«ع أمل»... صوتٌ درامي صدَحَ بالعدالة للنساء

مسلسل لبناني بحضور سوري رسالتُه تغفر الهفوة

المسلسل يحرّكه ضميره ويسمو بالنُبل (ماغي بو غصن في لقطة منه)
المسلسل يحرّكه ضميره ويسمو بالنُبل (ماغي بو غصن في لقطة منه)
TT

«ع أمل»... صوتٌ درامي صدَحَ بالعدالة للنساء

المسلسل يحرّكه ضميره ويسمو بالنُبل (ماغي بو غصن في لقطة منه)
المسلسل يحرّكه ضميره ويسمو بالنُبل (ماغي بو غصن في لقطة منه)

حوَّل مسلسل «ع أمل» ما يظنّه البعض «مُستهلكاً» إلى مادة جدلية تستدعي إعادة النظر. فالحُكم على إشكالية العنف ضدّ المرأة بأنها «قديمة» و«محفوظة»، تبيَّن أنه مُتسرِّع. استطاع العمل مَنْح الصوت النسائي مزيداً من القيمة، وشدّ الانتباه إلى القسوة الكبرى. النساء مُحرّكه وضميرُه. يشفع له نُبل ما يحاول قوله وجرأة تبنّي قضية. يترافق ذلك مع إيقاع مُتسارع ضمَنَ متابعة المُشاهدة والتشوُّق لنهايات الظالمين والمظلومين.

حَمَلت «ثقلُ» المسلسل (إنتاج «إيغل فيلمز») شخصيات قرية «كفرحلم» الافتراضية القابلة للإسقاط على مجتمعات أخرى. الندوب الممتدّة من ماضيها إلى حاضرها، وسُلطة الرجل أباً وأخاً وزوجاً، تمدّانها بواقعية مريرة. المسرح بأكمله لتجسُّد مفهوم «القوّة» ولإسقاط حصره بممارسي العنف، فتصدح أصواتٌ من عمق خفوتها. فمن خلال شخصية «يسار/ سهاد» (ماغي بو غصن)، تتأكد القوّة بوصفها الانتصار على الخوف والقرار بالمواجهة حين تقلّ الخيارات، ولا تبقى سوى الورقة الأخيرة.

منح العمل الصوت النسائي مزيداً من القيمة (البوستر الرسمي)

كتبت اللبنانية نادين جابر نصاً واثقاً بأنه سيُعلِّم، وحمَّلت مع المخرج السوري رامي حنا شخصياته مَهمّة إيصاله بعيداً. وإنْ كان وراء عودة الماضي بأشكال كابوسية، أبٌ مُنتقِم هو «نبال» (مهيار خضور)، فالانتظار على أشدّه ليكون السرّ المؤدّي إلى ذلك الخراب بحجم تداعياته.

بإخراج شيِّق تبرع به كاميرا حنا، تُروى حكاية نساء يجدن في شخصيات المسلسل أصداء لعذابات صامتة، لا تعبُر الغرف المغلقة، ولا تجد مَن يحيلها على الخلاص. كان مُخيفاً تصديق أنّ ذلك يحدُث. بدا «أسهل» على العقل البحث عن المبالغة والتقاط الهفوة، من تقبُّل الحقيقة. لا يعني ذلك خلوَّ النصّ من نقاط ضعف. فبطلته تحوَّلت تماماً إلى هيئة امرأة «أخرى»، ولم يتعرّف أحد إلى صوتها. وأوكِل لأستاذ قيل إنه يحمل الجنسية الأميركية التعليم في «الجامعة الأميركية ببيروت»، حيث لا يتردّد بإقامة «علاقة» مع طالبة لأغراضه الانتقامية، من دون الاكتراث إلى سمعته ومكانته! فإنْ أُعطي أي مهنة أخرى، لما لاحظنا الفارق، فالدكتور ترك أشغاله وتفرّغ بالكامل للثأر. ذلك، وسواه، بانتظار أن يجيب المسلسل عن سؤال يتعلّق بكيفية دخول «ريا» (ريان حركة بأداء مُتقَن ومُبشِّر) «الجامعة الأميركية»، وتسديد قسطها وسط سرّية تحرّكاتها؟

ريان حركة من المبشّرين بمستقبل الدراما اللبنانية (حسابها الشخصي)

أمام القضية النبيلة، قد تتراءى الاستفهامات «تفاصيل» لا بأس بالتغاضي عنها. وإنْ فعلنا، يصعُب صرف النظر عن بناء المنعطف الدرامي الكبير على قتل سببه «رفض تزويج الأخت الصغرى وفق عادات تنصّ على بذل حياتها لخدمة والديها». ثمة خلطٌ أضرَّ بحجم «تصديق» العمل، حين أبقى هامشاً للظنّ أنّ «هذه دراما فقط». لتصديقه «بالكامل»، وجب تجنُّب وَضْع المُشاهد أمام الشكّ. الوقوف في الوسط بين الواقع والخيال، في هذه الحالة، سيجعل الأخير يبدو غالباً، وإن كانت النوايا عكس ذلك. خطّ «رهف» (أداء مميّز لسيرينا الشامي) مؤثّر وحزين، لكنّ بناءه على قصّة رفض تزويجها لأنها الصغرى، بدا «مبالغة». فعادة المجتمع الذكوري ألا يعفو امرأة من الزواج، أياً كان ترتيبها الأسري.

من اليمين كارول عبود وإلسا زغيب بدور زوجتَي عمار شلق (مواقع التواصل)

النقد لا يرجم المسلسل بحجر، لثقته بأنّ له دوراً يغفر هفواته. ليست الرسالة المؤثّرة فحسب، بل أيضاً مفاجآته وأحداثه وتواصُل صعوده نحو الذروة. قلّما خانه إيقاعه وباغتته الرتابة. عصبه مشدود من البداية إلى النهاية، ويملك المفاتيح لدخول المنازل. تناغُم ثلاثية النصّ- الإخراج- التمثيل، أثمر حصاداً مُشتهى.

قصص النساء هذه «ينبغي» أن تخرج إلى العلن، فتهزّ ضمائر وتحرّك قوانين مُهمَلة لتنصف وتردّ الاعتبار. للمسلسل دور، وزَّع من أجله الأدوار على أسماء لمع أداؤها. لم يكن عمار شلق بشخصية «سيف حلم» نموذجاً للرجل الذكوري أسير عادات مجحفة، تطمس كينونة النساء وتُصادر أحلامهنّ، بل أحد أبرز نجوم رمضان.

بشخصية مكروهة، قبيحة، يدعو لها الجميع بالموت، أوصل مآسي المرأة في مجتمعات تقهرها بلا شفقة، وتدوسها بلا تأنيب ضمير، وتصيب وجودها بالامّحاء بشتّى أشكال العنف.

سيرينا الشامي مجسِّدة مشهد قتلها بسلاح أخيها (لقطة من المسلسل)

عند هذا المستوى، تتكامل سلسلة الظلم، فلا يغدو الفارق كبيراً بين المُتحايلة على قدرها مثل «ريا»، وضحية أحكام الآخرين مثل «ملاك» (المميّزة جوي حلّاق)، ما دام السكّين يحزّ الرقاب متى تجرأت إحداهنّ وواجهت. ولا فوارق كبرى بين مَن تحبّ بصمت، وتتألّم بلا مجاهرة، مثل «ضحى» (أحد أجمل أدوار كارول عبود)، لمجرّد أنه يُحرَم على المرأة الانصياع لقلبها؛ ومَن تنعكس أوجاعها الداخلية، الواعية واللاواعية، على جسدها مثل «صفاء» (إلسا زغيب بأداء متفوّق)، بمقابل مَن تدّعي النجاة وهي تغرق (رنين مطر بأداء مجتهد لشخصية «تينا» المتستّرة على وجعها)، ومَن تُغنّي فواق الجراح الساخنة، فتؤدّي الفنانة ماريلين نعمان دوراً مكتمل الصدق والعفوية والبراعة والرقّة، يتيح للمسلسل مساحة دفء تبلسم الوحشة، وفسحة حميمية على وَقْع الموسيقى، بمثابة استراحة من ظلم الدنيا.

ماريلين نعمان مفاجأة المسلسل والموسم الرمضاني (حسابها الشخصي)

رجال المسلسل مؤثّرون في حياكة مصائر النساء، بعضهم يشكّل عناقاً (نقولا دانيال مجسّداً اللطافة الإنسانية، وإيلي متري مجسّداً بعفوية عذبة الكتف التي تُلقى عليها الرؤوس المتعبة، وطلال الجردي مقدّماً أحد أجمل أدواره بشخصية «رباح» النادم على الماضي والمُحتضِن قبل فوات الأوان)؛ وبعضهم يُعمّق الندبة، من «سيف» إلى «عقيل» (حسن حمدان بدور متقَن)، و«نبال». الممثل السوري مهيار خضور أمسك الشخصية، وإنْ لم تُفهم تماماً خلفيات وسواسه القهري (كدنا ننساه بعدما شدّدت عليه الحلقات الأولى، لمصلحة إظهار نوبات هلع تصيبه حين يشتدّ تسبّبه بالأذى). في الحلقات الأخيرة، بدا مستفزّاً، نذلاً، فصدّقنا استفزازه ونذالته، وهذا يكفي للاعتراف بالشطارة.

طلال الجردي بشخصية لن تُنسى قريباً (من بوسترات المسلسل)

مهيار خضور بدور مُستفزّ أحسن أداءه (حسابه الشخصي)

مرور الممثلة السورية ديما الجندي بشخصية «ورد» ترك لطفاً، من دون أن يحرّك ما يُذكر درامياً (حتى الآن). وبديع أبو شقرا بشخصية «جلال» أدّى بمهارة التخبُّط والتلوُّع والخسارة العاطفية مقابل بعض التعويض.

بديع أبو شقرا ماهر في تجسيد التخبُّط (لقطة مع ماغي بو غصن)

الأمومة في المسلسل نجمة أيضاً؛ مرةً بأحد أجمل أدوار نوال كامل بشخصية «رجاء»، ومرّة باستماتة «يسار» لاحتواء ابنتيها. ماغي بو غصن قدَّمت ذروة عطاءاتها التمثيلية. وفاؤها للشخصية يُحسب لها. منحتها ضميرها وقلبها، حيث الصدق والأمل بعدالة الأرض.


مقالات ذات صلة

سامر البرقاوي لـ«الشرق الأوسط»: هاجسي فكريّ قبل أن يكون إنتاجياً

يوميات الشرق وحدها الثقة بمَن يعمل معهم تُخفّف الحِمْل (صور المخرج)

سامر البرقاوي لـ«الشرق الأوسط»: هاجسي فكريّ قبل أن يكون إنتاجياً

ينظر المخرج السوري سامر البرقاوي إلى ما قدَّم برضا، ولا يفسح المجال لغصّة من نوع «ماذا لو أنجرتُ بغير هذا الشكل في الماضي؟»... يطرح أسئلة المستقبل.

فاطمة عبد الله (بيروت)
يوميات الشرق تعبُ مصطفى المصطفى تجاه أن يكون الدور حقيقياً تسبَّب في نجاحه (صور الفنان)

مصطفى المصطفى: ننجح حين نؤدّي الدور لا وجهات نظرنا

اكتسبت الشخصية خصوصية حين وضعها النصّ في معترك صراع الديوك. بمهارة، حضن الديك ومنحه الدفء. صوَّره مخلوقاً له وجوده، ومنحه حيّزاً خاصاً ضمن المشهد.

فاطمة عبد الله (بيروت)
يوميات الشرق كاميرا السوري أحمد الحرك تألّقت في «تاج» وتحلم برونالدو

كاميرا السوري أحمد الحرك تألّقت في «تاج» وتحلم برونالدو

بين الوجوه ما يُنجِح الصورة من المحاولة الأولى، وبينها غير المهيّأ للتصوير. يتدخّل أحمد الحرك لالتقاط الإحساس الصحيح والملامح المطلوبة.

فاطمة عبد الله (بيروت)
يوميات الشرق الفنان المصري دياب حمل السلاح من أجل «مليحة» (الشرق الأوسط)

دياب: لن أجامل أحداً في اختيار أدواري

أكد الفنان المصري دياب أنه وافق على مسلسل «مليحة» ليكون بطولته الأولى في الدراما التلفزيونية من دون قراءة السيناريو، وذكر أنه تعلّم حمل السلاح من أجل الدور.

أحمد عدلي (القاهرة )
يوميات الشرق استلهمت الكثير من نجمي العمل بسام كوسا وتيم حسن (إنستغرام)

فايا يونان لـ«الشرق الأوسط»: الشهرة بمثابة عوارض جانبية لا تؤثر عليّ

تابعت فايا يونان دورها على الشاشة الصغيرة في مسلسل «تاج» طيلة شهر رمضان. فكانت تنتظر موعد عرضه كغيرها من مشاهديه.

فيفيان حداد (بيروت)

علماء يُثبتون قدرة خلايا القلب على التَّجدد

قصور القلب يؤثر على نحو 30 مليون شخص عالمياً (جامعة أريزونا)
قصور القلب يؤثر على نحو 30 مليون شخص عالمياً (جامعة أريزونا)
TT

علماء يُثبتون قدرة خلايا القلب على التَّجدد

قصور القلب يؤثر على نحو 30 مليون شخص عالمياً (جامعة أريزونا)
قصور القلب يؤثر على نحو 30 مليون شخص عالمياً (جامعة أريزونا)

أثبتَ فريق بحثي دولي بقيادة علماء من جامعة أريزونا الأميركية قدرة خلايا عضلة القلب على التّجدد لدى بعض مرضى قصور القلب الذين يعتمدون على القلوب الاصطناعية.

وأوضح الباحثون أن دراستهم تُغيّر المفهوم السائد منذ عقود بأن خلايا القلب لا تستطيع التّجدد، ونُشرت النتائج، الجمعة، في دورية (Circulation).

وقُصور القلب، أو فشل القلب، هو حالة مُزمنة يعجز فيها القلب عن ضخ الدم بكفاءة كافية لتلبية احتياجات الجسم من الأكسجين والمغذيات. يحدث ذلك نتيجة ضعفٍ أو تصلُّبٍ في عضلة القلب، مما يؤدي إلى تراجع وظيفتها. يُصنّف قُصور القلب واحداً من أبرز تحدّيات الطّب الحديث، إذ يؤثر على نحو 30 مليون شخصٍ عالمياً، بما في ذلك نحو 7 ملايين بالغٍ في الولايات المتحدة، وفقاً للمراكز الأميركية للسيطرة على الأمراض والوقاية منها.

وعلى الرغم من أن الأدوية والعلاجات المُتاحة تُساعد في تخفيف الأعراض وإبطاء تقدّم المرض، فإن العلاجات المتاحة للحالات المتقدمة تقتصر على زراعة القلب أو استخدام مضخّات اصطناعية مثل جهاز دعم البطين الأيسر لتقوية ضخِّ الدم.

وتشير الأبحاث إلى أن قدرة خلايا عضلة القلب على التّجدد بعد الأزمات القلبية تُعد محدودة للغاية، على عكس أنسجة أخرى في الجسم مثل الجلد أو الكبد. وعند تعرض القلب لضررٍ، تتعرض الخلايا للتلف ويُستبدل بها غالباً نسيجٌ ليفي غير قادرٍ على الانقباض أو المساهمة في ضخِّ الدم.

ويرجع ذلك إلى أن خلايا القلب العضلية تتوقف عن الانقسام الطبيعي بعد الولادة، وتُكرِّس وظيفتها لضخِّ الدم بشكل مستمر، مما يُضعف قدرتها على التّجدد.

لكن الدراسة أظهرت أن نحو 25 في المائة من المرضى الذين يعتمدون على القلوب الاصطناعية تمكّنوا من تجديد خلايا عضلة القلب بمعدل يفوق 6 أضعاف المعدل الطبيعي للقلوب السليمة.

وفسَّر الباحثون ذلك بأن الأجهزة الاصطناعية مثل جهاز دعم البطين الأيسر، تُخفّف العبء عن القلب وتمنحه «راحة» من ضخِّ الدّم، مما يُتيح للأنسجة القلبية فرصة للتّجدد.

وقال الدكتور هشام صادق، الباحث الرئيسي للدراسة ورئيس أقسام القلب في جامعة أريزونا، إن هذه النتائج تُقدّم أقوى دليلٍ حتى الآن على أن عضلة القلب البشرية قادرة على التّجدد.

وأضاف عبر موقع الجامعة أن «عدم قدرة القلب على الراحة المستمرة بعد الولادة هو العامل الأساسي الذي يُفقد خلايا القلب هذه القدرة الطبيعية».

وأشار الفريق إلى أن هذه النتائج تُمثّل خطوةً كبيرة نحو فهمٍ أعمقَ لقدرة القلب البشري على التّجدد، مما يفتح الباب لتطوير علاجات جذرية تستهدف تعزيز هذه القدرة بدلاً من الاكتفاء بإبطاء تقدم المرض. كما يهدف الباحثون إلى تحديد العوامل التي تُمكّن ربع المرضى فقط، من تجديد خلايا القلب بمعدلات مرتفعة، لتحسين هذه القدرة لدى المزيد من المرضى.