خطاب عباس يقسّم الفلسطينيين

المقربون منه عدوه «قنبلة جاهزة للتفجير».. ونتنياهو: «تحريض مليء بالأكاذيب

فلسطينيون رفعوا العلم الفلسطيني أثناء متابعة خطاب عباس على التلفزيون (رويترز)
فلسطينيون رفعوا العلم الفلسطيني أثناء متابعة خطاب عباس على التلفزيون (رويترز)
TT

خطاب عباس يقسّم الفلسطينيين

فلسطينيون رفعوا العلم الفلسطيني أثناء متابعة خطاب عباس على التلفزيون (رويترز)
فلسطينيون رفعوا العلم الفلسطيني أثناء متابعة خطاب عباس على التلفزيون (رويترز)

بينما وصف الإسرائيليون خطاب الرئيس الفلسطيني محمود عباس، في الأمم المتحدة، بالتحريضي المليء بالأكاذيب، تباينت ردود الفعل الفلسطينية حول أهمية الخطاب، بين من وجده خطابا تاريخيا، وبين من يراه تهديدا لفظيا لا أكثر، ومن رهن أهميته بتطبيقه على الأرض.
وتابع الفلسطينيون، الأربعاء، خطاب عباس على شاشات كبيرة في الشوارع والمقاهي ومن المنازل، في انتظار ما يحمله من «قنبلة» كان قد أعلن عنها سابقا، قبل أن يهدد بالتحلل من الاتفاقات الموقعة مع إسرائيل إذا استمر الوضع الحالي، معلنا فلسطين دولة تحت الاحتلال. ولم يضع عباس سقفا زمنيا للبدء في وقف تطبيق الاتفاقات، لكنه أكد أن الوضع الراهن لا يمكن أن يستمر.
وقال عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير أحمد مجدلاني: «خطاب الرئيس أبو مازن في الأمم المتحدة حمل رسائل سياسية مهمة، ووضع رؤية وخطة عمل وطنية صالحة للبناء والترجمة الفعلية، بما يعيد الاعتبار للقضية الفلسطينية باعتبارها قضية مركزية على المستوى الدولي والإقليمي». وأضاف مجدلاني في تصريح مكتوب: «الرئيس عباس كان واضحا وصريحا كما هي عادته، وخاطب العالم بلغة يفهمها، بأن الاتفاقيات التي كانت موقعة مع دولة الاحتلال قد أصبحت مجمدة وموقوفا العمل بها، فالجانب الفلسطيني قدم كل ما يلزم في سبيل إنجاح السلام والعملية السياسية، لكن التعنت الإسرائيلي كان حاضرا، ولم تلتزم حكومة إسرائيل بما تم التوقيع عليه».
واعتبر مجدلاني أن الكرة بعد الخطاب باتت في ملعب المجتمع الدولي، الذي بات عليه تحمل مسؤولياته تجاه شعب تحت الاحتلال يمارس ضده القمع والقتل وإرهاب الدولة المنظم، مشيرا إلى أن الرعاية المنفردة للتسوية التي قادتها الإدارة الأميركية أثبتت فشلها، حيث كانت غير نزيهة ومنحازة لدولة الاحتلال.
لكن فصائل فلسطينية مثل حركتي حماس و«الجهاد الإسلامي»، لم تتفق مع ما ساقه مجدلاني، ووصفت كل من الحركتين الخطاب بالعاطفي الذي لا يحمل جديدا. وقال الناطق باسم حماس حسام بدران إن الخطاب جاء «في معظم عباراته مكررا عن خطابات سابقة، وعاطفيا إنشائيا، ومستجديا للغير، وغير معتمد على أوراق القوة الفلسطينية الشعبية والفصائلية، وبالتالي نتائجه لن تكون إلا كسابق الخطابات». وربط بدران بين إعلان عباس عن عدم التزام السلطة بالاتفاقات التي لم تلتزم بها إسرائيل وتطبيق ذلك على الأرض.
ووضعت حركة حماس شروطا لكي تتحقق مصداقية الخطاب، وهي «الإعلان الحاسم عن موت اتفاقية أوسلو، وسحب الاعتراف بإسرائيل، ووقف التنسيق الأمني فورا، وإطلاق يد المقاومة في الضفة، ووقف الاعتقالات السياسية، والإفراج الفوري عن المعتقلين، والتطبيق الفوري لبنود المصالحة، والبدء باجتماع الإطار القيادي المؤقت لمنظمة التحرير، وتشكيل حكومة وحدة وطنية، ورفع الحصار عن غزة، والتوجه فورا إلى محكمة الجنايات الدولية لملاحقة مجرمي الحرب».
أما حركة الجهاد الإسلامي فرأت أن الخطاب «لم يأت بجديد». وقالت الحركة في بيان إن «الخطاب تضمن تلويحا تكرر في أكثر من موقف وتصريح، بوقف العمل بالاتفاقات الموقعة مع العدو، وهي اتفاقات شكلت غطاءً لسياسات التوسع والاستيطان والتهويد والحصار، وأحبطت جهودا قدم خلالها شعبنا شلالا من التضحيات، مما يحتم على السلطة وقيادة (م.ت.ف) الإعلان الفوري عن إنهائها، وليس مجرد استخدام التهديد بوقفها كورقة ضغط لا أكثر للعودة مجددا إلى المفاوضات!».
وذهبت فصائل منضوية تحت منظمة التحرير إلى موقف قريب من حماس و«الجهاد». وقال تيسير خالد، عضو اللجنة التنفيذية للمنظمة، عضو المكتب السياسي للجبهة الديمقراطية، إنه يجب وقف العمل فورا بجميع الاتفاقيات الموقعة مع دولة الاحتلال الإسرائيلي. وأضاف خالد أن «ترجمة ما جاء في خطاب الرئيس محمود عباس في الأمم المتحدة تتطلب دعوة اللجنة التحضيرية لعقد المجلس الوطني الفلسطيني (لجنة تفعيل وتطوير منظمة التحرير الفلسطينية) إلى الاجتماع فورا ومن دون تردد، في دورة عمل لبحث متطلبات عقد دورة عادية كاملة للمجلس الوطني الفلسطيني، تشارك فيها جميع القوى السياسية والمجتمعية الفلسطينية من دون استثناء، للاتفاق على خريطة طريق وطنية».
وبين المتحمسين للخطاب الذين أطلقوا النيران في الهواء ابتهاجا، ومهاجميه الذين أشبعوه نقدا، أوضحت مصادر فلسطينية مقربة من مركز صنع القرار في السلطة الفلسطينية، لـ«الشرق الأوسط»، أن الرئيس عباس اختار أن يضع القنبلة على الطاولة من دون أن يفجرها. وقالت المصادر: «الرئيس وضع القنبلة أمام الجميع. سنلجأ إلى خطوات متصاعدة. سنبدأ بالاتفاقات الأمنية والاقتصادية. يمكن أن نصل إلى إلغاء اتفاق أوسلو برمته، ولتأت إسرائيل لإعادة احتلال الضفة وتحمل مسؤولياتها الأمنية والمالية كاملة». وأضافت المصادر: «لولا الضغوط الكبيرة الغربية والعربية لكان الرئيس وضع سقفا زمنيا لذلك، لكن في كل الأحوال سننتظر الحراك الدولي المرتقب قبل اتخاذ أي قرارات على الأرض».
وأكد محمود الهباش، مستشار الرئيس عباس وقاضي القضاة الشرعيين، أمس، أن عباس لم يعلن إلغاء الاتفاقيات، لكنه بلغ العالم بأنه ومنذ الآن فصاعدا فإن الالتزام بتلك الاتفاقيات مرتبط بمدى التزام إسرائيل بها.
وأضاف: «ما أعلنه الرئيس لا يعني أنه سينفذ غدا».
وفي إسرائيل، هاجم رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو خطاب عباس، وقال في بيان، إنه «مخادع وحافل بالأكاذيب، ويشجع على التحريض والتدمير في الشرق الأوسط».
ودعا نتنياهو عباس إلى قبول عرضه بالمشاركة في مفاوضات مباشرة مع إسرائيل، من دون أي شروط مسبقة. وقال أيضا «إن رفض هذا العرض مرارا هو أفضل دليل على أنه (عباس) لا يريد اتفاق سلام».
أما وزير الدفاع موشيه يعالون فشكك بقدرة السلطة على تنفيذ تهديدات عباس، قائلا «إن السلطة تعتمد على إسرائيل أمنيا واقتصاديا»، مضيفا: «لولا النشاط العسكري للجيش في الضفة الغربية لكانت السلطة قد انهارت كما حصل في قطاع غزة».



ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
TT

ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)

احتفل سكان دمشق بسقوط نظام بشار الأسد بعد حرب وحشية استمرت 13 عاماً، لكن أصحاب أماكن السهر في المدينة اعتراهم القلق وهم يعيدون فتح أبواب حاناتهم وملاهيهم.

فقد قادت «هيئة تحرير الشام» فصائل المعارضة التي أطاحت بنظام الأسد، وكانت هناك خشية لدى بعض الناس من أن تمنع الهيئة شرب الكحول.

ظلت حانات دمشق ومحلات بيع الخمور فيها مغلقة لأربعة أيام بعد دخول مقاتلي «هيئة تحرير الشام» المدينة، دون فرضهم أي إجراءات صارمة، والآن أعيد فتح هذه الأماكن مؤقتاً.

ما يريده صافي، صاحب «بابا بار» في أزقة المدينة القديمة، من الجميع أن يهدأوا ويستمتعوا بموسم عيد الميلاد الذي يشهد إقبالاً عادة.

مخاوف بسبب وسائل التواصل

وفي حديث مع «وكالة الصحافة الفرنسية» في حانته، اشتكى صافي، الذي لم يذكر اسم عائلته حتى لا يكشف عن انتمائه الطائفي، من حالة الذعر التي أحدثتها وسائل التواصل الاجتماعي.

فبعدما انتشرت شائعات أن المسلحين المسيطرين على الحي يعتزمون شن حملة على الحانات، توجه إلى مركز الشرطة الذي بات في أيدي الفصائل في ساحة باب توما.

وقال صافي بينما كان يقف وخلفه زجاجات الخمور: «أخبرتهم أنني أملك حانة وأود أن أقيم حفلاً أقدم فيه مشروبات كحولية».

وأضاف أنهم أجابوه: «افتحوا المكان، لا مشكلة. لديكم الحق أن تعملوا وتعيشوا حياتكم الطبيعية كما كانت من قبل»، فيما كانت الموسيقى تصدح في المكان.

ولم تصدر الحكومة، التي تقودها «هيئة تحرير الشام» أي بيان رسمي بشأن الكحول، وقد أغلق العديد من الأشخاص حاناتهم ومطاعمهم بعد سقوط العاصمة.

لكن الحكومة الجديدة أكدت أيضاً أنها إدارة مؤقتة وستكون متسامحة مع كل الفئات الاجتماعية والدينية في سوريا.

وقال مصدر في «هيئة تحرير الشام»، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، طلب عدم كشف هويته، إن «الحديث عن منع الكحول غير صحيح». وبعد الإلحاح عليه بالسؤال شعر بالغضب، مشدداً على أن الحكومة لديها «قضايا أكبر للتعامل معها».

وأعيد فتح «بابا بار» وعدد قليل من الحانات القريبة، لكن العمل محدود ويأمل صافي من الحكومة أن تطمئنهم ببيان يكون أكثر وضوحاً وقوة إلى أنهم آمنون.

في ليلة إعادة الافتتاح، أقام حفلة حتى وقت متأخر حضرها نحو 20 شخصاً، ولكن في الليلة الثانية كانت الأمور أكثر هدوءاً.

وقال إن «الأشخاص الذين حضروا كانوا في حالة من الخوف، كانوا يسهرون لكنهم في الوقت نفسه لم يكونوا سعداء».

وأضاف: «ولكن إذا كانت هناك تطمينات (...) ستجد الجميع قد فتحوا ويقيمون حفلات والناس مسرورون، لأننا الآن في شهر عيد الميلاد، شهر الاحتفالات».

وفي سوريا أقلية مسيحية كبيرة تحتفل بعيد الميلاد، مع تعليق الزينات في دمشق.

في مطعم العلية القريب، كان أحد المغنين يقدم عرضاً بينما يستمتع الحاضرون بأطباق من المقبلات والعرق والبيرة.

لم تكن القاعة ممتلئة، لكن الدكتور محسن أحمد، صاحب الشخصية المرحة والأنيقة، كان مصمماً على قضاء وقت ممتع.

وقال لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «كنا نتوقع فوضى عارمة في الموقف»، فيما كانت الأضواء تنعكس على ديكورات المطعم، مضيفاً: «لكننا عدنا سريعاً إلى حياتنا، حياتنا الليلية، وحقوقنا».

حفلة مع مغنٍ

وقال مدير المطعم يزن شلش إن مقاتلي «هيئة تحرير الشام» حضروا في ليلة إعادة الافتتاح ولم يغلقوا المكان.

وأضاف: «بدأنا العمل أمس. كانت الأمور جيدة جداً. كانت هناك حفلة مع مغنٍ. بدأ الناس بالتوافد، وفي وسط الحفلة حضر عناصر من (هيئة تحرير الشام)»، وأشار إلى أنهم «دخلوا بكل أدب واحترام وتركوا أسلحتهم في الخارج».

وبدلاً من مداهمة المكان، كانت عناصر الهيئة حريصين على طمأنة الجميع أن العمل يمكن أن يستمر.

وتابع: «قالوا للناس: لم نأتِ إلى هنا لنخيف أو نرهب أحداً. جئنا إلى هنا للعيش معاً في سوريا بسلام وحرية كنا ننتظرهما منذ فترة طويلة».

وتابع شلش: «عاملونا بشكل حسن البارحة، نحن حالياً مرتاحون مبدئياً لكنني أخشى أن يكون هذا الأمر آنياً ولا يستمر».

ستمارس الحكومة الانتقالية الجديدة في سوريا بقيادة «هيئة تحرير الشام» عملها حتى الأول من مارس (آذار). بعد ذلك، لا يعرف أصحاب الحانات ماذا يتوقعون.