هل تنجح مصر في ردم «فجوتها الدولارية»؟

العملة الخضراء تتحول إلى «ترند» عقب ارتفاعات متكررة

عملات مصرية من فئات مختلفة أمام عملات دولية (أ.ف.ب)
عملات مصرية من فئات مختلفة أمام عملات دولية (أ.ف.ب)
TT

هل تنجح مصر في ردم «فجوتها الدولارية»؟

عملات مصرية من فئات مختلفة أمام عملات دولية (أ.ف.ب)
عملات مصرية من فئات مختلفة أمام عملات دولية (أ.ف.ب)

تصدر الدولار اهتمامات المصريين عبر مواقع التواصل الاجتماعي، خلال الساعات الماضية، بعدما تحولت العملة الخضراء إلى «ترند»، في ظل ارتفاعات متكررة لسعر الدولار في «السوق الموازية» مقارنة بسعره الرسمي في البنوك المصرية أمام الجنيه، الأمر الذي أثار تساؤلاً بشأن مدى نجاح مصر في مواجهة «فجوتها الدولاية».

ووفق مصادر تحدثت لوسائل إعلام محلية، مساء الخميس، فقد «سجل سعر صرف الدولار في السوق الموازية ما بين 50 و52 جنيهاً للدولار الواحد بعدما كان يسجل متوسطاً بين 40 و42 جنيهاً قبل 10 أيام فقط، في قفزة استثنائية للعملة الخضراء، في مقابل استمرار ثبات سعر صرف الدولار في البنوك عند متوسط 30.75 جنيه».

يأتي هذا في وقت تتوقع مؤسسات دولية «إجراء مصر تخفيضاً رابعاً لقيمة عملتها بعد ثلاثة تخفيضات متتالية منذ بداية الحرب الروسية - الأوكرانية، مع تسجيل مستويات مرتفعة من التضخم وصلت إلى 38.1 في المائة الشهر الماضي»، وفق بيانات نشرتها «بلومبرغ».

وحسب مراقبين: «زادت قرارات البنك المركزي المصري بإيقاف استخدام بطاقات الخصم المباشر بشكل كامل في الخارج، مطلع الشهر الماضي، واقتصار التعامل عبر بطاقات الائتمان، الطلب على السوق الموازية، بعدما قصرت غالبية البنوك استخدام بطاقات الائتمان على 250 دولاراً فقط حداً أقصى، الأمر الذي فرض على المسافرين حمل سيولة دولارية كاش قبل مغادرتهم مصر».

زيادة الطلب

ويرى رئيس قسم الاقتصاد بمدينة الثقافة والعلوم بمصر، الدكتور ماجد عبد العظيم، أنه «طالما كان المعروض أقل من المطلوب، والدولار ليس متوفراً بالبنوك، سواء لغرض السفر أو التجارة، سيواصل الجنيه الانخفاض في السوق الموازية»، مضيفاً لـ«الشرق الأوسط» أن عدم توافر الدولار يزيد الطلب عليه فـ«سعر الدولار تجاوز 52 جنيهاً في معاملات جرت فعلياً».

ويرجع عبد العظيم نقص الدولار بالجهاز المصرفي إلى «نقص موارد النقد الأجنبي التي يعتمد عليها الاقتصاد المصري متمثلة في الصادرات، وتحويلات المصريين بالخارج، وعائدات قطاع السياحة»، مشيراً إلى أن «تأثر إيرادات السياحة وزيادة الحاجة لتوفير العملة الصعبة من أجل استيراد الغاز والقمح أمور تضغط على الوضع الاقتصادي بمصر».

مصريات خلال مرورهن أمام إحدى شركات الصرافة في القاهرة (أرشيفية: أ.ب)

أستاذ القانون التجاري الدولي بالجامعة البريطانية في مصر، الدكتور أحمد سعيد، أرجع انخفاض قيمة الجنيه لهذا الحد، إلى «تحول الدولار وسيلة ادخار واستثمار لدى البعض، بينما هو في الأساس عملة نقدية تصنف باعتبارها أداة من أدوات الوفاء بالالتزامات»، مشيراً لـ«الشرق الأوسط» إلى أن سوق المضاربات «هشة وحساسة» تتأثر بالإشاعات، بما يجعل سعر الصرف حتى في السوق الموازية غير حقيقي.

ويتوقع سعيد انتهاء الطلب المبالغ فيه على الدولار في الربع الأول من عام 2024 مع بدء تطبيق انضمام مصر لتجمع «البريكس»، الذي سيسمح للدولة المصرية بـ«تحقيق تبادل تجاري مع الصين وروسيا والهند بالعملات المحلية بدلاً من الدولار»، وهي دول تقدر قيمة ما تستورده مصر منها بنحو 28 مليار دولار سنوياً ما يجعل التحول للتبادل بالعملات المحلية «يخفف عبء خدمة الدين بالموازنة العامة للدولة، ويعيد الدولار لسعره الحقيقي ليٌنهي المضاربات والمبالغات الموجودة في الوقت الراهن».

حرب غزة

في السياق، أرجع عضو الجمعية المصرية للاقتصاد والتشريع، الدكتور محمد أنيس، أسباب الوضع الحالي، لعدة أمور، بينها «تخفيض التصنيف الائتماني لمصر من وكالتي (فيتش) و(موديز)، بالإضافة إلى وجود مدفوعات كبيرة يفترض على الحكومة المصرية الالتزام بسدادها بجانب التأثير غير المباشر لحرب غزة، المتمثل في تراجع إيرادات القطاع السياحي المتوقعة مقارنة بالأرقام المستهدفة قبل الحرب».

وقدر وزير المالية المصري، محمد معيط، حسب تصريحات رسمية الشهر الماضي «الفجوة التمويلية للعام المالي الحالي ما بين 6 و8 مليارات دولار»، في حين تحدث صندوق النقد الدولي عن أن «مصر تواجه فجوة تمويلية تُقدر بنحو 17 مليار دولار بين عامي 2023 و2026».

ويعزز من تقديرات زيادة الفجوة المالية المعلنة عن الاحتياج الفعلي، تقرير وزارة المالية المصرية، الصادر في سبتمبر (أيلول) الماضي، الذي أظهر أن «توقعات الحكومة بارتفاع مدفوعات الفوائد بنسبة 45 في المائة خلال العام المالي، جرى إنفاق أكثر من ثلثها خلال أول شهرين فقط من العام المالي الحالي مع إنفاق 391.8 مليار جنيه بزيادة قدرها 160 في المائة عن الفترة نفسها في العام السابق».

استثمارات أوروبية

يأتي هذا في وقت قالت وكالة «بلومبرغ» إن الاتحاد الأوروبي يحاول تسريع جهوده لتعزيز علاقته مع مصر ومساعدتها في التعامل مع «عبء ديونها».

ونقلت الوكالة عن مصادر قولها إن «رئيسة المفوضية التي تزور القاهرة السبت ستعمل خلال زيارتها على تعزيز جهود دعم التنمية الاقتصادية».

ووفق الوكالة، الخميس، فإن «الاتحاد الأوروبي سيقترح خطة استثمارية تهدف إلى جمع 9 مليارات يورو (9.8 مليار دولار) في قطاعات الطاقة والزراعة والنقل خلال منتدى استثماري مخطط له منتصف العام المقبل، مع خطة للحد من الهجرة غير المشروعة إلى أوروبا».

عودة إلى محمد أنيس الذي قال إن هذه الخطة الطموحة مهمة للاقتصاد المصري في هذا التوقيت؛ لكن الأهم هو «الإسراع في تنفيذها ودخول جزء رئيسي منها لمصر بشكل سريع حتى لو جرى التنفيذ على مراحل، فإن دخول نحو ثلث المبلغ المقترح للاستثمار لدى البنوك المصرية، وبدء الإنفاق التدريجي منه على المشروعات، سيعزز من وضع الجنيه بجانب تأثيره الإيجابي بشكل غير مباشر على الاستثمارات الأجنبية».

فيما أشار أحمد سعيد إلى أن «الاستثمارات الأوروبية في مصر يكون جزء منها في صيغة قروض لخدمات اجتماعية ومشروعات تنموية محددة، وهو أمر سيكون له تأثير إيجابي لدعم المشروعات التي تنفذها الدولة المصرية على غرار مبادرة (حياة كريمة)».


مقالات ذات صلة

واشنطن توافق على بيع أسلحة لمصر بقيمة تتجاوز 5 مليارات دولار

الولايات المتحدة​ أرشيفية لدبابات أبرامز أميركية من طراز «M1A2» لدى وصولها العاصمة التايوانية تايبيه (وزارة الدفاع الوطني في تايوان)

واشنطن توافق على بيع أسلحة لمصر بقيمة تتجاوز 5 مليارات دولار

ذكرت وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون)، أن وزارة الخارجية وافقت على بيع محتمل لأسلحة إلى مصر بقيمة تتجاوز خمسة مليارات دولار.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
شمال افريقيا وزير الطاقة السعودي الأمير عبد العزيز بن سلمان خلال لقاء وزير الكهرباء المصري محمود عصمت بالرياض (الكهرباء المصرية)

مصر تعوّل على الربط الكهربائي مع السعودية لـ«استدامة التيار»

تعوّل مصر على بدء تشغيل مشروع «الربط الكهربائي» مع المملكة العربية السعودية مطلع الصيف المقبل.

أحمد إمبابي (القاهرة )
شمال افريقيا وزير الري المصري خلال محادثات مع المسؤولة الأوروبية في القاهرة (مجلس الوزراء المصري)

تعاون مصري - أوروبي لمواجهة التحديات المائية

في إطار الجهود المصرية لتعزيز التعاون مع الاتحاد الأوروبي لمواجهة التحديات المائية. جددت القاهرة تأكيدها على «الفجوة بين الموارد والاحتياجات المائية».

أحمد عدلي (القاهرة)
يوميات الشرق من لوحات معرض «المسافر» للفنان وائل نور (الشرق الأوسط)

«المسافر»... رؤية المصري وائل نور التشكيلية لفلسفة الترحال

لا يتيح السفر مَشاهد وأصواتاً وثقافات جديدة للفنانين فحسب، وإنما يوفّر أيضاً لحظات من التأمّل والعزلة، وثروة من اللحظات ما بين عظمة الطبيعة والتفاعل بين البشر.

نادية عبد الحليم (القاهرة )
شمال افريقيا جانب من أعمال القمة الحادية عشرة لمجموعة الثماني النامية للتعاون الاقتصادي في القاهرة (الرئاسة المصرية)

آلية عمل وتشكيل منظمة «الثماني النامية»

استضافت مصر القمة الحادية عشرة لمجموعة الثماني النامية للتعاون الاقتصادي، الخميس، وهي منظمة دولية تأسست عام 1997 في إسطنبول بتركيا.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)

هل ستكون العملات المشفرة احتياطياً استراتيجياً مضارِباً في 2025؟

نموذج البتكوين أمام علامة 100 ألف (وكالة حماية البيئة)
نموذج البتكوين أمام علامة 100 ألف (وكالة حماية البيئة)
TT

هل ستكون العملات المشفرة احتياطياً استراتيجياً مضارِباً في 2025؟

نموذج البتكوين أمام علامة 100 ألف (وكالة حماية البيئة)
نموذج البتكوين أمام علامة 100 ألف (وكالة حماية البيئة)

مع اقتراب نهاية عام 2024، تبرز سوق العملات المشفرة كإحدى أكثر الأسواق المالية ديناميكية، حيث شهدت تحولاً جذرياً من شتاء قاسٍ في عامي 2022 و2023 إلى ازدهار ملحوظ. فقد تجاوزت القيمة السوقية الإجمالية لهذه العملات حاجز الـ3 تريليونات دولار هذا العام معززة بذلك دور هذه الأصول الرقمية في النظام المالي. ومع الانتعاش الكبير للعملة الرائدة «بتكوين» ووصولها إلى مستويات تاريخية جديدة، أصبح من الضروري استعراض أبرز التطورات التي أعادت تشكيل السوق، بالإضافة إلى التوقعات المستقبلية.

امرأة تمر أمام نصب لعملة البتكوين بعد أن تجاوز سعرها 100 ألف دولار في إيلوبانغو السلفادور (رويترز)

ملامح عام 2024 في سوق العملات المشفرة

- «البتكوين» تتجاوز حاجز الـ100 ألف دولار: في إنجاز تاريخي لافت، كسرت «بتكوين» حاجز الـ100 ألف دولار في نوفمبر (تشرين الثاني) 2024، مسجلة محطة فارقة ليس فقط في العملات المشفرة بل في الاقتصاد العالمي ككل. فبعد أن اخترقت لأول مرة حاجز الـ90 ألف دولار في 14 نوفمبر، ارتفعت إلى 94800 دولار بحلول 20 نوفمبر، قبل أن تقفز إلى 99655.50 دولار في 22 نوفمبر. وفي نهاية الشهر، وصل سعر «البتكوين» إلى 103.449.70 دولار، قبل أن يصل إلى أعلى مستوى له على الإطلاق عند أكثر من 106 آلاف دولار في 16 ديسمبر (كانون الأول).

ويُنظر إلى هذا الاختراق المهم على أنه محفز قوي للمؤسسات والشركات وحتى الدول للتعامل مع «البتكوين» والعملات المشفرة بجدية أكبر. ومقارنةً بشهر يناير (كانون الثاني) 2024، حيث كان سعر «البتكوين» 44167 دولاراً، يتضح أن العملة قد شهدت زيادة ملحوظة في قيمتها بأكثر من الضعف.

- اعتماد صناديق تداول «البتكوين (ETF)»: شهدت سوق العملات المشفرة تحولاً نوعياً في يناير 2024 مع موافقة لجنة الأوراق المالية والبورصات الأميركية على 12 صندوق تداول «بتكوين (ETF)» فوري، وهو قرار تاريخي يعكس خطوة كبيرة نحو تعزيز التنظيم وزيادة الثقة في السوق.

هذا التحول أسهم في جذب الاستثمارات المؤسسية بشكل قانوني ومنظم، مما عزز مكانة «البتكوين» كأصل مالي موثوق يمكن إدراجه ضمن المحافظ الاستثمارية المؤسسية الكبرى. وفي 5 ديسمبر 2024، سجلت صناديق «البتكوين» المتداولة في البورصة الأميركية حجم تداول استثنائياً بلغ 7.1 مليار دولار. كما أصبح صندوق الاستثمار المتداول للبتكوين من «بلاك روك» أسرع المنتجات الاستثمارية نمواً من نوعه، حيث جمع 13.5 مليار دولار من الأصول المدارة في غضون ثلاثة أشهر فقط. وأشار كريس كويبر، مدير البحث في «فيديليتي» للأصول الرقمية، إلى أن «البتكوين» حققت عوائد تفوق 150 في المائة في 2023، ثم أضافت 75 في المائة أخرى من العوائد حتى الآن في 2024.

- التنصيف الأخير لـ«البتكوين» (الهالفينغ): في أبريل (نيسان) 2024، شهدت «البتكوين» حدث التنصيف (الهالفينغ) الذي قلص مكافأة التعدين من 6.25 إلى 3.125 بتكوين لكل كتلة، وهو ما يُعد حدثاً محورياً في مسار العملة المشفرة. ورغم أن هذه الأحداث عادة ما تؤدي إلى زيادات سعرية ملحوظة نتيجة لتقليص العرض، فإن السوق لم تشهد الارتفاع الفوري المتوقع. ويعكس هذا التفاوت في الاستجابة نضج السوق وتزايد فهم المستثمرين لهذا الحدث، مما يشير إلى أن تأثيرات «الهالفينغ» أصبحت أكثر تدريجية وأقل تأثيراً مباشراً مقارنةً بالسنوات السابقة.

تأثير ترمب على سوق «البتكوين»

شهدت «البتكوين» ارتفاعاً ملحوظاً بعد فوز دونالد ترمب في الانتخابات الرئاسية الأميركية، حيث يعوّل مجتمع العملات الرقمية على إدارته الجديدة لتوفير بيئة تشريعية منظمة تعزز نمو القطاع. وفي مؤتمر «البتكوين» في ناشفيل في يوليو (تموز) 2024، أثنى ترمب على فكرة إنشاء «احتياطي فيدرالي» لـ«البتكوين»، وأكد على أهمية جذب عمليات التعدين إلى أميركا، وتعهد بجعلها «عاصمة العملات المشفرة». كما أطلق مشروع «وورلد ليبرتي فاينانشيال» بالتعاون مع عائلته لتداول العملات المشفرة. من جانبه، أعرب نجل الرئيس المنتخب، إيريك ترمب، نائب الرئيس التنفيذي لمنظمة ترمب، عن تفاؤله بإمكانية أن تصبح الولايات المتحدة رائدة عالمية في مجال العملات المشفرة، من خلال وضع بعض المبادئ التوجيهية التنظيمية المدروسة. كما أعرب عن دعمه القوي لعمليات التمويل اللامركزي (DeFi)، مشيراً إلى أن النظام المصرفي التقليدي أصبح قديماً وأن العملات المشفرة مستعدة لتجاوزه وتحقيق نقلة نوعية في هذا المجال.

نموذج لعملة البتكوين أمام صورة للرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (وكالة حماية البيئة)

وفي 5 ديسمبر 2024، أعلن ترمب أنه سيفي بوعده الانتخابي ويكون «رئيساً للعملات الرقمية»، حيث أقر تعيين ديفيد ساكس، المدير التنفيذي السابق في «باي بال» ومناصر العملات الرقمية، «مستشار البيت الأبيض للعملات الرقمية والذكاء الاصطناعي»، ليقود سياسة العملات الرقمية ويعمل على إطار قانوني يوفر وضوحاً لصناعة العملات الرقمية.

كما أعلن أنه سيعين المحامي المؤيد للعملات الرقمية بول أتكينز لقيادة هيئة الأوراق المالية والبورصات الأميركية، والذي أبدى دعمه للابتكار في مجال العملات الرقمية ليكون وسيلة لتعزيز التنافس في قطاع الخدمات المالية، وساعد شركات العملات الرقمية في تعاملاتها مع المنظمين من خلال استشارته في شركته «باتوماك غلوبال بارتنرز».

«البتكوين» بين التحديات الاقتصادية والجيوسياسية

في ظل التقلبات الاقتصادية العالمية وخفض أسعار الفائدة المتتالي من قبل بنك الاحتياطي الفيدرالي بعد دورة تشديد نقدي صارمة في عام 2022، برزت العملات المشفرة، وعلى رأسها «البتكوين» على أنها ملاذ آمن في مواجهة المخاطر المالية التقليدية. فقد أثرت تخفيضات الفائدة في عام 2024 على سلوك سعر العملة المشفرة، حيث تعكس هذه السياسات الضائقة الاقتصادية التي قد تدفع المستثمرين إلى تجنب الأصول عالية المخاطر. ومع ذلك، لا تزال «البتكوين» تحتفظ بجاذبيتها بأنها شبكة نقدية لا مركزية وأصل بديل للتحوط ضد الضعف المالي النظامي. ومع تباطؤ الاقتصاد العالمي، يزداد دورها في أنها أصل بديل وسط توقعات بفترة اقتصادية مضطربة قد تكون في الوقت نفسه محورية ومؤثرة. ومن المرجح أن تؤدي زيادة السيولة في النظام المالي إلى تدفق الأموال نحو الأصول الرقمية، مما قد يعزز الطلب على «البتكوين» بشكل كبير.

على الجانب الجيوسياسي، من المتوقع أن تؤثر الأزمات في الشرق الأوسط والتوترات العالمية في 2025 على أسعار «البتكوين»، إذ أظهرت العملة المشفرة تاريخياً ارتفاعات بعد الأزمات الكبرى مثل النزاع التجاري بين أميركا والصين في 2019 والغزو الروسي لأوكرانيا. الطبيعة اللامركزية لـ«البتكوين» والعرض المحدود يجعلان منها وسيلة تحوط فعّالة، خاصة في ظل تخفيض قيمة العملات التقليدية. ومع ذلك، تبقى التقلبات الكبيرة في أسعار «البتكوين» قائمة، مما يستدعي الحذر من قبل المستثمرين عند التعامل مع هذه الأصول في ظل عدم الاستقرار الاقتصادي والجيوسياسي.

إعلان عن بتكوين معروض على مبنى في هونغ كونغ (أ.ب)

عام 2025... إطار تنظيمي وسباق تسلح

من المتوقع أن يسهم التحول التنظيمي المؤيد للعملات المشفرة، إلى جانب إنشاء احتياطي استراتيجي لـ«البتكوين»، في انتعاش سوق العملات المشفرة في 2025. وبعد الاضطرابات التي شهدتها السوق في 2022، يظل المستثمرون يتطلعون إلى إطار تنظيمي شامل يعزز الاستقرار. وقد يؤدي تحول دور لجنة الأوراق المالية والبورصات لصالح لجنة تداول العقود الآجلة للسلع (CFTC) إلى زيادة وضوح السوق.

وفي الأشهر الأخيرة من الحملة الانتخابية الرئاسية الأميركية، برز قدر مفاجئ من النقاش حول ظهور العملات المشفرة بأنها أولوية استراتيجية وطنية جديدة. في هذا السياق، اقترح بعض مؤيدي العملات المشفرة إمكانية نشوء «سباق تسلح للبتكوين»، حيث قد تبدأ الحكومات السيادية في جميع أنحاء العالم في تنفيذ عمليات شراء ضخمة. وفي الولايات المتحدة، من المحتمل أن يبدأ هذا السباق الشرائي من خلال إنشاء احتياطي استراتيجي يمكنها من شراء مليون بتكوين خلال السنوات الخمس المقبلة. ومن المحتمل أن تضطر الدول الأخرى إلى اتباع نفس النهج. وقد أثار هذا الاحتمال تساؤلاً مثيراً يتمثل في أن الصين قد تضطر إلى التراجع عن حظرها المفروض على العملات المشفرة منذ أواخر عام 2021. وإذا قررت الصين الانغماس في سوق «البتكوين» وبدأت في تراكمها كما كانت تفعل مع احتياطياتها من الذهب، فقد يشهد السوق ارتفاعاً غير مسبوق في السعر. كما أن البرازيل وروسيا تدرسان حالياً استخدام «البتكوين» كاحتياطي استراتيجي، مما يعكس الدور المتزايد الذي تلعبه العملات المشفرة في الاقتصاد العالمي.

توقعات مشرقة

شهدت سوق العملات المشفرة، بقيادة «البتكوين»، مرحلة نضج وتحول خلال عام 2024، ومن المتوقع أن يستمر هذا الزخم في عام 2025 مدفوعاً بتطورات تنظيمية منتظرة واهتمام متزايد من الحكومات والمؤسسات. ويتوقع نايغل غرين، الرئيس التنفيذي لمجموعة «ديفير»، إحدى كبرى شركات الاستشارات المالية في العالم، أن يرتفع سعر «البتكوين» إلى 120 ألف دولار بحلول نهاية الربع الأول من عام 2025، رغم الانخفاض المؤقت المحتمل بسبب تثبيت الأرباح من قبل بعض المستثمرين. من جهتها، رفعت «ستاندرد تشارترد» هدفها السعري لـ«بتكوين» بنهاية 2025 إلى 200 ألف دولار.

ومع هذه التوقعات المشرقة، يبقى السؤال: هل يشهد الاقتصاد العالمي ثورة مالية جديدة بقيادة العملات المشفرة رهن التطورات التنظيمية، والتقبل الواسع من الحكومات والمؤسسات الكبرى، فضلاً عن قدرة التكنولوجيا المالية على التغلب على التحديات الاقتصادية والجيوسياسية التي قد تطرأ؟