«أغمض عينيك»... دراما النُبل الإنساني

مسلسل سوري ينتصر للمصابين بالتوحُّد ويرتقي بالحب

المسلسل إنساني ينشر الدفء والنُبل (البوستر الرسمي)
المسلسل إنساني ينشر الدفء والنُبل (البوستر الرسمي)
TT

«أغمض عينيك»... دراما النُبل الإنساني

المسلسل إنساني ينشر الدفء والنُبل (البوستر الرسمي)
المسلسل إنساني ينشر الدفء والنُبل (البوستر الرسمي)

يؤكد مرور حلقات مسلسل «أغمض عينيك»، فرادته. ليست الأحداث الكبرى ما يُحرّكه، بل الدفء، وهذا يكفي. ينجو من المادة الخطابية المُرافِقة عادةً للموضوع المُتعلّق بالحالة الاجتماعية، ويحرص على بساطة تركيبته الدرامية لانطوائها على سحر عاطفي. حكاية الصبي المتوحِّد تُقدَّم بحب.

تَوزُّع المسلسل (تأليف أحمد الملا ولؤي النوري، إخراج مؤمن الملا، وإنتاج «الأدهم الدولية»)، على مرحلتين زمنيتين- تمتدّ الأولى حتى منتصف رمضان، لتُكمل الثانية السرد حتى النهاية - يُجزّئ المقاربة على مستوَيْين مهمَّين: الطفولة والشباب. القضية هي البطلة؛ ومن أجلها تُجنِّد أمل عرفة بشخصية «حياة»، وعبد المنعم عمايري بشخصية «مؤنس»، مع منى واصف بدور «أم رجا»؛ المشاعر والانفعالات وذروة الصدق. يقدّم العمل مشهدية بانورامية عن طيف التوحُّد ومعاناة المُصاب وعائلته، ضمن سياق اجتماعي مُجحِف عموماً مع بعض الاستثناءات.

وجوه المسلسل يؤدّون بصدق (مواقع التواصل)

سَجْن «حياة» لـ11 عاماً بدَفْع من افتراءات زميل ورَّطها وفرَّ، مقدّمةٌ للإشارة إلى ما يتجاوز قسوة القضبان. متعة المسلسل في إسقاطاته، وجماليته في المعاني بين السطور. تخطَّى المُستهلَك ولم يظهر السجون مقابرَ إنسانية، وارتقى بالمقاربة حين أضفى الرقّة على العلاقة بين السجينات. ليس السجن هو الحديد، بل الحياة؛ فمنَح بطلته هذا الاسم. والسجَّان ليس مَن يُقفل باب القفص بالمفتاح فقط، بل وحوش الخارج وممتهِنو الأذية والمجرَّدة أعماقهم من الرحمة.

العمل إنساني، يرفع أهمية الوعي حيال التعامل مع «المختلف»، ويُبيّن الفجوة العميقة المتعلّقة بالتواصل بين البشر. يمرّ بالرفض والنبذ والجَهْل بكيفية احتواء المصابين بالتوحّد، ويضيء على هشاشة ثقافة الدمج، وحصرها بالمتخصّصين. يَحذَر السوداوية والإفراط في الشكوى، فيمنح النُبل لشخصيات تُشكّل منارة بشرية. نرى الطيبة على هيئة الجدّة، وبديع العطاء على هيئة رجل جرَّب الخسارة وسعى إلى تعويضها. الإنسان وُجهة المسلسل ومساراته، والقيمة العليا الجديرة بالفرصة الثانية.

منى واصف بدور الجدّة المُنتصِرة بالحب على الخوف (الأدهم الدولية)

الأمومة في أقصاها، تختزلها أمل عرفة المتقلّبة بين سجونها. وكما الأم، تُطبِّق منى واصف المثل القائل «ما أحبَّ من الولد إلا ولده»، فتُقدّم أداء من صنف اللآلئ. يمنح الحبُ القوةَ رغم الخوف، فيعلو الصوت للمرة الأولى بعد صمت. تحدُث المواجهة المتأخّرة؛ بطلتُها واصف المتصدّية للرجل صاحب القلب الأسود. فايز قزق بشخصية «أبو رجا»، الحاقد على ابنته «حياة» لارتباطها، من دون موافقته، بزوج هجرها، يتمسّك بالقسوة حتى المشهد الأخير. فنانٌ مذهَّب عيار 24 قيراطاً، يُوظّف العبوس والانكماش لترجمة الحقد الداخلي. لا يرأف على طفل، ولا يسامح على ماضٍ. المواجهة مع واصف، قبل إسدال الستارة على دوره، «ماستر سين» بقيادة كبيرَيْن.

فايز قزق فنانٌ مذهَّب عيار 24 قيراطاً (مواقع التواصل)

على خطّ المواجهات أيضاً، تتألّق أمل عرفة. العتب وتبريراته، يؤجّجان نقاش الأم والابنة؛ ومتى عُرف السبب بطُلَ العجب. يجعل المسلسل من أمل عرفة ومنى واصف نموذجين للحبّ غير المشروط، المعزَّز برابط الدم، من دون تعميم القاعدة. فالجدّ مسلوخ العواطف رغم هذا الرابط؛ عاش ومات طافحاً بالسواد. عاملُ الدم يروي الجذور، وأحياناً يورّثها اليباس والسموم.

لا تأطير لمعادلة الحب وميزان العطاء ضمن الشكل الواحد. بنُبل مُحرَّر من الروابط، يؤدّي عبد المنعم عمايري شخصية «مؤنس». ليس الاسم عابراً، بل هو الآخر حمَّال دلالة. يمنح «جود» المُصاب بالتوحّد، حبَّ العائلة المحروم منها بمرحلة الطفولة، وسندَ الأب بمرحلة الشباب. في «مؤنس» لحظات أُنس لا تفضّلها دائماً صورة الرجل في المسلسلات. وإنْ كان بعضُ هذا الحب تُحرّكه رغبة مستترة في التملُّك، منبعها حاجته إلى طفل بديل عن ابنه المقتول بحادث سير، فإنّ الشخصية قدّمت نموذجاً بديعاً عن التفاني، يُضرَب المثل به. بإمكان التوق إلى التعويض التفوُّق على روابط الدم بأشكالها وأصنافها؛ والسعي الإنساني إلى المواساة أن يصنع العجائب. بإتقان فنان، يرفع عمايري من قيمة الدور، حين يشحذه بالعاطفة القصوى الممزوجة بالغِيرة والارتباك. يبدو أباً لا يحتاج إلى أوراق تُثبت حجم المسؤولية المُلقى عليه، ولا متاعب الأبوّة تزامناً مع عظمتها.

وفاء موصلّلي بشخصية جديدة ولافتة (الأدهم الدولية)

السياق غير محصور بالقضية وأطرافها، فتتشعّب مزيد من الخيوط. ثمة المرض النفسي حين يزجّ المرء بالموقف المحرج. وفاء موصللي بشخصية «أم سلام»، تؤدّي دوراً جديداً ولافتاً. يُراد القول إنّ المرض يتعدّد، وضحاياه البشر جميعاً، بنسب متفاوتة. بعضٌ مريض بالتملّك، وبعضٌ بالحقد، وآخرون بالطموح. حلا رجب بشخصية «سلام»، شكّلت للمُشاهد «صدمة» درامية عنوانها التشكيك بالنيّات. بمهارة أيضاً، تؤدّي شخصية تدفع ضريبة الأسرة المفكَّكة، وتحاول التعويض قدر الإمكان. قرارتها عنوانها «الإكستريم»، وبعد إدانة الزواج، تتزوّج، من دون أن يُغادرها الحنين لحب قديم (حضور رقيق لجابر جوخدار بشخصية «يامن»).

حلا رجب تؤدّي شخصية تدفع أثمان التفكّك الأُسري (الأدهم الدولية)

تَميُّز الشخصيات يشمل أحمد الأحمد بدور «زوربا». الرجل خمسينيّ، يتخلّى عن الآخرين تماماً، عدا حرّيته. شخصيةٌ ابنة الحياة، مُعمَّدة بنورها ونارها. باحتراف، يُبدّل النظرة النمطية المتعلّقة بالعُمر.

أحمد الأحمد بدور الخمسيني خارج التصنيفات السائدة (الأدهم الدولية)

الطفل زيد البيروتي والشاب ورد عجيب، بدورَي «جود» المتوحِّد في زمنَيْن؛ كلاهما موهوب. مُوفَّق المسلسل بلعبة الزمن، فلا يحصُر المعالجة بطفولة المتوحِّدين، بل يُوسّعها إلى المرحلة الجامعية الحسّاسة على مستوى التواصل والمواجهة حين يكثُر المُستَغلّون. أغنيات فيروز في الخلفية إعلانُ تغليب الدفء على الصقيع المتمادي.


مقالات ذات صلة

سامر البرقاوي لـ«الشرق الأوسط»: هاجسي فكريّ قبل أن يكون إنتاجياً

يوميات الشرق وحدها الثقة بمَن يعمل معهم تُخفّف الحِمْل (صور المخرج)

سامر البرقاوي لـ«الشرق الأوسط»: هاجسي فكريّ قبل أن يكون إنتاجياً

ينظر المخرج السوري سامر البرقاوي إلى ما قدَّم برضا، ولا يفسح المجال لغصّة من نوع «ماذا لو أنجرتُ بغير هذا الشكل في الماضي؟»... يطرح أسئلة المستقبل.

فاطمة عبد الله (بيروت)
يوميات الشرق تعبُ مصطفى المصطفى تجاه أن يكون الدور حقيقياً تسبَّب في نجاحه (صور الفنان)

مصطفى المصطفى: ننجح حين نؤدّي الدور لا وجهات نظرنا

اكتسبت الشخصية خصوصية حين وضعها النصّ في معترك صراع الديوك. بمهارة، حضن الديك ومنحه الدفء. صوَّره مخلوقاً له وجوده، ومنحه حيّزاً خاصاً ضمن المشهد.

فاطمة عبد الله (بيروت)
يوميات الشرق كاميرا السوري أحمد الحرك تألّقت في «تاج» وتحلم برونالدو

كاميرا السوري أحمد الحرك تألّقت في «تاج» وتحلم برونالدو

بين الوجوه ما يُنجِح الصورة من المحاولة الأولى، وبينها غير المهيّأ للتصوير. يتدخّل أحمد الحرك لالتقاط الإحساس الصحيح والملامح المطلوبة.

فاطمة عبد الله (بيروت)
يوميات الشرق الفنان المصري دياب حمل السلاح من أجل «مليحة» (الشرق الأوسط)

دياب: لن أجامل أحداً في اختيار أدواري

أكد الفنان المصري دياب أنه وافق على مسلسل «مليحة» ليكون بطولته الأولى في الدراما التلفزيونية من دون قراءة السيناريو، وذكر أنه تعلّم حمل السلاح من أجل الدور.

أحمد عدلي (القاهرة )
يوميات الشرق استلهمت الكثير من نجمي العمل بسام كوسا وتيم حسن (إنستغرام)

فايا يونان لـ«الشرق الأوسط»: الشهرة بمثابة عوارض جانبية لا تؤثر عليّ

تابعت فايا يونان دورها على الشاشة الصغيرة في مسلسل «تاج» طيلة شهر رمضان. فكانت تنتظر موعد عرضه كغيرها من مشاهديه.

فيفيان حداد (بيروت)

علماء يُثبتون قدرة خلايا القلب على التَّجدد

قصور القلب يؤثر على نحو 30 مليون شخص عالمياً (جامعة أريزونا)
قصور القلب يؤثر على نحو 30 مليون شخص عالمياً (جامعة أريزونا)
TT

علماء يُثبتون قدرة خلايا القلب على التَّجدد

قصور القلب يؤثر على نحو 30 مليون شخص عالمياً (جامعة أريزونا)
قصور القلب يؤثر على نحو 30 مليون شخص عالمياً (جامعة أريزونا)

أثبتَ فريق بحثي دولي بقيادة علماء من جامعة أريزونا الأميركية قدرة خلايا عضلة القلب على التّجدد لدى بعض مرضى قصور القلب الذين يعتمدون على القلوب الاصطناعية.

وأوضح الباحثون أن دراستهم تُغيّر المفهوم السائد منذ عقود بأن خلايا القلب لا تستطيع التّجدد، ونُشرت النتائج، الجمعة، في دورية (Circulation).

وقُصور القلب، أو فشل القلب، هو حالة مُزمنة يعجز فيها القلب عن ضخ الدم بكفاءة كافية لتلبية احتياجات الجسم من الأكسجين والمغذيات. يحدث ذلك نتيجة ضعفٍ أو تصلُّبٍ في عضلة القلب، مما يؤدي إلى تراجع وظيفتها. يُصنّف قُصور القلب واحداً من أبرز تحدّيات الطّب الحديث، إذ يؤثر على نحو 30 مليون شخصٍ عالمياً، بما في ذلك نحو 7 ملايين بالغٍ في الولايات المتحدة، وفقاً للمراكز الأميركية للسيطرة على الأمراض والوقاية منها.

وعلى الرغم من أن الأدوية والعلاجات المُتاحة تُساعد في تخفيف الأعراض وإبطاء تقدّم المرض، فإن العلاجات المتاحة للحالات المتقدمة تقتصر على زراعة القلب أو استخدام مضخّات اصطناعية مثل جهاز دعم البطين الأيسر لتقوية ضخِّ الدم.

وتشير الأبحاث إلى أن قدرة خلايا عضلة القلب على التّجدد بعد الأزمات القلبية تُعد محدودة للغاية، على عكس أنسجة أخرى في الجسم مثل الجلد أو الكبد. وعند تعرض القلب لضررٍ، تتعرض الخلايا للتلف ويُستبدل بها غالباً نسيجٌ ليفي غير قادرٍ على الانقباض أو المساهمة في ضخِّ الدم.

ويرجع ذلك إلى أن خلايا القلب العضلية تتوقف عن الانقسام الطبيعي بعد الولادة، وتُكرِّس وظيفتها لضخِّ الدم بشكل مستمر، مما يُضعف قدرتها على التّجدد.

لكن الدراسة أظهرت أن نحو 25 في المائة من المرضى الذين يعتمدون على القلوب الاصطناعية تمكّنوا من تجديد خلايا عضلة القلب بمعدل يفوق 6 أضعاف المعدل الطبيعي للقلوب السليمة.

وفسَّر الباحثون ذلك بأن الأجهزة الاصطناعية مثل جهاز دعم البطين الأيسر، تُخفّف العبء عن القلب وتمنحه «راحة» من ضخِّ الدّم، مما يُتيح للأنسجة القلبية فرصة للتّجدد.

وقال الدكتور هشام صادق، الباحث الرئيسي للدراسة ورئيس أقسام القلب في جامعة أريزونا، إن هذه النتائج تُقدّم أقوى دليلٍ حتى الآن على أن عضلة القلب البشرية قادرة على التّجدد.

وأضاف عبر موقع الجامعة أن «عدم قدرة القلب على الراحة المستمرة بعد الولادة هو العامل الأساسي الذي يُفقد خلايا القلب هذه القدرة الطبيعية».

وأشار الفريق إلى أن هذه النتائج تُمثّل خطوةً كبيرة نحو فهمٍ أعمقَ لقدرة القلب البشري على التّجدد، مما يفتح الباب لتطوير علاجات جذرية تستهدف تعزيز هذه القدرة بدلاً من الاكتفاء بإبطاء تقدم المرض. كما يهدف الباحثون إلى تحديد العوامل التي تُمكّن ربع المرضى فقط، من تجديد خلايا القلب بمعدلات مرتفعة، لتحسين هذه القدرة لدى المزيد من المرضى.