تسود حالة من الهياج والاستنفار الشديد هذه الأيام؛ سواء على مستوى السلطات الرسمية العراقية أو على مستوى الجماعات المرتبطة بما يُسمَّى «محور المقاومة»، وهي حالة أفرزتها الضربات الأميركية الأخيرة التي أدَّت إلى مقتل 16 عنصراً وإصابة 36 من الفصائل المسلحة التي تعمل تحت مظلة «الحشد الشعبي»، وفي الوقت ذاته متهمة بشن أكثر من 165 هجمة صاروخية على القواعد والأماكن التي توجد فيها القوات الأميركية بالعراق وسوريا.
وكان آخرها الهجوم الذي تعرضت له قاعدة «البرج» في المثلث الحدودي العراقي - السوري - الأردني، وأسفر عن مصرع 3 جنود أميركيين وإصابة أكثر من 40 آخرين.
وفي مقابل حالة الاستنفار هذه تتعامل قطاعات شعبية واسعة بـ«برود ونوع من قلة اكتراث» بما يجري، ويفضل كثيرون متابعة أخبار بطولة كرة القدم الآسيوية الدائرة منافساتها في الدوحة، وذلك ناجم في جزء أساسي منه عن «تكرار وقوع أحداث من هذا النوع في الأشهر الأخيرة، وتبدو مفتَعَلة» بنظر أستاذ الفلسفة في الجامعة المستنصرية، ستار عواد.
ويقول عواد لـ«الشرق الأوسط»: «أعتقد أن الناس ملَّت من عملية تبادل الأدوار، ومن مقولات ما تُسمى بـ(قواعد الاشتباك). الفصائل تضرب، وواشنطن ترد».
ويضيف عواد أن «الطرفين يبدو كأنهما يفعلان ذلك باتفاق ضمني، دون أن يؤدي ذلك إلى نهاية مقنعة أو حسم كامل لكل هذا العبث، لذلك تبدو الناس غير مكترثة».
وحتى مع حالة الاستقطاب السياسي والعسكري الشديدة، تبدو الأمور بالنسبة لنهاية وشيكة لصراع من هذا النوع غير واضحة المعالم؛ إذ تنقسم القوى السياسية والفصائل الشيعية تحديداً حيال منهج المواجهة مع واشنطن إلى اتجاهات عديدة تصل إلى حد التنافر، بين جماعات تصرّ على المواجهة حتى إخراج آخر جندي أميركي من العراق، ويمثل هذا الاتجاه الفصائل الموالية لطهران، وأخرى ترفض ذلك، وثالثة تؤيده في العلن وتنتقد الهجمات الأميركية وتؤيدها سراً في إطار صراعها مع الفصائل المتشددة. وهناك رابعاً الموقف الرسمي الحكومي الذي يدرك مصاعب وخطورة انسحاب أميركي غاضب من البلاد.
ورغم التأكيدات المتلاحِقة التي تصدر عن كبار المسؤولين في العراق هذه الأيام، بشأن ضرورة انسحاب قوات التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة من العراق، ورغم قرار سابق للبرلمان يقضي بخروجها، فإن ترجيحات المراقبين تستبعد ذلك، خصوصاً مع حالة «التذمر» من أفعال الفصائل المسلحة التي يُعتقد أنها تتعمد «الاستثمار» في الرد العسكري الأميركي، في مسعى للتخلص من وجوده في العراق.
وتعتقد مصادر من داخل قوى «الإطار التنسيقي» أن «هجمات أميركية جديدة في العراق ستعقِّد الأمور إلى أقصى درجة، وقد تصعِّد من زخم المطالَبات بجلاء القوات الأميركية من العراق».
واستبعد المحلل والدبلوماسي السابق الدكتور غازي فيصل «استمرار حالة الصراع بين الفصائل المسلحة وواشنطن».
ويقول فيصل في حديث لـ«الشرق الأوسط» إن «المتغيرات الأخيرة مرتبطة أساساً باستراتيجية واشنطن وطبيعة موقفها من الكتائب المسلحة المتحالفة مع (الحرس الثوري) الإيراني».
ويُتوقع أن «تواصل واشنطن هجماتها على الفصائل، والصراع سيستمر، ما دامت الفصائل تتمسك باستراتيجية المواجهة مع واشنطن ومصالحها في المنطقة عموماً».
ويرى فيصل أنه إذا ما استمرت وتصاعدت الأعمال العسكرية «فستجد جميع بلدان المنطقة نفسها في مواجهات عسكرية مستمرة، قبل أن تتمكن الولايات المتحدة الأميركية من وضع حد لتغوُّل هذه الجماعات وبناء سلام حقيقي في منطقة الشرق الأوسط».
ويرى الباحث والمحلل يحيى الكبيسي أن «العراق سيبقى فاقداً للبوصلة المتعلقة بمصالح الشعب والدولة بشكل عام، وسيبقى رهينة لمواقف الفاعل الإقليمي (إيران)، ولردود الفاعل الدولي (الولايات المتحدة)، ولمصالحهما المتغيرة».
ويقول لـ«الشرق الأوسط» إن «إيران في الوقت الحالي ليست مع فكرة خروج القوات الأميركية من العراق لأسباب براغماتية؛ فهي تعلم يقيناً أن خروجاً كهذا قد تستتبعه عقوبات على العراق تكون إيران المتضرر الأكبر منها».
وبحسب الكبيسي، فإن «هذا يفسر عدم وجود إرادة حقيقية لدى حلفاء إيران في العراق، ووكلائها، وأدواتها، بإخراج القوات الأميركية. طهران تستخدم هذا الشعار في سياق لعبة جر الحبل بينها وبين الولايات المتحدة على الأرض العراقية للضغط على الأخيرة في الملفات العالقة بينهما».
ولا يتوقع الكاتب والمحلل السياسي نزار حيدر نهاية وشيكة لمسلسل صراع الفصائل مع واشنطن، لكنه يتوقع «استمرار واشنطن في عملياتها العسكرية ضد الفصائل لحين شل قدراتها على تنفيذ هجمات مضادة ضد قواتها».
ويرى حيدر في حديث لـ«الشرق الأوسط» أن من شأن انسحاب أميركي ومِن ورائه «التحالف الدولي» أن يلحق أضراراً فادحة بالعراق، خصوصاً مع وجود أكثر من 2000 عنصر من «داعش» في العراق.
وتشتد حاجة العراق لـ«(التحالف الدولي) و(الأميركي)»، والكلام لحيدر، إذا ما عرفنا أن «أكثر العمليَّات التي تنفذها الأجهزة الأَمنيَّة والعسكريَّة ضدَّ (داعش) وفي مختلفِ مناطقِ البلادِ، إِنَّما يتمُّ تنفيذها بإِسنادٍ استخباري وجوِّي من قِبل التَّحالف الدَّولي الذي يحتفِظ بمستشارين بناءً على طلبِ الحكومة العراقية».
ويضيف أن حاجة العراق للوجود الدولي والأميركي تشتد، بالنظر لـ«الخطر الذي تمثله الميليشيات المسلحة التي تحتفِظ بسلاحِها خارج سلطة الدَّولة، تعبث بأَمنِ البلادِ وتهدد سيادة الدَّولة وتعرِّض مصالحها العليا للخطر، إلى جانب أن العراق ملزم باتفاقية الإطار الاستراتيجي مع الولايات المتحدة».