كردستان تحتفل باتفاق الحكم الذاتي مع نظام صدام

رئيس حكومة الإقليم: لا عودة إلى زمن الديكتاتورية والاستبداد

صدام مع الزعيم الكردي الملا مصطفى بارزاني (غيتي)
صدام مع الزعيم الكردي الملا مصطفى بارزاني (غيتي)
TT

كردستان تحتفل باتفاق الحكم الذاتي مع نظام صدام

صدام مع الزعيم الكردي الملا مصطفى بارزاني (غيتي)
صدام مع الزعيم الكردي الملا مصطفى بارزاني (غيتي)

أحيا إقليم كردستان اتفاقية 11 مارس (آذار) عام 1970 بين الملا مصطفى بارزاني ونائب الرئيس العراقي آنذاك صدام حسين، وهي الاتفاقية التي منحت الأكراد حكماً ذاتياً.

ومع أن صيغة الحكم الذاتي انهارت بعد أربع سنوات ليعود القتال مجدداً بين الأكراد والسلطة، لكن التوصل إلى ذلك الاتفاق بالنسبة للأكراد، بصرف النظر عن نتائجه، يُعد بمثابة أول منجز يحصلون عليه من نظام سياسي في الدول الأربع التي يتواجدون فيها، وهي العراق وتركيا وسوريا وإيران. فبموجب ذلك الاتفاق، تم الاعتراف من قِبل النظام العراقي السابق بالحقوق الثقافية والقومية الكاملة للكرد على أن تكون الصيغة بين الطرفين هي ما سُمّي في حينه الحكم الذاتي. وبموجب الاتفاق الذي صدر على شكل بيان يوم 11 مارس عام 1970، فإن تطبيق الحكم الذاتي في محافظات كردستان الثلاث (أربيل، السليمانية ودهوك) يُطبق في عام 1974 بحيث تتكون هياكل إدارية تحكم الإقليم، بينما يكون نائب رئيس الجمهورية كردياً ويحصل الأكراد على عدد من الوزارات في الحكومة المركزية. إلا أن النظام السابق لم يتوصل إلى اتفاق شامل مع قيادة الملا مصطفى بارزاني، فقام بفرض مسؤولين من الأكراد يتبعون له وبينهم طه محيي الدين معروف الذي تم تنصيبه نائباً لرئيس الجمهورية. وبينما تجدد القتال بين الطرفين، قام النظام السابق بتوقيع اتفاقية الجزائر عام 1975 مع شاه إيران والتي تم بموجبها منح نصف شط العرب إلى إيران مقابل وقف الشاه دعم الحركة الكردية. وأدى ذلك إلى انهيار الحركة الكردية وهروب أبرز قادتها إما إلى الجبال أو خارج البلاد. وظل هذا الأمر حتى تسعينات القرن الماضي بعد غزو العراق للكويت، حيث فرضت الولايات المتحدة وبريطانيا منطقة حظر جوي تحمي الأكراد في ما سُمي «منطقة الحكم الذاتي» ومن ثم «إقليم كردستان» الذي أصبح منذ عام 1992 شبه مستقل عن بغداد.

عناصر من البيشمركة يتموضعون تحت صورة لمسعود بارزاني في ضواحي كركوك (أرشيفية - إ.ب.أ)

التحالف التاريخي الكردي - الشيعي

وبعد سقوط النظام السابق عام 2003 على أيدي الأميركيين، تشكل ما عُرف بالتحالف التاريخي بين الأكراد والشيعة عبر تقاسم المناصب والمسؤوليات في النظام الجديد، لا سيما بعد تراجع العرب السنّة بسبب صدمة تغيير النظام. إلا أن التقسيم الذي تم بين الطرفين بعد التصويت على الدستور عام 2005، بدا بمثابة تقاسم للسلطة والنفوذ عبر المحاصصة العرقية والطائفية. لكن هذا التقاسم يبدو وكأنه بات من الماضي اليوم، في ظل الصراعات والمنازعات التي وصلت بين بغداد وأربيل إلى حد الخلاف على رواتب موظفي الإقليم.

وفي وقت يتبادل الأكراد الاتهامات مع الحكومة المركزية في بغداد، كان لافتاً ما وُصف بأنها «مبالغة» من أربيل في استذكار منجز لم يكتمل منحه النظام السابق للأكراد على شكل حكم ذاتي.من جهته، أصدر رئيس حكومة إقليم كردستان، مسرور بارزاني، بياناً بمناسبة الذكرى السنوية لاتفاقية 11 مارس، شدد فيه على أن شعب كردستان لن يسمح «بانتهاك حقوقه الدستورية والمساس بالكيان الدستوري للإقليم، أو العودة بالعراق إلى زمن الديكتاتورية والاستبداد». وقال بارزاني: «تمر علينا اليوم الذكرى الرابعة والخمسون لإعلان اتفاقية الحادي عشر من مارس 1970، والتي مثّلت إنجازاً تاريخياً من منجزات ثورة يوليو (أيلول) المجيدة بقيادة (مصطفى) البارزاني الخالد».

وأضاف: «لقد أجبر شعب كردستان بثورته وما سطره من مقاومة وتضحيات جسام، الحكومة العراقية آنذاك على الاعتراف ببعض حقوقه المشروعة، ولا سيّما تعديل الدستور المؤقت والاعتراف بأن العراق يتكون من قوميتين رئيسيتين هما القومية العربية والقومية الكردية، مع الإقرار بالحقوق القومية للشعب الكردي». وتابع: «غير أن النظام العراقي في تلك الحقبة، تنصل من الاتفاقية، واتّجه نحو الحروب ومعاداة شعب كردستان؛ مما أدى إلى دمار وكوارث فادحة لا يزال الشعب العراقي يدفع ثمنها حتى يومنا هذا». وقال أيضاً: «إذ نحيي هذه المناسبة، نؤكد على ضرورة حفظ واحترام وصون الحقوق الدستورية لشعب كردستان، وحماية الكيان الدستوري للإقليم، ونشدد على أن شعب كردستان متشبث بحقوقه التي ناضل من أجلها عقوداً طويلة، ولن يسمح بانتهاكها، أو بظلمهِ وقهره، أو بعودة العراق إلى زمن الديكتاتورية والاستبداد».

مسرور بارزاني (أ.ف.ب)

في غضون ذلك، دعا بطريرك الكلدان الكاثوليك في العراق والعالم، الكاردينال لويس روفائيل ساكو، الاثنين، إلى إعادة النظر بالعملية السياسية برمتها. وقال البطريرك ساكو في بيان له بمناسبة شهر رمضان: «أتوجه إلى الأخوات والإخوة المسلمين بمناسبة حلول شهر رمضان الكريم، بتهانيّ القلبية وتمنياتي الخالصة (...) من المؤسف أن يحلَّ هذا الشهر الكريم والحرب المدمرة مستمرة في الأراضي المقدسة (فلسطين) والصراعات هنا وهناك وانتهاك حقوق الإنسان وحريته وكرامته». وأشار إلى أن «السلام ليس مجرد فكرة، إنما هو مشروع حياتي ضروري نتربى عليه ونجسده في حياتنا اليومية. وهذا يتطلب الشجاعة».

وقال ساكو: «في العراق، بعد عشرين عاماً من سقوط النظام، لا بد من إعادة النظر في العملية السياسية برمتها، والتوصل إلى صيغة توافق جديدة غير (الصيغة) الطائفية والمحاصصة، تقوم على المواطنة الكاملة تضمن مستقبلاً أفضل للعراقيين، وتحافظ على موزاييك المكوّنات وحقوقهم، الذي هو جمال العراق».


مقالات ذات صلة

تركيا تحذر من جرّ العراق إلى «دوامة العنف»

شؤون إقليمية وزير الخارجية التركي هاكان فيدان خلال اجتماع لجنة التخطيط بالبرلمان التركي (الخارجية التركية)

تركيا تحذر من جرّ العراق إلى «دوامة العنف»

حذرت تركيا من جرّ العراق إلى «دوامة العنف» في منطقة الشرق الأوسط، في حين رجحت «انفراجة قريبة» في ملف تصدير النفط من إقليم كردستان.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
المشرق العربي قوة عسكرية مشتركة بين «البيشمركة» والجيش العراقي (موقع باس الكردي)

تفجير يودي بضباط وجنود من الجيش العراقي و«قوات البيشمركة» الكردية

أعلنت وزارة «البيشمركة» في حكومة إقليم كردستان، مقتل عدد من الضباط وجرح جنود، جراء انفجار أكثر من عبوة مزروعة في المكان نفسه، محدثة انفجاراً سُمع لمسافات بعيدة.

فاضل النشمي (بغداد)
المشرق العربي بارزاني خلال مراسم حفل التخرج (الشرق الأوسط)

نيجرفان بارزاني: «البيشمركة» جزء رئيسي من منظومة الدفاع العراقية

جدد رئيس إقليم كردستان العراق نيجرفان بارزاني، السبت، دعواته المتكررة لتوحيد صفوف قوات الأمن الكردية (البيشمركة) وعدها جزءاً مهماً من منظومة الدفاع العراقية.

فاضل النشمي (بغداد)
المشرق العربي مركب سياحي في البصرة (أ.ف.ب)

بغداد ترفض طلباً كردياً بتأجيل التعداد السكاني في المناطق «المتنازع عليها»

رفضت الحكومة المركزية في بغداد طلباً لحكومة إقليم كردستان بتأجيل إجراء التعداد السكاني في المناطق «المتنازع عليها» إلى موعد لاحق.

حمزة مصطفى (بغداد)
المشرق العربي مسعود بارزاني زعيم الحزب الديمقراطي الكردستاني (إكس)

بارزاني يحدد 4 مبادئ لتشكيل حكومة كردستان

شدد زعيم الحزب الديمقراطي الكردستاني، مسعود بارزاني، على أربعة مبادئ أساسية لتشكيل حكومة إقليم كردستان، أبرزها توحيد الإدارات وقوات «البيشمركة».

فاضل النشمي (بغداد)

لا أمل لدى سكان غزة في تراجع الهجمات بعد أمري اعتقال نتنياهو وغالانت

فلسطينيون يؤدون صلاة الجمعة على أنقاض مسجد مدمر في خان يونس بجنوب قطاع غزة (إ.ب.أ)
فلسطينيون يؤدون صلاة الجمعة على أنقاض مسجد مدمر في خان يونس بجنوب قطاع غزة (إ.ب.أ)
TT

لا أمل لدى سكان غزة في تراجع الهجمات بعد أمري اعتقال نتنياهو وغالانت

فلسطينيون يؤدون صلاة الجمعة على أنقاض مسجد مدمر في خان يونس بجنوب قطاع غزة (إ.ب.أ)
فلسطينيون يؤدون صلاة الجمعة على أنقاض مسجد مدمر في خان يونس بجنوب قطاع غزة (إ.ب.أ)

لم يشهد سكان غزة، اليوم الجمعة، ما يدعوهم للأمل في أن يؤدي أمرا الاعتقال اللذان أصدرتها المحكمة الجنائية الدولية بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع السابق يوآف غالانت إلى إبطاء الهجوم على القطاع الفلسطيني، فيما قال مسعفون إن 21 شخصاً على الأقل قُتلوا في غارات إسرائيلية جديدة، وفق ما ذكرته وكالة «رويترز» للأنباء.

وقال مسعفون إن ثمانية أشخاص قُتلوا في غارة استهدفت منزلاً في حي الشجاعية بمدينة غزة في شمال القطاع. كما قُتل ثلاثة آخرون في غارة بالقرب من مخبز، وقُتل صياد في أثناء توجهه إلى البحر. وقُتل تسعة أشخاص في ثلاث غارات جوية شنتها إسرائيل في وسط وجنوب القطاع.

منطقة عازلة

في الوقت نفسه، توغلت القوات الإسرائيلية أكثر في الشمال، وكثفت القصف في هجوم رئيسي تشنه منذ أوائل الشهر الماضي.

ويقول الجيش الإسرائيلي إنه يهدف إلى منع مقاتلي حركة «حماس» الفلسطينية من شن هجمات وإعادة تنظيم صفوفهم. ويعبّر سكان عن مخاوفهم من أن يكون الهدف هو إخلاء جزء من القطاع بشكل دائم ليكون منطقة عازلة، وهو ما تنفيه إسرائيل.

قال سكان في البلدات الثلاث المحاصرة في الشمال، وهي جباليا وبيت لاهيا وبيت حانون، إن القوات الإسرائيلية فجرت عشرات المنازل.

وذكرت وزارة الصحة بغزة في بيان أن غارة إسرائيلية استهدفت مستشفى كمال عدوان في بيت لاهيا، وهو إحدى المنشآت الطبية الثلاث التي تعمل بالكاد في المنطقة، مما أسفر عن إصابة ستة من العاملين في المجال الطبي، بعضهم في حالة خطيرة.

وأضافت: «أدى الاستهداف أيضاً إلى تدمير المولد الكهربائي الرئيسي بالمستشفى، وثقب خزانات المياه لتصبح المستشفى من غير أكسجين ولا مياه، الأمر الذي ينذر بالخطر الشديد على حياة المرضى والطواقم العاملة داخل المستشفى، حيث يوجد فيه 80 مريضاً و8 حالات بالعناية المركزة».

أميركا والفيتو

وعدّ سكان في غزة قرار المحكمة الجنائية الدولية بالسعي إلى اعتقال اثنين من الزعماء الإسرائيليين بتهمة ارتكاب جرائم حرب بمثابة اعتراف دولي بمحنة القطاع. لكن الواقفين في طابور للحصول على خبز من أحد المخابز في مدينة خان يونس بجنوب القطاع يشكون في أن يكون لهذا القرار أي تأثير.

وقال صابر أبو غالي وهو ينتظر دوره بين الناس: «القرار لا ولن يُنفذ؛ لأن إسرائيل تحميها أميركا، ولها حق الفيتو في كل حاجة، أما إسرائيل فلا ولن تُحاسب».

وقال سعيد أبو يوسف (75 عاماً) إنه حتى لو تحققت العدالة فسيكون ذلك بعد تأخير عقود، «المحكمة الجنائية الدولية اتأخرت كتير، إلنا فوق الستة وسبعين عام بنسمع قرارات اللجنة هذه ولا تنفذ ولا تطبق ولا تعمل إلنا أي شيء».

وشنت إسرائيل حملة عسكرية على غزة رداً على هجوم «حماس» عليها في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023 والذي تشير إحصاءات إسرائيلية إلى أنه أسفر عن مقتل 1200 شخص واحتجاز أكثر من 250 رهينة.

وقال مسؤولو الصحة الفلسطينيون إن 44 ألف فلسطيني تقريباً قُتلوا في غزة منذ ذلك الحين، وتحول جزء كبير من القطاع إلى ركام.

تعثر جهود الوساطة

وقال ممثلو الادعاء في المحكمة إن هناك أسباباً كافية للاعتقاد بأن نتنياهو وغالانت مسؤولان جنائياً عن ممارسات تشمل القتل والاضطهاد واستخدام التجويع سلاحاً في الحرب، في إطار «هجوم واسع وممنهج ضد السكان المدنيين في غزة».

كما أصدرت المحكمة أمر اعتقال لمحمد الضيف، القائد العسكري في «حماس»، الذي تقول إسرائيل إنها قتلته في غارة جوية في يوليو (تموز)، إلا أن «حماس» لم تؤكد أو تنف مقتله.

وتقول إسرائيل إن «حماس» هي المسؤولة عن كل ما يلحق بالمدنيين من أذى في غزة؛ لأن مقاتليها مندسّون بينهم، وهو ما تنفيه الحركة.

وندد سياسيون إسرائيليون من مختلف الأطياف السياسية بأمري الاعتقال، ورأوا أنهما صدرا بناء على تحيز، واستناداً إلى أدلة كاذبة. وتقول إسرائيل إن المحكمة ليست مختصة بنظر قضايا الحرب. وأشادت «حماس» بأمري الاعتقال بوصفهما خطوة مبدئية صوب تحقيق العدالة.

وتعثّرت جهود الوسيطين، مصر وقطر، بدعم من الولايات المتحدة للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار. وتريد «حماس» التوصل إلى اتفاق ينهي الحرب، في حين تعهد نتنياهو بأن الحرب لن تنتهي إلا بعد القضاء على «حماس».