الإيرانيون يصوتون لبرلمان «غير مؤثر»... وتكتُّم على نسبة المشاركة

مؤشر المقاطعة وغياب المنافسة مع الإصلاحيين يحسمان النتائج قبل إعلانها

إيرانيات يدلين بأصواتهن في مركز اقتراع جنوبي طهران الجمعة (أ.ف.ب)
إيرانيات يدلين بأصواتهن في مركز اقتراع جنوبي طهران الجمعة (أ.ف.ب)
TT

الإيرانيون يصوتون لبرلمان «غير مؤثر»... وتكتُّم على نسبة المشاركة

إيرانيات يدلين بأصواتهن في مركز اقتراع جنوبي طهران الجمعة (أ.ف.ب)
إيرانيات يدلين بأصواتهن في مركز اقتراع جنوبي طهران الجمعة (أ.ف.ب)

بانتخابات لن تؤثر نتيجتها في السياسة الخارجية ولا الخلاف مع الغرب حول البرنامج النووي، أدلى الإيرانيون، الجمعة، بأصواتهم لاختيار برلمان جديد، محدود الصلاحيات.

ورأى كثيرون أن هذه الانتخابات أول اختبار صريح لشعبية المؤسسة الدينية في إيران، بعد احتجاجات حاشدة هزّت البلاد، قبل عام ونصف العام، إثر وفاة الشابة مهسا أميني في أثناء احتجازها لدى شرطة الأخلاق.

وقالت وكالة «تسنيم» التابعة لـ«الحرس الثوري»، إن مراكز الاقتراع، فتحت أبوابها صباح الجمعة، أمام الناخبين في انتخابات الدورة الثانية عشرة للبرلمان، وبالتزامن لاختيار «مجلس قيادة الخبراء» الذي يشرف على عمل المرشد الإيراني.

خامنئي يدلي بصوته في الانتخابات البرلمانية الإيرانية الجمعة (أ.ف.ب)

«واجب ديني»

كان خامنئي، الذي وصف المشاركة في الانتخابات بأنها «واجب ديني»، أول مَن أدلى بصوته في إيران، وتبعه مسؤولون في الحكومة، كرروا عباراته لتشجيع الإيرانيين على التصويت.

وقال خامنئي: «أدلوا بأصواتكم في أسرع وقت ممكن... عيون أصدقاء إيران ومن يتمنون لها السوء على نتائج (الانتخابات). أسعدوا الأصدقاء وخيِّبوا آمال الأعداء».

وقال رئيس السلطة القضائية، غلام حسين محسني إيجه إي: «التصويت يُسعد الناس، ويُحزن العدو والشيطان»، في حين قال محمد عارف، عضو «مجلس تشخيص النظام»، المقرب من «جبهة الإصلاح»: «نحمد الله أن جعل أعداءنا من الحمقى».

وأدلى الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي بصوته في لجنة الانتخابات التابعة لوزارة الداخلية. ووصف الانتخابات بـ«الاحتفال الوطني» وعدّها «رمزاً للتلاحم والوحدة الوطنية».

وقال رئيسي: «الفرق بين الانتخابات في بلدنا والأنظمة السياسية الأخرى هو أن الشخص الذي يقدم نفسه والشخص الذي يصوّت، كلاهما يتصرف على أساس الواجب».

ورأى مسؤول عمليات «الحرس الثوري» الخارجية إسماعيل قاآني، أن المشاركة الحماسية في الانتخابات تضمن الأمن، وهي «بمثابة القتال في معركة يحاول الأعداء تثبيط العزيمة» فيها.

وشهدت الانتخابات البرلمانية لعام 2022 تراجعاً غير مسبوق في الإقبال عند 42.5 في المائة، فيما وصل في انتخابات 2016 لنحو 62 في المائة.

ويتنافس أكثر من 15 ألف مرشح على مقعد في البرلمان، المؤلَّف من 290 عضواً، الذي يبدأ مهامه لـ4 سنوات في أبريل (نيسان) المقبل.

ناخبة إيرانية بعد مشاركتها في الانتخابات البرلمانية بمركز اقتراع وسط طهران سمحت السلطات لوسائل إعلام بالوصول إليه (أ.ف.ب)

نسبة المشاركة الفعلية

ومن الصعب التحقق من نسبة المشاركة الفعلية، في غياب مراكز رصد واستطلاع مستقلة، في حين تتلقى وسائل الإعلام معلوماتها من قنوات إيرانية رسمية.

وكان من المقرر أن تغلق صناديق الاقتراع في الساعة 6 مساءً، الجمعة، بالتوقيت المحلي (15:00 بتوقيت غرينتش)، لكنَّ السلطات مدّت الوقت أكثر، في إشارة قد تعني تراجع نسبة المشاركة.

ويحتاج النظام في إيران إلى إقبال كبير على التصويت لـ«ترسيخ شرعيته التي اهتزت بعد الاحتجاجات التي عمّت البلاد»، على ما يشير تقرير لوكالة «رويترز».

ونقلت وكالة «مهر» الحكومية أن لجنة الانتخابات «اطَّلعت على تقارير واردة من الدوائر الانتخابية في جميع أنحاء البلاد بشأن الحضور الكبير في مراكز الاقتراع».

وقال هادي طحان نظيف، المتحدث باسم مجلس صيانة الدستور، الهيئة المشرفة على الانتخابات، إن «بعض مراكز الاقتراع تشهد ازدحاماً».

وفي منتصف النهار، ادّعى إمام صلاة الجمعة في طهران هذا الأسبوع، محمد حسن أبو ترابي فرد، أن الانتخابات «شهدت زيادة في مستوى المشاركة». وأضاف: «التنفيذ الدقيق للدستور من أسباب ارتفاع نسبة المشاركة».

إيرانيون يستقلون دراجات نارية خلال اليوم الأخير من الحملة الانتخابية في طهران الأربعاء (رويترز)

روايات

وخلافاً للراوية الحكومية، ذكرت وسائل إعلام فارسية تبث من الخارج، أن نسبة المشاركة منخفضة في أغلب مراكز الاقتراع البالغ عددها 59 ألفاً في أنحاء البلاد.

وكتب رئيس البرلمان المنتهية ولايته، محمد باقر قاليباف، على منصة «إكس»: «أدعو جميع الذين وثقوا بي وصوّتوا لي (...) إلى زيادة مشاركتهم، والاتصال بأي أحد من أصدقائهم أو معارفهم في الوقت الحالي وإقناعهم بالمشاركة في الانتخابات»، وقال: «ليس المهم الفوز في الانتخابات فحسب، بل إن زيادة المشاركة تمثل أولوية».

وتوقع خبراء أن تصل نسبة الامتناع عن التصويت إلى أعلى مستوى لها منذ قيام الجمهورية الإسلامية قبل 45 عاماً.

وعشية الانتخابات، ذكرت مؤسسة «إيسبا» الحكومية لاستطلاعات الرأي أن 38.8 في المائة من 61 مليون إيراني يحق لهم التصويت، سيشاركون في الانتخابات، مشيرةً في الوقت نفسه إلى أن نسبة المشاركة في طهران يُتوقع أن تبلغ 23.5 في المائة فقط من نسبة الناخبين البالغ عددهم 10 ملايين و30 ألف شخص.

جاء الإعلان بعد ساعات من تقرير نشرته وكالة «أسوشييتد برس» وأشار إلى تكتم السلطات على استطلاعات الرأي التي تُجريها مراكز حكومية حول نسبة المشاركة المتوقعة، بما في ذلك مركز «إيسبا» الحكومي.

وفي وقت سابق من هذا الأسبوع، قال النائب السابق محمود صادقي إن نسبة المشاركة في طهران ستتراوح بين 6 و9 في المائة.

وأظهرت نتائج استطلاع رأي، أجراه التلفزيون الحكومي الإيراني، أن أكثر من نصف الإيرانيين لا يبالون بالاقتراع، حسبما ذكرت وكالة الصحافة الفرنسية.

وحسب وكالة «تسنيم» التابعة لـ«الحرس الثوري»، أظهر استطلاع التلفزيون الحكومي مشاركة 43 في المائة.

وكان موقع «خبر أونلاين» المقرب من رئيس البرلمان السابق علي لاريجاني، قد نشر نتائج استطلاع رأي الشهر الماضي، يتحدث عن مشاركة 30 في المائة من الإيرانيين.

وفي بداية يناير (كانون الثاني) الماضي، قال الصحافي المحافظ محمد مهاجري لموقع «جماران» الإخباري إن نتائج استطلاعات الرأي لا تُظهر وضعاً جيداً على صعيد نسبة المشاركة.

وذكرت تقارير غير رسمية أن المشاركة كانت متدنية، في وقت قال رئيس لجنة الانتخابات التابعة لوزارة الداخلية، محمد تقي شاهجراغي، إن «الإحصائيات المتوفرة لدينا من جميع أنحاء البلاد وإن مشاركة الشعب كانت أكثر حماسة وفاعلية مقارنةً بالفترات السابقة».

إيرانيتان في مركز اقتراع بطهران قبل الإدلاء بصوتيهما الجمعة (أ.ف.ب)

وصف ميداني

وركزت كاميرات المراقبة لمراسلي القنوات الأجنبية والمحلية على داوئر محددة في طهران، وأظهرت فيديوهات وصور على شبكات التواصل الاجتماعي من مختلف المحافظات، مراكز اقتراع شبه فارغة من الناخبين.

ونشرت مواطنة إيرانية مقطع فيديو على منصة «إكس»، يُظهر موسيقى صاخبة تعزف في إحدى الدوائر الانتخابية بطهران، وعلّقت: «لقد أقاموا الكرنفال، لكن لا أحد موجود ليحتفل».

ووصف موقع «إنصاف نيوز» الإصلاحي الساعات الأولى من الانتخابات في طهران بـ«الباردة والمتخبطة». وأشار إلى أن مسار الاقتراع في الأحياء الجنوبية لطهران يرجّح كفة مرشحي التيار المحافظ. ولفت الموقع إلى أن متوسط أعمار المشاركين من كبار السن، موضحاً أن نسبة مشاركة الرجال أعلى من نسبة مشاركة النساء.

ونشر نشطاء إيرانيون وسوماً على وسائل التواصل الاجتماعي تحثّ على عدم المشاركة في الانتخابات بحجة أن نسبة المشاركة العالية ستُضفي شرعية على النظام، في حين أوردت وسائل إعلام معارضة تقارير عن إغلاق منصات رقمية كانت تحثّ الناخبين على المقاطعة.

وتكتَّمت السلطات على استطلاعات الرأي التي تُجريها مراكز حكومية حول نسبة المشاركة المتوقعة، بما في ذلك مركز «إيسبا» الحكومي، وفق ما نقلت وكالة «أسوشييتد برس».

وشهدت الانتخابات الحالية حملة فاترة. وعزا مسؤولون إيرانيون ذلك إلى إطلاق قنوات تلفزيونية لترويج الحملات الانتخابية ونشاط المرشحين على شبكات التواصل الاجتماعي.

تشكيك أميركي

ولم يتوقع المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية، ماثيو ميلر، أن تكون الانتخابات في إيران حرة ونزيهة على الإطلاق.

وأضاف، في تصريح للصحافيين: «استُبعد آلاف المرشحين للانتخابات في عملية مشبوهة». وشدد على أن «العالم يعرف أن النظام الإداري والقضائي والانتخابي في النظام السياسي الإيراني غير ديمقراطي وغير شفاف».

من جانبه، قال المبعوث الأميركي الخاص بإيران، إبرام بالي، إن النظام في هذا البلد يسعى إلى استخدام الانتخابات واجهةً للديمقراطية.

وأضاف بالي، في منشور على منصة «إكس»، أن الشعب الإيراني يعلم جيداً أن «الاقتراع غير تمثيلي، مهما كانت نتائجه».

وستظهر النتائج الأولية للانتخابات في الدوائر الانتخابية الصغيرة خلال الساعات الأولى من فجر السبت، ومن المتوقع أن تكتمل النتائج النهائية، ونسب المشاركة في عموم البلاد، لا سيما العاصمة طهران، مع حلول الثلاثاء المقبل.

وفي ظل غياب المنافسين الإصلاحيين، تبدو النتائج شبه محسومة من الآن لصالح التيار المحافظ المتشدد الراعي لحكومة إبراهيم رئيسي.


مقالات ذات صلة

طهران: ادعاء تدخلنا في الشؤون الداخلية لسوريا مردود

شؤون إقليمية صورة منشورة على موقع الخارجية الإيرانية من المتحدث باسمها اسماعيل بقائي

طهران: ادعاء تدخلنا في الشؤون الداخلية لسوريا مردود

قال القيادي في «الحرس الثوري» محسن رضائي، إن «الشباب والشعب السوري سيحيون المقاومة في هذا البلد بشكل آخر في أقل من عام»

«الشرق الأوسط» (لندن - طهران)
شؤون إقليمية تجربة صاروخ «قدر» الباليستي في فبراير 2016 (أرشيفية - مهر)

إيران تُعِد لمناورات واسعة لـ«ردع تهديدات» إسرائيل

أعلن مسؤول عسكري كبير في إيران تنظيم مناورات عسكرية واسعة، براً وجواً وبحراً، تأخذ طابعاً هجومياً دفاعياً، خلال الأيام المقبلة، بهدف «ردع تهديدات الأعداء».

«الشرق الأوسط» (لندن - طهران)
شؤون إقليمية ملصقات ممزقة لحسن نصر الله وقاسم سليماني على جدار السفارة الإيرانية في سوريا (رويترز) play-circle 02:17

طهران: إعادة فتح سفارتنا تعتمد على «سلوك» حكام سوريا

قالت المتحدثة باسم الحكومة الإيرانية، فاطمة مهاجراني، إن طهران «ستتخذ قرارها بشأن إعادة فتح سفارتها لدى دمشق بناء على سلوك وأداء حكام سوريا».

«الشرق الأوسط» (لندن - طهران : )
شؤون إقليمية تجربة صاروخ «قدر» الباليستي في فبراير 2016 (أرشيفية - مهر)

إيران تستعد لمناورات «ضخمة» وسط التوتر مع إسرائيل

أعلنت هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة الإيرانية عن تنظيم مناورات عسكرية شاملة «هجومية - دفاعية»، بهدف التصدي لـ«التهديدات» المحتملة بما في ذلك إسرائيل.

«الشرق الأوسط» (لندن - طهران)
خاص امرأة إيرانية تمشي أمام لوحة جدارية على حائط السفارة الأميركية السابقة في طهران (أ.ف.ب)

خاص إيران في ربع قرن... صراع «الثورة» والدولة

مع انقضاء ربع قرن من الألفية الثالثة، تبلغ «الثورة الإسلامية» في إيران منتصف عقدها الرابع بأسئلة عن الصراع بين الآيديولوجية والمصالح في عالم متغير.

عادل السالمي (لندن)

الجيش الإسرائيلي يعترض صاروخا بالستيا أطلق من اليمن تجاه تل أبيب

صورة وزّعها الحوثيون لحظة إطلاق صاروخ باليستي باتجاه إسرائيل (أرشيفية - رويترز)
صورة وزّعها الحوثيون لحظة إطلاق صاروخ باليستي باتجاه إسرائيل (أرشيفية - رويترز)
TT

الجيش الإسرائيلي يعترض صاروخا بالستيا أطلق من اليمن تجاه تل أبيب

صورة وزّعها الحوثيون لحظة إطلاق صاروخ باليستي باتجاه إسرائيل (أرشيفية - رويترز)
صورة وزّعها الحوثيون لحظة إطلاق صاروخ باليستي باتجاه إسرائيل (أرشيفية - رويترز)

أعلن الجيش الإسرائيلي، فجر اليوم الجمعة، اعتراض صاروخ بالستي أطلق من اليمن قبل دخوله إلى وسط البلاد.

وأفاد الإسعاف الإسرائيلي عن إصابة 18 شخصا خلال التدافع وهم في طريقهم إلى المنطقة المحمية، فيما ذكرت يديعوت أحرونوت أن هبوط الطائرات إلى مطار بن غوريون توقف أثناء تفعيل صفارات الإنذار.

وكانت الجبهة الداخلية الإسرائيلية قالت إن صفارات الإنذار دوت في عشرات المناطق وسط إسرائيل إثر رصد إطلاق صاروخ من اليمن.