حب الذات... نرجسية أم سخافة أم رأفة؟

كيف نميز بين حب الذات والأنانية (إكس)
كيف نميز بين حب الذات والأنانية (إكس)
TT

حب الذات... نرجسية أم سخافة أم رأفة؟

كيف نميز بين حب الذات والأنانية (إكس)
كيف نميز بين حب الذات والأنانية (إكس)

يقول عالم نفسٍ سويسري ومؤسس علم النفس التحليلي كارل يونغ: «أنْ تحب ما أنت عليه؛ الشيء الذي هو نفسك، هو تماماً كما لو كنت تحتضن حديداً متوهجاً».

ويؤكد خبراء علم النفس أن حب الذات ليس التصرف بأنانية، بل هناك خيط رفيع بين الأشكال الصحية والمناسبة لحب الذات، والأشكال الخبيثة أو النرجسية.

لكن كيف نميز بينهما؟

وفق موقع «ذا كونفرسايشن»، فإنه في عام 2023، أجرى الباحثان إيفا هينشكي وبيتر سيدلماير سلسلة من المقابلات مع معالجين نفسيين وخبراء آخرين حول معنى حب الذات. وخلصوا إلى أن لحب الذات 3 سمات رئيسية: الرعاية الذاتية، وقبول الذات، والاتصال بالذات (تكريس الاهتمام لنفسك).

ولكن؛ هل نحن اليوم نكرس بالفعل كثيراً من الاهتمام لأنفسنا؟

الفلسفة وحب الذات

وفق الباحثة في علم النفس لي مينغ شيويه وزملائها، الذين يستكشفون فكرة حب الذات في الثقافة الصينية، فإن الفلاسفة الغربيين يعتقدون أن« حب الذات فضيلة».

يقول الفيلسوف رازفان إيوان، في الفلسفة الأوروبية، إن حب الذات يُدان بوصفه سمة ضارة للغاية.

من ناحية أخرى، اعترف كثير من الفلاسفة العظماء، الذين حاولوا فهم تعليمات حب الجار كأنفسهم، بأن بعض أشكال حب الذات كانت فاضلة. لكي تحب جارك كنفسك؛ فيجب أن تحب نفسك في البداية.

في السياق الفلسفي الغربي، وفقاً لشيويه وزملائها، فإن حب الذات يهتم بالحقوق الفردية، أي إن «المجتمع بشكل كلي لا يؤدي إلا إلى تعزيز سعادة الفرد».

يشيرون إلى أن هذه الفكرة الفردية الأنانية عن حب الذات قد تأتي من الفلاسفة اليونانيين القدامى، وعلى وجه الخصوص أرسطو.

لكن أرسطو عدّ أن الأشخاص الأكثر فضيلة هم الذين أفادوا المجتمع من حولهم، وهم الذين يجب أن يحبوا أنفسهم. ومن خلال إقامة هذا الارتباط، تجنب مساواة حب الذات بالتمركز حول الذات. وقال إنه يجب علينا أن نحب أنفسنا ليس من باب الغرور، بل بفضل قدرتنا على فعل الخير.

فهل قدم أرسطو إذن أسساً مبدئية للتمييز بين الأشكال الصحيحة وغير المناسبة لحب الذات؟

معايير مرتفعة جداً

قد يضع أرسطو المعيار عالياً جداً. إذا حصر حب الذات في الأشخاص الأكثر فضيلة فقط، فإن هذا يتعارض بشكل مباشر مع فكرة أن حب الذات يمكن أن يساعدنا على التحسن أو التقدم؛ كما جادل الفيلسوفان كيت أبرامسون وآدم لايت.

ووفق كثير من علماء النفس، فإن حب الذات مهم لتبني التصور الذاتي اللطيف والرحيم الضروري للتغلب على الظروف التي تستخدم النقد الذاتي سلاحاً، مثل السعي للكمال واضطرابات الأكل.

على نطاق أوسع، يرى بعض الخبراء أن التعاطف مع الذات ضروري لدعم الرؤى الصادقة حول سلوكك. إنهم يعتقدون أننا بحاجة إلى تأمل ذاتي دافئ ورحيم لتجنب الموقف الدفاعي الذي يأتي مع الخوف من الحكم، حتى لو كنا نحكم على أنفسنا.

لهذا السبب؛ غالباً ما يكون الشكل الرحيم من حب الذات ضرورياً لاتباع نصيحة سقراط «بمعرفة نفسك»؛ كما يقول الفيلسوف جان برانسن. إن حب الذات الإيجابي، من خلال هذه الأضواء، يمكن أن يساعدنا على النمو بصفتنا أشخاصاً.

حب الذات «سخيف»

لكن لا يتفق الجميع على أنك تحتاج إلى حب الذات لتنمو. كان الفيلسوف الراحل أوزوالد هانفلينج متشككاً بشدة في هذه الفكرة. في الواقع، قال إن فكرة حب الذات كانت مضللة وسخيفة. يتم رفض أفكاره في الغالب من قبل فلاسفة الحب، لكن الإشارة إلى الأخطاء التي تشوبها يمكن أن تكون مفيدة.

وقال إنه عندما تحب شخصاً ما، فأنت على استعداد للتضحية بمصالحك الخاصة من أجل مصالح من تحب. لكنه كان يعتقد أن فكرة التضحية بمصالحك الخاصة ليس لها أي معنى، وخلص إلى أننا لا نستطيع أن نحب أنفسنا.

الرأفة بالذات

إن حب الذات؛ كما يروج له علماء النفس المعاصرون، يعني الوقوف في علاقة رحيمة مع أنفسنا. وليس هناك أي تناقض في هذه الفكرة.

مثلما نسعى جاهدين لتطوير علاقة داعمة ولطيفة مع الأشخاص الذين نهتم بهم - وكما لا يتضمن هذا موافقة غير نقدية على كل ما يفعلونه - فإن حب الذات الرحيم لا يعني التخلي عن النقد الذاتي الصحيح.

في الواقع؛ التعاطف مع الذات له تأثير معاكس... إنه يعزز الراحة مع هذا النوع من التقييم الذاتي النقدي الذي يساعدنا على النمو؛ مما يؤدي إلى المرونة. إنه يولد عكس الاستغراق في الذات النرجسية.


مقالات ذات صلة

«الإرهاق الأبوي»... خطر يهدد الوالدين والأطفال... ما أسبابه؟

يوميات الشرق يعد «الإرهاق الأبوي» مهماً لأنه لا يؤثر سلباً على الوالدين فقط ولكن على الأطفال أيضاً (أرشيفية - أ.ف.ب)

«الإرهاق الأبوي»... خطر يهدد الوالدين والأطفال... ما أسبابه؟

في عام 2015، قدم علم النفس مفهوم «إرهاق الوالدين» أو «الإرهاق الأبوي». وانتشر هذا المفهوم بسرعة، ولاقى صدى واضحاً لدى الآباء في جميع أنحاء العالم.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
يوميات الشرق هناك حالات يمكن ألا يكون فيها الودّ أمراً مرحباً به (أرشيفية)

4 حالات يكون التعامل فيها بـ«ودّ» زائد «أمراً سلبياً»

كون «الود» سمة بارزة في شخصيتك يحمل دلالات إيجابية للغاية. لكنّ هناك حالات خاصة جداً يمكن ألا يكون فيها الودّ أمراً مرحباً به، حتى إنه قد يكون أمراً مستهجناً.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
يوميات الشرق 5 ثوانٍ قد تنقذ زواجك (أرشيفية - رويترز)

5 ثوانٍ قد تنقذ زواجك

أظهرت دراسة حديثة أن التوقف لمدة 5 ثوانٍ فقط يمكن أن يكون مفتاحاً لتخفيف حدة الخلافات بين الأزواج، ومنع تصاعدها إلى مشاجرات أكبر.

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق كلما كان الرضا مرتبطاً بالشخصية قلّ تفاعلها مع تجارب الحياة (جامعة إدنبره)

السعادة ترتبط بسماتنا الشخصية أكثر من تجاربنا الحياتية

ناقشت دراسة إلى أي مدى تعكس مشاعر السعادة والرضا من نحن، وإلى أي مدى ترتبط بسماتنا الشخصية، وليس تجاربنا الحياتية.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
يوميات الشرق الرؤساء السامّون يفلتون من فظائعهم... بأدائهم العالي

الرؤساء السامّون يفلتون من فظائعهم... بأدائهم العالي

ما الخط الفاصل بين ما يعدّه الناس رئيساً مسيئاً، وبين الشخص الذي يطبق ببساطة «الحب القاسي»؟

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

السينما المصرية تقتنص 3 جوائز في «أيام قرطاج»

المخرج شريف البنداري يتسلم جائزة «التانيت الفضي» لأفضل فيلم قصير (إدارة المهرجان)
المخرج شريف البنداري يتسلم جائزة «التانيت الفضي» لأفضل فيلم قصير (إدارة المهرجان)
TT

السينما المصرية تقتنص 3 جوائز في «أيام قرطاج»

المخرج شريف البنداري يتسلم جائزة «التانيت الفضي» لأفضل فيلم قصير (إدارة المهرجان)
المخرج شريف البنداري يتسلم جائزة «التانيت الفضي» لأفضل فيلم قصير (إدارة المهرجان)

فازت السينما المصرية بـ3 جوائز في ختام الدورة الـ35 لـ«أيام قرطاج السينمائية»، التي أقيمت مساء السبت على مسرح الأوبرا بتونس، إذ حصل الفيلم المصري القصير «أحلى من الأرض» للمخرج شريف البنداري على جائزة «التانيت الفضي» لأفضل فيلم قصير، وحاز مدير التصوير مصطفى الكاشف على جائزة أفضل تصوير عن الفيلم الصومالي «القرية المجاورة للجنة»، فيما فاز المؤلف الموسيقي هاني عادل بجائزة أفضل موسيقى تصويرية عن الفيلم اللبناني «أرزة»، ومنحت لجنة تحكيم الأفلام الطويلة التي ترأسها المخرج الفلسطيني هاني أبو أسعد تنويهاً خاصاً لفيلم «البحث عن منفذ لخروج السيد رامبو» من إخراج خالد منصور.

يتناول الفيلم القصير «أحلى من الأرض» عالم الفتيات المغتربات من خلال قصة طالبة جامعية تقيم بدار للمغتربات بالقاهرة، وفي أحد الأيام تقدم شكوى ضد زميلتها المقيمة معها بالغرفة، ما يؤدي إلى تصاعد الأحداث على نحو غير متوقع؛ والفيلم من بطولة سارة شديد، وحنين سعيد، ونسمة البهي، وأحمد إسماعيل.

وحاز مدير التصوير الشاب مصطفى الكاشف - نجل المخرج الراحل رضوان الكاشف - على جائزة أفضل تصوير عن الفيلم الصومالي «القرية المجاورة للجنة»، وكان الفيلم قد شهد عرضه الأول بقسم «نظرة ما» في مهرجان «كان» خلال دورته الـ77، وهو من إخراج الصومالي محمد الهراوي.

وكان مصطفى الكاشف قد وصف العمل في هذا الفيلم بأنه من أكثر الأفلام صعوبة في تصويرها، وذكر في تصريحات سابقة لـ«الشرق الأوسط» أنه قضى 4 أشهر بالصومال، وكانت معظم المشاهد تصور خارجياً في درجات حرارة مرتفعة للغاية، كما اخترقت الرمال الكثيفة معدات التصوير، وتم إصلاحها عدة مرات، مؤكداً أنه تحمس للفيلم لشغفه بالتجارب الفنية المختلفة.

وتُعد جائزة «أفضل موسيقى» التي حازها الفنان والمؤلف الموسيقي هاني عادل عن الفيلم اللبناني «أرزة» هي ثالث جائزة يحصل عليها الفيلم، بعد أن فاز بجائزتي «أفضل ممثلة» و«أفضل سيناريو» في مسابقة «آفاق السينما العربية» بمهرجان القاهرة السينمائي في دورته الـ45.

دياموند بو عبود تحمل جائزة زوجها المؤلف الموسيقي هاني عادل (إدارة المهرجان)

وصعدت بطلته الفنانة اللبنانية «دياموند بو عبود» على المسرح لتسلم جائزة زوجها الفنان هاني عادل، معبرة عن سعادتها بها لأنه بذل جهداً كبيراً بالفيلم، وسعادتها بالنجاح الذي حققه الفيلم في المهرجانات التي شارك بها.

وبعد مشاركته بمسابقة الأفلام الطويلة بمهرجان البحر الأحمر السينمائي خلال دورته الرابعة وفوزه بجائزة لجنة التحكيم، حصل فيلم «البحث عن منفذ لخروج السيد رامبو» على تنويه خاص من لجنة تحكيم قرطاج، وكان الفيلم قد حظي بإقبال كبير عند عرضه بكل من «البحر الأحمر» وقرطاج، ونفدت تذاكره بمجرد طرحها، وهو من بطولة عصام عمر، وركين سعد، وأحمد بهاء، وسماء إبراهيم.

المخرج خالد منصور يتسلم التنويه الخاص (إدارة المهرجان)

ويُعد «البحث عن منفذ لخروج السيد رامبو» أول الأفلام الطويلة لمخرجه خالد منصور، الذي شارك في كتابته مع السيناريست محمد الحسيني، ومن إنتاج محمد حفظي، والناقدة رشا حسني في أول أعمالها بصفتها منتجة، وكان قد شهد عرضه الأول بمهرجان فينيسيا السينمائي، وتدور أحداث الفيلم من خلال حسن، الشاب الثلاثيني الذي يخوض رحلة لإنقاذ كلبه بعدما تورط في حادث خطير، ويواجه تهديدات تمس حياة الكلب صديقه الوحيد.

وعَدّ الناقد طارق الشناوي ما حققته الأفلام المصرية في «أيام قرطاج السينمائية» بأنها جوائز مستحقة، مؤكداً في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» أن موسيقى فيلم «أرزة» التي قدمها هاني عادل تستحق الجائزة لبراعتها في التعبير عن المواقف الدرامية بالفيلم، كما رأى أن مدير التصوير مصطفى الكاشف بات مطلوباً في أفلام عالمية، لافتاً إلى أنه يستحق تكريماً؛ كونه مدير تصوير شاباً لكننا لم نمنحه ما يستحق في ظل تحقيقه نجاحاً عالمياً.

ويلفت الناقد المصري، الذي حضر «أيام قرطاج»، إلى أن الفيلم الروائي القصير «أحلى من الأرض» للمخرج شريف البنداري الذي فاز بجائزة «التانيت الفضي» قد رفضت الرقابة في مصر التصريح بعرضه في الدورة الماضية من مهرجان «الجونة»، ويصف ذلك بـ«(الأمر الغريب)؛ إذ يُفترض أن يكون هامش الحرية في الأفلام القصيرة أكبر».

لقطة من الفيلم القصير «أحلى من الأرض» المُتوج بـ«التانيت الفضي» (إدارة المهرجان)

ويشير الشناوي إلى ملمح رصده بالمهرجانات الدولية يتمثل في تطابق جوائز الأفلام الطويلة بنسبة 90 في المائة بين مهرجاني «البحر الأحمر» وقرطاج؛ فقد تطابقت جائزتا «التانيت الذهبي» مع «اليسر الذهبي» وحصل عليها الفيلم «الذراري الحُمر» نفسه، كما حاز الفيلم الفلسطيني «إلى أرض مجهولة» على جائزتي «اليسر الفضي» و«التانيت الفضي»، وفاز فيلم «البحث عن منفذ لخروج السيد رامبو» بجائزة لجنة التحكيم في مهرجان البحر الأحمر قبل حصوله على «تنويه في قرطاج»، مؤكداً أن ذلك يُعد شهادة للمهرجانين معاً، فهي تؤكد مصداقية جوائز البحر الأحمر، وانحياز لجنة تحكيم قرطاج برئاسة هاني أبو أسعد للأفضل حتى لو تطابقت نتائجه مع نتائج «البحر الأحمر».