اختتم الرئيس الأميركي جو بايدن زيارته لفيتنام، الاثنين، باجتماعات مع المسؤولين الكبار في البلد الذي كان يوماً عدواً مريراً للولايات المتحدة، مسلطاً الضوء على مواصلة البناء على العلاقات الدبلوماسية القويّة بين واشنطن وهانوي، وموقعاً المزيد من الصفقات التجارية والشراكات الجديدة، وملقياً التحية عند نصب تذكاري لتكريم صديقه وزميله الراحل السيناتور جون ماكين، الذي عانى الأسر والسجن خلال حرب فيتنام.
وفي زيارة قصيرة استمرت 24 ساعة، كانت المحطة الأخيرة لبايدن عند نصب ماكين، الذي كان أسير حرب لمدة خمس سنوات خلال حرب فيتنام. ووضع بايدن يده على إكليل من الزهور الحمر والبيض والزرق عند النصب، قبل أن يطأطئ رأسه ويلقي التحية قبل المغادرة. وقال: «أفتقده، أفتقده... كان صديقاً جيداً».
والتقى بايدن برئيس الوزراء الفيتنامي فام مين شينه، وقاما معاً أيضاً بزيارة سريعة إلى اجتماع لقادة الأعمال، ثم جلس بايدن مع الرئيس فو فان تورونغ على مأدبة غداء رسمية، في وقت تتطلع فيه الولايات المتحدة وفيتنام إلى تعزيز شراكتهما وسط مخاوف مشتركة من عدوانية الصين في منطقة المحيط الهادئ.
وإذ تحدث الزعيمان عن تعزيز صناعة أشباه الموصلات في فيتنام، أوضح بايدن التزام إدارته بمنطقة مفتوحة في المحيط الهادئ، قائلاً للرؤساء التنفيذيين لعدد من الشركات الكبرى إن «رسالتي اليوم بسيطة للغاية: دعونا نواصل ذلك. نحن بحاجة إلى تطوير تعاوننا وقيادته، ونحن بحاجة إلى إقامة شراكات جديدة». وشدد رئيس الوزراء الفيتنامي أيضاً على الحاجة إلى تحسين التعاون، قائلاً إن «السماء هي حدودنا القصوى» لتوسيع العلاقات بين البلدين. وأضاف: «نرغب حقاً في الحصول على التزام سياسي قوي من الحكومة الأميركية، بما في ذلك أنت، سيدي الرئيس، الذي طالما كان يكن مودة كبيرة لفيتنام».
وتشمل أبرز الصفقات الكبرى التي أعلنها البيت الأبيض خلال زيارة بايدن الأولى على الإطلاق لفيتنام، صفقة لشركة «بوينغ» بقيمة 7.5 مليار دولار مع الخطوط الجوية الفيتنامية لشراء نحو 50 طائرة، وخططاً لشركة «أمكور تكنولوجي» لإنشاء مصنع بقيمة 1.6 مليار دولار في مقاطعة باك نينه الفيتنامية. وأفاد البيت الأبيض أيضاً بأن الإدارة ستساعد في «بناء القدرة الفيتنامية على مكافحة الجريمة الإقليمية والدولية العابرة للحدود الوطنية»، بما في ذلك استهداف الصيد غير القانوني وغير المبلغ عنه وغير المنظم، علماً أن الصين تخوض نزاعات إقليمية طويلة الأمد مع فيتنام، إلى جانب الفلبين وماليزيا وبروناي، حيث تطالب بكين بالمياه في المنطقة الاقتصادية الخالصة للدول الأخرى.
وكان بايدن وصل إلى فيتنام الأحد والتقى الأمين العام للحزب الشيوعي الفيتنامي نغوين فو ترونغ، الذي أعلن رسمياً أن فيتنام رفعت الولايات المتحدة إلى أعلى مكانة دبلوماسية وشريك استراتيجي شامل. وقال بايدن إن هذا التحول أظهر مدى تطور العلاقات الثنائية من «الماضي المرير» لحرب فيتنام، ولكنه أصرّ في الوقت نفسه، على أن زيارته لا تهدف إلى «عزل» الصين أو «احتوائها» أو محاولة بدء «حرب باردة» معها، ولكنها جزء من جهد أوسع لتحسين الاستقرار العالمي من خلال بناء العلاقات في كل أنحاء آسيا، بما في ذلك مع فيتنام، على نحو سلس، مشيراً إلى «الصعوبات» الاجتماعية والاقتصادية التي يواجهها العملاق الصيني.
حقائق
5 سنوات
أمضاها جون ماكين في سجنه الفيتنامي
وقبيل مغادرته، زار بايدن النصب التذكاري لجون ماكين قرب الموقع الذي أسقط فيه الفيتناميون الشماليون عام 1967 قاذفة «سكاي هوك» يقودها ماكين، عندما كان ضابطاً برتبة ملازم عمره 31 عاماً. وتبادل الجانبان الوثائق، الاثنين، في شأن العسكريين الأميركيين المفقودين والجنود الفيتناميين. وأفاد البيت الأبيض بأن بايدن ترك إحدى عملاته التذكارية في النصب التذكاري.
وهبط ماكين بالمظلة من الطائرة في بحيرة، فانكسر ذراعاه وساقه، وسحبه حشد غاضب من المياه، وتعرض للضرب المبرح. واستمرت محنته لأكثر من خمس سنوات. وبعد ستة أسابيع في المستشفى، نُقل ماكين، الذي فقد نحو ثلث وزنه، إلى زنزانة انفرادية. وأُطلق ماكين في 14 مارس (آذار) 1973، ثم عاد إلى وطنه، وتقاعد من البحرية عام 1981، ثم انتقل إلى أريزونا وبدأ مسيرته السياسية، فانتُخب عضواً لمجلس النواب عن الحزب الجمهوري عام 1982، ثم سيناتوراً لمجلس الشيوخ عام 1986، فصار هو وبايدن زميلين. وعلى الرغم من خبرته في فيتنام، كان ماكين من أشد المؤيدين لاستعادة العلاقات الدبلوماسية مع الدولة التي أساءت معاملته بشدة. وهو عمل مع الرئيس الديمقراطي الذي كان يصفه بأنه «شقيق» على الرغم من اختلاف وجهات النظر بينهما في السياسة، على تضميد جروح الماضي بين بلاده وفيتنام، قبل وفاته عام 2018 إثر إصابته بالسرطان.
وفي مأدبة الغداء، قال بايدن إنه يفتقد ماكين، الذي توفي عام 2018. وأشاد بماكين وجون كيري، وهو أيضاً من قدامى المحاربين في حرب فيتنام وعضو مجلس الشيوخ ووزير الخارجية في إدارة الرئيس باراك أوباما ومبعوث بايدن للمناخ حالياً، للعب أدوار حاسمة في «50 عاماً من التقدم» في البلدين. وقال بايدن: «حيثما كان الظلام تجدون النور».
وفي طريق العودة إلى واشنطن، كان مقرراً أن يتوقف بايدن في قاعدة إلمندورف - ريتشاردسون المشتركة في أنكوراج، بألاسكا، لمخاطبة أعضاء الخدمة العسكرية والمستجيبين الأوائل وعائلاتهم في الذكرى الثانية والعشرين لهجمات 11 سبتمبر (أيلول) 2001 على نيويورك وواشنطن وبنسلفانيا.