تحذيرات جزائرية من «صناعة التوتر» على الحدود الجنوبية

في سياق تدهور العلاقة مع السلطة العسكرية في باماكو

الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون يقود اجتماعاً بحضور قادة الجيش وأجهزة الأمن (أرشيفية)
الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون يقود اجتماعاً بحضور قادة الجيش وأجهزة الأمن (أرشيفية)
TT

تحذيرات جزائرية من «صناعة التوتر» على الحدود الجنوبية

الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون يقود اجتماعاً بحضور قادة الجيش وأجهزة الأمن (أرشيفية)
الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون يقود اجتماعاً بحضور قادة الجيش وأجهزة الأمن (أرشيفية)

حذّر رئيس حزب جزائري مقرَب من الحكومة، مما سماه بـ«محاولات صناعة التوتر على حدودنا الجنوبية»، وعدّ أن بلاده «مؤهلة لملء الفراغ» الذي خلَفه انحسار النفوذ الفرنسي بالمنطقة.

وباتت مالي والنيجر، اللذان تربطهما حدود طويلة مع الجزائر في السنوات الأخيرة، ملاذاً لشبكات اتجار بالبشر والسلاح، وجماعات متشددة، وتجار مخدرات.

وأكد عبد القادر بن قرينة رئيس «حركة البناء الوطني»، في تجمع لأعضاء الحزب، مساء السبت، في تلمسان المحافظة الحدودية مع المغرب، أن البلاد ومنطقة المغرب العربي، «معرّضة لمؤامرة»، تبحث، بحسب قوله، عن «صناعة التوتر على حدودنا مع مالي والنيجر، وفي غرب ليبيا أيضاً». مهاجماً بشدة خليفة حفتر قائد «الجيش الوطني الليبي» الذي اتهمه بتنفيذ «أجندات تحارب الجزائر»، وفق تعبيره.

ولم يسم بن قرينة، الذي كان وزيراً للسياحة في منتصف تسعينات القرن الماضي، «الجهات» التي رأى أنها «تصنع التوتر» في الحدود الجنوبية للجزائر أو قال إن حفتر يرتبط بها. لكن علاقة الحكومة الجزائرية سيئة مع المشير الليبي، مند اندلاع الأزمة في الجارة الشرقية، بينما تقيم علاقات جيدة مع «حكومة الوحدة الوطنية».

وكان حفتر هدد الجزائر في عام 2021 بشن هجوم عليها، بذريعة «محاربة الإرهاب القادم من الحدود». ورد عليه، يومها، رئيس أركان الجيش الفريق أول سعيد شنقريحة خلال زيارة لمنطقة عسكرية حدودية مع ليبيا، آنذاك، بأن بلاده «لن تقبل أي تهديد أو وعيد، وسيكون ردها قاسياً وحاسماً على من يحاول المساس بأمنها وسلامة أراضيها».

ووفق بن قرينة، الذي ترشح لانتخابات الرئاسة في 2019، فإن «ما يحدث في مالي ينذر بتوسع التوترات، من البحر الأحمر إلى المحيط الأطلسي، مما سيدخل المنطقة العربية ودول الساحل في حالة من الاضطراب وانعدام الاستقرار». مشدداً على أن لـ«الجزائر دوراً كبيراً في منع هذا الانزلاق في أمتنا العربية، وجوارنا الأفريقي، وهو دور كبير وثقيل ولكنه ضروري وممكن». ويشار إلى أن حزب بن قرينة يشارك في حكومة الرئيس تبون عبر وزارتين: (التشغيل، والتكوين المهني).

وأكد تبون في تصريحات لوسائل الإعلام، في أبريل (نيسان) 2023، أن بلاده «أول ضحية للوضع غير المستقر في مالي»، وكان يشير إلى خطف 7 من دبلوماسييها (قتل اثنان منهم) في غاوو شمال البلاد عام 2012، وذلك على أيدي منظمة متشددة أطلقت على نفسها «جماعة التوحيد والجهاد».

وتدهورت العلاقات بين الجزائر والسلطة العسكرية في مالي، بشكل مفاجئ، إثر إعلان العقيد عاصيمي غويتا رئيس «السلطة الانتقالية» الشهر الماضي، إلغاء «اتفاق السلام والمصالحة» مع الانفصاليين في الداخل، الذي تم التوقيع عليه بالجزائر في 2014.

واحتج على «الأعمال العدائية التي تصدر عن الجزائر»، وعلى «تدخلها في شؤون مالي الداخلية»، وذلك بسبب استقبال الرئيس تبون، في تلك الفترة، قادة تنظيمات «أزواد» التي تسيطر على شمال البلاد، كما أنه استقبل الشيخ محمود ديكو، رجل الدين المعروف بموقفه المعارض للسلطة العسكرية.

وقبل أيام من هذا التطور اللافت في علاقة الجزائر بمالي، جمع تبون كبار المسؤولين في الجيش والمخابرات والشرطة، لبحث الأوضاع في مالي والساحل، واتهم «بلداً عربياً شقيقاً صدرت عنه تصرفات عدائية ضدنا بالمنطقة»، دون ذكر من هو.

كما أبدت الخارجية الجزائرية قلقاً كبيراً، بعد «الهجوم الذي شنته القيادة العسكرية في مالي، بمساعدة من ميليشيا (فاغنر) المدعومة من طرف موسكو، ضد مواقع المعارضة في الشمال، في شهر نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، واستيلائها على أهم مدنها القريبة من الحدود الجزائرية».


مقالات ذات صلة

الجزائر: تعديل حكومي واسع يبقي الوزراء السياديين

شمال افريقيا الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون (رويترز)

الجزائر: تعديل حكومي واسع يبقي الوزراء السياديين

أجرى الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، الاثنين، تعديلاً حكومياً احتفظ فيه وزراء الحقائب السيادية بمناصبهم، بعد أن كان الوزير الأول نذير عرباوي قدم استقالة…

«الشرق الأوسط» (الجزائر)
شمال افريقيا الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون (رويترز)

الجزائر: تعديل حكومي يُبقي على وزراء الحقائب السيادية والمقربين من تبون

ذكرت «وكالة الأنباء الجزائرية» أن رئيس الوزراء محمد النذير العرباوي قدّم، اليوم الاثنين، استقالة الحكومة إلى الرئيس عبد المجيد تبون.

«الشرق الأوسط» (الجزائر)
شمال افريقيا قائدا الجيشين الجزائري والموريتاني يوقعان على اتفاق استخباري بنواكشوط (وزارة الدفاع الجزائرية)

اتفاق استخباري بين الجزائر وموريتانيا لتعزيز أمن الحدود

الجزائر وموريتانيا توقعان على اتفاق تعاون وتنسيق في مجال الاستخبارات، توج مساراً طويلاً من التعاون وتبادل الخبرات.

«الشرق الأوسط» (الجزائر)
شمال افريقيا الرئيس الجزائري هاجم اليمين الفرنسي بسبب ضغوط لإلغاء اتفاق الهجرة (الرئاسة)

الجزائر تتهم «متطرفين» في فرنسا بـ«محاولة تزييف الذاكرة»

هاجم الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، «أوساطاً متطرفة (في فرنسا) تحاول تزييف ملف الذاكرة أو إحالته إلى رفوف النسيان»،

«الشرق الأوسط» (الجزائر)
شمال افريقيا من زيارة سابقة لرئيس أركان الجيش الموريتاني السابق إلى الجزائر مطلع 2021 (وزارة الدفاع الجزائرية)

الجزائر وموريتانيا تبحثان أمن الحدود والتغيرات السياسية بالمنطقة

يبحث رئيس أركان الجيش الجزائري، الفريق أول سعيد شنقريحة، اليوم الثلاثاء، في نواكشوط مع المسؤولين العسكريين الموريتانيين قضايا أمن الحدود والدفاع.

«الشرق الأوسط» (الجزائر)

رحيل الإخواني يوسف ندا يطرح تساؤلات عن مصير «أموال الجماعة»

يوسف ندا (متداولة على حسابات موالية للإخوان)
يوسف ندا (متداولة على حسابات موالية للإخوان)
TT

رحيل الإخواني يوسف ندا يطرح تساؤلات عن مصير «أموال الجماعة»

يوسف ندا (متداولة على حسابات موالية للإخوان)
يوسف ندا (متداولة على حسابات موالية للإخوان)

أثار رحيل القيادي في جماعة «الإخوان»، يوسف ندا، الأحد، تساؤلات حول مصير «أموال الجماعة»، ومدى تأثر «الإخوان» اقتصادياً بوفاته.

ووفق مراقبين، فإن «ندا يُعدّ مؤسس كيان الجماعة المالي». وأشاروا إلى أنه «منذ ستينات القرن الماضي أسس ندا عدة شركات اقتصادية كان لها دور بارز في تمويل أنشطة الجماعة».

يأتي هذا في وقتٍ أدرجت فيه مصر ندا على «قوائم الإرهاب» في منتصف ديسمبر (كانون الأول) الحالي، عقب إدانته بـ«تمويل جماعة إرهابية».

ويرى خبراء في مصر أن «رحيل ندا سيكون له تأثيرات مالية وتنظيمية على (الإخوان)»، ورجحوا أن «تُدار المنظومة المالية للجماعة التي كان يتولى ندا جزءاً كبيراً فيها، بالكوادر الثانية التي كانت تساعده في إدارة شبكة علاقات الجماعة في الخارج».

وتُصنِّف السلطات المصرية «الإخوان»، على أنها «جماعة إرهابية» منذ عام 2013، حيث يقبع معظم قيادات الجماعة، وفي مقدمتهم المرشد العام محمد بديع، داخل السجون المصرية في قضايا عنف وقتل وقعت بمصر بعد رحيل «الإخوان» عن السلطة في العام نفسه، في حين يقيم عناصر للجماعة خارج البلاد.

وأعلنت «الإخوان»، الأحد، رحيل يوسف ندا (المقيم خارج مصر) عن عُمر ناهز 94 عاماً. وندا، الذي وُلد في الإسكندرية (شمال مصر) عام 1931، شغل منصب رئيس مجلس إدارة «بنك التقوى» ومفوض العلاقات السياسية الدولية في الجماعة.

ووفق وسائل إعلام محلية، بدأ ندا نشاطه الاقتصادي لحساب «الإخوان» عام 1956 بعد الإفراج عنه في قضية محاولة اغتيال الرئيس المصري الأسبق جمال عبد الناصر، في الحادث الذي وقع في أكتوبر (تشرين الأول) 1954 بميدان المنشية في الإسكندرية.

ونقل ندا نشاطه المالي بعد ذلك إلى خارج مصر، حيث توجَّه إلى ليبيا، ومنها إلى النمسا عام 1960، وتوسع نشاطه حتى لُقب، في نهاية الستينات من القرن الماضي، بأنه (ملك الأسمنت في منطقة البحر المتوسط).

الخبير الأمني المصري، عضو مجلس الشيوخ (الغرفة الثانية للبرلمان)، اللواء فاروق المقرحي، يعتقد أنه «برحيل ندا قد تحدث أزمة اقتصادية ومالية داخل (الإخوان)»، وقال إنه «كان المسؤول المالي الأول في الجماعة، ورحيله سوف يسبب ارتباكاً بشأن إدارة الأنشطة الاقتصادية للجماعة، خصوصاً في الخارج».

وأوضح المقرحي، لـ«الشرق الأوسط»، أن «ندا كان يدير عدداً من الأنشطة الاقتصادية لحساب (الإخوان)، خصوصاً بعد تأسيسه بنك (التقوى) في جزر البهاما»، مشيراً إلى أن «هناك تساؤلات حول الشخص الذي يحل محل ندا في إدارة الأنشطة الاقتصادية، هل من بين أبنائه، أم من قيادات أخرى تابعة للإخوان في الخارج».

جانب من محاكمة سابقة لعناصر من «الإخوان» في مصر (أ.ف.ب)

وفي نوفمبر (تشرين الثاني) 2001، وجّه الرئيس الأميركي الأسبق جورج بوش، اتهاماً إلى ندا بـ«ضلوع شركاته في دعم الإرهاب وتمويل هجمات 11 سبتمبر (أيلول)»، وأدرجته الإدارة الأميركية ضمن «القائمة السوداء للداعمين للإرهاب»، قبل أن تقدم الحكومة السويسرية طلباً لمجلس الأمن في عام 2009 بشطب اسم ندا من «قائمة الداعمين للإرهاب».

وتصدّر رحيل ندا «الترند» على منصات التواصل، الأحد، حيث غردت عناصر مُوالية للجماعة ناعية الراحل، متحدثة عن «إسهاماته داخل الجماعة، خاصة المالية والتنظيمية».

وفي القاهرة، قال الإعلامي المصري، أحمد موسى، إن «ندا، مسؤول بيت المال لـ(الإخوان)، ومسؤول علاقاتهم الدولية والخارجية».

وأشار، عبر حسابه على «إكس»، الأحد، إلى أن «ندا لم يتأخر عن دعم الإخوان بأمواله، ويُعدّ أغنى قيادات الجماعة، وحرّض كثيراً من الدول على مصر»، لافتاً إلى «صدور حكم بحقّه في اتهامه بـ(تمويل الإخوان) قبل أن يجري العفو عنه وقت حكم الجماعة لمصر».

وكانت السلطات المصرية قد أحالت ندا، في عام 2008، إلى المحاكمة العسكرية بتهمة «تمويل الإرهاب»، وحُكم عليه (غيابياً) بالسجن 10 سنوات، قبل أن يصدر «الإخوان» قراراً بالعفو عنه في يوليو (تموز) 2012. والشهر الحالي، أدرجت محكمة مصرية ندا على «قوائم الإرهاب» لمدة خمس سنوات، ضمن 76 متهماً آخرين.

وأكد الخبير في الحركات الأصولية بمصر، عمرو عبد المنعم، أن «الجماعة سوف تتأثر مالياً برحيل ندا، خاصة أنه كان أحد مصادر دخْل الجماعة عبر شركاته ومشروعاته، كما أنه كان يتولى إدارة الشؤون المالية لـ(الإخوان)».

ويرجح أن يجري إسناد الشركات والكيانات الاقتصادية، التي كان يشرف يوسف ندا على إدارتها، إلى كوادر الجماعة التي كانت تساعده بالخارج، مثل محمود الإبياري، مشيراً إلى أن هناك «كيانات اقتصادية كان يشرف عليها ندا في أفريقيا ودول آسيوية وأوروبية، وكان يعتمد في إدارتها على كوادر للجماعة في الخارج».

ويرى عبد المنعم أن «غياب ندا سوف يؤثر تنظيمياً وحركياً أيضاً على الجماعة»، موضحاً، لـ«الشرق الأوسط»، أن «الجماعة أمام (انتقال جيلي) بتولّي أجيال جديدة إدارتها في الخارج، بدلاً من قيادات جيل الستينات والسبعينات».

ووفق رأي الخبير في شؤون الحركات الأصولية ماهر فرغلي، فإن «العلاقات الخارجية لـ(الإخوان) سوف تتأثر أكثر برحيل ندا»، وقال إن «التأثير الأكبر سيكون على نشاط الجماعة خارجياً»، مضيفاً، لـ«الشرق الأوسط»، أن «ندا كان يشرف على شبكة علاقات واسعة مع المراكز الإسلامية الأوروبية، وجمعيات حقوقية في الخارج، وشركات وكيانات اقتصادية».