إسرائيل... عبداللهيان يؤكد رغبة طهران بالتهدئة

واشنطن تتوقع رداً إسرائيلياً محدوداً

عبداللهيان متحدثاً خلال لقاء دبلوماسيين أجانب في طهران  الأحد الماضي (أ.ف.ب)
عبداللهيان متحدثاً خلال لقاء دبلوماسيين أجانب في طهران الأحد الماضي (أ.ف.ب)
TT

بعد الضربة على إسرائيل... عبداللهيان يؤكد رغبة طهران بالتهدئة

عبداللهيان متحدثاً خلال لقاء دبلوماسيين أجانب في طهران  الأحد الماضي (أ.ف.ب)
عبداللهيان متحدثاً خلال لقاء دبلوماسيين أجانب في طهران الأحد الماضي (أ.ف.ب)

أعلنت بكين اليوم (الثلاثاء) أنّ وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبداللهيان أكدّ لنظيره الصيني وانغ يي خلال مكالمة هاتفية رغبة طهران بـ«التهدئة» بعد قصفها غير المسبوق لإسرائيل، حسبما نشرت «وكالة الصحافة الفرنسية».

وأفادت وكالة أنباء الصين الجديدة «شينخوا» الحكومية أنّ عبداللهيان أبلغ وانغ بموقف إيران من الغارة الجوية التي دمّرت مبنى القنصلية الإيرانية في دمشق وحمّلت طهران مسؤوليتها لإسرائيل.

ونقلت «شينخوا» عن الوزير الإيراني قوله لنظيرة الصيني إنّ مجلس الأمن الدولي «لم يقدّم الردّ اللازم على هذا الهجوم»، وأضاف أنّ «لإيران الحقّ في الدفاع عن نفسها ردّاً على انتهاك سيادتها».

وليل السبت-الأحد أطلقت إيران على إسرائيل أكثر من 300 مقذوف شملت طائرات مسيّرة مفخّخة وصواريخ باليستية ومجنّحة، في هجوم غير مسبوق أكّد الجيش الإسرائيلي أنّه تمكّن بمساعدة أميركية خصوصاً من«إحباطه».

وقالت طهران إنّ هذا القصف غير المسبوق هو ردّ على غارة دمّرت مطلع أبريل (نيسان) الجاري القنصلية الإيرانية في دمشق وتسبّبت بمقتل 16 شخصاً بينهم عناصر وقياديان في «الحرس الثوري» الإيراني.

وقالت طهران أنّ الغارة التي استهدفت قنصليتها شنّتها إسرائيل.

وخلال مكالمته مع نظيره الصيني أكّد عبداللهيان أنّ إيران لديها «الرغبة بممارسة ضبط النفس» وليست لديها أيّ نية للمساهمة في تصعيد أكبر للتوترات.

كما نقلت «شينخوا» عن عبداللهيان قوله إنّ الوضع الإقليمي «حسّاس للغاية» بالفعل.

بالمقابل، أكّد وانغ أنّ بكين «تدين بشدّة وتعارض بشدّة الهجوم» الذي استهدف القنصلية الإيرانية، وتعتبره «انتهاكاً خطيراً للقانون الدولي».

وقال وانغ يي قوله: «يبدو أنّ إيران قادرة على التعامل مع الوضع بشكل جيّد ومنع المنطقة من التعرض لمزيد من الاضطرابات، وفي الوقت نفسه حماية سيادتها وكرامتها».

كما حذّر عبداللهيان، وفقاً للوكالة، من أنّ أيّ هجوم جديد ضدّ مصالح إيران أو أمنها سيؤدّي إلى ردّ فعل «حاسم وفوري وكبير»، مشيرة إلى أنّ هذا التحذير موجّه بالخصوص إلى واشنطن.

ويوم الاثنين، نقلت وكالة «تسنيم» التابعة لـ«الحرس الثوري» عن عبداللهيان قوله إن بلاده كانت تستطيع تنفيذ عملية أوسع ضد إسرائيل.

وأضاف في اتصال هاتفي مع الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش أن إيران لم تستهدف سوى المواقع العسكرية التي نفذت الهجوم ضد القنصلية الإيرانية في دمشق.

وقال عبداللهيان إن «أمن المنطقة مهم جداً بالنسبة لنا».

وشنت إيران، مساء (السبت) الماضي، أول هجوم مباشر على إسرائيل باستخدام عشرات الطائرات المسيرة وصواريخ كروز، وذلك بعد مقتل قائد كبير في «الحرس الثوري» في هجوم يعتقد أنه إسرائيلي استهدف مجمع السفارة الإيرانية في دمشق الأسبوع الماضي.

وفي سياق متصل، قال أربعة مسؤولين أميركيين لشبكة «إن بي سي» نيوز اليوم إنهم يتوقعون أن يكون نطاق الرد على الهجوم الذي شنته إيران ضد إسرائيل محدودا، وأشاروا إلى أنه قد يحدث في أي وقت.

ورجح المسؤولون أن يشمل الرد الإسرائيلي ضربات ضد قوات إيران العسكرية ووكلائها خارج البلاد.

وبحسب «إن بي سي» يستند هذا التقييم إلى حوارات بين مسؤولين أميركيين وإسرائيليين جرت قبل أن تطلق إيران أكثر من 300 طائرة مسيرة وصاروخ على إسرائيل ليل السبت.

وقال المسؤولون الأميركيون إنه بينما كانت إسرائيل تستعد لهجوم إيراني محتمل أبلغ مسؤولون إسرائيليون نظراءهم الأميركيين بخيارات الرد الواردة.

لكنهم أكدوا أنهم لم يتم إطلاعهم على قرار إسرائيل النهائي الخاص بكيفية الرد، مشيرين إلى أن الخيارات ربما تكون تغيرت منذ وقع الهجوم الإيراني.

وأضافوا أنه ليس واضحا متى سيكون الرد الإسرائيلي لكنه قد يحدث في أي وقت.


مقالات ذات صلة

إيران تودع رئيسي... وتشدد على الاستمرارية

شؤون إقليمية 
عمال الإنقاذ الإيرانيون يحملون جثث ضحايا سقوط المروحية الرئاسية في منطقة فرزكان بجنوب غرب إيران أمس (إ.ب.أ)

إيران تودع رئيسي... وتشدد على الاستمرارية

تُودع إيران رئيسها إبراهيم رئيسي الذي قضى إثر تحطم طائرة هليكوبتر كانت تقله رفقة 8 من مرافقيه؛ بينهم وزير الخارجية حسين أمير عبداللهيان قرب الحدود الأذربيجانية.

«الشرق الأوسط» (لندن - طهران)
شؤون إقليمية خامنئي يستقبل رئيسي وأعضاء حكومته نهاية أغسطس الماضي (د.ب.أ)

وفاة الرئيس الإيراني قد تفجر منافسات على خلافة خامنئي

تثير وفاة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي في حادث تحطم طائرة هليكوبتر الاضطراب في خطط المتشددين الذين كانوا يرغبون في أن يكون هو من يخلف المرشد علي خامنئي.

«الشرق الأوسط» (لندن)
شؤون إقليمية إيراني يصلي من أجل الرئيس إبراهيم رئيسي ووزير الخارجية أمير عبداللهيان في طهران أمس قبل إعلان وفاتهما (أ.ف.ب)

صدمة تسيطر على أنصار رئيسي بعد رحيله (صور)

سيطرت حالة من الصدمة على بعض الإيرانيين بعد أن لقي الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي حتفه في تحطم طائرة هليكوبتر بمنطقة جبلية قرب حدود أذربيجان

يسرا سلامة (القاهرة)
المشرق العربي متداولة في مواقع سورية لانفجارات في معسكر «ابن الهيثم» على المدخل الجنوبي لمدينة حمص الاثنين

6 قتلى لـ«حزب الله» في ضربات إسرائيلية على حمص وسط سوريا

استهدفت ضربات إسرائيلية مقراً لـ«حزب الله» اللبناني في منطقة القصير بمحافظة حمص قرب الحدود مع لبنان؛ ما أسفر عن وقوع 6 قتلى من عناصره.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
شؤون إقليمية الرئيس الإيراني الراحل إبراهيم رئيسي (إ.ب.أ)

تقرير: هل يشعل غياب رئيسي صراعاً على السلطة في إيران؟

كان رجال الدين المحافظون يأملون في استخدام رئيسي لتعزيز مصالحهم. وكذلك فعل العسكريون في الحرس الثوري الإيراني، وكل منهما حاول تعزيز سلطته بالبلاد.

ماري وجدي (القاهرة)

انتخاب موحدي كرماني رئيساً لمجلس خبراء القيادة في إيران

أشخاص يتجمعون حداداً على وفاة الرئيس الإيراني في مدينة تبريز (أ.ف.ب)
أشخاص يتجمعون حداداً على وفاة الرئيس الإيراني في مدينة تبريز (أ.ف.ب)
TT

انتخاب موحدي كرماني رئيساً لمجلس خبراء القيادة في إيران

أشخاص يتجمعون حداداً على وفاة الرئيس الإيراني في مدينة تبريز (أ.ف.ب)
أشخاص يتجمعون حداداً على وفاة الرئيس الإيراني في مدينة تبريز (أ.ف.ب)

أفادت وسائل إعلام إيرانية اليوم الثلاثاء بانتخاب آية الله موحدي كرماني رئيساً لمجلس خبراء القيادة في البلاد بأغلبية 55 صوتاً.

وقالت وكالة «تسنيم» للأنباء إن كرماني سيتولى رئاسة المجلس لمدة عامين، وفقاً للنظام الداخلي للمجلس.

وجاء انتخاب كرماني في افتتاح جلسة لمجلس خبراء القيادة بحضور الرئيس المؤقت للبلاد محمد مخبر بعد وفاة الرئيس إبراهيم رئيسي في حادث تحطم طائرة هليكوبتر بشمال غربي البلاد.

وذكرت وكالة الأنباء الإيرانية (إرنا) أن الجلسة حضرها أيضاً أمين مجلس صيانة الدستور آية الله أحمد جنتي، ورئيس مجلس الشورى الإسلامي (البرلمان) محمد باقر قاليباف، ورئيس السلطة القضائية محسني ايجئي، وعدد من وزراء الحكومة.

ويتألف مجلس خبراء القيادة، المنوط به اختيار قيادات البلاد ومراقبة أدائها، من 88 من «المجتهدين المؤهلين الذين لهم مهام جسيمة في هيكل الجمهورية الإسلامية الإيرانية»، ومدة ولايته ثماني سنوات، ويتم انتخاب أعضائه من قبل الشعب، بحسب وكالة «إرنا».

كانت الحكومة الإيرانية أعلنت أمس الاثنين وفاة رئيسي، ووزير خارجيته حسين أمير عبداللهيان، ومرافقين لهما إثر تحطم طائرة هليكوبتر كانت تقلهم خلال عودتها من خودافرين إلى تبريز بمحافظة أذربيجان الشرقية وسط ظروف جوية سيئة.

وأعلن المرشد الإيراني علي خامنئي تولي محمد مخبر إدارة السلطة التنفيذية للبلاد بعد وفاة رئيسي.


«مجلس الخبراء» الإيراني ينعقد تزامنا مع تشييع رئيسي

إيرانيون في شوارع العاصمة طهران يتشحون بالاسود حدادا علي وفاة رئيسي( د.ب.أ)
إيرانيون في شوارع العاصمة طهران يتشحون بالاسود حدادا علي وفاة رئيسي( د.ب.أ)
TT

«مجلس الخبراء» الإيراني ينعقد تزامنا مع تشييع رئيسي

إيرانيون في شوارع العاصمة طهران يتشحون بالاسود حدادا علي وفاة رئيسي( د.ب.أ)
إيرانيون في شوارع العاصمة طهران يتشحون بالاسود حدادا علي وفاة رئيسي( د.ب.أ)

بالتزامن مع بدء مراسم تشييع الرئيس الإيراني الراحل إبراهيم رئيسي ومرافقيه في مدينة تبريز، اليوم (الثلاثاء)، عقد مجلس خبراء القيادة جلسة بحضور الرئيس المؤقت محمد مخبر، وفقا لما ذكرته ذكرت وكالة للأنباء الإيرانية (إرنا) .

وقالت الوكالة الرسمية إن الجلسة حضرها أيضا أمين مجلس صیانة الدستور آیة الله أحمد جنتي ورئيس مجلس الشوري (البرلمان) محمد باقر قاليباف ورئيس السلطة القضائية محسني ايجئي وعدد من وزراء الحكومة.

ويتألف مجلس خبراء القيادة، المنوط به اختيار قيادات البلاد ومراقبة أدائها، من 88 من "المجتهدين المؤهلين الذين لهم مهام جسيمة في هيكل الجمهورية الإسلامية الإيرانية"، ومدة ولايته ثماني سنوات ويتم انتخاب أعضائه من قبل الشعب، بحسب وكالة إرنا.

كانت الحكومة الإيرانية أعلنت أمس الاثنين وفاة رئيسي ووزير خارجيته حسين أمير عبداللهيان ومرافقين لهما إثر تحطم طائرة هليكوبتر كانت تقلهم خلال عودتها من خودافرين إلى تبريز بمحافظة أذربيجان الشرقية وسط ظروف جوية سيئة.

وأعلن الزعيم الأعلى الإيراني علي خامنئي تولي محمد مخبر إدارة السلطة التنفيذية للبلاد بعد وفاة رئيسي.


إيران تودع رئيسي... وتشدد على الاستمرارية


عمال الإنقاذ الإيرانيون يحملون جثث ضحايا سقوط المروحية الرئاسية في منطقة فرزكان بجنوب غرب إيران أمس (إ.ب.أ)
عمال الإنقاذ الإيرانيون يحملون جثث ضحايا سقوط المروحية الرئاسية في منطقة فرزكان بجنوب غرب إيران أمس (إ.ب.أ)
TT

إيران تودع رئيسي... وتشدد على الاستمرارية


عمال الإنقاذ الإيرانيون يحملون جثث ضحايا سقوط المروحية الرئاسية في منطقة فرزكان بجنوب غرب إيران أمس (إ.ب.أ)
عمال الإنقاذ الإيرانيون يحملون جثث ضحايا سقوط المروحية الرئاسية في منطقة فرزكان بجنوب غرب إيران أمس (إ.ب.أ)

تُودع إيران رئيسها إبراهيم رئيسي الذي قضى إثر تحطم طائرة هليكوبتر كانت تقله رفقة 8 من مرافقيه؛ بينهم وزير الخارجية حسين أمير عبداللهيان قرب الحدود الأذربيجانية، وسط تشديد على الاستمرارية في السياسات العامة للبلاد.

وأعلنت السلطات الحداد 5 أيام، بدءاً من اليوم (الثلاثاء)، بينما تبدأ اليوم أيضاً مراسم تشييع رئيسي ومرافقيه.

وكلّف المرشد علي خامنئي النائب الأول لرئيس الجمهورية، محمد مخبر، بتولّي مهام الرئاسة مؤقتاً، على أن تجري انتخابات رئاسية في 28 يونيو (حزيران) المقبل. وعلى الفور، ترأس مخبر اجتماعاً طارئاً للحكومة، قبل أن تعلن طهران تعيين علي باقري كني، كبير المفاوضين في الملف النووي ونائب وزير الخارجية للشؤون السياسية، وزيراً للخارجية بالوكالة خلفاً لحسين أمير عبداللهيان.

وأظهرت لقطات بثها التلفزيون الإيراني الرسمي حطاماً في منطقة تلال يلفها الضباب، وأظهرت صور أخرى نشرتها قناة «خبر» الإيرانية، عاملين في الهلال الأحمر يحملون جثة مغطاة على نقالات. وقال مسؤول إيراني إنه أُمكن التعرف على الجثث «رغم أنها محترقة» من دون الحاجة إلى إجراء فحص للحمض النووي. وأمر رئيس هيئة الأركان المشتركة محمد باقري، بتشكيل لجنة تحقيق رفيعة المستوى للتحقيق في سبب تحطّم المروحية.

في غضون ذلك، قال أمين مجلس الأمن الروسي سيرغي شويغو، إن روسيا مستعدة للمساعدة في التحقيق، بينما ذكر وزير النقل التركي عبد القادر أورال أوغلو، أن نظام الإشارة لطائرة الهليكوبتر التي تحطمت وهي تقل الرئيس الإيراني لم يكن مفعلاً، أو أن الطائرة لم يكن لديها مثل هذا النظام. ورفض وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن، «التكهن» حول أسباب تحطم مروحية الرئيس الإيراني.

وأعربت دول خليجية ومجلس التعاون الخليجي ومنظمة التعاون الإسلامي ودول عربية وأوروبية، بالإضافة إلى روسيا والصين والهند وباكستان وتركيا، عن تعازيها بوفاة الرئيس الإيراني.


وفاة الرئيس الإيراني قد تفجر منافسات على خلافة خامنئي

خامنئي يستقبل رئيسي وأعضاء حكومته نهاية أغسطس الماضي (د.ب.أ)
خامنئي يستقبل رئيسي وأعضاء حكومته نهاية أغسطس الماضي (د.ب.أ)
TT

وفاة الرئيس الإيراني قد تفجر منافسات على خلافة خامنئي

خامنئي يستقبل رئيسي وأعضاء حكومته نهاية أغسطس الماضي (د.ب.أ)
خامنئي يستقبل رئيسي وأعضاء حكومته نهاية أغسطس الماضي (د.ب.أ)

تثير وفاة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي في حادث تحطم طائرة هليكوبتر الاضطراب في خطط المتشددين الذين كانوا يرغبون في أن يكون هو من يخلف المرشد علي خامنئي، وستحرك أيضاً المنافسات داخل معسكرهم حول من ستكون له الكلمة العليا في شؤون الجمهورية الإسلامية بعد رحيله.

وكان رئيسي (63 عاماً) أحد تلاميذ خامنئي، وارتقى في صفوف نظام الحكم الديني في إيران، وكان يُنظر إليه على نطاق واسع على أنه المرشح الرئيسي لخلافة المرشد الإيراني البالغ من العمر 85 عاماً، لكن ذلك لم يكن أمراً محسوماً في السياسة الإيرانية التي يكتنفها الغموض.

كان صعوده إلى الرئاسة جزءاً من جهود توطيد السلطة في أيدي المحافظين المتشددين الذين كرسوا جهودهم لدعم ركائز الجمهورية الإسلامية في مواجهة المخاطر التي تشكلها المعارضة في الداخل، والأعداء الأقوياء في منطقة مضطربة.

وكان رئيسي يتمتع بدعم قوي من خامنئي الذي كان يشغل منصب الرئيس قبل أن يصبح المرشد في عام 1989 بعد وفاة المرشد الأول، الخميني الذي وضع حجر الأساس لنظام «ولاية الفقيه».

ويتمتع المرشد الإيراني بسلطة مطلقة في شؤون البلاد، فهو القائد الأعلى للقوات المسلحة، وهو من يقرر اتجاه السياسة الخارجية التي تتشكل معالمها إلى حد كبير بالمواجهة مع الولايات المتحدة وإسرائيل.

ولم يدعم خامنئي تأييد خليفة معين، لكن مراقبين للشأن الإيراني يقولون إن رئيسي كان أحد اسمين تردد ذكرهما كثيراً. والثاني هو الابن الثاني لخامنئي، مجتبى الذي يعتقد على نطاق واسع أنه يتمتع بنفوذ في أروقة السياسة الإيرانية ودهاليزها الخلفية.

ومنصب الرئاسة كان بالنسبة لرئيسي، وهو رجل دين شيعي متوسط المرتبة، وسيلة للوصول إلى القيادة العليا.

مجتبى خامنئي مع الجنرال قاسم سليماني مسؤول العمليات الخارجية في «الحرس الثوري» الذي قضى بضربة أميركية (تسنيم)

«ضربة للمؤسسة»

قال اثنان من داخل النظام الإيراني إن آراء رئيسي كانت ترديداً لآراء خامنئي في كل مسألة محورية، وإنه نفذ سياسات المرشد الإيراني التي تستهدف ترسيخ سلطة رجال الدين، وقمع المعارضين، وتبنى نهجاً متشدداً في قضايا السياسة الخارجية مثل المحادثات النووية مع واشنطن.

وحافظ المتشددون على قبضتهم في الانتخابات البرلمانية التي أجريت في مارس (آذار)، لكن نسبة المشاركة تراجعت إلى أدنى مستوى منذ الثورة.

ويقول منتقدون إن ذلك يعكس أزمة شرعية للنخبة الدينية، وسط صراعات اقتصادية متصاعدة ومعارضة بين الإيرانيين الغاضبين إزاء قيود اجتماعية وسياسية أدت إلى احتجاجات على مدى أشهر بدأت بعد وفاة مهسا أميني التي اعتقلتها شرطة الأخلاق في عام 2022.

وتطفو شكوك حول احتمال ترشيح مجتبى، وهو رجل دين متوسط ​​الرتبة يقوم بتدريس علوم الدين في معهد ديني بمدينة قم التي تحظى بمكانة بارزة لدى الشيعة.

وقال مصدر إيراني مقرب من مكتب خامنئي إن المرشد الإيراني أبدى معارضته لترشيح ابنه؛ لأنه لا يريد أن يرى أي عودة إلى نظام الحكم الوراثي في ​​بلد أطاحت فيه الثورة الإيرانية في عالم 1979 بالنظام الملكي المدعوم من الولايات المتحدة.

وقال مصدر إقليمي عليم ببواطن الأمور في طهران إن معارضة خامنئي للحكم الوراثي ستقضي على فرص كل من مجتبى وعلي الخميني، حفيد مؤسس الجمهورية الإسلامية المقيم في النجف بالعراق.

وقال مسؤول إيراني سابق إن من المتوقع الآن أن تكثف الجهات صاحبة النفوذ، مثل «الحرس الثوري» ورجال الدين المؤثرين في قم، جهودها لتشكيل العملية التي يجري من خلالها اختيار المرشد المقبل.

وقال المسؤول: «وفاة رئيسي تضرب المؤسسة التي ليس لديها مرشح آخر الآن». وأضاف أن رئيسي كان يعتقد أنه يجري إعداده لخلافة خامنئي، لكن لا أحد يعلم بصورة يقينية نيات المرشد الإيراني.

خامنئي يلقي كلمة في ذكرى رحيل المرشد الأول (الخميني) بينما ينظر إليه نجله مسعود في يونيو 2013 (أرشيفية - تابناك)

عدم اليقين في الخلافة

لم يكن خامنئي هو المرشح الأوفر حظاً لهذا الدور في عام 1989، ولم يظهر إلى الواجهة إلا بعد صفقات في الدهاليز بين النخبة الدينية.

وبموجب الدستور الإيراني، يجري تعيين المرشد بقرار من مجلس الخبراء، وهو هيئة دينية مؤلفة من 88 عضواً تراقب المرشد، ويمكنها نظرياً إقالته.

ويجري اختيار أعضاء المجلس عن طريق انتخابات، لكن هناك هيئة رقابية متشددة أخرى تضم رجال دين ورجال قانون متحالفين مع خامنئي تتمتع بسلطة الاعتراض على القوانين، وتحديد من بوسعه الترشح.

ونقلت «رويترز» عن مصدرين مطلعين على الأمر أن مجلس الخبراء رفع اسم رئيسي من قائمة الخلفاء المحتملين قبل نحو 6 أشهر بسبب تراجع شعبيته نتيجة الصعوبات الاقتصادية الناجمة عن العقوبات الأميركية وسوء الإدارة.

وقال أحد المصادر إن رجال دين مؤثرين مؤيدين لرئيسي ضغطوا بشدة لإعادة اسمه.


كبير المفاوضين النوويين علي باقري وزيراً للخارجية بالوكالة

عبداللهيان وخلفه باقري كني على هامش اجتماع مع وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف في طهران (إ.ب.أ)
عبداللهيان وخلفه باقري كني على هامش اجتماع مع وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف في طهران (إ.ب.أ)
TT

كبير المفاوضين النوويين علي باقري وزيراً للخارجية بالوكالة

عبداللهيان وخلفه باقري كني على هامش اجتماع مع وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف في طهران (إ.ب.أ)
عبداللهيان وخلفه باقري كني على هامش اجتماع مع وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف في طهران (إ.ب.أ)

قررت طهران تعيين كبير المفاوضين في الملف النووي علي باقري كني، المعروف بانتقاداته اللاذعة للغرب، وزيراً للخارجية بالوكالة خلفاً لحسين أمير عبداللهيان الذي قُتل إلى جانب الرئيس الإيراني إثر تحطّم مروحية كانا على متنها.

تولى باقري كني (56 عاماً) منصب نائب عبداللهيان الذي قُتل في الحادث مع الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي وسبعة أشخاص آخرين.

ويُحسب باقري كني على المحافظين المتشددين، وهو مقرّب من المرشد علي خامنئي، والد زوجة شقيق باقري كني.

بات المفاوض ذو اللحية التي غزاها الشيب معروفاً في الأروقة الدبلوماسية لمباحثات العاصمة النمساوية بشأن الملف النووي الإيراني بأسلوبه الهادئ المتناقض تماماً مع مواقفه الصلبة، حسب وصف وكالة الصحافة الفرنسية. وقال باقري كني في إحدى المرّات: «في كل مرة يتدخل أجانب، تحت أي صيغة كانت (...) يتعارض وجودهم مع أمن واستقرار المنطقة».

يملك الوزير الجديد بالوكالة خبرة طويلة في ملف إيران النووي، القضية التي كانت محور خلافات طهران مع القوى الكبرى وإسرائيل التي تشتبه بأن إيران تسعى لامتلاك قنبلة نووية.

أبرمت إيران اتفاقاً نووياً تاريخياً في فيينا عام 2015 وافقت فيه على تقييد برنامجها النووي مقابل تخفيف العقوبات المفروضة عليها، لكنَّ الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب انسحب منه بعد ثلاث سنوات. وبعدما وافقت إيران على اتفاق فيينا في عهد رئيسها المعتدل حسن روحاني، برز باقري كأحد أشد منتقديه، متهماً الحكومة حينذاك بالانحناء للغرب. وأشار إلى أن الاتفاق انتهك معظم «الخطوط الحمراء» التي وضعها خامنئي عبر فرضه قيوداً ورقابةً صارمةً على البرنامج النووي الذي تقول إيران إنه لأغراض مدنية بحتة.

«إيران ضعيفة جداً»

بعد الانسحاب الأميركي من الاتفاق النووي وإعادة فرض العقوبات على إيران في 2018، رأى باقري أن روحاني «أعطى الغربيين الانطباع بأن إيران ضعيفة جداً»، لكنه لجأ لاحقاً إلى استخدام نبرة متشددة للدفاع عن جهود إيران الرامية لإعادة إحياء الاتفاق. وقال العام الماضي إن معارضي هذه الجهود «يرغبون في الواقع في حرمان الجمهورية الإسلامية من مفتاح وأداة مهمة من أجل ضمان المصالح الوطنية». وُلد باقري عام 1967 في منطقة كن بشمال غربي طهران، ونشأ في عائلة منخرطة إلى حد كبير في الحياة السياسية في الجمهورية الإسلامية. كان والده، رجل الدين الشيعي محمد باقر، من الأعضاء الأوائل في مجلس خبراء القيادة، الموكل إليه دستورياً انتخاب المرشد والإشراف على عمله. وترأس لسنوات جامعة الإمام الصادق، التي تخرج فيها أغلب المسؤولين الحاليين. أما عمه محمد رضا مهدوي كني، فتولى رئاسة مجلس الخبراء منذ عام 2011 حتى وفاته في 2014، وهو الأمين العام لجمعية علماء الدين المجاهدين، رابطة رجال الدين المحافظين. عمل باقري كني في وزارة الخارجية في تسعينات القرن الماضي وتقرّب من المحافظ سعيد جليلي، أبرز منتقدي الاتفاق النووي والسياسة الخارجية في فترة الرئيس السابق حسن روحاني. وعندما عُيّن جليلي أميناً لمجلس الأمن القومي وبات كبير المفاوضين الإيرانيين في الملف النووي، عيِّن باقري كني مساعداً له.

بعد انتهاء مهامه في مجلس الأمن القومي، تولى باقري كني مهام في السلطة القضائية التي كان يرأسها في حينه إبراهيم رئيسي. وشغل بدايةً منصب أمين لجنة حقوق الإنسان، وبعدها عيّن مساعداً للشؤون الدولية.

بعد أسابيع على تولي رئيسي السلطة في 2021 عُيّن باقري نائب وزير الخارجية للشؤون السياسية وكبير المفاوضين في الملف النووي. وكان اسمه مطروحاً بقوة لشغل منصب وزير الخارجية، قبل تسمية عبداللهيان. لكن المفاوضات وصلت إلى طريق مسدود جراء خلافات على مسائل بدا حلها مستعصياً، خصوصاً مع واشنطن.

ونقلت وكالة الصحافة الفرنسية عن محللين أن مقتل الرئيس الإيراني أدى إلى مرحلة من عدم الاستقرار في الجمهورية الإسلامية، لكن لا يُتوقَّع أن يزعزع سياستها الخارجية أو دورها في المنطقة. وكان رئيسي يعد أحد المرشحين لخلافة المرشد علي خامنئي، وبالتالي فإن مقتله سيطرح تحدياً كبيراً لسلطات البلاد.

باقري كني خلال مفاوضات إحياء الاتفاق النووي في فيينا أغسطس 2022 (رويترز)

«الوضع على حاله»

وقال علي واعظ، المتخصص في الشؤون الإيرانية في مجموعة الأزمات الدولية: «قد يظهر خليفة محافظ ومخلص للنظام تماماً كرئيسي». وأضاف واعظ الذي كشفت وثائق عن تقديمه استشارات للحكومة الإيرانية في مبادرة تُعرف باسم «خبراء إيران»، أنه «بالنسبة إلى السياسة الخارجية، فإن المرشد و(الحرس الثوري) سيحتفظان بالكلمة الفصل في القرارات الاستراتيجية» متوقعاً «الاستمرارية أكثر من التغيير (...) في فترة من عدم اليقين والرهانات الكبيرة أمام الولايات المتحدة وفي المنطقة». وأضاف أنه مع رئيسي «كان اتخاذ القرارات سلساً جداً لأنه كان خاضعاً تماماً للمرشد». وأوضح: «السؤال بالنسبة إلى المحافظين الإيرانيين هو إيجاد شخص ينتخب (...) ولا يسبب لهم الكثير من المشكلات».

لكن على المستوى الدولي، يراهن المحللون على نوع من الاستمرارية خصوصاً أن الاستراتيجية الإيرانية يحددها آية الله خامنئي والمجلس الأعلى للأمن القومي. وتوقع جيسون برودسكي، الخبير في معهد الشرق الأوسط، أن يبقى «الوضع الراهن على حاله» حول هذه النقطة. وصرح لـ«بي بي سي» بأن «(الحرس الثوري) يخضع للمرشد خامنئي ويقوم باتصالاته مع (حزب الله) والحوثيين و(حماس) والميليشيات الأخرى في المنطقة. وسيظل أسلوب العمل والاستراتيجية الكبرى للجمهورية الإسلامية على حالها». وبالنسبة إلى الملف النووي، تنفي إيران أنها تسعى لحيازة السلاح النووي، لكنها أعلنت عدم امتثالها للالتزامات التي تعهدت بها في إطار الاتفاق الدولي لعام 2015 الذي ينظم أنشطتها النووية مقابل رفع العقوبات الدولية عنها. ولم تعد هذه الاتفاقية قائمة بعد انسحاب الولايات المتحدة الأحادي منها بقرار من الرئيس السابق دونالد ترمب عام 2018.

الأولوية لـ«النووي»

عيِّن كبير مفاوضي الملف النووي علي باقري، الاثنين، وزيراً للخارجية الإيرانية بالوكالة بعد مقتل وزير الخارجية حسين أمير عبداللهيان أيضاً في حادث تحطم المروحية. وكتب حسني عبيدي، مدير مركز الدراسات والأبحاث حول العالم العربي والمتوسط في جنيف: «إن الخارجية الإيرانية لديها مسؤول جديد والأولوية نفسها: المفاوضات حول البرنامج النووي». وأضاف جيسون برودسكي: «لن يتغير البرنامج النووي الإيراني وكذلك عملية صنع القرار المحيطة به لأن الملف النووي في النهاية بيد المرشد والمجلس الأعلى للأمن القومي». متوقعاً حدوث التغييرات على المدى الطويل. وسيتجلى ذلك في الصراع على السلطة بين «الحرس الثوري» والملالي، وفي رد فعل الإيرانيين الذين خرجوا إلى الشارع بأعداد كبيرة عام 2022 ويتضررون من العقوبات الدولية المفروضة على إيران، وفي التأثيرات الخارجية والأحداث الإقليمية التي ستُرغم طهران على التكيف. وذكر حسني عبيدي أن «رئيسي كان المرشد العتيد وكان يحظى بدعم جميع مكونات النظام». وأضاف: «لا يعاد خلط الأوراق في إيران بمقتل الرئيس الإيراني، بل ما هو على المحكّ هو البحث عن المرشد المقبل». ورأى فريد وحيد أن «إيران لن تغيِّر سياساتها الخارجية بشكل جذري تجاه إسرائيل أو الولايات المتحدة أو برنامجها النووي إلا من خلال تغيير النظام». وأضاف: «قد يترتب على مقتل رئيسي بعض الفروق والاختلافات، لكن في ظل هذا النظام وما دام المرشد على قيد الحياة و(الحرس الثوري) حاضراً لا يمكن توقع أي تطور كبير».​


غضب كبير في تل أبيب... واكتراث أقل لدى «حماس» بعد طلبات «الجنائية»

رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يصل لاجتماع حزب «الليكود» بعد طلب المدعي العام للجنائية الدولية إصدار مذكرة اعتقال بحقه ووزير دفاعه (أ.ف.ب)
رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يصل لاجتماع حزب «الليكود» بعد طلب المدعي العام للجنائية الدولية إصدار مذكرة اعتقال بحقه ووزير دفاعه (أ.ف.ب)
TT

غضب كبير في تل أبيب... واكتراث أقل لدى «حماس» بعد طلبات «الجنائية»

رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يصل لاجتماع حزب «الليكود» بعد طلب المدعي العام للجنائية الدولية إصدار مذكرة اعتقال بحقه ووزير دفاعه (أ.ف.ب)
رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يصل لاجتماع حزب «الليكود» بعد طلب المدعي العام للجنائية الدولية إصدار مذكرة اعتقال بحقه ووزير دفاعه (أ.ف.ب)

هاجمت إسرائيل و«حماس» قرار المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية كريم خان، بتقديم طلبات إلى الدائرة التمهيدية بالمحكمة لإصدار مذكرات اعتقال بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، ورئيس حركة «حماس» في قطاع غزة يحيى السنوار، ومسؤولين آخرين.

وقال نتنياهو في اجتماع لحزب «الليكود»، إن هذه الفضيحة والمؤامرة لن توقفه (عن الحرب في قطاع غزة)، بينما قال مسؤولون في «حماس» إنه كان يجب أن يشمل القرار المتأخر مسؤولين آخرين في إسرائيل، لا أن يساوي بين الضحية والجلاد.

وكان خان قد أعلن، الاثنين، أنه قدم طلبات للدائرة التمهيدية الأولى بالمحكمة الجنائية الدولية لإصدار أوامر اعتقال بحق زعيم «حماس» في غزة، يحيى السنوار، وقائد «كتائب القسام» التابعة لـ«حماس»، محمد الضيف، ورئيس المكتب السياسي للحركة، إسماعيل هنية؛ لأن لديه أسباباً معقولة لاعتقاد أنهم يتحملون المسؤولية الجنائية عن جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، بداية من السابع من أكتوبر (تشرين الأوّل) 2023.

مظاهرة لأنصار عائلات الرهائن لدى حركة «حماس» أمام مقر الكنيست في القدس يوم الاثنين (رويترز)

واتهمهم خان بالمسؤولية عن الإبادة والقتل العمد، وأخذ الرهائن والاغتصاب، وغيره من أشكال العنف الجنسي والتعذيب وأفعال لا إنسانية أخرى والمعاملة القاسية والاعتداء على كرامة الشخص، بوصفها جرائم حرب أو جرائم ضد الإنسانية. وقال المدعي العام: «إن بعض هذه الجرائم مستمرة».

رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع يوآف غالانت (وسائل إعلام إسرائيلية)

كما أعلن خان أنه قدم طلبات لاعتقال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع يوآف غالانت؛ لأن لديه أسباباً معقولة لاعتقاد أنهما يتحملان المسؤولية الجنائية عن جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية التالية التي ارتُكبت على أراضي دولة فلسطين (في قطاع غزة)، بداية من الثامن من أكتوبر 2023.

إسرائيل تستخدم التجويع سلاح حرب في غزة (د.ب.أ)

واتهم خان كلاً من نتنياهو وغالانت بتجويع المدنيين بوصفه أسلوباً من أساليب الحرب، وتعمد إحداث معاناة شديدة، أو إلحاق أذى خطير بالجسم أو بالصحة والمعاملة القاسية والقتل العمد، وتعمُّد توجيه هجمات ضد السكان المدنيين والإبادة و/أو القتل العمد بما في ذلك ما كان في سياق الموت الناجم عن التجويع، والاضطهاد وأفعال لا إنسانية أخرى بوصفها جرائم وجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية.

فلسطينيون يرفعون جثة شخص قُتل في غارة إسرائيلية على منزل شمال قطاع غزة (رويترز)

وقال خان: «إن الجرائم ضد الإنسانية التي وُجِّه الاتهام بها قد ارتُكِبت في إطار هجوم واسع النطاق ومنهجي ضد السكان المدنيين الفلسطينيين عملاً بسياسة الدولة. وهذه الجرائم مستمرة، في تقديرنا، إلى يومنا هذا».

وأضاف: «إن مكتبي بتقديمه هذه الطلبات لإصدار أوامر قبض يتصرف عملاً بولايته بموجب نظام روما الأساسي».

وأكد خان أنه لن يتردد في تقديم مزيد من طلبات إصدار أوامر الاعتقال إذا ارتأى استيفاء الحد الأدنى لإمكانية الإدانة استيفاءً واقعياً.

وفوراً، رفضت إسرائيل و«حماس» البيان بسبب «المساواة» بينهما.

رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يصل لاجتماع حزب «الليكود» بعد طلب المدعي العام للجنائية الدولية إصدار مذكرة اعتقال بحقه ووزير دفاعه (أ.ف.ب)

وافتتح نتنياهو جلسة كتلة «الليكود» بعد نحو ساعتين من إعلان خان جمع تواقيع أعضاء الحزب على عريضة ضد قرار المدعي العام، قائلاً لهم: «هذه فضيحة، ولن يوقفونا».

وهاجمت إسرائيل القرار بشدة، وقررت تشكيل غرفة عمليات لمتابعته.

وقال الرئيس الإسرائيلي يتسحاق هيرتسوغ: «إن إعلان المدعي العام قد تجاوز الحد المشين، ويمثل إجراءً سياسياً أحادي الجانب يشجع الإرهابيين في جميع أنحاء العالم، وإن أي محاولة للمقارنة بين هؤلاء الإرهابيين وحكومة إسرائيل المنتخبة ديمقراطياً هي أمر مشين».

وأدان الوزير في مجلس الحرب، بيني غانتس، هذه الخطوة قائلاً: «إن وضع قادة الدولة التي خاضت معركة للدفاع عن مواطنيها في نفس صف الإرهابيين المتعطشين للدماء هو عمى أخلاقي، وإن الاستجابة لمطلب المدعي العام سيكون جريمة تاريخية لن تزول». وقال غانتس إن القرار «جريمة ذات أبعاد تاريخية».

وأكد وزير الخارجية يسرائيل كاتس، أنه أمر بتشكيل لجنة خاصة للتصدي للقرار، واصفاً القرار بأنه «فاضح وعار تاريخي، ويشكل جريمة». ورأى وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش، مذكرات الاعتقال «المسمار الأخير في تفكيك المحكمة المعادية للسامية».

وقال زعيم المعارضة يائير لبيد إن القرار يمثل «كارثة»، وقال رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق نفتالي بنيت، إن ما حدث «هو لحظة عار للمحكمة الجنائية الدولية والمجتمع الدولي».

وجاء كل هذا الهجوم بينما لم يصدر قرار الاعتقال بعد، لكن التقييم في إسرائيل، هو أن اللجنة التمهيدية ستستجيب لطلب المدعي العام كريم خان، وتصدر مذكرات الاعتقال.

وقالت وسائل إعلام إسرائيلية، إنه حتى مع افتراض صدور مذكرات اعتقال، كما هو مقدر في إسرائيل أيضاً، فمن غير المتوقع أن يجري اعتقال نتنياهو وغالانت.

لكنهم في إسرائيل لا يستهينون بالقرار، ويخشون من أن يؤدي إلى زيادة عزلة إسرائيل دولياً، وزيادة الضغط على إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن للضغط على نتنياهو لإنهاء الحرب في غزة.

وهذه هي المرة الأولى التي تسعى فيها المحكمة الجنائية الدولية إلى إصدار أوامر اعتقال ضد حليف رئيسي للولايات المتحدة.

وهددت إسرائيل، وهي ليست عضواً في المحكمة الجنائية الدولية، باتخاذ إجراءات عقابية ضد السلطة الفلسطينية إذا أصدرت المحكمة أوامر اعتقال.

ولم يعرف كيف يمكن أن يؤثر القرار في سير الحرب، لكن لا يبدو أن إسرائيل تنوي التراجع.

وبعد أن قال نتنياهو إنه لن يوقفه شيء، دعا وزير الأمن القومي، إيتمار بن غفير، إلى تجاهل خان «المعادي للسامية»، وتصعيد الهجوم على «حماس».

وبدت «حماس» أقل اكتراثاً لأوامر اعتقال قادتها، وقالت الحركة إن «المساواة بين الضحية والجلاد تمثل تشجيعاً للاحتلال للاستمرار في حرب الإبادة».

وعدَّت الحركة مذكرات التوقيف والاعتقال بحقّ قادة الاحتلال «متأخرة 7 أشهر»، وقالت إنه كان يتوجَّب على المدّعي العام إصدار أوامر توقيف واعتقال ضدّ كل المسؤولين من قادة الاحتلال الذين أعطوا الأوامر، والجنود الذين شاركوا في ارتكاب الجرائم طبقاً للمواد 25 و27 و28 من نظام روما الأساسي.

واستنكرت الحركة بشدَّة محاولات المدّعي العام للمحكمة الجنائية الدولية مساواة الضحيَّة بالجلاد، عبر إصداره أوامر توقيف بحقّ عدد من قادة المقاومة الفلسطينية، دون أساس قانوني، وطالبت بإلغاء كل مذكرات التوقيف التي صدرت بحقّ قادة المقاومة الفلسطينية؛ لمخالفتها المواثيق والقرارات الأممية.

رئيس المكتب السياسي لحركة «حماس» إسماعيل هنية (رويترز)

عملياً، يمكن أن يؤثر قرار الاعتقال إذا ما صدر على هنية فقط، لأنه يقيم في قطر، ويتنقل بين الدول، لكنه لن يشكل أي تهديد على السنوار والضيف الملاحَقين من قِبل إسرائيل، واللذين لا يخرجان من غزة، ويُعتقد أنهما إذا ما نَجَوَا من الحرب، فسيواصلان البقاء متخفيين حتى بعد انتهائها.


مسؤول أميركي: لا يوجد أي تدخل أجنبي في حادث تحطم طائرة الرئيس الإيراني

إبراهيم رئيسي (د.ب.أ)
إبراهيم رئيسي (د.ب.أ)
TT

مسؤول أميركي: لا يوجد أي تدخل أجنبي في حادث تحطم طائرة الرئيس الإيراني

إبراهيم رئيسي (د.ب.أ)
إبراهيم رئيسي (د.ب.أ)

قال مسؤول أميركي لشبكة «إن.بي.سي نيوز»، اليوم (الاثنين)، إنه لا يوجد على ما يبدو أي دليل على تدخل أجنبي في حادث تحطم طائرة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي.

وحسب «وكالة أنباء العالم العربي»، قال المسؤول الأميركي «لا يوجد أي تدخل خارجي على الإطلاق».

وحول ما إذا كان لوفاة الرئيس الإيراني ووزير خارجيته أي تأثير متوقع على العلاقات بين الولايات المتحدة وإيران، قال المسؤول الأميركي «لا نتوقع أي تغيير كبير هنا».

وأكد التلفزيون الإيراني صباح اليوم وفاة رئيسي ووزير خارجيته حسين أمير عبداللهيان ومرافقيهما إثر تحطم هليكوبتر كانت تقلهم خلال عودتها من خودافرين إلى تبريز وسط ظروف جوية سيئة.


إيران تفتح تحقيقاً في أسباب حادث تحطم طائرة رئيسي

TT

إيران تفتح تحقيقاً في أسباب حادث تحطم طائرة رئيسي

رئيس الأركان يأمر بفتح تحقيق في أسباب حادثة تحطم طائرة رئيسي (أ.ف.ب)
رئيس الأركان يأمر بفتح تحقيق في أسباب حادثة تحطم طائرة رئيسي (أ.ف.ب)

أفادت وكالة «مهر» الإيرانية للأنباء بأن رئيس الأركان محمد باقري أمر بفتح تحقيق في أسباب حادثة تحطم الطائرة الهليكوبتر التي كانت تقل رئيس البلاد إبراهيم رئيسي.

وأضافت الوكالة أن باقري كلف وفدا رفيع المستوى يشمل خبراء وعسكريين لفتح التحقيق في أبعاد وأسباب حادثة تحطم الطائرة.

وأشارت الوكالة إلى أن الوفد وصل إلى موقع الحادث في محافظة أذربيجان الشرقية وباشر التحقيق، وأنه سيتم الإعلان عن نتائج التحقيقات الميدانية لاحقا.

وأكد التلفزيون الإيراني صباح اليوم وفاة رئيسي ووزير خارجيته حسين أمير عبداللهيان ومرافقيهما إثر تحطم هليكوبتر كانت تقلهم خلال عودتها من خودافرين إلى تبريز وسط ظروف جوية سيئة.

وقال مسؤول أميركي لشبكة «إن.بي.سي نيوز» في وقت سابق إنه لا يوجد على ما يبدو أي دليل على تدخل أجنبي في حادث تحطم طائرة الرئيس الإيراني.وحسب «وكالة أنباء العالم العربي»، قال المسؤول الأميركي «لا يوجد أي تدخل خارجي على الإطلاق».وحول ما إذا كان لوفاة الرئيس الإيراني ووزير خارجيته أي تأثير متوقع على العلاقات بين الولايات المتحدة وإيران، قال المسؤول الأميركي «لا نتوقع أي تغيير كبير هنا».


إبراهيم رئيسي... مشروع غير مكتمل لخلافة المرشد

الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي يلقي خطاباً خلال استقبال خامنئي للمسؤولين (موقع المرشد)
الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي يلقي خطاباً خلال استقبال خامنئي للمسؤولين (موقع المرشد)
TT

إبراهيم رئيسي... مشروع غير مكتمل لخلافة المرشد

الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي يلقي خطاباً خلال استقبال خامنئي للمسؤولين (موقع المرشد)
الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي يلقي خطاباً خلال استقبال خامنئي للمسؤولين (موقع المرشد)

تبعثرت أوراق المرشحين المحتملين لخلافة المرشد الإيراني علي خامنئي، مع خروج أبرزهم الرئيس إبراهيم رئيسي الذي لقي حتفه، أمس (الأحد)، إثر تحطم مروحيته في منطقة جبلية وسط ظروف مناخية قاسية.

ومع خروج رئيسي (63 عاماً) من المعادلة السياسية، أصبحت قضية خلافة خامنئي (85 عاماً) أكثر ضبابية من أي وقت مضى.

وتحول رئيسي إلى ظاهرة في السياسة الإيرانية، بسبب تدرجه في مناصب حساسة، خلال العقد الأخير الذي شهد تطورات مهمة، مثل إبرام الاتفاق النووي، والانسحاب الأميركي، بفرض دونالد ترمب استراتيجية الضغوط القصوى على إيران، وتفاقم الأزمات الداخلية، وانفجار مستويات غير مسبوقة من الاستياء الشعبي في وجه الحكام الذين تبنوا سياسة استراتيجية السير على حافة الهاوية و«الصبر الاستراتيجي»، لضمان بقائهم في السلطة.

تولى رئيسي منصب الرئاسة في 2021، خلفاً للرئيس المعتدل نسبياً حسن روحاني، في انتخابات رئاسية شهدت عزوفاً قياسياً عن صناديق الاقتراع، وفي ظل غياب منافس حقيقي، مع إبعاد جميع المرشحين المحسوبين على التيارين المعتدل والإصلاحي من سباق الرئاسة.

وحصل رئيسي على 17.9 مليون صوت من 28.9 مليون توجهوا إلى صناديق الاقتراع من أصل 59 مليوناً كان يحق لهم التصويت.

وجاء انتخاب رئيسي بعد تأكيدات خامنئي ضرورة تولي حكومة «ثورية شابة»، في سياق ما أطلق عليها المرشد الإيراني علي خامنئي قبل سنوات «الخطوة الثانية للثورة الإيرانية» بعد مضي 40 عاماً على ثورة 1979.

ورث رئيسي من الحكومة السابقة عشرات الأزمات والتوترات الداخلية والخارجية التي بقيت مع انتهاء ولاية حسن روحاني الثانية، دون حل.

صورة نشرتها «الطاقة الذرية» الإيرانية للرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي ويبدو أمامه محمد إسلامي في أبريل 2023

إخفاقات

ومنذ خطاب تنصيبه بالبرلمان في أغسطس (آب) 2021، تعهد رئيسي بإعطاء الأولوية لرفع العقوبات وتحسين الوضع الاقتصادي ومكافحة الفساد. لكن رئيسي أخفق إلى حد بعيد في تطبيق وعوده بشأن مكافحة الفساد الاقتصادي.

داخلياً، أخفق رئيسي إلى حد بعيد في تطبيق وعوده بشأن مكافحة الفساد الاقتصادي. وعزل رئيسي وزير الزراعة السابق، جواد ساداتي نجاد في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، بعد إثبات تورطه في ملفات فساد ضخمة. وفي وقت سابق من هذا الشهر، أصدر القضاء الإيراني حكماً على ساداتي نجاد بالسجن 3 سنوات على خلفية تورطه في ملف فساد مرتبط باستيراد ماشية. وهو يواجه أيضاً اتهامات في قضية فساد تتعلق باستيراد الشاي بقيمة 3.7 مليار دولار.

وفي المجال الاقتصادي، استمرت معاناة العملة الإيرانية التي جربت مستويات من الانهيار، مع زيادة مطردة في معدلات التضخم، وغليان الأسواق.

قائد الوحدة الصاروخية في «الحرس الثوري» أمير علي حاجي زاده يتحدث للرئيس إبراهيم رئيسي في أثناء عرض عسكري سابق بطهران (تسنيم)

السياسة الخارجية

وفي السياسة الخارجية، تعهد بالعمل على توثيق العلاقات مع الصين وروسيا على المستوى «الاستراتيجي»، على نقيض الحكومة السابقة التي استخدمت الملف النووي واتفاق فيينا في 2015 للاستثمار في سياسة الانفتاح على الغرب. ووصفت الاتفاق بأنه «إنجاز تاريخي».

وبذلك، عملت حكومة رئيسي على تهميش مفاوضات الاتفاق النووي، وإبقاء مسار المفاوضات في غرفة الإنعاش دون أن تعلن موته بشكل نهائي. وبعد مماطلة دامت نحو 6 أشهر، أرسلت حكومة رئيسي فريقها التفاوضي، لمواصلة المسار التفاوضي الذي انقطع في نهاية حكومة روحاني. ولكن في كل جولة جديدة من التفاوض، قدمت إيران شروطاً جديدة للقبول بإعادة الامتثال للاتفاق النووي، الأمر الذي زاد من تعقيدات مهمة إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن، الذي لا يزال يعول على دبلوماسيته في لجم قدرات إيران النووية، قبل أن تدق الحرب الأوكرانية - الروسية المسمار الأخير في نعش الاتفاق.

وبشكل عام، أبدى رئيسي خلال 3 سنوات استعداداً أكبر من الرؤساء السابقين في الامتثال لتوصيات المرشد الإيراني، خصوصاً استراتيجية «الردع» لتحصين النظام من المخاطر التي تستهدف وجوده. وعلى هذا الأساس، واصلت إيران المضي قدماً في توسع برنامجها النووي إلى مستويات إنتاج الأسلحة.

ومقابل الاتفاق النووي، سرعت حكومة رئيسي من عملية الامتثال لاستراتيجية «التوجه نحو الشرق» التي يطالب بتنفيذها المرشد الإيراني للحد من تأثير العقوبات الغربية على المدى الطويل، مع ترجيح كفة روسيا على الصين التي تعاملت بحذر في تعاونها الاقتصادي مع طهران، امتثالاً للعقوبات الأميركية.

ولم تعكس العلاقات مع موسكو التي تواجه بدورها عقوبات غربية مشددة، أي فوائد للاقتصاد الإيراني. وتعرضت إيران لمزيد من العقوبات لبيع طائرات مسيرة إلى روسيا. لكن العلاقات مع روسيا والصين ساعدت إيران في تخفيف عزلتها الدولية، عبر تأييدهما لانضمام طهران إلى منظمتي «شنغهاي» و«بريكس» للتعاون الاقتصادي.

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مُرحّباً بنظيره الإيراني إبراهيم رئيسي في الكرملين ديسمبر الماضي (إ.ب.أ)

التوجه نحو الشرق

واكب انخراط إيران في سياسة «التوجه نحو الشرق»، محاولات لكسر العزلة الإقليمية، عبر تحسين العلاقات مع دول الجوار، وتوصلت إلى اتفاق مع السعودية، بوساطة صينية، لاستئناف العلاقات الدبلوماسية. وبدأت إيران مفاوضات مع مصر لتطبيع العلاقات بين الجانبين، بعد قطيعة دامت 4 عقود.

وتسارعت سياسة تحسين العلاقات مع الجوار، بينما كانت البلاد تحت وطأة انتقادات غربية، جراء الحملة التي أطلقتها السلطات لإخماد الاحتجاجات الشعبية الحاشدة التي هزت البلاد في سبتمبر (أيلول) 2022، وتدهور وضع الحريات مع إيران، إذ حاولت حكومة رئيسي تلبية مطالب الأوساط المتشددة، خصوصاً تلك المطالبة بإعادة شرطة الأخلاق لضبط الحجاب والعفاف. وأدت وفاة الشابة مهسا أميني أثناء احتجازها لدى شرطة الأخلاق، إلى أكبر موجة احتجاجات شعبية تهز البلاد، خلال 43 عاماً بعد ثورة 1979.

وأعلنت حكومة رئيسي تأييدها لحملة إخماد الاحتجاجات التي خلفت أكثر من 500 قتيل. ووصفت السلطات الاحتجاجات بأنها «حرب هجينة» ضد النظام.

بطاقة هوية

ارتبط اسم إبراهيم رئيسي خلال الأعوام الثمانية الماضية، بأكثر من حدث لافت، وهو جعل الأضواء تسلط عليه. وكان الموقف الأكثر إثارة للجدل في صيف عام 2016، عندما نشر التسجيل الصوتي لنائب الخميني حسين علي منتظري حول إعدامات 1988. وكان رئيسي أحد «الفرسان الأربعة» في «فرقة الموت» الذين نفذوا أوامر الخميني في أكبر موجة إعدامات استهدفت نحو 3800 سجين سياسي أكثرهم دون سن 25 سنة.

وجاء نشر التسجيل مع إصدار خامنئي مرسوماً بتعيين رئيسي على رأس الجهاز القضائي، خلفاً لرجل الدين المتنفذ صادق لاريجاني، الذي يترأس مجلس تشخيص مصلحة النظام في الوقت الحالي.

وكان هذا ثاني منصب يتولاه رئيسي بأمر من المرشد الإيراني خلال عام. ففي عام 2015، أصدر المرشد الإيراني مرسوماً بتعيين رئيسي على رأس هيئة «العتبة الرضوية» (نسبة للإمام علي الرضا)، ليكون وريثاً لأحد أبرز رجال الدين المتنفذين في إقليم خراسان - مسقط رأس خامنئي - المعروف بلقب «إمبراطور خراسان» واعظ طبسي.

وتعد «الهيئة الرضوية» أكبر مؤسسة دينية وقفية والأثرى بين المجموعات الاقتصادية الإيرانية. ففي آخر إحصائية منشورة عام 2014، تجاوزت إيراداتها السنوية 210 مليارات دولار أميركي وبلغت أرباحها الخالصة 160 مليار دولار. وهي مؤسسة لا تدفع الضرائب.

ولد إبراهيم رئيسي عام 1961 لأسرة دينية بمدينة مشهد (شمال شرقي إيران)، وفقد والده في الخامسة من العمر. وبعد انتهاء المرحلة الابتدائية التحق بالحوزة العلمية في مشهد قبل أن ينتقل في سن الـ15 إلى مدينة قُم معقل الحوزات العلمية، حيث تلقى دروسه في مدرسة «حقاني» التي تخرج فيها أهم رجال الدين المتنفذين والمتشددين في النظام الحالي، على رأسهم خامنئي. والمعروف أنه تلقى دروس فقه الخارج على يد خامنئي منذ 1990.

الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي يجلس خلف المرشد علي خامنئي أغسطس 2021 (موقع خامنئي)

كان رئيسي في الـ18 عندما سقط نظام الشاه وأعلن نظام ولاية الفقيه. وتلقى دروساً مكثفة على يد محمد بهشتي (نائب الخميني) وعلي خامنئي للدخول في القضاء الجديد. وكانت انطلاقته مع تأسيس محكمة الثورة قبل أن يصبح مدعياً عاماً فيها، وهو لم يبلغ العشرين من العمر. وحينذاك تزوج من بنت أحمد علم الهدى، رئيس اللجان الثورية، التي لعبت دوراً كبيراً في تصفية المعارضين والنشطاء السياسيين قبل أن تندمج بالقوات الأمنية والحرس الثوري. ويعد علم الهدى أبرز من أصدروا أوامر الاغتيالات والقمع بين 1980 و1982. منذ عام 1984، تولى رئيسي منصب مساعد المدعي العام في طهران لشؤون الجماعات المعارضة، وكان رئيسي يشغل المنصب عندما مثل القضاء في «لجنة الموت» التي تسببت في إعدامات 1988.

وبعدها شغل رئيسي منصب مدعي عام طهران بين عامي 1990 و1995، قبل أن يصبح رئيس منظمة التفتيش في إيران بين عامي 1995 و2005. وبعد ذلك عينه رئيس القضاء الإيراني محمود هاشمي شاهرودي نائباً أول له، وبقي في المنصب بين عامي 2005 و2015. ثم شغل منصب المدعي العام الإيراني بين عامي 2015 و2016. وتجدر الإشارة إلى أنه كان المدعي العام في المحكمة الخاصة برجال الدين منذ عام 2013. وفي 2009، كان رئيسي أحد أعضاء اللجنة الثلاثية في القضاء الإيراني للتحقيق في قتل سجناء وتعرضهم لانتهاكات في سجن كهريزك عقب احتجاجات «الحركة الخضراء»، ورفض نتائج الانتخابات من قبل المرشحين مير حسين موسوي، ومهدي كروبي. ورفضت الهيئة التي ترأسها رئيسي التهم الموجهة من كروبي، وفي المقابل، اقترحت «ملاحقة الأشخاص الذين تسببوا في تشويش الرأي العام بنشر التهم والافتراءات والتهم»، وكان رئيسي عدّ فرض الإقامة الجبرية من أجل الحفاظ على حياة كل من كروبي وموسوي.

خلافة المرشد

وكان إبراهيم رئيسي يعد أبرز المرشحين لخلافة المرشد. وبالإضافة إلى منصب الرئاسة، تولى منصب نائب رئيس مجلس خبراء القيادة، الهيئة التي تسمي خليفة المرشد. وفاز رئيسي بانتخابات مجلس الخبراء لولاية جديدة بالانتخابات التي خاضها في مارس (آذار).

وأثار عدم ترشح رئيسي من مدينة طهران، وتوجهه إلى محافظة نائية، لم ينافسه هناك إلا رجل دين مغمور، انتباه المراقبين.

والآن بعد غياب رئيسي، ستكون الأنظار مسلطة على نجلي المرشد الإيراني، مجتبي ومسعود خامنئي، إلى جانب عدد من رجال الدين الصاعدين.

وزعم عضو «مجلس خبراء القيادة»، محمود محمدي عراقي، في فبراير (شباط) الماضي، أن خامنئي «عارض تقييم أهلية أحد أبنائه لتولي منصب المرشد لتجنب شبهة توريث المنصب».

وسيترك الغياب المفاجئ للرئيس الإيراني تأثيره على جميع المعادلات والتوقعات بشأن احتمال توليه منصب المرشد الإيراني.

وكان رئيسي شخصية مغمورة عندما لفت الأنظار في عام 2015 بوصفه مرشحاً محتملاً لخلافة خامنئي. ولوحظ وقتذاك تقارب كبير بين رئيسي وقادة «الحرس الثوري»، بعدما أصدر خامنئي مرسوماً لترأسه العتبة الرضوية.

ورافق ذلك مؤشرات كثيرة؛ أولها التحول المفاجئ للقبه الديني من «حجة الله» إلى «آية الله» الذي بدأت ترويجه وسائل إعلام «الحرس الثوري»، وبموازاة ذلك، أعلن عن بدء رئيسي تدريس مادة «فقه الخارج» في الحوزة العلمية، وهي من أعلى الدروس الحوزية، وهو ما يعني حيازته الشروط الدينية لتولي منصب المرشد.

وكان المؤشر الثاني هو لقاؤه الشهير مع قادة «الحرس الثوري» في أبريل (نيسان) 2016، وهو ما أعطى دليلاً إضافياً على توجهه الجديد عندما عبر عن آرائه تجاه الأوضاع في المنطقة ودور إيران فيها، عادّاً دور الحرس الثوري وقادته في تطورات المنطقة «صعباً». وفي اللقاء ذاته، أشاد بمواقف أمين عام «حزب الله» اللبناني، حسن نصر الله، في اتباع «ولاية الفقيه»، بينما انتقد بعض من يخذلون النظام داخل إيران. واللافت أن قائد «فيلق القدس» قاسم سليماني حينذاك، قدم تقريراً حول موقع إيران الاستراتيجي في تطورات المنطقة. وعدّ اللقاء المذكور بمثابة بيعة الجنرالات لرجل يتدرب على أدبيات المرشد.


كيف يمكن أن تؤثر وفاة رئيسي على الشرق الأوسط؟

الرئيس الإيراني الراحل إبراهيم رئيسي (د.ب.أ)
الرئيس الإيراني الراحل إبراهيم رئيسي (د.ب.أ)
TT

كيف يمكن أن تؤثر وفاة رئيسي على الشرق الأوسط؟

الرئيس الإيراني الراحل إبراهيم رئيسي (د.ب.أ)
الرئيس الإيراني الراحل إبراهيم رئيسي (د.ب.أ)

من المرجح أن يتردد صدى حادث تحطم المروحية الذي قُتل فيه الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي ووزير خارجية البلاد ومسؤولين آخرين في جميع أنحاء الشرق الأوسط، حيث يمتد نفوذ إيران على نطاق واسع وعميق في عدد من الدول.

وبحسب وكالة أنباء «أسوشييتد برس»، فقد أمضت إيران عقوداً في دعم مسلحين وجماعات مسلحة في لبنان وسوريا والعراق واليمن، مما سمح لها باستعراض قوتها أمام أعدائها وأبرزهم إسرائيل.

وظهر هذا الاستعراض للقوة جلياً الشهر الماضي عندما أطلقت إيران تحت قيادة رئيسي والمرشد علي خامنئي مئات الطائرات المسيرة والصواريخ الباليستية على إسرائيل رداً على غارة جوية على القنصلية الإيرانية في دمشق أسفرت عن مقتل جنرالين إيرانيين وخمسة ضباط.

وقد كان ذلك أول هجوم مباشر في تاريخ إيران على إسرائيل.

واعترضت إسرائيل، بمساعدة الولايات المتحدة وبريطانيا ودول أخرى، جميع القذائف تقريباً. ورداً على ذلك، شنت إسرائيل هجوماً بطائرات مسيَّرة على قاعدة جوية وموقع نووي بالقرب من مدينة أصفهان بوسط البلاد، لم تتسبب في وقوع إصابات.

وشن الجانبان الإسرائيلي والإيراني حرب ظل من العمليات السرية والهجمات الإلكترونية لسنوات، لكن تبادل الهجمات الشهر الماضي كان أول مواجهة عسكرية مباشرة بينهما.

ويوجه الكثيرون أصابع الاتهام لإسرائيل في مقتل رئيسي، ظناً منهم أن تل أبيب يمكن أن تكون قد دبرت حادث تحطم مروحيته.

لكن كيف سيثير مقتل رئيسي أزمة في الشرق الأوسط؟

إذا ثبت تورط إسرائيل في وفاة رئيسي، فإن هذا الأمر قد يشعل صراعاً أوسع بالمنطقة، وفقاً لما أكده الخبراء والمحللون العسكريون.

وقد يسفر ذلك عن هجمات مضادة من الجماعات المسلحة المناهضة لإسرائيل والمدعومة من إيران بالشرق الأوسط. مثل «حماس» و«حزب الله» و«الحوثي».

ويهدد كل هجوم وهجوم مضاد بإشعال حرب واسعة.

وشنت جماعة «حزب الله» اللبنانية، صراعاً منخفض الحدة مع إسرائيل منذ بداية حرب غزة. وتبادل الجانبان الضربات بشكل شبه يومي على طول الحدود الإسرائيلية اللبنانية، مما أجبر عشرات الآلاف من الأشخاص على الجانبين على الفرار.

ولكن حتى الآن، لم يتحول الصراع إلى حرب شاملة من شأنها أن تكون كارثية لكلا البلدين. وهناك مخاوف من تفاقم الصراع في حال تورط إسرائيل في حادث مقتل رئيسي.

وشنت الميليشيات المدعومة من إيران في سوريا والعراق هجمات متكررة على القواعد الأميركية في الأشهر الأولى من الحرب.

كما استهدف الحوثيون في اليمن هجمات متكررة على السفن التي لها صلات واضحة بإسرائيل بالبحر الأحمر.

وهناك مخاوف من تفاقم هذه الهجمات أيضاً.

لكن هناك توقعات أخرى نقلتها وكالة «بلومبرغ» للأنباء تشير إلى أن أي رئيس جديد قد تكون لديه أولويات مختلفة عن رئيسي، وقد لا يهتم بمعاداة إسرائيل بنفس مستوى معاداة الرئيس الراحل لها، وبالتالي فإن طبيعة الصراعات في الشرق الأوسط قد تتغير كثيراً وتختلف عما نراه حالياً.