الانتخابات الأميركية: هل حان وقت إصلاح نظام الحزبين؟

المرشح الديمقراطي للرئاسة في مواجهة بايدن دعا إلى إنهاء «الاحتكار» خلال العقد المقبل

أعرب أكثر من 50 % من الأميركيين عن استيائهم من نظام الحزبين (أ.ف.ب)
أعرب أكثر من 50 % من الأميركيين عن استيائهم من نظام الحزبين (أ.ف.ب)
TT

الانتخابات الأميركية: هل حان وقت إصلاح نظام الحزبين؟

أعرب أكثر من 50 % من الأميركيين عن استيائهم من نظام الحزبين (أ.ف.ب)
أعرب أكثر من 50 % من الأميركيين عن استيائهم من نظام الحزبين (أ.ف.ب)

هذا الأسبوع، تمكن كل من المرشح الديمقراطي الرئيس الأميركي جو بايدن، ومنافسه الجمهوري الرئيس السابق دونالد ترمب، من تأمين العدد الكافي لانتزاع الترشيح الرسمي من حزبيهما، وذلك بعد فوزهما في انتخابات جورجيا وميسيسيبي وواشنطن التمهيدية.

لكنّ هذا الفوز يعكس واقعاً سياسياً أميركياً مثيراً للجدل: واقع نظام الحزبين من دون منازع. فرغم أن هذا النظام يعكس لسان الحال في الولايات المتحدة منذ أكثر من 150 عاماً، فإنه أصبح اليوم موقع تساؤل، خصوصاً في ظلّ الخيارين الوحيدين أمام الناخب الأميركي: جو بايدن ودونالد ترمب، أولهما في الواحد والثمانين من العمر وثانيهما في السابعة والسبعين.

يستعرض برنامج تقرير واشنطن، وهو ثمرة تعاون بين صحيفة «الشرق الأوسط» وقناة «الشرق»، أسباب استياء الناخب الأميركي من نظام الحزبين، والخيارات المطروحة أمام الناخبين، بالإضافة إلى حظوظ مرشحي الأحزاب الثالثة، أو المستقلين، بالفوز.

المرشح الديمقراطي للرئاسة جايسون بالمر (أ.ب)

جايسون بالمر... «مرشح الظل»

يستضيف «تقرير واشنطن» هذا الأسبوع جايسون بالمر، المرشح الديمقراطي للرئاسة والفائز في تجمع إقليم ساموا مقابل بايدن في الخسارة الأولى والوحيدة التي تكبّدتها حملة الرئيس الأميركي. ويقول بالمر مازحاً إنه هو أيضاً فوجئ بفوزه: «ظننت أنني سأفوز بمندوب أو اثنين، لكني لم أعتقد أنني سأفوز في الانتخابات هناك!». ويشرح بالمر سبب ترشحه عن الحزب الديمقراطي بدلاً من حزب ثالث أو مستقل، فيقول: «أترشح ضد بايدن لأنه في هذه اللحظة، ومن أجل الترشح لمنصب الرئاسة والفوز، يجب أن تكون في أحد الحزبين الرئيسيين. وأنا عضو في الحزب الديمقراطي معظم حياتي، وأعتقد أن الحزب الديمقراطي يملك أفضل السياسات، وأتفق مع بايدن على نحو 90 في المائة من الأمور، لكن في الوقت نفسه، أعتقد أنه حان الوقت لتسليم الشعلة للجيل القادم».

وفي وقت ينحصر فيه السباق فعلياً بين ترمب وبايدن رغم وجود مرشحين آخرين، يلوم كريس ليمين، مدير مكتب مجلة «ذي ناشيون» في واشنطن، «الاحتكار الثنائي للحزبين». ويقول إنهما «يتحكمان بالرسائل وحشد المرشحين، والوصول إلى بطاقات الاقتراع في الولايات كافة التي تنعقد فيها الانتخابات التمهيدية». ويضيف ليمين أن هذا الاحتكار يتمثل في الضغوط التي يمارسها المسؤولون في كل حزب للمحافظة على الوضع الراهن، وتهميش المرشحين من الحزب الثالث أو المعارضين، مشيراً إلى «وجود نوع من التعطيل المؤسساتي في كل من الحزبين الرئيسيين».

وبمواجهة هذا الواقع، تدلّ استطلاعات الرأي على أن رُبع الأميركيين فقط راضون عن نظام الحزبين. لكن رغم هذه الأرقام، غالباً ما يُتهم مرشحو الحزب الثالث أو المستقلون بـ«تخريب» حظوظ المرشحين الأساسيين في الفوز، وهو ما تصفه رئيسة الحزب الليبرتاري، أنجيلا مكاردل، بـ«المثير للسخرية». وتقول: «لا أحد يَدين بصوت لأيٍّ من الحزبين الرئيسيين، فكل فرد يمكنه الانتخاب كما يختار، ويمكنني أن أقلب المعادلة بسهولة وأقول: إن نظام الحزبين هو الذي يضر بنا، وبفرصتنا الكبيرة وحقوق مرشحنا ليصبح رئيساً للولايات المتحدة».

فوز بايدن وترمب بأصوات المندوبين لانتزاع ترشيح حزبيهما (أ.ب)

ويوافق بالمر على ضرورة أن يكون للأحزاب الثالثة صوت أعلى في الانتخابات الأميركية، داعياً إلى انتخابات تمهيدية مفتوحة والتصويت حسب خيار الأفضلية. ويتعهد بالعمل على إحداث تغيير من هذا النوع، موضحاً: «صحيح أن احتكار الحزبين يترجَم أحياناً بأننا لا نحظى بأفضل الخيارات في انتخاباتنا، وأعتقد أنه من الأفضل لنا أن ننتقل إلى نسخة أفضل من الديمقراطية خلال العقد المقبل، وهذا أمر ألتزمه».

ويتحدث بالمر عن الدور الذي يلعبه في الانتخابات الرئاسية، فهو لم يسحب ترشيحه بعد، رغم أنه يعترف باستحالة فوزه بترشيح الحزب، ويرى أن وجوده في السباق يحفّز بايدن على المشاركة أكثر في الحملات الانتخابية. وأعطى مثالاً على ذلك في ولاية أريزونا، التي تُجري انتخاباتها التمهيدية في 19 من الشهر الجاري، قائلاً: «سوف يزور (بايدن) أريزونا... وأعتقد أن ذلك يعود جزئياً إلى أن المشاركين في استطلاعات الرأي قالوا إن جايسون بالمر يقوم بعمل أفضل في أريزونا، ويجب أن تذهب إلى هناك». وأضاف أن «أحد الأسباب الرئيسية لترشحي هو دفع بايدن للمشاركة في الحملة الانتخابية. إن لم يقم بايدن بالمشاركة بقوة في الحملة الانتخابية، سيفوز دونالد ترمب من دون أي عقبة في نوفمبر (تشرين الثاني)، وأنا لست راضياً عن ذلك. سأبقى في الحملة محاولاً دفعه ليقدّم لنا أفضل نسخة منه».

متظاهر يقف أمام البيت الأبيض احتجاجاً على حرب غزة (إ.ب.أ)

حرب غزة

يرى ليمين أن التحديات أمام بايدن لا تقتصر على مشاركته في الحملات الانتخابية، بل تتعداها لتشمل «انقسامات حادة في صفوف الحزب الديمقراطي حول الحرب في غزة». ويفسر أن «انحياز بايدن يكلّفه دعماً أساسياً بين مجموعات متعددة، خصوصاً الناخبين الشباب، كما رأينا في ميشيغان التي تضم مجموعة كبيرة من الأميركيين من أصل عربي، والتي كانت (قد شملت خلال) الانتخابات التمهيدية عدداً من غير الملتزمين. وبرأيي إن كان هناك سبب يدفع بايدن للتوجه إلى أريزونا، فهو وجود قلق كبير بأن ميشيغان التي تعد ولاية متأرجحة رئيسية لن تكون ولاية ديمقراطية في الانتخابات العامة. فهذه كلها إشارات تحذير». ويحذّر ليمين من أنّ غضب الناخبين من الحرب في غزة سيدفع بمرشحين من طرف ثالث إلى التقدم وانتزاع أصوات من بايدن.

ويعقّب بالمر على موضوع غزة، مسلّطاً الضوء على موقفه الداعي إلى ضرورة تغيير السياسات الأميركية ووقف إطلاق النار. ويأمل بالمر أن يؤدي وجوده في السباق إلى إحداث تغيير في سياسات الإدارة الأميركية في هذا الإطار، على غرار ما حصل في الانتخابات الماضية، إذ بقي السيناتور بيرني ساندرز في السباق حتى عندما كان من الواضح أن جو بايدن سيكون المرشح الرسمي. وقال: «ساندرز بقي لأنه اتخذ مواقف آمن بها، وعدَّها مهمة جداً لتغيير قاعدة الحزب الديمقراطي. وأنا لديَّ مواقف مماثلة أيضاً».

أعلنت مجموعة «نو لايبلز» نيتها طرح بطاقة انتخابية رئاسية (أ.ب)

«نو لايبلز» فرصة ضائعة

تسعى مجموعة «نو لايبلز»، التي تعرّف عن نفسها بأنها مجموعة وسطية، إلى تقديم خيارات أخرى للناخب الأميركي عبر بطاقة انتخابية في عدد من الولايات لمنافسة بايدن وترمب، لكنها لم تكشف عن اسم أي مرشحين بعد. ويتحدث بالمر عن أسباب رفض وجوه بارزة إدراج اسمها على «بطاقة الوحدة» التي تدفع بها «نو لايبلز»، فيقول: «رغم عدم رضا أغلبية الأميركيين عن الخيارين الحاليين، فإنهم يعتقدون أن وجود خيار ثالث سيؤثر في أصوات بايدن ويؤدي إلى وصول ترمب إلى الرئاسة، ما سيشكّل خطراً حقيقياً على أميركا الديمقراطية».

وتتحدّث مكاردل عن وجود خيارات أخرى أمام الناخب الأميركي غير المرشحَين الأساسيين جو بايدن ودونالد ترمب، وبعيداً عن مجموعة «نو لايبلز»، وتوجِّه انتقادات لاذعة إلى الحزبين. تقول: «أنا شخصياً لا أفهم التركيز على الديمقراطية من الحزب الديمقراطي حين يحاولون طرد معارضتهم من الاقتراع وزجهم في السجن. وبالطّبع لدينا تحفظات على إدارة ترمب. ويبدو الأمر أن الأشخاص الذين يعارضون الأحزاب الثالثة ويعارضون دونالد ترمب في الوقت نفسه يريدون الحفاظ على الوضع الراهن. لأنه لو كان لدينا نظام ديمقراطي، لكانوا أفسحوا المجال أمام مزيد من الآراء. ما نحتاج إليه فعلاً هو حق الوصول إلى لوائح الاقتراع لكي يتم تمثيل مختلف وجهات النظر، ولكي يتغير الوضع الراهن في هذه البلاد عمّا هو عليه منذ عقود عديدة».

يواجه مرشحو الحزب الثالث تحديات في إدراجهم على لوائح الاقتراع (أ.ب)

نظام «غير عادل»

وتعرض مكاردل نقطة مهمة هنا، متعلقة بعدم قدرة بعض المرشحين على إدراج اسمهم على لوائح الاقتراع، وذلك بسبب قوانين عدة تختلف في كل ولاية، مؤكدةً أن «نظام الحزبين يعمل ضد الأحزاب الأخرى» وتعطي أمثلة على ذلك في ولايتي نيويورك وإلينوي فتقول: «لا شك أن الوصول إلى لائحة الاقتراع في ولاية نيويورك هو التحدي الأبرز الذي نواجهه، فهو يتطلّب 45 ألف توقيع في غضون 6 أسابيع، إذاً هذا تحدٍّ كبير خصوصاً أنه يكلّف 350 ألف دولار، كما أن هناك أيضاً ولاية إلينوي التي تعد صعبة أيضاً، أعتقد أننا نحتاج إلى 35 ألف توقيع هناك».

ويشير ليمين إلى أن نظام الحزبين هذا «لم يصمّم ليكون عادلاً، فالحزبان الرئيسيان لديهما مصالح خاصة في تخفيف جاذبية مرشحي الأحزاب المتمردة أو الثالثة، ولهذا يتحكمون في الوصول إلى لوائح الاقتراع على مستوى الولاية، وهذه العقبة الرئيسية التي يواجهها مرشحو الحزب الثالث، أي أن يتم ضمهم إلى لوائح الاقتراع لكي يقدموا خياراً مختلفاً للناخبين». ويضيف ليمان: «إنها حلقة مفرغة لأن الحزبين لا يسمحان لهم بالانضمام إلى السباق، إذاً ليس هناك أي طريقة فعالة لمناشدة الناخبين الذين يشعرون بالإحباط من رسائل الحزبين».

لكنّ بالمر يحذّر من تداعيات وجود مرشح عن حزب ثالث في سباق يصفه بالمصيري هذا العام مشدداً على أهمية أن يتم انتخاب بايدن «كي لا يعود ترمب إلى البيت الأبيض» إلا أنه يؤكد في الوقت نفسه ضرورة أن يتم منح صوت للأحزاب الثالثة «التي تم إهمالها لفترة طويلة» بعد هذه الانتخابات المصيرية، على حد تعبيره.

جو بايدن في حدث انتخابي في ويسكنسن 13 مارس 2024 (أ.ف.ب)

بايدن و«قضية الوصاية»

إلا أن مكاردل عارضت هذه المقاربة بشدة، مشيرةً إلى جهود حزبها «رفع قضية وصاية على جو بايدن»، وتفسر قائلةً: «لقد أصبحت علامات الخرف تظهر عليه بوضوح ويقوم بعمل مريع لإدارة أموال البلاد. ولنكن عادلين، نحن هددنا ميتش مكونيل (زعيم الجمهوريين في مجلس الشيوخ) بالأمر نفسه». وتضيف مكاردل: «أعتقد أن الشعب قد سئم من هيمنة الشيخوخة، فجو بايدن يُظهر علامات الضياع، يمد يده ليصافح المجهول، يتعثر بكلماته بطريقة محرجة جداً وأعتقد أن الشعب قد تعب من هذه الأمور، وبالطبع، دونالد ترمب لديه شوائب وهو متقدم في السن أيضاً، وأود أن أرى انتخاب رئيس أصغر سناً في الولايات المتحدة».

وبوجه هذه التصريحات، أعلن بالمر نيته تأسيس تنظيم جديد الأسبوع المقبل باسم «توغيثير»، «يدعم المرشحين من مختلف الأحزاب الذي يؤمنون بالحلول المنطقية، ولا يريدون المجانين على أيٍّ من الطرفين أن يتحكموا بسياساتنا». على حد تعبيره، مضيفاً أن إدارة بايدن يجب أن تعمل أكثر لتحفيز الشباب، فقال: «المرحلة المقبلة هي مرحلة التنفيذ. يجب أن تضم حملة بايدن فريقاً من الشباب، ويجب أن يحث أشخاصاً مثلي على الحديث إلى الشباب لتحفيز حماستهم».


مقالات ذات صلة

بايدن سيعلن عن خطط لإصلاح المحكمة العليا يوم الاثنين

الولايات المتحدة​ الرئيس الأميركي جو بايدن (أ.ب)

بايدن سيعلن عن خطط لإصلاح المحكمة العليا يوم الاثنين

كشفت صحيفة «بوليتيكو» أن الرئيس الأميركي سيعلن عن خطط لإصلاح المحكمة العليا، يوم الاثنين، حيث سيدعم تحديد فترات ولاية القضاة وقواعد أخلاقية قابلة للتنفيذ.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الولايات المتحدة​ الرئيس الأميركي جو بايدن في المكتب البيضوي في واشنطن العاصمة (أ.ف.ب)

بايدن يأمر بـ«حماية» اللبنانيين من الإبعاد عن أميركا

أمر الرئيس جو بايدن بحماية اللبنانيين الموجودين على الأراضي الأميركية من خطر الإبعاد مدة تصل إلى 18 شهراً، فيما يؤثر على زهاء 12 ألف شخص، بينهم 1700 طالب.

علي بردى (واشنطن)
الولايات المتحدة​ غيّرت حملة ترمب استراتيجيتها لمواجهة هاريس (أ.ف.ب)

هاريس توحّد صفوف الديمقراطيين وتستعد لمواجهة «حتمية» مع ترمب

نجحت حملة كامالا هاريس في توحيد صفوف حزبها وحشد دعم واسع، لكن هل يستمر حماس الناخبين الديمقراطيين تجاهها؟ وما حظوظها في الفوز على دونالد ترمب؟

رنا أبتر (واشنطن)
الولايات المتحدة​ نائبة الرئيس الأميركي كامالا هاريس والرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما في الغرفة الشرقية من البيت الأبيض في واشنطن في 5 أبريل 2022 (أ.ف.ب)

هاريس تقترب من انتزاع الترشيح الديمقراطي بعد تأييد أوباما

حظيت نائبة الرئيس الأميركي، كامالا هاريس، على تأييد الرئيس الأسبق باراك أوباما لتكون مرشحة الحزب الديمقراطي لخوض سباق الرئاسة.

هبة القدسي (واشنطن)
الولايات المتحدة​ دونالد ترمب وكامالا هاريس (شبكة «سي إن إن» الأميركية)

ترمب لن يناظر هاريس قبل تثبيت الحزب الديمقراطي ترشيحها رسمياً

أعلنت الحملة الانتخابية لدونالد ترمب أن الرئيس الأميركي السابق يرفض في الوقت الراهن تحديد أيّ جدول زمني لمناظرة منافسته الديمقراطية المفترضة كامالا هاريس.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

جمهوريون يتساءلون عمّا إذا كان اختيار ترمب لفانس ملائماً

جيمس دي فانس نائب المرشح الرئاسي الجمهوري دونالد ترمب في تجمع انتخابي بجامعة رادفورد في فرجينيا (أرشيفية - أ.ف.ب)
جيمس دي فانس نائب المرشح الرئاسي الجمهوري دونالد ترمب في تجمع انتخابي بجامعة رادفورد في فرجينيا (أرشيفية - أ.ف.ب)
TT

جمهوريون يتساءلون عمّا إذا كان اختيار ترمب لفانس ملائماً

جيمس دي فانس نائب المرشح الرئاسي الجمهوري دونالد ترمب في تجمع انتخابي بجامعة رادفورد في فرجينيا (أرشيفية - أ.ف.ب)
جيمس دي فانس نائب المرشح الرئاسي الجمهوري دونالد ترمب في تجمع انتخابي بجامعة رادفورد في فرجينيا (أرشيفية - أ.ف.ب)

لم تمض سوى أيام، على اختيار السيناتور عن ولاية أوهايو، جيمس دي فانس، نائباً للمرشح الجمهوري، الرئيس السابق دونالد ترمب، على بطاقة السباق الرئاسي، حتى بدأت الاعتراضات تتصاعد عن احتمال أن يكون هذا الاختيار خاطئاً؛ فقد أعرب العديد من أعضاء الحزب الجمهوري عن استيائهم منه، بعد انتشار مقاطع فيديو قديمة وثقت انتقاده من وصفهن بـ«نساء القطط»، في إشارة إلى نساء الحزب الديمقراطي. ونشرت العديد من الصحف الأميركية، بينها مجلة «بوليتيكو» وصحيفة «نيويورك تايمز»، تصريحات مسؤولين جمهوريين، ورسائل بريد إلكتروني ونصية، تشير إلى تحولاته السياسية من خصم قوي لترمب إلى نائب له، وتحولاته «الثقافية» بعد تأييده الحظر الذي فرضته ولاية أركنساس عام 2021 على الرعاية الصحية للمتحولين جنسياً.

نساء القطط

تقول مجلة «بوليتيكو»، إن فانس واجه أسبوعاً صعباً بعد انتشار تصريحات قديمة، يصف فيها نائبة الرئيس الأميركي، كامالا هاريس، وديمقراطيات أخريات بأنهن «نساء قطط بلا أطفال»، ويقترح أن الآباء يجب أن «يتمتعوا بسلطة سياسية أكبر» ممن لا أطفال لهم.

دونالد ترمب خلال تجمع انتخابي في كارولاينا الشمالية (أرشيفية - أ.ف.ب)

وأضافت المجلة أن جمهوريين أعلنوا عن إحباطهم وقلقهم من تلك التصريحات (الحديثة نسبياً)، من بينهم المعلق المحافظ بن شابيرو الذي تساءل عما إذا كان يجب على ترمب اختيار فانس، قائلاً: «إذا كانت هناك آلة زمن، وإذا عاد الوقت أسبوعين إلى الوراء، فهل كان ترمب سيختار جي دي فانس مرة أخرى؟ أشك في ذلك».

وتساءل جمهوريون آخرون عما إذا كانت حملة ترمب قد توقعت حقاً الموجة العارمة من التعليقات القديمة للسيناتور فانس، وعمّا إذا كان انسحاب الرئيس الديمقراطي جو بايدن من السباق، وحلول كامالا هاريس شبه المؤكد على بطاقة السباق، من شأنه أن يغير اختيار ترمب له؟

وقال الاستراتيجي الجمهوري من ولاية ويسكونسن، بيل مكوشين: «من بين الأشخاص الذين تم ذكرهم بوصفهم مرشحين محتملين لتولي منصب نائب ترمب، كان فانس أكبر مخاطرة، لأنه لم يتم اختباره على المستوى الوطني من قبل». وأضاف: «سنرى خلال الأيام الـ100 المقبلة كيف سيصمد تحت الأضواء الساطعة في الحملة الانتخابية».

دونالد ترمب خلال تجمع انتخابي في كارولاينا الشمالية (أرشيفية - أ.ب)

لا يوجد جمهوري يدعمه

قال أحد أعضاء مجلس النواب الجمهوريين إن هذه المخاوف لم تأت فقط من المنتقدين، متسائلاً: «اعثر لي على مسؤول منتخب علناً في مجلس الشيوخ يدعم جي دي فانس، غير السيناتور مايك لي».

وتأتي هذه التعليقات، فيما حملة هاريس تحطم أرقاماً قياسية في جمع التبرعات، وتقدمها في استطلاعات الرأي، مزيلة تفوق ترمب السابق. وفي ردها على تعليقات فانس، أصدرت حملة هاريس بياناً بعنوان «يوم سعيد للتلقيح الاصطناعي للجميع باستثناء جيه دي فانس».

ومنذ أن بدأت هاريس حملتها الانتخابية، بدأ الديمقراطيون في شن هجمات على فانس، حيث تشير استطلاعات الرأي إلى أن هذه الهجمات بدأت تؤثر عليه. وقال محلل شبكة «سي إن إن»، هاري إنتن، إن فانس «حصل على نسبة تأييد (سالب 5 في المائة) في استطلاعات الرأي، وهو أقل من أي مرشح لمنصب نائب الرئيس في التاريخ».

وكانت شعبية فانس أقل بنحو 3 نقاط مئوية في استطلاعين للرأي أصدرتهما هذا الأسبوع صحيفة «نيويورك تايمز/كلية سيينا»، والإذاعة الوطنية «إن بي آر» مع «بي بي إس نيوز/ كلية ماريست»، حيث وجد الأخير أن 28 في المائة من الناخبين المسجلين لديهم وجهة نظر إيجابية لفانس، بينما نظر إليه 31 في المائة بشكل سلبي، و41 في المائة غير متأكدين أو لم يسمعوا عنه.

جيمس دي فانس نائب المرشح الرئاسي الجمهوري دونالد ترمب في تجمع انتخابي بجامعة رادفورد في فرجينيا (أرشيفية - أ.ف.ب)

المعركة تغيرت

يقول خبراء إن اختيار فانس جاء خلال مرحلة مختلفة تماماً من السباق الرئاسي، حين كانت المنافسة بين بايدن وترمب قبل أسبوع واحد فقط، كوسيلة لتنشيط قاعدة كانت بالفعل موحدة بقوة خلف ترمب بدلاً من استقطاب أي دوائر انتخابية جديدة.

وقال جوشوا نوفوتني، وهو استراتيجي جمهوري: «لم يكن فانس اختياراً سياسياً. لم يتم اختياره للحصول على أفضلية في بعض المجالات، بل تم اختياره كشخص يثق به ترمب، ويريد أن يخدم معه».

ورغم ذلك، يصر ترمب على أنه «لا يشعر بأي ندم» على اختياره لفانس. وقال لشبكة «فوكس نيوز»، الخميس، إنه لم يكن ليختار بشكل مختلف، حتى لو كان يعلم أن هاريس ستكون هي مرشحة الديمقراطيين.

ويخشى الجمهوريون من أن يؤدي التركيز على سجل فانس وتعليقاته اليمينية المتشددة، تجاه قضايا الإجهاض والمرأة والجندر والمتحولين جنسياً، إلى حرمانهم، ليس فقط من الفوز في انتخابات الرئاسة، بل خسارة سباقات مهمة في مجلسي الشيوخ والنواب أيضاً. وغني عن الذِّكْر أن المعارك الانتخابية تدور على الفوز فيما يسمى بالولايات المتأرجحة، وغالبيتها تضم ناخبين لا يحملون توجهات اجتماعية متشددة، وقد لا يكفي تحريضهم على قضايا الاقتصاد وأمن الحدود، للفوز بأصواتهم.