«حرب أخرى» بين موسكو وكييف في السودان

قوة من المخابرات العسكرية الأوكرانية منتشرة في البلد الأفريقي لمقاتلة «فاغنر»

عنصر من القوات المسلحة السودانية على عربة للجيش في أم درمان (رويترز)
عنصر من القوات المسلحة السودانية على عربة للجيش في أم درمان (رويترز)
TT

«حرب أخرى» بين موسكو وكييف في السودان

عنصر من القوات المسلحة السودانية على عربة للجيش في أم درمان (رويترز)
عنصر من القوات المسلحة السودانية على عربة للجيش في أم درمان (رويترز)

في الحرب الدائرة في أوكرانيا منذ أكثر من عامين، ثمة جانب خفي بقي حتى وقت قريب بعيداً عن الأضواء رغم التغطية الدائمة والمكثفة لمجريات الميدان والجوانب العسكرية والتسليحية، وللحراك السياسي والديبلوماسي الدولي من جهة أخرى.

والجانب الخفي عنوانه حرب أخرى تدور بين موسكو وكييف على بعد ستة آلاف كيلو متر من خطوط الجبهة وتحديداً في السودان الذي يعيش حرباً أهلية بين جيشين: القوات المسلحة السودانية التي يقودها الجنرال عبد الفتاح البرهان، وقوات «الدعم السريع» بقيادة الجنرال الآخر محمد حمدان دقلو المعروف بلقب «حميدتي».

أما طرفا هذه الحرب الأخرى الخفية التي تتخذ من السودان مسرحاً لها فهما مجموعة «فاغنر» الروسية التي تساند «الدعم السريع»، وقد تغير اسمها إلى «أفريكا كوربس» بعد مقتل مؤسسها وقائدها أفغيني بريغوجين بسقوط طائرة كان يستقلها في 29 أغسطس (آب) الماضي.

وتواجد «فاغنر» في السودان ليس جديداً أو خفياً كما أن طموحاتها كانت معروفة. الجديد فقط مشاركتها الفعلية في الحرب الدائرة في السودان منذ شهر أبريل (نيسان) من العام الماضي.

ومقابل «فاغنر»، فهناك وافد جديد تمثله المخابرات العسكرية الأوكرانية وتحديداً الكتيبة المعروفة باسم «BRATSTVO»، وهذه تقاتل إلى جانب القوات المسلحة السودانية.

غلاف أسرار

وما أصبح معروفاً اليوم أن المخابرات العسكرية الأوكرانية وصلت إلى السودان في شهر أغسطس الماضي. وحتى وقت قصير، كانت الجهات العسكرية الأوكرانية المسؤولة تحيط أنشطة مخابراتها بغلاف سميك من السرية. بيد أن شبكة «سي إن إن» الإخبارية الأميركية كانت الأولى التي نجحت في هتكه في تقرير بثته في 20 سبتمبر (أيلول) الماضي مؤكدة حصولها على الصور ومقاطع فيديو من مصدر عسكري أوكراني.

وتعليق «سي إن إن» المصاحب مفاده أن «القوات الأوكرانية الخاصة هي على الأرجح المسؤولة عن هجمات بالمسيرات استهدفت مواقع قريبة من الخرطوم» كما أنها «تقوم بهجمات أرضية ضد (الدعم السريع)».

بعد ذلك بأيام، وتحديداً في 6 أكتوبر (تشرين الأول)، نجح محققون تابعون لمنظمة «بلينكات» غير الحكومية المتخصصة في تحليل الصور والمعلومات المتعلقة بالحرب الأوكرانية، في تحديد موقع الصور ومقاطع فيديو المأخوذة لقناصين أوكرانيين مجهزين ببنادق ومناظير للرؤية بعيدة المدى في بيئة صحراوية.

ووفق خلاصتهم، فإن المكان يسمى جبل «المرخيات» ويقع غرب مدينة أم درمان، (واحدة من ثلاث مدن تتشكل منها العاصمة الخرطوم).

وفي السادس من نوفمبر (تشرين الثاني)، نشرت صحيفة «كييف بوست» الصادرة باللغة الإنجليزية، مقطع فيديو لهجمات ليلية صورت من مسيّرة مجهزة بنظام للرؤية الليلية.

واكتفت الصحيفة المذكورة بالإشارة إلى أنها جرت في مدينة سودانية من غير تسميتها. إلا أن صحيفة «لوموند» الفرنسية نجحت في التعرف على المكان وهو أحد أحياء مدينة أم درمان.

ونقلت الصحيفة المذكورة، في تقرير لها نشر يوم 19 نوفمبر، عن مصادر من المخابرات العسكرية الأوكرانية تأكيد وجود عناصر من القوى الخاصة الأوكرانية «متواجدين بشكل دائم» في هذه المدينة، وأن أوكرانيا التي عانت صعوبات في هجومها المضاد الصيف الماضي، «تسعى لتطوير حضورها خصوصاً في أفريقيا من أجل محاربة (فاغنر) حيث وجدت».

وتجدر الإشارة إلى أن «فاغنر»، زمن مؤسسها بريغوجين، لعبت دوراً مهماً في الحرب الدائرة على الجبهة شرق أوكرانيا وقد نجحت في السيطرة على مدينة «باخموت» نهاية مايو (أيار) الماضي بعد معارك دامية استمرت لأشهر.

تقرير فرنسي

بيد أن أفضل تقرير حول حضور المخابرات الأوكرانية في السودان نجحت في إعداده القناة الإخبارية الفرنسية «إل سي آ» وبثته قبل ثلاثة أيام. وجاء التقرير ومدته ثماني دقائق، نتيجة جهد الصحافية المتخصصة غوندولين ديبونو التي أقامت في كييف طيلة شهر كامل، حيث تمكّنت من الالتقاء بمقاتلين عادوا من السودان وبضباط من المخابرات العسكرية، إضافة إلى مقاطع فيديو صورها أفراد من الكتيبة الأوكرانية، وتبين بوضوح أنشطتها وأهدافها. ومحور التحقيق يدور حول الحرب الروسية - الأوكرانية ولكن على الأراضي الأفريقية.

يُفهم من المقابلات التي أجريت أن أهداف كييف متعددة، أولها، «تخريب أنشطة (فاغنر) في القارة الأفريقية، وخصوصاً في السودان وحرمان موسكو من استغلال الذهب المستخرج من المناجم السودانية ونسف المجهود الحربي الروسي».

وقال أحد الضباط العائدين من السودان إن التركيز على السودان مرده «الانتشار الكثيف لـ(فاغنر) في هذا البلد الذي تحول نقطة ترانزيت رئيسية بسبب إطلالته على البحر الأحمر، حيث يمكن نقل الثورات الطبيعية المستخرجة بحرياً بسهولة».

وثاني الأهداف قطع خطوط المواصلات التي تستخدمها «فاغنر» أكانت البرية من خلال استهداف الشاحنات التي تنقل الذخائر والمقاتلين أو المراكب على نهر النيل.

وتبين مقاطع الفيديو عمليات استهداف الشاحنات بفضل المسيّرات الانتحارية التي يجيد الخبراء الأوكرانيون استخدامها أو عمليات برمائية يقوم بها أفراد القوة الأوكرانية الخاصة لتعطيل مواقع لـ«الدعم السريع» أو ضربها وتفجيرها.

خبرات متراكمة

يتمثل الهدف الثالث، وفق أحد الضباط الأوكرانيين، في نقل الخبرات العسكرية التي تراكمت لدى القوات الأوكرانية والتعويل عليها لزيادة حضورها وتأثيرها. ولذا؛ فإن القوة الأوكرانية تقوم بتدريب وحدات من الجيش السوداني على المعارك البرية واستخدام القوارب في عمليات هجومية والأهم من كل ذلك تدريبها على استخدام المسيّرات.

وشرح أحد المقاتلين الأوكرانيين، كما يبين ذلك مقطع فيديو، كيف يقومون بعمليات برمائية وكيف يستخدمون المسيّرات التي أخذت تلعب دوراً رئيسياً في الحروب الحديثة.

وجاء في شهادته ما حرفيته: «قمنا بعمليات عدة لقطع خطوط الإمداد لـ(فاغنر) من خلال كمائن على خطوط الإمداد الرئيسية وفجّرنا شاحنات الذخيرة والأسلحة وصهاريج المحروقات، وقد نجحنا في تدريب السودانيين على القيام بها وقد أخذوا بمشاركتنا في تنفيذها».

ويبين أحد مقاطع الفيديو تمكن الأوكرانيين من قتل عدد من عناصر ميليشيا «فاغنر» وأسر ثلاثة من أفرادها.

ويُعد قيام القوات الأوكرانية بتدمير القطع البحرية الروسية في البحر الأسود أحد أهم نجاحات كييف. ولذا؛ فإن القوة المنتشرة في السودان تستنسخ، إلى حد ما، الطرق والأساليب المجربة في البحر الأسود ونقلها إلى السودان وتدريب القوات السودانية على استخدامها. والطريف في أحد مقاطع الفيديو أنه يظهر جندياً أوكرانياً وقد تعلم بعض عبارات العربية إذ يلقي التحية بقوله «السلام عليكم».

من الصعب تصور أن انتشار وحدات أوكرانية في السودان وربما بعدها في دول أفريقية أخرى سيغير مصير الحرب الدائرة على الجبهات الأوكرانية. لكن الواضح، وفق الضابط الأوكراني أن بلاده تريد «استخدام خبراتها القتالية وتسخيرها دبلوماسياً واستعدادها لتوسيع انتشارها في بلدان أخرى، خصوصاً في أفريقيا». وخلاصته أن أوكرانيا «تخوض حرباً وجودية» ضد روسيا، وبالتالي فإن كل الأسلحة مفيدة لخدمة هذا الغرض.


مقالات ذات صلة

الأمم المتحدة: عمال الإغاثة الذين قُتلوا في 2024 أعلى من أي عام آخر

الولايات المتحدة​ مسعفون من جمعية «الهلال الأحمر الفلسطيني» ومتطوعون في الفريق الوطني للاستجابة للكوارث (أ.ب)

الأمم المتحدة: عمال الإغاثة الذين قُتلوا في 2024 أعلى من أي عام آخر

أعلن مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية أن عدد عمال الإغاثة والرعاية الصحية الذين قُتلوا في 2024 أعلى من أي عام آخر، بحسب «أسوشييتد برس».

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
الاقتصاد سبائك ذهبية في مكتب «غولد سيلفر سنترال» في سنغافورة (رويترز)

الذهب يستعد لأفضل أسبوع له في عام

ارتفعت أسعار الذهب 1 في المائة وكانت في طريقها لتسجيل أفضل أسبوع لها في عام، الجمعة، بدعم من الطلب على الملاذ الآمن وسط التصعيد المستمر بين روسيا وأوكرانيا.

«الشرق الأوسط» (لندن)
الولايات المتحدة​ لقطة من فيديو تظهر القصف الذي طال مدينة دنيبرو الأوكرانية بصاروخ بالستي جديد متوسط المدى روسي (أ.ب)

الولايات المتحدة تؤكد أنها «لا تسعى إلى حرب» مع روسيا

أعلنت الولايات المتحدة الخميس أنها "لا تسعى إلى حرب مع روسيا"، متهمة موسكو بـ"إثارة التصعيد" في أوكرانيا.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
أوروبا أشخاص يحتمون داخل محطة مترو خلال هجوم عسكري روسي على أوكرانيا (أ.ف.ب)

كييف تتهم موسكو باستهدافها بصاروخ «عابر للقارات»

دوت صافرات الإنذار في جميع أنحاء أوكرانيا، فجر أمس (الخميس)، بعدما أفادت السلطات الأوكرانية بأن روسيا أطلقت صاروخاً عابراً للقارات من دون رؤوس نووية على أراضيها

«الشرق الأوسط» (كييف - موسكو)
أوروبا لقطة أرشيفية لصاروخ بالستي روسي أطلق في مارس الماضي خلال تجربة للجيش (أ.ف.ب)

«الناتو»: الصاروخ الروسي الجديد لن يغيّر مسار الحرب في أوكرانيا

أكّد حلف شمال الأطلسي الخميس أنّ الصاروخ البالستي الفرط صوتي الجديد الذي أطلقته روسيا على أوكرانيا "لن يغيّر مسار الحرب".

«الشرق الأوسط» (بروكسل)

الرئيس الصيني زار المغرب والتقى بولي العهد

الرئيس الصيني شي جين بينغ (رويترز)
الرئيس الصيني شي جين بينغ (رويترز)
TT

الرئيس الصيني زار المغرب والتقى بولي العهد

الرئيس الصيني شي جين بينغ (رويترز)
الرئيس الصيني شي جين بينغ (رويترز)

ذكرت وكالة المغرب العربي للأنباء أن الرئيس الصيني شي جين بينغ قام بزيارة قصيرة إلى المغرب في وقت سابق الخميس.

وقالت الوكالة إن ولي العهد الأمير مولاي الحسن يرافقه رئيس الحكومة عزيز أخنوش استقبلا الرئيس الصيني في مطار محمد الخامس الدولي بالدار البيضاء مشيرة إلى أن الزيارة تعكس روابط الصداقة والتعاون والتضامن القوية بين الشعبين المغربي والصيني. وقام شي بالزيارة بعد حضوره قمة مجموعة العشرين في البرازيل.

كثفت الصين استثماراتها في قطاع البنية التحتية والسكك الحديدية في المغرب في السنوات الأخيرة. ويجذب المغرب مصنعي بطاريات السيارات الكهربائية الصينيين في ظل موقعه الجغرافي بالقرب من أوروبا، واتفاقياته للتجارة الحرة مع أسواق رئيسية في الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، وصناعة السيارات القائمة في المملكة.

وفي يونيو (حزيران)، اختارت شركة "جوشن هاي تك" الصينية لتصنيع بطاريات السيارات الكهربائية المغرب مقرا لأول مصنع ضخم في إفريقيا بتكلفة إجمالية تبلغ 1.3 مليار دولار.