صفقة تبادل «أسرى» مثيرة بين تنظيم القاعدة وطهران

خمسة من قيادات التنظيم بينهم سيف العدل مقابل دبلوماسي إيراني مختطف في اليمن

عناصر من «القاعدة» («الشرق الأوسط»)
عناصر من «القاعدة» («الشرق الأوسط»)
TT

صفقة تبادل «أسرى» مثيرة بين تنظيم القاعدة وطهران

عناصر من «القاعدة» («الشرق الأوسط»)
عناصر من «القاعدة» («الشرق الأوسط»)

في صفقة وصفت بالخطيرة، أقدمت إيران على إطلاق سراح 5 من أبرز قياديي تنظيم القاعدة، بينهم المسؤول العسكري للتنظيم المطلوب أميركيا سيف العدل، الذين كانوا محتجزين لديها في وقت سابق من هذا العام، مقابل تحرير دبلوماسي إيراني كان محتجزًا في اليمن، حسبما كشف مسؤول أميركي.
وجاء إطلاق إيران للخمسة كجزء من عملية لتبادل الأسرى تمت في مارس (آذار) الماضي مع فرع تنظيم القاعدة في اليمن، وهي الجماعة التي كانت تحتجز أحد الدبلوماسيين الإيرانيين ويدعى نور أحمد نكبخت. وكان نكبخت قد اختطف من العاصمة اليمنية صنعاء في يوليو (تموز) من عام 2013.
وكانت الحكومة الإيرانية قد نفت في بيان لها أول من أمس، ما نشرته «وكالة سكاي نيوز» الإخبارية هذا الأسبوع، عن أنها قد أطلقت سراح السجناء الخمسة. لكن المسؤول الأميركي، الذي فضل إخفاء هويته لمناقشة تلك المسألة، أكد إطلاق سراح سيف العدل، وهو من أبرز قادة الهيئة الحاكمة لتنظيم القاعدة، والمعروفة باسم مجلس شورى التنظيم، وأشرف على عمليات التنظيم بعد مقتل أسامة بن لادن على أيدي قوات النخبة الأميركية في باكستان عام 2011.
ووصف المحللون الذين يتابعون أنشطة تنظيم القاعدة عملية إطلاق السراح بأنها تنذر بالمزيد من الخطر، نظرا لأهمية ومكانة الرجال الخمسة في التنظيم. إذ تأتي العملية في وقت فقد فيه التنظيم الكثير من قادته إثر الغارات الجوية المتعاقبة، بما في ذلك مقتل ناصر الوحيشي في وقت سابق من هذا الصيف، والذي كان يعتبر المدير التنفيذي للتنظيم الإرهابي. في الوقت نفسه، يعاني التنظيم نزوحا كبيرا في عدد الأعضاء الذين انتقلوا إلى تنظيم داعش الأكثر دموية وذكاء في المجال الإعلامي.
ومن شأن الإفراج عن الرجال الخمسة إعادة تنشيط التنظيم وتوفير زيادة في قدرات القادة في أحد أوقات التنظيم الحاسمة، على حسب ما أفاد به خبراء مكافحة الإرهاب.
يذكر أن سيف العدل كان عقيدا سابقا في الجيش المصري ويعتقد أنه يقترب من الـ50 من عمره، وهو مدرج على قائمة أكثر المطلوبين لدى المباحث الفيدرالية الأميركية «إف بي آي»، ووجهت إليه أيضا اتهامات في قضية تفجير السفارتين الأميركيتين في نيروبي ودار السلام عام 1998، ومتهم كذلك باختطاف الصحافي الأميركي دانييل بيرل عام 2002. وتورط في اغتيال الرئيس المصري الراحل أنور السادات عام 1981. وكان ضابطا في القوات الخاصة المصرية قبل أن ينضم لجماعة الجهاد الإسلامي المصرية التي قادت مع الجماعة الإسلامية حملة عنف مسلح في ثمانينات وتسعينات القرن الماضي في مصر ثم غادر إلى أفغانستان وكان نشطاء تنظيم القاعدة يصفونه بأنه مدير العمليات في «القاعدة».
وكان أبو الوليد المصري (مصطفى حامد)، وهو من قدامى المقاتلين العرب في أفغانستان الذي أقام في إيران منذ نهاية سقوط طالبان قبل وصوله إلى الإسكندرية منذ نحو ثلاثة أعوام، أنهى جدلا بخصوص هوية زوج ابنته سيف العدل، مشيرا إلى أنه ليس الضابط المصري محمد إبراهيم مكاوي، وأنه ليس الشخص المطلوب.
وصحح «المرصد الإسلامي» في لندن للمرة الأولى التضارب حول شخصية سيف العدل، وبث الصورة الحقيقية لعقيد الصاعقة المصري مكاوي وكنيته (أبو المنذر).
ووفقا للمسؤول الأميركي المطلع على تفاصيل عملية التبادل، فإن الرجال الأربعة الآخرين الذين أفرجت عنهم إيران هم: عبد الخير علي المصري، وهو مصري ترأس فيما سبق مجلس العلاقات الخارجية لتنظيم القاعدة، وأبو القسام، وهو أردني وكان نائبا لأبو مصعب الزرقاوي، مؤسس التنظيم الذي تحول فيما بعد ليكون «داعش»، وساري شباب، العميل الأردني بالتنظيم، وأبو محمد المصري، وهو مصري ساعد في تخطيط العمليات الرئيسية لتنظيم القاعدة قبل هجمات الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) 2001. ومن غير الواضح متى وقعت عملية تبادل الأسرى تحديدا، حيث يقول البعض بأنها تمت قبل نحو ستة شهور.
وعبَّر خبراء في الشأن الأصولي عن تخوُّفهم الشديد من أنه مع إطلاق سراح هؤلاء فقد يتوجهون إلى معاقل «القاعدة» في باكستان وأفغانستان واليمن وسوريا والصومال، وإلى مناطق الصراع، أو يخططون لشن هجمات إرهابية خطيرة، ربما تخطط لها إيران. وقال الجنرال مايكل تي. فلين، الذي تقاعد العام الماضي عقب رئاسته لوكالة الدفاع الوطني الأميركية «إن إطلاق سراح سيف العدل سوف يمنح قيادة تنظيم القاعدة دفعة قوية للغاية»، وأضاف الجنرال المتقاعد «أن حالة التآمر ما بين (القاعدة) وإيران هي شيء لمسناه من قبل وعملية التبادل المذكورة، إذا وقفت الولايات المتحدة على تفاصيلها، سوف تتم كجزء من مفاوضات الاتفاق الإيراني».
وكشفت مصادر أميركية أن التنظيم قرر إرسال عدد من قادته رفيعي المستوى إلى إيران بعد سقوط طالبان، معتقدين أنها أحد المواضع خارج حدود الهيمنة العسكرية الأميركية. ولقد ذهب سيف العدل إلى هناك برفقة إحدى زوجات أسامة بن لادن وأطفالها، وعهد إليه بتأمين سفرهم ووصولهم إلى هناك. ومن غير الواضح أيضا متى تم اعتقال الرجال الخمسة المذكورين بواسطة السلطات الإيرانية. ولقد ظلوا قيد الإقامة الجبرية، واستمروا في التواصل مع بقية أعضاء التنظيم، وفقا للرسائل والخطابات التي اعترضت لهم وتم استردادها في وقت لاحق.
يُذكر أن إيران التي سبق أن احتجزت ثالث رجال القاعدة أهمية (أبو محمد المصري)، كانت قد أطلقت سراحه في وقت سابق. وحسب مصادر استخبارية، كان للمصري يد في هجمات سفارتي الولايات المتحدة عام 1998، وهجمات 11 سبتمبر 2001. وأطلقت طهران ضمن الصفقة أيضا، سراح العنصرين أردنيي الأصل خالد العاروري (أبو القسام) وساري شهاب؛ حيث شغل الأول منصب نائب قائد فرع التنظيم في العراق تحت زعامة أبو مصعب الزرقاوي حتى مقتله عام 2006. وتورط العاروري في الكثير من الهجمات الإرهابية.
من جهته، قال الدكتور هاني السباعي مدير مركز المقريزي في لندن لـ«الشرق الأوسط» بأن «القاعدة» لن تقوم بالإعلان عن تفاصيل الصفقة حتى يتم تأمين الرهائن الذين أفرجت عنهم طهران، أي لن تتسرع «القاعدة» في ذلك حتى خروجهم من بلوشستان على الحدود الإيرانية إلى داخل الشريط الحدودي المحكوم من قبل القبائل، مشيرا إلى أن الوسطاء يكون لهم في العادة دور كبير في خروج الرهائن بأمان إلى الجهة المقررة، بعيدا عن طلعات «الدرون» الأميركية. وقال: إن الصفقة تمت منذ شهور طويلة، وربما بداية العام وكان هناك اتفاق بين «القاعدة» وطهران بعدم خروجها إلى العلن.
يشار إلى أن الحكومة الإيرانية كانت تنفي بشكل مستمر وجود معتقلين أصوليين لديها، لكن الدوائر الأجنبية كانت تعرف الحقيقة، وتأكدت أكثر من خلال تفاصيل وافرة عن الملف وجدتها في وثائق «ويست بوينت» الأميركية التي وجدت في البيت الذي اغتيل فيه أسامة بن لادن في مدينة أبوت آباد الباكستانية. وبحسب مراقبين، فإن «إيران كانت تعترف تلميحا بوجود معتقلين من (القاعدة) لديها، لكنها تحاول الإيحاء بأنهم لاجئون أو ضيوف»، فيما يعرف الجميع أنهم خرجوا تباعا، إما بالإفراج أو عبر صفقات تبادل. ولا يعرف إن كان أحد قد بقي، أم أن الخمسة كانوا آخر المعتقلين.



هجمات منتظمة للانفصاليين في الشطر الهندي من كشمير

أحد عناصر الأمن يظهر من داخل آلية مدرعة في موقع إطلاق نار بين مسلحين وقوات الأمن الهندية في سريناغار (أ.ف.ب)
أحد عناصر الأمن يظهر من داخل آلية مدرعة في موقع إطلاق نار بين مسلحين وقوات الأمن الهندية في سريناغار (أ.ف.ب)
TT

هجمات منتظمة للانفصاليين في الشطر الهندي من كشمير

أحد عناصر الأمن يظهر من داخل آلية مدرعة في موقع إطلاق نار بين مسلحين وقوات الأمن الهندية في سريناغار (أ.ف.ب)
أحد عناصر الأمن يظهر من داخل آلية مدرعة في موقع إطلاق نار بين مسلحين وقوات الأمن الهندية في سريناغار (أ.ف.ب)

تتزايد الهجمات المسلحة في الشطر الهندي من كشمير المتنازع عليه، من نصب كمائن إلى عمليات إطلاق نار مروراً بإلقاء قنابل على سوق، في تناقض لتأكيدات الحكومة المركزية في نيودلهي المتكررة بإعادة الهدوء والنظام إلى المنطقة.

وما زالت كشمير ذات الغالبية المسلمة منقسمة بين الهند وباكستان منذ استقلتا عن الحكم البريطاني عام 1947، وتشهد تمرّداً متواصلاً منذ مدة طويلة. وتطالب كل من نيودلهي وإسلام آباد بالسيطرة على المنطقة برمتها.

وينتشر 500 ألف جندي هندي في كشمير حيث يكافحون تمرّداً أودى بعشرات آلاف المدنيين والجنود والمتمرّدين منذ عام 1989.

وفي الأسابيع الأخيرة، ارتفعت حدة العنف بشكل ملحوظ. فإلى جانب الهجمات المعتادة، استهدف الانفصاليون وسط مدينة سريناغار الرئيسة، وفقاً لـ«وكالة الصحافة الفرنسية».

واعتبر الجنرال ديبندرا سينغ هودا، القائد السابق لقيادة الشمال في الجيش الهندي، أن «هذه الهجمات لا تهدف إلى القتل فحسب، بل إلى معارضة الرواية الهندية التي تفيد بأن كل شيء على ما يرام كذلك».

وألغت حكومة رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي الحكم الذاتي المحدود لكشمير في عام 2019، ووضعتها تحت وصاية مباشرة أكثر لنيودلهي.

وترافق ذلك مع اعتقالات جماعية وانقطاع الاتصالات لمدة أشهر. وتقول إدارة مودي إن القرار سمح لها بوقف التمرد، لكنّ المنتقدين اتهموها بقمع الحريات السياسية.

ومنذ ذلك الحين تتباهى نيودلهي بأن قرارها الذي طلبت الجمعية المحلية الفائزة في انتخابات أكتوبر (تشرين الأول) إلغاءه، جلب «السلام والتنمية والرخاء».

وهو تأكيد يحاول الانفصاليون الذين يطالبون باستقلال كشمير أو بضم شطرها الهندي إلى باكستان، مناقضته من خلال زيادة هجماتهم.

وأكد هودا أن «رسالتهم الأساسية تكمن في أن كشمير لا تزال تمثل معضلة».

«الدعم النشط»

وتتهم الهند باكستان بدعم الانفصاليين وتسليحهم، وهو ما تنفيه إسلام آباد.

وأشار الجنرال إلى أن «تزايد» التحركات الملحوظة على جانبَي الحدود بين البلدين في عام 2024 «لم يكن ممكناً لولا الدعم النشط من الجيش الباكستاني».

وفي هذه الأجواء المتوترة، ينتشر الجيش في أنحاء المدن وعلى الطرق. وتم تعبئة الميليشيات التي جرى تسليحها لضمان حماية القرى النائية.

وأصبح هؤلاء المسلحون جزءاً أساسياً من المشهد بالنسبة إلى العديد من السكان الذين تعلموا التأقلم مع العنف.

ففي 3 أكتوبر، بعد هجوم بقنبلة على سوق في سريناغار أودى بحياة شخص وإصابة 11 آخرين، أعاد التجار فتح محلاتهم بعد ساعتين فقط من الحادث.

ومع ذلك، ظلت حصيلة هذه الهجمات مستقرة، مع مقتل 120 شخصاً هذا العام مقارنة بـ130 في 2023، وفق الموقع الإلكتروني المتخصص «ساوث إيجا تيروريسم بورتال».

وتوقع فرد من قوات الأمن، فضّل عدم الكشف عن هويته، أن «يستمر النزاع على هذا النحو بوتيرة بطيئة ما دامت كشمير مقسمة إلى شطرين». وأضاف: «نحن نسيطر على الوضع هنا، وهم (في باكستان) يقومون بإثارته».

وأكد الجيش أنه أردى 720 انفصالياً خلال السنوات الخمس الماضية.

وفي أكتوبر، قدر المسؤول العسكري الإقليمي إم في سوشيندرا عدد الانفصاليين النشطين بنحو 130.

ويضم هذا العدد الكبير أولئك الذين يوصفون بأنهم «مدربون ومسلحون بشكل جيد» من قبل باكستان، بحسب مصدر أمني محلي.

وأكد المصدر أن «هجماتهم المباغتة تسبب أضراراً، لكن الوضع تحت السيطرة».

ورغم أن عدد الانفصاليين محدود، لا يتوقّع هودا عودة الهدوء على المدى القصير. وأوضح: «لطالما اعتبرت باكستان أن التصعيد يسمح بإبقاء كشمير في واجهة الأحداث».