يبحث العلماء في آخر 150 مليون سنة من التاريخ الجيولوجي للأرض من خلال تحليل كيمياء الجيوب المجهرية من المياه المحفوظة في بلورات ملح البحر؛ فمن خلال تتبع محتوى الليثيوم في الهاليت البحري (وهو ملح صخري ذو أصل بحري) تمكن عالما الكيمياء الجيولوجية مبراهتو ويلديغبرييل من جامعة برينستون وجامعة بينغهامتون وتيم لوينشتاين من جامعة بينغهامتون من إعادة بناء تاريخ الحركة التكتونية في قاع البحر؛ فقد وفر هذا الارتباط نافذة على ظروف الغلاف الجوي عبر الزمن.
ويوضح ويلديغبرييل «هناك ارتباط وثيق بين كيمياء المحيطات وكيمياء الغلاف الجوي. فمهما كانت التغييرات التي تحدث في المحيط، فإنها تعكس أيضًا ما يحدث في الغلاف الجوي». مضيفا «لا تحتوي مياه المحيط على الملح فقط. إنه خليط كيميائي يحتوي على معادن مختلفة بكميات تعكس العمليات المختلفة التي تحدث في أي وقت. وقد لا يبدو الهاليت البحري مشبعًا بشكل خاص، لكنه يحتوي على جيوب صغيرة جدًا من الماء منذ وقت تشكل الهاليت، ما يحافظ بشكل فعال على السجل الكيميائي للمحيطات في ذلك الوقت». وذلك وفق ما نقل موقع «ساينس إليرت» العلمي عن مجلة «ساينس أدفانس» العلمية المرموقة.
وحصل ويلديغبرييل ولوينشتاين على عينات الهاليت من التكوينات في جميع أنحاء الولايات المتحدة وأوروبا وآسيا وأفريقيا باستخدام كيمياء أيونية رئيسية موثقة جيدًا. فاستخدموا مثقاب ليزر لاستخراج الماء لما مجموعه 639 شائبة سائلة من 65 بلورة هاليت يعود تاريخها إلى 150 مليون سنة. ثم تم تحليل هذه العينات لتحديد محتواها من الليثيوم.
ويرجع ذلك، كما يقول الباحثان «إلى أن الليثيوم هو متتبع للنشاط الحراري المائي؛ وهو فتحات في قاع البحر تطلق الحرارة والمواد الكيميائية في المحيط عند الحدود بين الصفائح التكتونية للأرض». وتابعا «ان قطرات الماء الصغيرة تظهر انخفاضًا بمقدار سبعة أضعاف في تركيز الليثيوم على مدار الـ 150 مليون سنة الماضية، وارتفاعًا مناظرًا في نسب المغنيسيوم إلى الكالسيوم. وكان هذا بسبب انخفاض نشاط الصفائح التكتونية وإنتاج القشرة الكوكبية، ما أدى إلى تقليل النشاط الحراري المائي. ونتيجة لهذا التدهور في النشاط الجيولوجي لم يكن الأمر مجرد انخفاض في الليثيوم في الماء. فقد كان من الممكن إطلاق كمية أقل بكثير من ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي. في المقابل، يمكن أن يكون هذا قد ساهم في التبريد الذي أنتج العصر الجليدي الأخير ، والذي امتد للإطار الزمني ما بين 115000 و 11700 سنة مضت».
وكان بحث سابق قد أظهر أن نسب السترونشيوم في كبسولات وقت مياه البحر تشير أيضًا إلى انخفاض في النشاط الحراري المائي خلال نفس الفترة الزمنية. وفي هذا يقول الباحثان «إن التحليل يعطينا نظرة ثاقبة على الترابط بين أنظمة الأرض، وأهمية النشاط التكتوني للصفائح في تنظيم الغلاف المائي للأرض والغلاف الجوي».
ويخلص لوينشتاين الى القول «ان المحيطات والغلاف الجوي متصلان ببعضهما البعض، وكيفية تغيرهما مرتبط؛ فكل شئ متصل ببعضه البعض».