لودريان يُنهي جولة جديدة من المساعي الرئاسية... وجدل حول «الخيار الثالث»

بري لـ«الشرق الأوسط»: الحوار مطلب عربي ودولي ومسار وحيد للخروج من الأزمة

من اللقاء في منزل السفير السعودي (الشرق الأوسط)
من اللقاء في منزل السفير السعودي (الشرق الأوسط)
TT

لودريان يُنهي جولة جديدة من المساعي الرئاسية... وجدل حول «الخيار الثالث»

من اللقاء في منزل السفير السعودي (الشرق الأوسط)
من اللقاء في منزل السفير السعودي (الشرق الأوسط)

يُنهي الموفد الرئاسي الفرنسي جان إيف لودريان، مهمته في بيروت اليوم، بلقاء ثانٍ مع رئيس البرلمان اللبناني نبيه بري، وسط توقعات بعودة جديدة إلى لبنان لاستكمال مهمته الرامية إلى تسهيل عملية انتخاب رئيس جديد للبلاد بعد أن عجز البرلمان عن انتخاب رئيس جديد منذ نهاية ولاية الرئيس السابق ميشال عون في الأول من نوفمبر (تشرين الثاني) 2022.

وتوقعت مصادر لبنانية رفيعة المستوى عودة لودريان إلى بيروت مجدداً، لاستكمال مساعيه، فيما نفى الرئيس بري طرح لودريان فكرة «الاسم الثالث» مما يعني سقوط ترشيح الوزير السابق سليمان فرنجية والوزير السابق جهاد أزعور. وقال بري في اتصال مع «الشرق الأوسط» إن «الأمور ممتازة مع لودريان... ونحن على الخط نفسه». وشدد على أن الحوار «ليس مطلبه وحده، بل مطلب عربي ودولي لأنه السبيل الوحيد للخروج من هذه الأزمة»، معلناً أنه سينتظر ما يحمله إليه لودريان بعد ختام جولته «ليبني على الشيء مقتضاه»، في وقت ترى فيه المعارضة، انطلاقاً من اللقاءات التي عقدتها مع الموفد الفرنسي، أن المبادرة الفرنسية سقطت وتحديداً لجهة دعم ترشيح رئيس تيار المردة سليمان فرنجية ما يعني سقوط خيار الوزير السابق جهاد أزعور (مرشح المعارضة)، وبالتالي التوجه إلى خيار ثالث بديل.

وكان لودريان قد استكمل جولته اللبنانية الجديدة بلقاء مع البطريرك الماروني بشارة الراعي ثم بلقاء مع عدد من النواب المستقلين في مقر السفارة الفرنسية، ولقاء جامع مع النواب السنة حضره مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان، والسفير السعودي في بيروت وليد بخاري، في مقر الأخير شرق بيروت.

وعُقدت خلوة جمعت كلاً من السفير بخاري ولودريان ومفتي الجمهورية قبل الاجتماع الموسع مع النواب السنة. وفي بداية اللقاء كانت كلمات لكل من السفير السعودي ثم المفتي دريان ولودريان، حيث كان تأكيد من الجميع على ضرورة الإسراع بانتخاب رئيس، وتلت ذلك مداخلات من النواب الذين أكد معظمهم «ضرورة انتخاب رئيس وفق مواصفات معينة والعمل لبناء الدولة».

ويصف النائب أشرف ريفي اللقاء بـ«الجيد»، مشيراً إلى أنه يصبّ في خانة تسهيل عملية انتخاب الرئيس متحدثاً عن دينامية قد تؤدي إلى تسوية بانتخاب قائد الجيش العماد جوزيف عون. ويقول لـ«الشرق الأوسط»: «إن الموفد الفرنسي كان صريحاً بقوله للنواب إنه يتفّهم حساسية الدعوة إلى الحوار بالنسبة إلى اللبنانيين نتيجة التجارب الفاشلة في هذا الإطار، لذا فهو دعاهم إلى الكلام والتواصل بعضهم مع بعض». من هنا يصف ريفي الكلام بالدبلوماسي، بحيث قد يرى الفريق الداعم للحوار أنه يدعم وجهة نظره فيما يرى فيه المعارضون خياراً آخر بديلاً عن الحوار المطروح.

وفي حين من المعروف أن معظم النواب السنة الذين حضروا اللقاء هم من المؤيدين للحوار، باستثناء ريفي وفؤاد مخزومي ووضاح صادق وياسين ياسين وبلال الحشيمي، إضافةً إلى كتل نيابية معظمها من الأحزاب المسيحية... يرى ريفي، وفقاً لما توفر من معلومات ومعطيات، أن التوجه هو بات للبحث عن خيار ثالث بعيداً عن فرنجية وأزعور. ويقول: «نتوقع أن يُعقد الحوار بمن حضر، ومن ثم تتم الدعوة لجلسات انتخاب مفتوحة لانتخاب رئيس، وهنا من المرجّح أن الخيار بات نحو قائد الجيش العماد جوزيف عون».

وبعد اللقاء أكد النائب فيصل كرامي أن «السعودية مع كل ما يسهّل الحل والدفع باتجاه جلسات مفتوحة أو الاتفاق على مرشح»، معتبراً أن الدول لن تقف بوجه مثل هذه المبادرات.

من جهته، قال النائب عبد الرحمن البزري، إن «اللجنة الخماسية تشجع أي حوار رئاسي، والمشكلات الأخرى ترحَّل إلى ما بعد انتخابات الرئيس». فيما طرح النائب وضاح الصادق أسئلة عدة حول الدعوة إلى الحوار التي طرحها رئيس البرلمان نبيه بري. وأضاف: «سمعنا عن الحوار في الإعلام من دون معرفة آلياته وجدول أعماله»، سائلاً: «مَن سيقود الحوار؟ وما شروطه؟ وهل من ضمانة بالذهاب إلى جلسات مفتوحة؟». ورأى أن الإيجابي في كلام المفتي تأكيده أن النواب السنة لن «يكسروا» النصاب، متمنياً أن يطبَّق هذا الكلام، وتحدث عن «إحساس أننا نتقدم نوعاً ما، لكن ما من شيء ثابت، ونحن مصرون على موقفنا بضرورة تطبيق الدستور والقانون».

وبعدما كان لودريان قد التقى رئيس «القوات اللبنانية» سمير جعجع، ومسؤولين في الحزب، يوم الأربعاء، تحدث رئيس العلاقات الخارجية في حزب «القوات اللبنانية»، الوزير السابق رئيشار قيومجيان الذي كان حاضراً اللقاء مع الموفد الفرنسي، عن سقوط المبادرة الفرنسية قائلاً لـ«الشرق الأوسط»: «المبادرة الفرنسية سقطت وأسقطت معها خيار فرنجية مقابل أزعور، وبالتالي البحث اليوم بات خارج هذا السياق». ويضيف: «من المؤكد أن التوجه اليوم للبحث في خيار ثالث إنما من دون الدخول في أسماء حتى الساعة»، مجدداً تأكيد رفض «القوات» الحوار الذي دعا إليه رئيس البرلمان نبيه بري، على غرار كتل نيابية معارضة أخرى. ويقول: «ننتظر أن يستكمل الموفد الفرنسي لقاءاته على أن يبلغنا النتائج وما الخيارات البديلة، أو عمّا إذا كان سيكمل مبادرته أم أنها انتهت هنا».

وأشارت مصادر نيابية متابعة للقاءات لودريان، لـ«الشرق الأوسط» إلى أنه من المتوقع أن يزور الموفد الفرنسي في ختام لقاءاته، يوم الجمعة، رئيس البرلمان نبيه بري، لإطلاعه على نتيجة لقاءاته على غرار ما قام به في زيارته السابقة إلى بيروت، ولفتت إلى أنه بناءً على هذه النتيجة سيتخذ رئيس البرلمان خياره بشأن دعوته إلى الحوار التي كان قد وعد بأن تنتهي بعقد جلسات مفتوحة إلى حين انتخاب رئيس للجمهورية.

اللقاء حضره 21 نائباً سُنياً (الشرق الأوسط)

واجتمع لودريان (الخميس)، مع البطريرك الماروني بشارة الراعي، والأمين العام لحزب «الطاشناق»، رئيس كتلة نوّاب الأرمن النائب هاغوب بقردونيان، وعدد من النواب المستقلين، بعدما كان قد التقى (الأربعاء) عدداً من رؤساء الأحزاب وكتل نيابية. وفي بيان أشارت بكركي إلى أن الموفد الفرنسي الخاص إلى لبنان جان إيف لودريان وضع البطريرك الراعي في أجواء نتائج اتصالاته ولقاءاته خلال زيارته الراهنة إلى لبنان، واستمع الأخير إلى وجهة نظره حول آليات تحريك الملف الرئاسي الجامد.

من جهته كرر البطريرك الراعي، حسب البيان، مواقفه المعلنة بشأن حرصه على ممارسة الديمقراطية واعتماد الدستور كآلية أساسية وطبيعية للحل، مؤكداً أن «انتخاب رئيس للجمهورية هو المدخل الحصري لانتظام عمل المؤسسات الدستورية وعودة الحياة السياسية إلى طبيعتها». كذلك أشار بيان «الطاشناق» إلى أن «النقاش مع بقردونيان دار حول نتائج محادثات لودريان مع الأطراف السياسية انتخاب رئيس للجمهورية وكان مثمراً وإيجابياً، حيث تم التشديد على ضرورة استكمال الاتّصالات والمناقشات مع الأطراف اللبنانية والعمل على الابتعاد عن وضع الشروط وعن الخطابات ذات السقف العالي للوصول إلى انتخاب رئيس توافقي، كمدخل أساسي لبدء العمل في حلّ الأزمة الراهنة في البلاد».

وبعد لقائه الموفد الفرنسي، لفت النائب نعمة أفرام، إلى أنه لمس «تزاوجاً واضحاً ما بين حركة الوزير الفرنسي ومبادرة الرئيس بري للحوار»، متوقعاً أن يعود ويلتقي الرجلان، وسيتمّ البحث حول خريطة طريق للمرحلة المقبلة رئاسياً المبنيّة على إجابة الكتل التي تمثل أكثر من 90 نائباً عن الأسئلة التي كان طرحها الموفد الفرنسي. وسيشارك لودريان مع الرئيس بري العناوين حول حصيلة الأجوبة التي تلقّاها من النوّاب وهذا ما يقرّب ما بين المسارين لإنتاج رئيس بسرعة». وأضاف: «استوقفني في اللقاء إضافة موضوع الرئيس الجامع الآتي من المساحات المشتركة، وهذا يدلّ على قرب لحظة الانتخاب...». وأكد: «نحن لم نتداول بالأسماء، بل بمهام وخصائص الرئيس، بحيث يكون غير مستفزّ وله إلمام بالمواضيع الاجتماعيّة والاقتصاديّة لتكون لديه رؤية واضحة ومتكاملة ويترجم أقواله بأفعال». وتحدث النائب وليد البعريني عن سقوط خيارَي فرنجية – أزعور، قائلاً في حديث إذاعي: «تراوح الأمور مكانها وسط الاحتدام السياسي المستمر، ولو أن الموفد الفرنسي قد أسقط في لقاءاته هذه المرة خيارَي فرنجية - أزعور وطرح الذهاب نحو اسم ثالث لرئاسة الجمهورية».

وفي هذا الإطار، رأى النائب غسان سكاف الذي التقى (الخميس) لودريان، أن هناك حظوظاً لاختراق الأزمة الرئاسية في لبنان، وقال بعد لقائه مفتي الجمهورية عبد اللطيف دريان: «التقينا اليوم مبعوث الرئيس الفرنسي الوزير جان إيف لودريان، وأرى أن حظوظ اختراق الأزمة الرئاسية في لبنان أصبحت أفضل بسبب التطورات الخارجية، علينا كلبنانيين أن نتحرك داخلياً، وأن نلتقط هذه الفرصة وأن نستغلّ التطورات الخارجية من أجل إنقاذ لبنان». وأضاف: «قدمنا ورقة للوزير للموفد الفرنسي من أجل الحث على الدعوة لانتخاب رئيس جمهورية، ونحن كنا قد طلبنا من رئيس البرلمان نبيه بري أن يقوم بدعوة مع تاريخين: الدعوة الأولى للحوار الوطني بجولات حوارية متتالية لمدة سبعة أيام. والتاريخ الثاني هو دعوة المجلس النيابي لانتخاب رئيس للجمهورية في جلسة انتخاب ودورات متتالية. ما يعني جلسات حوارية متتالية لسبعة أيام، ثم جلسة في دورات متتالية إلى حين انتخاب رئيس جمهورية من دون إسقاط النصاب ومهما كانت نتائج الجولات الحوارية».


مقالات ذات صلة

عون يتقدم رئاسياً ويصطدم برفض «الثنائي الشيعي» تعديل الدستور

المشرق العربي من آخر جلسة فاشلة لانتخاب رئيس للجمهورية (البرلمان اللبناني)

عون يتقدم رئاسياً ويصطدم برفض «الثنائي الشيعي» تعديل الدستور

يتبين من خلال التدقيق الأولي في توزّع النواب على المرشحين لرئاسة الجمهورية، أن اسم قائد الجيش العماد جوزف عون لا يزال يتقدم على منافسيه.

محمد شقير
المشرق العربي برّي مُصرّ على عدم تأجيل موعد الانتخابات (الوكالة الوطنية للإعلام)

بري لـ«الشرق الأوسط»: انتخابات الرئاسة في موعدها... ولا نشترط تفاهمات مسبقة حول الحكومة

أكد رئيس البرلمان اللبناني نبيه بري أن المساعي مستمرة لإنجاح الجلسة النيابية المقررة في 9 يناير (كانون الثاني) المقبل لانتخاب رئيس للجمهورية.

ثائر عباس (بيروت)
خاص ناشطون يحملون أعلاماً لبنانية وسورية وصور الصحافي سمير قصير الذي اغتاله النظام السوري السابق لمعارضته له في تحرك ببيروت تحت شعار «مِن بيروت الحرية» احتفالاً بسقوط نظام بشار الأسد (إ.ب.أ)

خاص مصادر لـ«الشرق الأوسط»: ميقاتي أعطى تعليمات للمؤسسات اللبنانية للتعاون مع «هيئة تحرير الشام»

فُتِحَت قنوات التواصل بين لبنان والحكومة السورية المؤقتة، ونَقَل دبلوماسيون رسالة من قائد «هيئة تحرير الشام» إلى لبنان بأنه لا مشكلة مع الدولة اللبنانية

يوسف دياب
المشرق العربي رئيس البرلمان نبيه بري مجتمعاً مع رئيس الحزب «التقدمي الاشتراكي» السابق وليد جنبلاط والحالي نجله رئيس كتلة «اللقاء الديمقراطي» النائب تيمور جنبلاط (الوكالة الوطنية للإعلام)

«الاشتراكي» يتبنى ترشيح قائد الجيش لرئاسة الجمهورية اللبنانية

أعلنت كتلة «اللقاء الديمقراطي» تأييدها لقائد الجيش العماد جوزف عون لرئاسة الجمهورية في خطوة لافتة ومتقدمة عن كل الأفرقاء السياسيين.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي الرئيس التركي رجب طيب إردوغان مستقبلاً رئيس الحكومة اللبنانية نجيب ميقاتي (إ.ب.أ)

تركيا ولبنان يتفقان على «العمل معاً» في سوريا

أكد الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، الأربعاء، أن أنقرة وبيروت «اتفقتا على العمل معاً في سوريا بعد سقوط نظام بشار الأسد».

سعيد عبد الرازق (أنقرة)

سكان قرية سورية متروكون لمصير مجهول أمام قوات إسرائيلية متوغلة

مركبات «هامفي» تابعة للجيش الإسرائيلي تتحرك في المنطقة العازلة التي تسيطر عليها الأمم المتحدة والتي تفصل بين القوات الإسرائيلية والسورية في مرتفعات الجولان (أ.ف.ب)
مركبات «هامفي» تابعة للجيش الإسرائيلي تتحرك في المنطقة العازلة التي تسيطر عليها الأمم المتحدة والتي تفصل بين القوات الإسرائيلية والسورية في مرتفعات الجولان (أ.ف.ب)
TT

سكان قرية سورية متروكون لمصير مجهول أمام قوات إسرائيلية متوغلة

مركبات «هامفي» تابعة للجيش الإسرائيلي تتحرك في المنطقة العازلة التي تسيطر عليها الأمم المتحدة والتي تفصل بين القوات الإسرائيلية والسورية في مرتفعات الجولان (أ.ف.ب)
مركبات «هامفي» تابعة للجيش الإسرائيلي تتحرك في المنطقة العازلة التي تسيطر عليها الأمم المتحدة والتي تفصل بين القوات الإسرائيلية والسورية في مرتفعات الجولان (أ.ف.ب)

في إحدى قرى محافظة القنيطرة، جنوب سوريا، يقف سكان وجهاً لوجه مع قوات إسرائيلية استغلت التغيير السياسي والميداني المتسارع في دمشق، لتنفيذ عمليات توغل في المنطقة العازلة ومواقع مجاورة، في خطوة نددت بها الأمم المتحدة.

ففي شارع رئيسي في قرية جباتا الخشب، يتجول جنود إسرائيليون بكامل عتادهم، على تماس مع السكان المحليين الذين يكتفون بالمراقبة من بعد، في مشهد لم يكن مألوفاً حتى الأمس القريب. وتتمركز دبابة على الأقل عند أطرافها، وفق «وكالة الصحافة الفرنسية».

وتقع القرية في القسم الشرقي من هضبة الجولان التي احتلتها إسرائيل في حرب 1967، ثم ضمتها عام 1981 في خطوة لم يعترف بها المجتمع الدولي. وهي من عداد القرى الواقعة في المنطقة العازلة؛ حيث ينتشر عناصر قوة الأمم المتحدة المخولون مراقبة اتفاق فض الاشتباك.

وتتكرَّر المشاهد نفسها في مدينة البعث وسط القنيطرة التي توغلت فيها قوات وعربات إسرائيلية، في خطوات تزامنت مع شنِّ إسرائيل سلسلة غارات غير مسبوقة على عشرات المواقع العسكرية ومخازن الصواريخ وأنظمة الدفاع الجوي التابعة للجيش السوري، عقب إطاحة فصائل معارضة نظام بشار الأسد وهروبه من البلاد.

مركبات «هامفي» تابعة للجيش الإسرائيلي تتحرك في المنطقة العازلة التي تسيطر عليها الأمم المتحدة والتي تفصل بين القوات الإسرائيلية والسورية في مرتفعات الجولان بالقرب من قرية مجدل شمس الدرزية بمرتفعات الجولان التي ضمتها إسرائيل (أ.ف.ب)

ويقول الدكتور عرسان عرسان، المقيم في مدينة البعث وسط القنيطرة (51 عاماً) لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «الناس ممتعضة جداً من التوغل الإسرائيلي في المنطقة (...) نحن مع السلام؛ لكن شرط أن تنسحب إسرائيل إلى خط وقف إطلاق النار»، في إشارة إلى خط فض الاشتباك الذي يفصل بين الأجزاء التي تحتلها إسرائيل من مرتفعات الجولان وبين بقية الأراضي السورية.

ومع توغل القوات الإسرائيلية، تقطعت أوصال مدينة البعث بأعمدة حديدية كبيرة وبقايا أغصان أشجار وسواتر ترابية، خلَّفتها الجرافات الإسرائيلية، وفق السكان. ويتابع عرسان: «أنظر إلى الشوارع التي خرَّبتها الجرافات الإسرائيلية واللافتات التي حطمتها، إنه عمل غير إنساني».

وسيطرت القوات الإسرائيلية على المنطقة العازلة ومواقع مجاورة في جبل الشيخ وريف دمشق.

رفع العلم الإسرائيلي

وعقد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الثلاثاء الماضي، اجتماعاً أمنياً على جبل الشيخ في الجولان السوري المحتل.

وقال وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس إنه زار مع نتنياهو «لأول مرة قمة جبل الشيخ» منذ انتشار القوات الإسرائيلية فيها عقب إطاحة الأسد.

وخلا الطريق الرابط بين دمشق ومحافظة القنيطرة من أي وجود عسكري لفصائل معارضة، وبدت كل الحواجز والمقرات الأمنية السابقة خالية من عناصرها، وفق «وكالة الصحافة الفرنسية».

وكانت القوات الحكومية قد أخلت تباعاً كل مواقعها في جنوب سوريا، عشية تقدم الفصائل المعارضة بقيادة «هيئة تحرير الشام» إلى دمشق وإسقاط الأسد.

وانكفأ سكان بلدات القنيطرة داخل منازلهم، واكتفى بعضهم بالوقوف على الأبواب مراقبين انتشار القوات الإسرائيلية بين أحيائهم وفي شوارعهم، بينما رفع جنود إسرائيليون العلم الإسرائيلي على عدد من التلال القريبة المشرفة على القنيطرة.

وعلى مشارف قرية الحميدية المجاورة لمدينة البعث، يقف ياسين العلي (43 عاماً) وإلى جانبه أطفال يلعبون على دراجة هوائية. ويقول ابن مدينة البعث: «نحن على بعد أقل من 400 متر من الدبابات الإسرائيلية (...) والأطفال هنا خائفون من التوغل الإسرائيلي».

ونزح سكان جراء تقدم القوات الإسرائيلية من عدد من البلدات السورية الحدودية مع إسرائيل. ويتابع العلي: «نناشد حكومة الإنقاذ والمجتمع الدولي أن يتحملوا مسؤوليتهم تجاه هذا التوغل الذي حدث خلال أسبوع».

«انتهاك» لفض الاشتباك

واعتبرت الأمم المتحدة أن سيطرة الجيش الإسرائيلي على المنطقة العازلة يشكِّل «انتهاكاً» لاتفاق فض الاشتباك العائد إلى عام 1974. وأعرب أمينها العام أنطونيو غوتيريش هذا الأسبوع عن «قلقه البالغ» حيال «الانتهاكات الكبيرة» لسيادة سوريا ووحدة أراضيها.

ومنذ بدء النزاع في سوريا عام 2011، شنَّت إسرائيل مئات الضربات الجوية على مواقع عسكرية للجيش السوري، وأخرى لمجموعات موالية لطهران بينها «حزب الله» اللبناني الذي كان يحتفظ بمقرات ومخازن؛ ولا سيما في المنطقة الحدودية مع لبنان.

جنود إسرائيليون يقفون على مركبة مدرعة قبل عبور السياج الأمني متجهين نحو المنطقة العازلة بالقرب مما يسمى «الخط ألفا» الذي يفصل مرتفعات الجولان التي تسيطر عليها إسرائيل عن سوريا في بلدة مجدل شمس (أ.ب)

وطالب القائد العسكري لـ«هيئة تحرير الشام» مرهف أبو قصرة، في مقابلة مع «وكالة الصحافة الفرنسية» الثلاثاء، المجتمع الدولي بالتدخل لوقف الغارات والتوغل الإسرائيلي «على التراب السوري»، مؤكداً في الوقت ذاته أن بلاده لن تكون منطلقاً لأي «عداء» تجاه أيٍّ من دول الإقليم.

وكان قائد الإدارة السياسية الجديدة في دمشق، أحمد الشرع، قد ندَّد بتوغل القوات الإسرائيلية في جنوب البلاد. وقال إن «الإسرائيليين تجاوزوا خطوط الاشتباك في سوريا بشكل واضح، مما يهدد بتصعيد غير مبرر في المنطقة». وأكد في الوقت ذاته أن الوضع الراهن «لا يسمح بالدخول في أي صراعات جديدة».

في مدينة البعث، يبدي العلي تخوفه من «قضم» إسرائيل للمنطقة بكاملها. ويقول: «ما يجري يستحق وقفة من السوريين الذين يحتفلون في ساحة الأمويين... بأن يأتوا إلى هنا ويقفوا بصدور عارية في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي».