جنوب لبنان في قلب الحرب والحراك الدبلوماسي لتجنّب توسعها

قرى شبه فارغة في جنوب الليطاني… وحركة طبيعية في بيروت والضاحية

قصف إسرائيلي على قرى في جنوب لبنان كما يبدو من شمال إسرائيل (رويترز)
قصف إسرائيلي على قرى في جنوب لبنان كما يبدو من شمال إسرائيل (رويترز)
TT

جنوب لبنان في قلب الحرب والحراك الدبلوماسي لتجنّب توسعها

قصف إسرائيلي على قرى في جنوب لبنان كما يبدو من شمال إسرائيل (رويترز)
قصف إسرائيلي على قرى في جنوب لبنان كما يبدو من شمال إسرائيل (رويترز)

يسخر أهالي جنوب لبنان لدى سؤالهم عن احتمال اندلاع الحرب. «ماذا تسمون ما نعيشه؟»، يسأل علي (43 عاماً) الذي ترك منزله قبل شهر في بلدة كفركلا، ولم يجرؤ على التوجه إلى البلدة مرة أخرى لجمع محصوله من الزيتون.

منذ 9 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، غادر معظم سكان القرى الحدودية بلداتهم على طول الشريط الحدودي مع إسرائيل. تتعرض البلدات لقصف يومي وتبادل لإطلاق النار بين «حزب الله» والقوات الإسرائيلية. لا تفارق المسيّرات الإسرائيلية أجواء المنطقة، ولا تنطفئ القنابل المضيئة التي يطلقها الجيش الإسرائيلي على طول المنطقة الحدودية ليلاً، فيما فرضت عدة استهدافات لسيارات مدنية في المنطقة، حظر تجوّل للمدنيين على الطرقات القريبة من الحدود، لدرجة أن من يضطر للتوجه إلى قريته، لا يتركها بعد الظهر «خوفاً من استهداف أي سيارة عائدة».

إخلاء إلى 15 كيلومترا

ينظر أهالي الجنوب إلى هذه الوقائع بكثير من الألم، كونها تحصل للمرة الأولى منذ حرب يوليو (تموز) 2006... ويحاججون من يناقش في توسّع الحرب: «ألسنا من اللبنانيين الذين يعانون؟ وماذا يقصدون بتوسع الحرب؟»، يقول علي الذي يؤكد: «إننا نعيش الحرب بكامل تفاصيلها وآلامها وقلقها، وعلى الخائفين من اندلاع حرب أن يشرحوا لنا ما الحرب التي يتوقعون؟».

يختبر سكان الجنوب الآن النزوح، وإخلاء المنازل، واغلاقاً شبه كامل للمدارس والمؤسسات التجارية. تعاني القرى من «عزلة» وتوتّر، في ظل غياب أي أفق لنهاية التطورات الأمنية على إيقاع الحرب في غزة. ومع أن القصف لا يطاول أكثر من 7 كيلومترات داخل العمق اللبناني، فإن معظم السكان على مسافة 15 كيلومتراً أخلوا البلدات الحدودية، بعضهم لأسباب وقائية منعاً لتمدد رقعة القصف فجأة، والبعض الآخر للابتعاد عن أصوات القصف المتكرر والانفجارات التي تدوي في السماء، وقد وصلت تردداتها إلى مسافة تقارب الـ40 كيلومتراً في الليل.

في قلب الحرب

يُستفزّ عضو كتلة «التنمية والتحرير» النائب قاسم هاشم لدى سؤاله عن الحرب. يقول النائب المتحدر من شبعا الحدودية في جنوب لبنان، «إننا نعيش الحرب منذ 8 أكتوبر بينما البعض يتعاطى وكأنه غير معنيّ»، مضيفاً أن الكلام عن مخاوف من الحرب «ينم عن غياب عن الإدراك وتجاهل للحقائق»، لكنه يعد أن هذا الأمر «ليس جديداً، وهو مستمر منذ عام 1948 حيث نعيش هنا على الحدود في حالة حرب دائمة، فيما كل لبنان كان ينعم بالهدوء والاستقرار وكأن شيئاً لم يكن».

يقول هاشم: «إننا، في المنطقة الحدودية في العرقوب، نتعاطى مع ما يجري بواقعية، منذ وجود العدو على حدودنا الجنوبية والحرب قائمة، وبات القصف اليوم ضمن روتين اعتدنا عليه نحن سكان المنطقة الحدودية من أعالي سفوح جبل الشيخ إلى الناقورة غرباً»، لافتاً إلى نقاط أكثر سخونة من أخرى، وأكثر خطراً من مواقع أخرى، حسب البُعد الجغرافي عن المواقع الإسرائيلية، وأخرى تتعرض لنيران مباشرة منها «ما يمنع الوصول إلى الكثير من الحقول»، مشيراً إلى أن «أكثرية المزارعين لم يصلوا إلى حقول زيتونهم في العرقوب»، فيما «يعاني السكان من نقص في الأمور الحياتية» مثل تضرر شبكات الكهرباء بفعل القصف، و«تعمل فرق الصيانة دون انقطاع لإصلاحها ضمن الإمكانات المتواضعة بمواكبة من الجيش واليونيفيل»، إلى جانب «خطر القصف الدائم وفي أي لحظة الذي يعيشه المدنيون ومزودو الخدمات في المنطقة».

توسّع الحرب

هذه الوقائع لا تظهر تماماً في النقاشات الإعلامية. تتكرر المخاوف من توسع الحرب في الأروقة السياسية، وتمتد إلى وسائل الإعلام والزيارات الدبلوماسية. في زيارات الموفدين، ثمة تركيز على عدم توسع الحرب، وإبقائها ضمن إطارها الجغرافي الذي تقع فيه، حسبما تقول مصادر نيابية مواكبة للتحركات الدبلوماسية، لكن ذلك «لا يعني بأي شكل من الأشكال إنكاراً للتوتر القائم في الجنوب»، لافتة إلى أن المطلوب حسب زيارات الموفدين كمرحلة أولى «منع توسع الحرب، ثم إخماد التوتر بالكامل وتثبيت الاستقرار الذي اختبره الجنوب على مدى 17 عاماً».

والمقصود بتوسع الحرب، هو أن يشمل القصف سائر المناطق على كامل الخريطة اللبنانية، كما كان الوضع في حرب تموز 2006، حيث دمر القصف الإسرائيلي الجسور، ونفذ أهدافاً في البقاع في شرق لبنان، وفي ساحل كسروان عندما استهدف جسر كازينو لبنان.

ويقول النائب قاسم هاشم إن توسع الحرب «ليس بيد لبنان ولا أي فريق داخلي أو دولي، هو موضوع تفرضه الظروف والمستجدات، فنحن لا نعيش بمعزل عن غزة وفلسطين التي نعدها قضية الأمة جمعاء وتعني الجميع على المستوى الإنساني»، مضيفاً: «من يسع لعدم توسع الحرب وحماية لبنان، كما يقول الزائرون الأجانب، فعليه أن يذهب إلى غزة وإيقاف العدوان. هناك البداية والنهاية».

حركة سير وحياة طبيعية في الضاحية الجنوبية لبيروت (أ.ف.ب)

حياة طبيعية شمال الليطاني

وبينما لا تزال التوترات محصورة في القرى الحدودية والمناطق المحيطة بها الواقعة في جنوب الليطاني، يتقلص القلق بدءاً من مدينة صور شمالاً، ومدينة النبطية شرقاً. تعيش المناطق الواقعة في شمال الليطاني، هدوءاً نسبياً كبيراً، وينسحب الهدوء على الضاحية الجنوبية لبيروت التي تشهد ازدحاماً بفعل حركة النزوح من الجنوب إليها، ولم يتغير واقعها باستثناء الأيام الثلاثة الأولى للحرب، حيث كان السكان يتخوفون من امتداد التوتر إلى حرب واسعة.

وكانت الضاحية مساء الاثنين، تشهد زحمة كبيرة بالتزامن مع معرض «أرضي» الذي افتتحه «حزب الله» في الأسبوع الماضي، لبيع المنتجات الغذائية البلدية. أما بيروت، فشهدت طوال الأيام الماضية حركة طبيعية، حيث لا تخلو المطاعم من زوارها، كما لم تخلُ أماكن السهر ليل الجمعة والسبت من روادها.


مقالات ذات صلة

الجيش الإسرائيلي يجدد الغارات على ضاحية بيروت بعد إنذارات بالإخلاء

المشرق العربي تصاعد الدخان بعد غارة جوية إسرائيلية على الضاحية الجنوبية لبيروت الجمعة 22 نوفمبر 2024 (أ.ب)

الجيش الإسرائيلي يجدد الغارات على ضاحية بيروت بعد إنذارات بالإخلاء

تجدَّدت الغارات الإسرائيلية، صباح الجمعة، على ضاحية بيروت الجنوبية عقب إنذارات وجَّهها الجيش الإسرائيلي للسكان بإخلاء 3 مواقع.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
شؤون إقليمية هوكستين خلال اجتماعه مع وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس ورئيس أركان الجيش هرتسي هليفي (وزارة الدفاع)

هوكستين «المتفائل» في تل أبيب يحتاج إلى جولات إضافية لإحكام الاتفاق مع لبنان

أجرى هوكستين في تل أبيب محادثات مع وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، ورئيس أركان الجيش الإسرائيلي، هرتسي هليفي، في وزارة الدفاع، وذلك غداة وصوله من لبنان.

نظير مجلي (تل أبيب)
المشرق العربي رجال إنقاذ وسكان يتجمعون حول أنقاض مبنى دمّرته غارة إسرائيلية على قرية يونين بسهل البقاع شرق لبنان في 21 نوفمبر 2024 (أ.ف.ب)

مقتل 47 في غارات إسرائيلية على شرق لبنان

قال مسؤول لبناني إن 47 شخصاً على الأقل، قُتلوا في غارات إسرائيلية على شرق لبنان، اليوم الخميس، لتُواصل إسرائيل بذلك حملة على جماعة «حزب الله».

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي نيران مشتعلة بمبنى استهدفته غارة إسرائيلية في حارة حريك بالضاحية الجنوبية (أ.ف.ب) play-circle 00:36

موجات غارات إسرائيلية على الضاحية الجنوبية لبيروت بُعيد مغادرة هوكستين

لم تمضِ ساعات قليلة على مغادرة الموفد الرئاسي الأميركي، آموس هوكستين، بيروت باتجاه تل أبيب، حتى استأنف الجيش الإسرائيلي ضرباته على الضاحية الجنوبية لبيروت.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
شؤون إقليمية تصاعد الدخان من موقع غارة جوية إسرائيلية استهدفت قرية الخيام الحدودية في جنوب لبنان (أ.ف.ب)

عمليات لـ«حزب الله» في الخيام الجنوبية ومستوطنة كفاريوفال... وقتيل في نهاريا

أعلن الإسعاف الإسرائيلي، اليوم (الخميس)، مقتل شخص جراء صواريخ أُطلقت من لبنان على نهاريا بشمال إسرائيل.

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)

«صحة غزة»: نفاد الأكسجين والمياه من مستشفى كمال عدوان بشمال القطاع جراء القصف الإسرائيلي

دمار لحق بسيارات إسعاف بمستشفى كمال عدوان في بيت لاهيا شمال قطاع غزة يوم 26 أكتوبر 2024 وسط الحرب الدائرة بين إسرائيل و«حماس» (أ.ف.ب)
دمار لحق بسيارات إسعاف بمستشفى كمال عدوان في بيت لاهيا شمال قطاع غزة يوم 26 أكتوبر 2024 وسط الحرب الدائرة بين إسرائيل و«حماس» (أ.ف.ب)
TT

«صحة غزة»: نفاد الأكسجين والمياه من مستشفى كمال عدوان بشمال القطاع جراء القصف الإسرائيلي

دمار لحق بسيارات إسعاف بمستشفى كمال عدوان في بيت لاهيا شمال قطاع غزة يوم 26 أكتوبر 2024 وسط الحرب الدائرة بين إسرائيل و«حماس» (أ.ف.ب)
دمار لحق بسيارات إسعاف بمستشفى كمال عدوان في بيت لاهيا شمال قطاع غزة يوم 26 أكتوبر 2024 وسط الحرب الدائرة بين إسرائيل و«حماس» (أ.ف.ب)

قالت وزارة الصحة في قطاع غزة، اليوم (الجمعة)، إن مستشفى كمال عدوان في شمال القطاع صار دون أكسجين أو ماء؛ نتيجة القصف الذي شنّته إسرائيل في الليلة الماضية.

وأوضحت الوزارة، في بيان، أن القصف «أدى إلى تدمير المولد الكهربائي الرئيس بالمستشفى، وثقب خزانات المياه، ليصبح المستشفى من غير أكسجين ولا مياه، الأمر الذي ينذر بالخطر الشديد على حياة المرضى والطواقم العاملة داخل المستشفى».

وذكر البيان أن المستشفى به 80 مريضاً، وأن هناك 8 مرضى في العناية المركزة، لافتاً إلى أن القصف أسفر عن إصابة 6 أفراد من الطواقم الطبية العاملة بالمستشفى، بينهم حالات خطرة.

كانت «وكالة الأنباء الفلسطينية» أفادت بأن القصف الإسرائيلي على قطاع غزة، أمس (الخميس)، أسفر عن مقتل 90 شخصاً على الأقل، مشيرة إلى أن طائرات مسيّرة إسرائيلية ألقت قنابل على ساحة مستشفى كمال عدوان.