الرئيس الفرنسي يدافع عن سياسة بلاده في منطقة الساحل

التزم خطاً متشدداً حيال النيجر وأكد أن لا تجاوب مع «سلطة انقلابية غير شرعية»

الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون يتحدث أمام سفراء بلاده في قصر الإليزيه اليوم الاثنين (رويترز)
الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون يتحدث أمام سفراء بلاده في قصر الإليزيه اليوم الاثنين (رويترز)
TT

الرئيس الفرنسي يدافع عن سياسة بلاده في منطقة الساحل

الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون يتحدث أمام سفراء بلاده في قصر الإليزيه اليوم الاثنين (رويترز)
الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون يتحدث أمام سفراء بلاده في قصر الإليزيه اليوم الاثنين (رويترز)

خلال خطابه الذي استغرق قرابة ساعتين، بمناسبة افتتاح المؤتمر السنوي لسفراء فرنسا عبر العالم، لم تظهر معالم الغضب على الرئيس إيمانويل ماكرون إلا عندما تناول ملف النيجر. عندها ترك النص المكتوب واسترسل في شرح سياسة بلاده، ليؤكد صواب الأسس التي قامت عليها وصواب الاستمرار بها، وللرد على كل الانتقادات التي وجهت لها، بما في ذلك من داخل فرنسا.

وفيما تزداد التوترات بين باريس ونيامي؛ إن بسبب سحب اعتماد السفير الفرنسي وطلب مغادرته في مهلة لا تزيد على 48 ساعة انتهت أمس الأحد، أو بسبب قرب انتهاء المهلة المعطاة لباريس (3 سبتمبر / أيلول) لسحب قوتها العسكرية المرابطة في النيجر، بعد أن عمدت سلطة الأمر الواقع الجديدة إلى نقض الاتفاقات الأمنية والدفاعية المبرمة مع فرنسا، جاء كلام ماكرون حازماً وحاسماً لجهة التشدد في التعامل مع المجلس العسكري، وتأكيد أن باريس لن تعترف بشرعيته وأنها ترفض كل طلباته.

ولم يتردد ماكرون في انتقاد الدول التي تدعو إلى التهدئة واتباع خط آخر إزاء الانقلابيين، بما في ذلك الولايات المتحدة التي تدعو إلى حل سياسي ترى فيه الطريق الوحيدة للتعامل مع أزمة النيجر والعودة إلى الانتظام الدستوري. والرسالة التي أراد ماكرون إيصالها إلى من يهمهم الأمر في فرنسا والنيجر، والآخرين، يمكن تلخيصها في 3 عناصر: لا لاستدعاء السفير الفرنسي تحت الضغط، ولا للاعتراف بشرعية الانقلابيين وبكل ما يصدر عنهم، والاستمرار في دعم جهود «إيكواس» الدبلوماسية والعمل العسكري عندما تقرره وعلى أساس «تشاركي».

وبكلام أوضح في ما خص العنصر الأخير، يُفهم من كلام ماكرون أن باريس جاهزة لدعم التدخل العسكري الذي تحضّر له «إيكواس»، إذا فشلت الجهود الدبلوماسية والسياسية، ولكن باريس لن تتدخل أحادياً بل على أساس «تشاركي»، أي إلى جانب القوات الأفريقية.

رجلا شرطة أمام السفارة الفرنسية في نيامي اليوم الاثنين (أ.ف.ب)

بيد أن دفاع ماكرون عن سياسة بلاده والرد على الانتقادات الموجهة إليها في الداخل والخارج، ودفاعه الأقوى تركز على الرئيس المخلوع محمد بازوم الذي كال له المديح والثناء. وقال: «بازوم رئيس انتخب ديمقراطياً وهو يتحدر من أقلية إثنية وعمد إلى القيام بإصلاحات شجاعة في كل الميادين وكان نشطاً في كل المحافل الدولية، وهو رهينة انقلابيين منذ شهر». وأضاف: «لدينا رجل عصامي وشجاع لأنه يرفض الاستقالة رغم المخاطر المحدقة به وبعائلته»، متسائلاً عما إذا كانت السياسة الجيدة هي التخلي عن رئيس مثله، ورد على التساؤل بتأكيد أن «سياستنا هي السياسة الصحيحة وهي مبنية على شجاعة الرئيس بازوم، وعلى التزامات سفيرنا الذي سيبقى هناك رغم كل الضغوط، ورغم كل التصريحات الصادرة عن سلطات غير شرعية».

ورداً على اتهامات وادعاءات الانقلابيين التي ترى في فرنسا «عدو النيجر»، أكد ماكرون أن مشكلة النيجر الحقيقية هي مشكلة «انقلابيين يعرّضون مواطنيهم للمخاطر لأنهم يتخلون عن محاربة الإرهاب، ولأنهم بصدد التخلي عن سياسة كانت جيدة بالنسبة إليهم على الصعيد الاقتصادي، ما سيفضي إلى خسارة كل مصادر التمويل الدولي التي كانت ستتيح لهم الخروج من حالة الفقر. هذه هي الحقيقة». وخلص ماكرون قائلاً: «علينا الاستمرار بخطنا المتشدد والواضح والرافض الاعتراف بالانقلابيين ودعم رئيس غير مستقيل والوقوف إلى جانبه ودعم الجهود الدبلوماسية ودعم العمل العسكري للمجموعة الاقتصادية عندما تقرر السير به وذلك في إطار تشاركي».

مؤيدون للانقلاب العسكري يرفعون صورة زعيم الانقلابيين الجنرال عبد الرحمن تياني خلال احتجاج أمام قواعد عسكرية فرنسية في نيامي يوم الأحد (أ.ف.ب)

وفي دفاعه عن سياسة بلاده، تساءل ماكرون عما كانت ستؤول إليه صورة منطقة الساحل لو لم تتدخل القوات الفرنسية منذ عام 2013 في مالي، من خلال ما سمي «عملية سيرفال» التي تحوّل اسمها لاحقاً إلى «عملية برخان». وقال الرئيس الفرنسي: «لو لم نتدخل ولو لم نفقد عسكريينا في ساحة القتال بأفريقيا، لو لم تحصل سيرفال وبرخان، لما كنا اليوم نتحدث عن مالي وبوركينا فاسو والنيجر كدول قائمة في حدودها الراهنة».

وحرص على الإشارة إلى أن كل العمليات العسكرية التي قامت بها فرنسا قامت على أساس «شرعي»، إذ جاءت بناء على طلب رسمي من الدول المعنية ذات السيادة أو بطلب من «إيكواس».

ونبه الرئيس الفرنسي دول المنطقة ودعاها إلى اعتماد سياسة «مسؤولة» (أي متشددة)، مؤكداً أنه «إذا تخلت (إيكواس) عن الرئيس بازوم فهذا معناه أن كل رؤساء دول المنطقة سيعون عندها المصير الذي ينتظرهم، لأن الضعف الذي أظهرناه إزاء الانقلابات السابقة غذّى عدوى الانقلابات في منطقة الساحل»، في إشارة إلى 3 انقلابات عسكرية حصلت في غينيا ومالي وبوركينا فاسو، وما زال من قام بها في السلطة.

وحقيقة الأمر أن القارة الأفريقية تحولت إلى «قارة الانقلابات»، إذ إنها عرفت، منذ عام 1950، ما لا يقل عن 108 انقلابات؛ منها 8 في النيجر وحدها، نجح منها 5 وفشل 3. وبدا أن ماكرون يريد تنبيه القادة الأفارقة بدءاً من منطقة الساحل، إلى خطورة غض النظر عن الانقلاب الأخير في نيامي بعدما بدأ القائمون به في تثبيت أقدامهم بالسلطة، وقاموا بتعيين حكومة مدنية برئاسة شخصية تتمتع بالخبرة والاحترام، وأخذوا يتحدثون على استعدادهم لإعادة السلطة إلى المدنيين بعد 3 سنوات. يأتي ذلك في وقت تزداد فيه الأصوات التي ترفض الحل العسكري، وعلى رأسها الولايات المتحدة، فيما الاتحاد الأفريقي منقسم على نفسه، وكذلك المجوعة الاقتصادية، فضلاً عن روسيا والصين وألمانيا وإيطاليا والجزائر وبلدان كثيرة أخرى.

الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون خلال إلقاء كلمته في قصر الإليزيه اليوم الاثنين (رويترز)

ورغم تمسكه بسياسة فرنسا وبصواب الأسس التي قامت عليها حتى اليوم، فإن ماكرون يرى أنه يتعين عليها أن تتعدل وتتغير. وفيما يشبه الاعتراف بأخطاء حصلت، رأى أن أي عملية عسكرية لمحاربة الإرهاب «لا يتعين أن تستمر طويلاً»، وذلك لعدة أسباب؛ أولها أن «الحضور العسكري الدائم يستغل من قبل أعدائنا في حربهم الإعلامية ضدنا. وثانيها أن طبيعة الأزمة تتغير. وثالثها أن الرد الأساسي على الأزمات يجب أن يكون سياسياً، إذ إن الرد العسكري لا يمكن أن يكون بديلاً عن الحل السياسي، وهذا من واجب الدول نفسها، وفرنسا لا يمكنها أن تحل محل الدول الأفريقية». وخلاصة المراجعة الرئاسية أن حضور فرنسا العسكري (في المستقبل)، يجب أن يكون على أساس «شراكة مطلوبة من الأفارقة أنفسهم» بخصوص كل ميادين التعاون من التدريب والتجهيز والحضور.

وفي أي حال، فإن الخطوة الأولى بالنسبة للرئيس الفرنسي تكمن في التخلي عن التعامل «الأبوي» مع الأفارقة، بل التعامل على قدم المساواة. لكن أمراً كهذا يصعب التوصل إليه بعد ممارسات زادت على 60 عاماً (مرحلة ما بعد استقلال الدول الأفريقية التي كانت سابقاً مستعمرات فرنسية).

وإذا كان خطاب ماكرون واضحاً في تشدده، فإنه يتعين على الحكومة الفرنسية، تحت إشرافه، اتخاذ قرارات قد تكون صعبة في الساعات والأيام القليلة المقبلة إذا زادت الأوضاع سوءاً في العلاقة ما بين باريس ونيامي. وواضح اليوم أن مسألتي طرد السفير سيلفان أيتيه وترحيل القوة الفرنسية ستتفاقمان نظراً للتهييج الدعائي والشعبي من جهة، والرفض الفرنسي القطعي في الاستجابة لطلبات من سلطات غير شرعية من جهة أخرى. ولا شيء يضمن اليوم عدم حصول أحداث دامية قرب السفارة الفرنسية أو في موقع تمركز القوة الفرنسية بالشق العسكري من مطار العاصمة، وعندها يمكن أن تخرج الأمور عن السيطرة بينما كان التسابق قائماً بين الجهود الدبلوماسية التي تقوم بها عدة أطراف، واحتمال اللجوء إلى الخيار العسكري. ويرى بعض المحللين أنه يمكن المراهنة على انشقاقات داخل صفوف الجيش النيجري في حال حصول تدخل عسكري، خصوصاً أن الجيش لم يكن المحفز على الانقلاب، بل التحق بالانقلابيين من أجل «تجنب حرب أهلية».


مقالات ذات صلة

الجيش الأميركي أنهى سحب قواته من آخر قاعدة في النيجر

الولايات المتحدة​ قاعدة أغاديز (أرشيفية - أ.ب)

الجيش الأميركي أنهى سحب قواته من آخر قاعدة في النيجر

أعلن الجيش الأميركي، الاثنين، إنهاء سحب كل قواته من قاعدته الأخيرة في النيجر؛ تلبية لمطلب قادة الانقلاب العسكري في الدولة الأفريقية.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
أفريقيا متظاهرون يهتفون تأييداً للقوات النيجرية أثناء تجمعهم أمام السفارة الفرنسية في نيامي (أ.ف.ب)

مقتل 15 جندياً في النيجر قرب الحدود مع بوركينا فاسو

قتل 15 جنديا في النيجر على الأقل أمس (الاثنين) خلال معارك في منطقة تير (جنوب غرب) قرب بوركينا فاسو.

«الشرق الأوسط» (نيامي)
أفريقيا مجموعة أفراد يحملون شبكة صيد في طريقهم لبحيرة الثعبان لجمع الأسماك بمالي (أ.ف.ب)

الأمم المتحدة تدعو إلى «تحرك دولي فوري» لحل أزمة منطقة الساحل الأفريقي

دعت الأمم المتحدة، الجمعة، إلى تحرك دولي فوري لوضع حد للنزوح القسري للمدنيين في منطقة الساحل الأفريقي التي تشهد أزمة إنسانية تزداد سوءا.

«الشرق الأوسط» (جنيف)
أفريقيا جنود فرنسيون يتأهبون لركوب طائرة عسكرية بعد انسحابهم من النيجر في 22 ديسمبر 2023 (رويترز)

السماح للجيش الألماني بالاحتفاظ بقاعدة جوية في النيجر

أعلنت وزارة الدفاع الألمانية أن الجيش الألماني سيتمكن من الاحتفاظ بقاعدته للنقل الجوي في النيجر في إطار «اتفاق مؤقت» أبرم مع الدولة الواقعة في منطقة الساحل.

«الشرق الأوسط» (برلين)
الولايات المتحدة​ صورة عامة للعاصمة نيامي (أرشيفية - رويترز)

أميركا تستكمل سحب قواتها من النيجر بحلول 15 سبتمبر

قالت النيجر والولايات المتحدة في بيان مشترك إنهما توصلتا إلى اتفاق بشأن انسحاب القوات الأميركية من الدولة الواقعة في غرب أفريقيا.

«الشرق الأوسط» (نيامي )

إطلاق نار كثيف في مقر إقامة رئيس الاستخبارات السابق بجنوب السودان

جوبا عاصمة جنوب السودان (مواقع التواصل)
جوبا عاصمة جنوب السودان (مواقع التواصل)
TT

إطلاق نار كثيف في مقر إقامة رئيس الاستخبارات السابق بجنوب السودان

جوبا عاصمة جنوب السودان (مواقع التواصل)
جوبا عاصمة جنوب السودان (مواقع التواصل)

وقع إطلاق نار كثيف، الخميس، في جوبا عاصمة جنوب السودان بمقر إقامة رئيس الاستخبارات السابق، أكول كور، الذي أقيل الشهر الماضي، حسبما أكد مصدر عسكري، فيما تحدّثت الأمم المتحدة عن محاولة لتوقيفه.

وبدأ إطلاق النار نحو الساعة السابعة مساء (17.00 ت.غ) قرب مطار جوبا واستمر زهاء ساعة، بحسب مراسلي «وكالة الصحافة الفرنسية».

وأبلغت الأمم المتحدة في تنبيه لموظفيها في الموقع، عن إطلاق نار «مرتبط بتوقيف الرئيس السابق لجهاز الاستخبارات»، ناصحة بالبقاء في أماكن آمنة.

وقال نول رواي كونغ، المتحدث العسكري باسم قوات الدفاع الشعبي لجنوب السودان، لإذاعة بعثة الأمم المتحدة في البلاد (مينوس) إنه «حصل إطلاق نار في مقر إقامة رئيس الاستخبارات السابق».

وأضاف: «شمل ذلك قواتنا الأمنية التي تم نشرها هناك لتوفير مزيد من الأمن».

وتابع: «لا نعرف ماذا حدث، وتحول سوء التفاهم هذا إلى إطلاق نار»، و«أصيب جنديان بالرصاص». وأضاف: «بعد ذلك هرعنا إلى مكان الحادث... وتمكنا من احتواء الموقف عبر إصدار أمر لهم بالتوقف».

وقال: «مصدر عسكري مشارك في العملية» لصحيفة «سودانز بوست» اليومية، إن أكول كور أوقف بعد قتال عنيف خلف «عشرات القتلى والجرحى من عناصره»، لكن التوقيف لم يتأكد رسمياً حتى الآن.

وأظهرت صور انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي وأخرى نشرتها الصحيفة شبه توقف لحركة المرور بالقرب من مقر إقامة رئيس الاستخبارات السابق، حيث فر سائقون خائفون بعد سماع إطلاق النار تاركين سياراتهم، وفقاً لصحيفة «سودانز بوست».

وأقال رئيس جنوب السودان سلفاكير في أكتوبر (تشرين الأول) رئيس جهاز الاستخبارات الوطنية أكول كور الذي تولى منصبه منذ استقلال البلاد عام 2011، وكلّفه تولي منصب حاكم ولاية واراب التي تشهد اضطرابات.

ولم تُحدّد أسباب هذه الخطوة. ويأتي هذا القرار بعد أسابيع من إعلان الحكومة تأجيلاً جديداً لعامين، لأول انتخابات في تاريخ البلاد، كان إجراؤها مقرراً في ديسمبر (كانون الأول).

بعد عامين على استقلاله، انزلق جنوب السودان إلى حرب أهلية دامية عام 2013 بين الخصمين سلفاكير (الرئيس) ورياك مشار (النائب الأول للرئيس)، ما أسفر عن مقتل 400 ألف شخص وتهجير الملايين.