«غزال عكا»... سيرة غسان كنفاني مُمسرَحة في بيروت

رائدة طه توثّق الحياة الفلسطينية كتابة وتمثيلاً

الأديب الفلسطيني غسان كنفاني مُستعاداً في مسرحية رائدة طه (مواقع التواصل)
الأديب الفلسطيني غسان كنفاني مُستعاداً في مسرحية رائدة طه (مواقع التواصل)
TT

«غزال عكا»... سيرة غسان كنفاني مُمسرَحة في بيروت

الأديب الفلسطيني غسان كنفاني مُستعاداً في مسرحية رائدة طه (مواقع التواصل)
الأديب الفلسطيني غسان كنفاني مُستعاداً في مسرحية رائدة طه (مواقع التواصل)

سنوات طويلة قضتها الكاتبة والممثلة رائدة طه مشغولة بأرشفة القصص الفلسطينية. توالت مسرحياتها تباعاً، وفي كل مرة كانت تضيف حكايات جديدة إلى رصيدها الفني، كأنها تتولى مهمة إعادة كتابة تاريخ شعبها وعرضه ممسرحاً على الملأ. تشاء الصدف أن تكون في بيروت لتقدم العرض الأول لمسرحيتها «غزال عكا»، وتتناول فيها سيرة غسان كنفاني، من إخراج جنيد سري الدين، بعد «36 شارع عباس» الذي جمعهما سابقاً، بينما فلسطين جريحة ومدماة، حتى لتشعر بأنَّ مسرحيتها تشكّل امتداداً للحدث، أو أنّ سيرة كنفاني هي انغماس كامل بيوميات فلسطين حتى اللحظة. هكذا تشعر بأن شيئاً لم يتغير منذ ستينات القرن الماضي وسبعيناته.

تقف طه على خشبة «مسرح المدينة» في بيروت، مساء الخميس والجمعة، 13 و14 أكتوبر (تشرين الأول) الحالي، من ثَم في أيام 19 و20 و21 منه في «زقاق»، لتروي، عبر مونودارما مؤثرة، مقاطع من حياة البديع الذي لا يُنسى، كاتب «أرض البرتقال الحزين». يتّبع المتفرج مسار الأديب الفلسطيني، بدءاً من لحظة خروجه صغيراً وعائلته من عكا، على أثر نكبة 1948، مروراً بمحطتهم الإلزامية في صيدا، فانتقاله إلى دمشق حيث أمضى ردحاً من الزمن، قبل بدء مرحلته البيروتية التي سيتحول خلالها نجماً أدبياً ونضالياً من خلال عمله مع «الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين».

«غزال عكا» تنطلق من بيروت لتروي سيرة غسان كنفاني (غلاف المسرحية)

علاقة خاصة ربطت رائدة طه بكنفاني ومن بعده عائلته؛ فهو كان رفيق نضال لوالدها علي طه، وقُتلا على يد إسرائيل بفارق شهرين فقط؛ علي طه اغتاله إسحق رابين بطلقة من مسدسه في مطار اللد، كان على متن طائرة اختطفها مع مجموعة من «الفدائيين» لمبادلة ركّابها بأسرى، بتاريخ 9 مايو (أيار) 1972، بينما اغتالت إسرائيل كنفاني بتفخيخ سيارته في بيروت، 6 أغسطس (آب) 1972.

حين قُتل والدها، كانت رائدة في السابعة. الصدمة لم تمنعها من صقل عشقها للأدب. «غسان كنفاني واحد من الذين أثَّروا في حياتنا بشكل عميق جداً. فتحتُ عينَي على العالم وأنا أقرأ نصوصه». المسرحية تتيح لجمهورها التعرف إلى صاحب رواية «رجال في الشمس»، وإن لم يقرأه من قبل. «أريد للمتفرج أن يعرف مَن هو غسان كنفاني؟ كيف عاش؟ وماذا صنع؟ وكيف أثَّر من خلال القصص التي تركها في حياة كثيرين؟». تكمل: «جمعت المعلومات حوله بدقة وحرص شديدين. أجريتُ مقابلات مع أشخاص عرفوه وعايشوه، لأعرف أكثر، وأتمكّن من كتابة نصّ توثيقي متين».

كتبت رائدة طه مسرحيات، ومثَّلتها، وأحياناً أخرجتها: «تلك طريقتي، وقد اخترتُ المسرح سلاحي للدفاع عن قضيتي».

ثمة خطّ يجمع فصولاً كتبتها عن كنفاني استغرقتها نحو السنة، فتقول: «أكتب، وأعيد القراءة، والتعديل والتبديل». في مسرحية سابقة هي: «ألاقي زيك فين يا علي؟»، وعلي هو والدها، احتاجت إلى 20 سنة لإنهاء كتابتها «لأنها قصة حياتي».

يعنيها التوثيق: «هذا أمر مهم جداً؛ فثمة رغبة في محو التاريخ الفلسطيني، وغسان كنفاني رمز أدب المقاومة». تشاء أن تُظهر، عبر المسرحية، أن للمقاومة أوجهاً عدة، عوض الوجه الواحد، وقد «أصبحت هذه الأوجه أكثر تعدداً في جيلنا لتبلورها في المسرح، أو الفن التشكيلي، وربما السينما، أو الكتابة». أما في «غزال عكا»، فتضيء طه على فصول من حياة كنفاني، بطريقتها، متسلِّحة بمخاطبة جمهورها بسلاسة وبساطة. تقول: «لا أحب الكليشيهات، ولا أجدها مناسبة للمسرح». أعمالها مثل الحياة، يختلط فيها الجد بالمزاح، والضحك بالبكاء، والحلو بالمر.

رائدة طه في مسرحية مونودرامية سابقة (صور الفنانة)

في الثامنة والخمسين من عمرها، اكتسبت رائدة طه تجربة قيمة، ليس في المسرح فحسب، الذي لم تبدأ تحقيق حلمها على خشبته قبل بلوغها أربعيناتها، وإنما من تاريخ طويل في مجالات متباينة. بقي الفن في خلفية كل اختباراتها الحياتية. هي التي تولى ياسر عرفات تعليمها (وإخوتها) منذ سن السابعة بعد رحيل والدها. درست الصحافة في أميركا، وتخرجت في جامعة ميسن بفرجينيا. في الثانية والعشرين، عملت في المكتب الصحافي لعرفات في تونس لثماني سنوات، قبل أن تتزوج وتعود إلى فلسطين، وتصبح المديرة الإدارية لـ«مركز خليل السكاكيني». تعلمت الباليه، والتحقت بفرقة الفولكور الفلسطيني، وعام 1978 جالت في مدن عالمية كثيرة مع الفرقة لتقديم أعمال فلسطينية، ما جعلها قريبة على الدوام من الفن، دون الانخراط كلياً في المسرح.

تُوفي زوجها، فوجدت نفسها تلجأ إلى الخشبة لتحقق حلماً طال انتظاره، ولم يُتَح لها تحقيقه من قبل. لكنها لم تنقطع عن الكتابة، فدوَّنت مذكراتها، وأصدرت كتاباً سمَّته «علي»، وقصصاً قصيرة. تضيف: «أستاذي ومعلمي كان محمود درويش، له الفضل في تشجيعي. هو أول مَن قرأ مخطوطة كتابي (علي)، وقصصي القصيرة، فعلَّمني كيف أقرأ، وماذا أقرأ. أفادني بخبرته ونصائحه كثيراً».

على المسرح تقول: «قررتُ البدء بسرد قصص قصيرة عن فلسطين، واتخذتها سلاحي الخاص، ومن هنا انطلقت».

تريد طه أن تشرح لجمهورها من خلال مسرحيتها الجديدة، كما التي سبقتها، أن سكان المخيمات ليسوا بذوراً برية نبتت مصادفة هنا. هؤلاء بشر كانت لهم بيوتهم وأرضهم وحياتهم وأملاكهم وأشجارهم. إسرائيل السبب المباشر في مصائب كثيرة، وكوارث لا تقف عند احتلال الأرض وطرد أصحابها. هناك محاولات حثيثة لاحتلال الذاكرة، وإعاقة التطوُّر الاجتماعي، وإجهاض الأحلام والمستقبل. «تناقُل الروايات عن فلسطين مسألة بالغة الأهمية، والروايات كثيرة وغنية. في تاريخنا زخمٌ وتنوع، فكلما انتهيتُ من كتابة قصة، وجدتُ غيرها الكثير بانتظاري».

كما في كل مرة، تنطلق طه بمسرحيتها الجديدة من بيروت، لتسافر بها حيثما تيسر في العالم. الجولة قيد الإعداد، وهذا لن يمنعها من استعادة مسرحيات سابقة في جولاتها أيضاً، فتلك أعمال تعبُر الزمن وتتجاوز الحدث اليومي المؤقت.


مقالات ذات صلة

منة شلبي تخوض أولى تجاربها المسرحية في «شمس وقمر»

يوميات الشرق الفنانة المصرية منة شلبي تقدم أول أعمالها المسرحية (حسابها على «فيسبوك»)

منة شلبي تخوض أولى تجاربها المسرحية في «شمس وقمر»

تخوض الفنانة المصرية منة شلبي أولى تجاربها للوقوف على خشبة المسرح من خلال عرض «شمس وقمر» الذي تقوم ببطولته، ويتضمن أغاني واستعراضات.

داليا ماهر (القاهرة )
يوميات الشرق عرض مسرحي

مهرجان للمسرح في درنة الليبية ينثر فرحة على «المدينة المكلومة»

من خلال حفلات للموسيقى الشعبية الليبية والأغاني التقليدية، استقطب افتتاح المهرجان أعداداً كبيرة من سكان درنة، لينثر ولو قليلاً من الفرح بعد كارثة الإعصار.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
يوميات الشرق حفل ختام مهرجان شرم الشيخ المسرحي شهد غياب مشاهير الفن (شرم الشيخ المسرحي)

«شرم الشيخ المسرحي» يُختتم بعيداً عن «صخب المشاهير»

اختتم مهرجان شرم الشيخ الدولي للمسرح الشبابي فعاليات دورته التاسعة، مساء الأربعاء، بعيداً عن صخب المشاهير.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
يوميات الشرق تملك المسرحية «اللؤم» المطلوب لتُباشر التعرية المُلحَّة للواقع المسكوت عنه (البوستر الرسمي)

«الماعز» على مسرح لندن تُواجه عبثية الحرب وتُسقط أقنعة

تملك المسرحية «اللؤم» المطلوب لتُباشر التعرية المُلحَّة للواقع المسكوت عنه. وظيفتها تتجاوز الجمالية الفنية لتُلقي «خطاباً» جديداً.

فاطمة عبد الله (بيروت)
يوميات الشرق مجموعة نشاطات فنّية يقدّمها الفريق في كل مركز (فضاء)

مؤسّسة «فضاء» تؤرشف للمسرح خلال الحرب

يختصر عوض عوض أكثر ما لفته في جولاته: «إنهم متعلّقون بالحياة ومتحمّسون لعيشها كما يرغبون. أحلامهم لا تزال تنبض، ولم تستطع الحرب كسرها».

فيفيان حداد (بيروت)

زافين قيومجيان في برنامج «شو قولك» ينقل رؤية جيل الغد

برنامج «شو قولك» مساحة حوار مع جيل الشباب (زافين قيومجيان)
برنامج «شو قولك» مساحة حوار مع جيل الشباب (زافين قيومجيان)
TT

زافين قيومجيان في برنامج «شو قولك» ينقل رؤية جيل الغد

برنامج «شو قولك» مساحة حوار مع جيل الشباب (زافين قيومجيان)
برنامج «شو قولك» مساحة حوار مع جيل الشباب (زافين قيومجيان)

في حوارات جدّية تتّسم بالموضوعية وبمساحة تعبير حرّة يطالعنا الإعلامي زافين قيومجيان ببرنامجه التلفزيوني «شو قولك» وعبر شاشة «الجديد» ينقل للمشاهد رؤية جيل الشباب لمستقبل أفضل للبنان.

ويأتي هذا البرنامج ضمن «مبادرة مناظرة» الدّولية التي تقوم على مبدأ محاورة أجيال الشباب والوقوف على آرائهم. اختيار الإعلامي زافين مقدّماً ومشرفاً على البرنامج يعود لتراكم تجاربه الإعلامية مع المراهقين والشباب. فمنذ بداياته حرص في برنامجه «سيرة وانفتحت» على إعطاء هذه الفئة العمرية مساحة تعبير حرّة. ومنذ عام 2001 حتى اليوم أعدّ ملفات وبرامج حولهم. واطّلع عن كثب على هواجسهم وهمومهم.

يرتكز «شو قولك» على موضوع رئيسي يُتناول في كل حلقة من حلقات البرنامج. وينقسم المشاركون الشباب إلى فئتين مع وضد الموضوع المطروح. ومع ضيفين معروفَين تأخذ الحوارات منحى موضوعياً. فيُتاح المجال بين الطرفين للنقاش والتعبير. وبتعليقات قصيرة وسريعة لا تتجاوز الـ90 ثانية يُعطي كل فريق رأيه، فتُطرح سلبيات وإيجابيات مشروع معيّن مقترح من قبلهم. وتتوزّع على فقرات محدّدة تشمل أسئلة مباشرة وأخرى من قبل المشاهدين. ولتنتهي بفقرة الخطاب الختامي التي توجز نتيجة النقاشات التي جرى تداولها.

ويوضح قيومجيان لـ«الشرق الأوسط»: «يهدف البرنامج إلى خلق مساحة حوار مريحة للشباب. ومهمتي أن أدير هذا الحوار بعيداً عن التوتر. فلا نلهث وراء الـ(تريند) أو ما يُعرف بالـ(رايتينغ) لتحقيق نسبِ مشاهدة عالية. وبذلك نحوّل اهتمامنا من محطة إثارة إلى محطة عقل بامتياز».

تجري مسبقاً التمرينات واختيار الموضوعات المُراد مناقشتها من قبل الشباب المشاركين. فالبرنامج يقوم على ثقافة الحوار ضمن ورشة «صنّاع الرأي»؛ وهم مجموعات شبابية يخضعون سنوياً لتمارين تتعلّق بأسلوب الحوار وقواعده. ويطّلعون على كلّ ما يتعلّق به من براهين وحجج وأخبار مزيفة وغيرها. فيتسلّحون من خلالها بقدرة على الحوار الشامل والمفيد. ويوضح زافين: «عندما يُختار موضوع الحلقة يجري التصويت لاختيار المشتركين. وبعد تأمين الفريقين، يلتقي أفرادهما بضيفي البرنامج. ومهمتهما دعم الشباب والوقوف على آرائهم. ونحرص على أن يكونا منفتحين تجاه هذا الجيل. فأهمية البرنامج تتمثل في التوفيق بين المشتركين بمستوى واحد. ولذلك نرى الضيفين لا يتصدران المشهدية. وهي عادة متّبعة من قبل المبادرة للإشارة إلى أن الشباب هم نجوم الحلقة وليس العكس».

يمثّل المشاركون من الشباب في «شو قولك» عيّنة عن مجتمع لبناني ملوّن بجميع أطيافه. أما دور زافين فيكمن في حياديته خلال إدارة الحوار. ولذلك تختار المبادرة إعلاميين مخضرمين لإنجاز هذه المهمة.

طبيعة الموضوعات التي تُثيرها كلّ مناظرة حالياً ترتبط بالحرب الدائرة في لبنان.

ويستطرد زافين: «عادة ما تُناقش هذه المناظرات موضوعات كلاسيكية تهمّ الشباب، من بينها الانتحار والموت الرحيم، ولكن هذه الاهتمامات تقلّ عند بروز حدث معيّن. فنحاول مواكبته كما يحصل اليوم في الحرب الدائرة في لبنان».

ضرورة فتح مطار ثانٍ في لبنان شكّل عنوان الحلقة الأولى من البرنامج. وتناولت الحلقة الثانية خدمة العلم.

ينتقد قيومجيان أسلوب بعض المحاورين على الشاشات (زافين قيومجيان)

«شيخ الشباب» كما يحبّ البعض أن يناديه، يرى زافين أن مهمته ليست سهلةً كما يعتقد بعضهم. «قد يُخيّل لهم أن مهمتي سهلة ويمكن لأي إعلامي القيام بها. فالشكل العام للبرنامج بمثابة فورمات متبعة عالمياً. والمطلوب أن يتقيّد بها فريق العمل بأكمله». ويستطرد: «يمكن عنونة مهمتي بـ(ضابط إيقاع) أو (قائد أوركسترا)؛ فالمطلوب مني بصفتي مقدّماً، التّحكم بمجريات الحلقة ومدتها ساعة كاملة. فالتجرّد وعدم التأثير على المشاركين فيها ضرورة. أنا شخصياً ليس لدي هاجس إبراز قدراتي وذكائي الإعلامي، والمقدم بصورة عامة لا بدّ أن ينفصل عن آرائه. وأن يكون متصالحاً مع نفسه فلا يستعرض إمكانياته. وهو أمر بتنا لا نصادفه كثيراً».

يقول زافين إن غالبية إعلاميي اليوم يتّبعون أسلوب «التشاطر» على ضيفهم. وهو أمر يبيّن عدم تمتع الإعلامي بالحرفية. ولنتمكّن من الإبقاء على هذا الأسلوب المرن لا بدّ أن نتدرّب على الأمر. وأن نملك الثقة بالنفس وهو ما يخوّلنا خلق مساحة حوار سليمة، تكون بعيدة عن الاستفزاز والتوتر وتأخذ منحى الحوار المريح».

يستمتع زافين قيومجيان بتقديم برنامجه «شو قولك»، ويقول: «أحب اكتشاف تفكير الشباب كما أني على تماس مستمر معهم من خلال تدريسي لطلاب الجامعة، وأنا أب لشابين».

يحضّر زافين قيومجيان لبرنامج جديد ينوي تقديمه قريباً عبر المحطة نفسها. ولكنه يرفض الإفصاح عن طبيعته. ويختم: «سيشكّل مفاجأة للمشاهد وأتمنى أن تعجبه».