كيف ستؤثر متاعب هانتر بايدن القانونية على حظوظ والده الانتخابية؟

هانتر بايدن نجل الرئيس الأميركي جو بايدن يغادر المحكمة الفيدرالية (رويترز)
هانتر بايدن نجل الرئيس الأميركي جو بايدن يغادر المحكمة الفيدرالية (رويترز)
TT

كيف ستؤثر متاعب هانتر بايدن القانونية على حظوظ والده الانتخابية؟

هانتر بايدن نجل الرئيس الأميركي جو بايدن يغادر المحكمة الفيدرالية (رويترز)
هانتر بايدن نجل الرئيس الأميركي جو بايدن يغادر المحكمة الفيدرالية (رويترز)

تصاعدت الدراما القانونية مع نجل الرئيس الأميركي هانتر بايدن الذي مثل الأربعاء أمام المحكمة الفيدرالية لمواجهة تهم التهرب الضريبي وحيازة أسلحة بشكل غير قانوني، وسط اتهامات من الجمهوريين أنه يتلقى معاملة مميزة، واتهامات لوزارة العدل بالضلوع في صفقة يقرّ فيها هانتر بايدن بالذنب مقابل الحصول على عقوبة مخففة ويتجنب السجن، ويتم بعدها إغلاق التحقيقات.

لكن الصفقة انهارت يوم الأربعاء في محكمة ويلمنغتون بولاية ديلاوير، بعد أن دفع نجل الرئيس بأنه غير مذنب في جميع التهم الموجهة إليه، وكشفت القاضية ماريلين نوريكا (عينها ترمب وتم تأكيدها بدعم ديمقراطي) خللاً في الترتيبات، منها أن هانتر بايدن اعتقد أن الاتفاقية تحميه من اتهامات إضافية محتملة في المستقبل. ورفضت القاضية صفقة الإقرار بالذنب التي توصل إليها هانتر بايدن مع المدعين. ولدى الأطراف 30 يوماً لتحديد الخطوة التالية، التي يمكن أن تكون صفقة إقرار بالذنب جديدة مقابل تخفيف العقوبة، أو أن تجري المحاكمة بتهم التهرب الضريبي وحيازة السلاح، وبالتالي توقعات بعقوبة السجن، وهو ما يعني كثيراً من المخاطر والدراما القانونية.

هذه الدراما لن تزيد المخاطر فقط على هانتر بايدن، لكن أيضاً على والده، فقد كانت عائلة بايدن تأمل أن يكون الإقرار بالذنب في جنحتين: الأولى تتعلق بعدم دفع ضريبة الدخل الفيدرالية، وتصل قيمتها إلى 100 ألف دولار على دخل يزيد عن 1.5 مليون دولار، حصل عليها بين عامي 2027 و2018، والثانية تتعلق بحيازة سلاح ناري غير قانوني، باعتباره كان مدمناً للمخدرات. وتالياً تخفَّف العقوبة ويتم توجيه نجل الرئيس إلى أداء بعض الخدمات المجتمعية بدلاً من السجن.

وكان هانتر بايدن يتجنب توجيه اتهامات له لقوله كذباً إنه ليس من مستخدمي المخدرات عندما اشترى مسدساً من عيار 0.38 في متجر أسلحة بمدينة ويلمنغتون بولاية ديلاوير في 12 أكتوبر 2018. كما وافق على الدخول في برنامج للخدمات المجتمعية قبل المحاكمة بموجب تلك الصفقة.

وألقى انهيار الصفقة بظلاله على موقف الرئيس الأميركي وحظوظه في الانتخابات الرئاسية المقبلة، وهو يسعى للفوز بولاية ثانية، ما ينذر بأن عائلة بايدن ستستمر في مواجهة دراما قانونية وهجمات جمهورية لمدة طويلة، بعد أن أعطت القضية الجمهوريين سلاحاً لإشهاره في وجه بايدن العجوز، ما يطرح تساؤلات؛ هل ستكون قضية هانتر بايدن عائقاً أمام حظوظ جو بايدن في إعادة انتخابه أم لا؟

هجمات جمهورية

طوال الأسابيع الماضية، شن الجمهوريون هجمات متلاحقة ضد صفقة الإقرار بالذنب، ووصفوها بأنها محاولة ومناورة للتهرب من العقوبات، وتحمل شبهة المحسوبية والمعاملة المتميزة من قبل وزارة العدل لنجل الرئيس الأميركي. وأعلن الجمهوريون بدء تحقيقات داخل الكونغرس حول التعاملات التجارية والمالية لهانتر بايدن، تضمنت جلسة في الكونغرس الأسبوع الماضي، للاستماع لشهادة اثنين من عملاء دائرة الإيرادات الداخلية، شهدوا أن مسؤولي العدل تباطأوا أو أعاقوا تحقيقهم في الاتهامات الموجهة لهانتر بايدن.

وقام النائب الجمهوري آدم سميث، رئيس لجنة الطرق في مجلس النواب، يوم الثلاثاء، بمحاولات حثيثة لعرقلة صفقة الإقرار بالذنب، حيث أرسل مذكرة حثّ فيها القاضية في ويلمنغتون على النظر في شهادة الأسبوع الماضي من محققي مصلحة الضرائب الأميركية، التي شهدوا فيها أن بايدن الأصغر قد تلقى معاملة تفضيلية. وقال رئيس مجلس النواب كيفين مكارثي إن مجلس النواب مستعد للمضي قدماً في تحقيق عزل الرئيس بايدن، بعد مزاعم بالفساد بسبب تورطه في تعاملات تجارية مع نجله، ما يعد تصعيداً غير مسبوق من الجمهوريين.

وتبدو فكرة عزل الرئيس كأنها محاولة من الفصائل الأكثر تطرفاً في الحزب الجمهوري للانتقام من محاكمات ترمب، وإيجاد طريقة لصرف الانتباه عن فضائح ترمب، واستثمار مشكلات هانتر بايدن القانونية والأخلاقية لنسج قصة حول ما يسمونه «عائلة بايدن الإجرامية» وتوجيه اتهامات للرئيس بايدن بالتستر القانوني، وتسليح العدالة. ويحاول بعض أعضاء مجلس النواب الجمهوريين إيجاد روابط بين مشروعات هانتر بايدن التجارية في أماكن مثل الصين وأوكرانيا والقرارات التي اتخذها والده عندما كان نائباً للرئيس. كما يتهمون وزارة العدل الحالية بعرض صفقة متساهلة للغاية على هانتر بايدن والتدخل في محاكمة نجل الرئيس.

البيت الأبيض يدافع

وفي مواجهة هجمات الجمهوريين، دافع الرئيس بايدن بقوة عن استقلالية وزارة العدل، وشدد على أنه لم يتدخل في تحقيقات وزارة العدل، كما دافع عن ابنه قائلاً إنه يحب ابنه ويدعمه، ونفى ضلوعه أو معرفته بالتعاملات والصفقات التجارية الخاصة بعمل هانتر بايدن مع دول أجنبية. وقد دأب الرئيس بايدن على استثارة العواطف من خلال الحديث عن معاناة أسرته بعد وفاه ابنه «بو» عام 2015 وتصدير صورة الأسرة التي عانت مثل أي أسرة أميركية مع مأساة إدمان ابنه للمخدرات ووقوف الأسرة مع الابن حتى شفائه.

وخلال المؤتمر الصحافي، مساء الأربعاء، وصفت كارين جان بيير، المتحدثة باسم البيت الأبيض، الوضع بأنه مسألة عائلية، وأكدت أن الرئيس بايدن تجنب التورط في المشكلات القانونية لابنه، وقالت: «الرئيس والسيدة الأولى يحبون ابنهم، وهم يدعمونه، وهو يواصل إعادة بناء حياته». وأضافت: «تم التعامل مع هذه القضية بشكل مستقل، من قبل وزارة العدل تحت قيادة المدعي العام المعين من قبل الرئيس السابق (دونالد ترمب)».

وقد واجه الرئيس بايدن مزاعم مستمرة بأنه ساعد ابنه في المعاملات التجارية الدولية المربحة، اعتمادًا على اسم العائلة، وأشارت تسجيلات بين هانتر بايدن وعملائه إلى استخدام اسم الرجل الكبير، في إشارة واضحة إلى والده، وقد نفى البيت الأبيض مراراً وتكراراً مثل هذه المزاعم، لكنه غيّر رسالته من الرئيس «لم يناقش أبداً الأعمال التجارية» مع ابنه، إلى الرئيس «لم يكن يعمل أبداً» مع ابنه. وشدد مسؤولو البيت الأبيض الذين واجهوا أسئلة مراراً وتكراراً حول تعاملات هانتر بايدن مع الشركات الأوكرانية والصينية، أن نجل الرئيس هو مواطن عادي، وأنه يواجه قضية شخصية، وأن بايدن حينما كان في منصب نائب الرئيس لم يشارك أبداً في معاملات ابنه التجارية.

مشكلات ترمب القانونية

أذهلت هذه الدراما القانونية والسياسية المتضاربة أروقة واشنطن، وفرضت المكائد القانونية موقعاً متميزاً لها، في واحدة من أغرب الحملات الانتخابية الرئاسية، سواء لبايدن أو منافسه اللدود دونالد ترمب، الذي يتحضر لاستلام ثالث لائحة اتهام جنائية في تحقيقات المحقق الخاص، جاك سميث، حول جهوده لإلغاء نتائج انتخابات 2020 التي سبقت الهجوم على مبنى الكابيتول في 6 يناير (كانون الثاني) 2021.

ومما يزيد من تعقيد المشهد الانتخابي، أن ترمب هو المرشح الأوفر حظاً لمواجهة الرئيس بايدن في مباراة انتخابات 2024 للرئاسة. ووفقاً لاستطلاعات الرأي، يحظى ترمب بأكثر من 50 بالمائة من دعم الجمهوريين لترشيح الحزب الجمهوري للرئاسة، وهو يتقدم بفارق 30 نقطة عن منافسه رون ديسانتيس حاكم ولاية فلوريدا.

وترمب هو بالفعل أول رئيس سابق يتم اتهامه جنائياً، وقد تسببت لوائح الاتهام السابقة (إحداها في مانهاتن بتهم الاحتيال التجاري المتعلقة بدفع مبالغ مالية لنجمة الأفلام الإباحية ستورمي دانيالز، والأخرى في محكمة اتحادية تتعلق بسوء التعامل المزعوم مع الوثائق السرية) في كثير من التعقيدات القانونية له، لكن إصدار لائحة اتهام بشأن الأحداث التي سبقت 6 يناير سيمثل لحظة فريدة في التاريخ الأميركي، لأنه للمرة الأولى يمكن للولايات المتحدة أن تحاكم رئيساً سابقاً لمحاولة تدمير نظامها الديمقراطي.

الطريق إلى نوفمبر 2024

ويقول بعض الخبراء والمحللون إنه من الصعب معرفة كيف ستوثر المشكلات القانونية لهانتر بايدن ولوائح الاتهام لترمب على مسار الانتخابات الرئاسية، ويستغل ترمب لوائح الاتهام في ترويج نظريات المؤامرة ضده، وفي جمع التبرعات لحملته التي تزداد شعبية مع زيادة المشكلات القانونية. ويقول المحللون إنه إذا فاز ترمب بترشيح الحزب الجمهوري فقد تؤدي مسألة تقديم رئيس محتمل للمحاكمة إلى تقويض جاذبيته لدى الناخبين المعتدلين والمتأرجحين.

بعض الخبراء يرون أن قضية هانتر بايدن ستجعل ترمب قادراً على اكتساب أرضية أكبر في السباق الانتخابي، بالترويج أن التعامل مع هانتر بايدن هو أبرز دليل على ازدواجية المعايير في الدولة الأميركية العميقة، ودليل على فساد النخبة الحاكمة، خاصة مع قاعدة من الناخبين الجمهوريين الذي يعتقدون أن التهم الجنائية الموجهة لترمب لها دوافع سياسية، وأنه يتلقى معاملة مختلفة عن هانتر بايدن.

والموقف نفسه يواجهه المرشح الرئاسي الديمقراطي جو بايدن، ففي كل منعطف جديد في قضية هانتر بايدن سيقوم الجمهوريون بتعزيز هجماتهم ضد بايدن، وسيلعب المصير القانوني لهانتر بايدن وأي أخطاء من قبل وزارة العدل دوراً في تحقيقات لجنة الرقابة في مجلس النواب واللجنة القضائية بالمجلس بإثبات أن بايدن استخدم سلطاته ووزارة العدل سلاحاً ضد ترمب وكسلاح للتدخل في التحقيقات مع ابنه.


مقالات ذات صلة

كيف أطال نتنياهو حرب غزة للهروب من فضائح الفساد؟

شؤون إقليمية رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو (د.ب.أ)

كيف أطال نتنياهو حرب غزة للهروب من فضائح الفساد؟

يربط فيلم «ملفات بيبي» بين فضائح الفساد التي تطارد نتنياهو واستراتيجياته للبقاء في السلطة، حتى لو كان الثمن استمرار الحرب في غزة.

«الشرق الأوسط» (لندن)
أوروبا شرطيان إيطاليان (رويترز - أرشيفية)

توقيفات ومصادرة 520 مليون يورو في تحقيق أوروبي بشأن المافيا والتهرب الضريبي

ألقت الشرطة في أنحاء أوروبا القبض على 43 شخصاً وصادرت 520 مليون يورو، في تحقيق أوروبي بمؤامرة إجرامية للتهرب من ضريبة القيمة المضافة.

«الشرق الأوسط» (ميلانو)
رياضة عالمية داني جوردان (رويترز)

اعتقال رئيس اتحاد جنوب أفريقيا لكرة القدم بسبب مزاعم فساد

ذكرت وسائل إعلام محلية أن السلطات في جنوب أفريقيا ألقت القبض على داني جوردان، رئيس الاتحاد الوطني لكرة القدم، الأربعاء؛ بسبب مزاعم بشأن استخدام أموال الاتحاد.

«الشرق الأوسط» (جوهانسبرغ)
الخليج «نزاهة» أكدت مضيها في تطبيق النظام بحقّ المتجاوزين دون تهاون (الشرق الأوسط)

السعودية: «نزاهة» تشهر بمواطن استخرج تمويلاً «مليونياً» بطريقة غير نظامية

شهّرت هيئة الرقابة السعودية بمواطنين ومقيمين تورطوا بعدة قضايا جنائية باشرتها خلال الفترة الماضية، والعمل جارٍ لاستكمال الإجراءات النظامية بحقهم.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
المشرق العربي جلسة مجلس الشعب السوري الأربعاء (سانا)

مجلس الشعب السوري يرفع الحصانة عن اثنين من نوابه

رفع الحصانة عن النائبين في مجلس الشعب السوري جاء بعد يوم من إسقاط عضوية النائب أنس محمد الخطيب بسبب حصوله على الجنسية الأردنية إلى جانب السورية.

«الشرق الأوسط» (دمشق)

ترمب ووعد إنهاء الحروب: ورقة انتخابية أم خطط واقعية؟

تعهد ترمب بإنهاء الحروب التي جرت في عهد بايدن (أ.ف.ب)
تعهد ترمب بإنهاء الحروب التي جرت في عهد بايدن (أ.ف.ب)
TT

ترمب ووعد إنهاء الحروب: ورقة انتخابية أم خطط واقعية؟

تعهد ترمب بإنهاء الحروب التي جرت في عهد بايدن (أ.ف.ب)
تعهد ترمب بإنهاء الحروب التي جرت في عهد بايدن (أ.ف.ب)

ترمب «رمز للسلام وقاهر الحروب»، هكذا صوّر الرئيس المنتخب نفسه في حملته الانتخابية التي مهّدت لولايته الثانية في البيت الأبيض. فالرئيس الـ47 انتزع الفوز من منافسته الديمقراطية، بانياً وعوداً انتخابية طموحة بوقف التصعيد في غزة ولبنان، واحتواء خطر إيران، ووضع حد للحرب الروسية - الأوكرانية وهي على مشارف عامها الثالث.

يستعرض برنامج تقرير واشنطن، وهو ثمرة تعاون بين صحيفة «الشرق الأوسط» وقناة «الشرق»، خطط ترمب لإنهاء النزاعات، ودلالات اختياره وجوهاً معيّنة في إدارته لديها مواقف متناقضة بعض الأحيان في ملفات السياسة الخارجية.

التصعيد في المنطقة

دمار جراء غارة إسرائيلية في غزة في 22 نوفمبر 2024 (رويترز)

تعهّد الرئيس الأميركي المنتخب بإنهاء الحروب ووقف التصعيد المستمر في المنطقة. ومع استمرار الحرب في غزة ولبنان، تعتبر دانا ستراول، نائبة وزير الدفاع سابقاً لشؤون الشرق الأوسط ومديرة الأبحاث في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، أنه لا يزال من المبكّر قراءة المشهد في إدارة ترمب المستقبلية، مشيرة إلى أن الرئيس المنتخب «وعد بإحلال سلام في منطقة لم تنعم بالسلام أبداً». وتقول ستراول: «دونالد ترمب يعد بإحلال السلام في المنطقة من جهة، لكنه يعد من جهة أخرى بالدعم القاطع لإسرائيل. وهذا يُعدّ مشكلةً حقيقية؛ لأن من الأمور التي يجب أن تحصل لتحقيق السلام إعطاء الأولوية للمدنيين الفلسطينيين في غزة، والمدنيين اللبنانيين في لبنان، والحرص على وصول المساعدات الإنسانية لهؤلاء وتوفير الأمن لهم وما يحتاجون إليه من قادتهم. لكن ذلك سيتطلّب قرارات صعبة في إسرائيل. والسؤال الأكبر برأيي هو ما إذا كان دونالد ترمب يستطيع دفع هؤلاء القادة على الاتفاق هذه المرة، وهم لم يتفقوا أبداً في السابق».

ويتحدث كيفن بارون، الصحافي المختص بالشؤون العسكرية والمدير التحريري السابق في «Politico Live»، عن تحديات كثيرة يواجهها فريق ترمب الذي اختاره لقيادة السياسة الخارجية، مشيراً إلى أنه مؤلّف من «مزيج من التقليديين الذين يرغبون في علاقات قديمة الطراز مع الشرق الأوسط والقادة هناك، وبين من هم أكثر تقدماً ويبحثون عن مهاجمة إيران، والرد بالمثل وتغيير الديناميكية التي برأيهم كانت لينة جداً خلال السنوات الأربع الماضية تحت جو بايدن».

ويتساءل بارون: «هل ستتمكن هاتان المجموعتان من الالتقاء في الوسط؟» ويعطي بارون مثالاً «معرقلاً للسلام» في فريق ترمب، وهو السفير الأميركي المعيّن في إسرائيل، مايك هاكابي، الداعم بشدة لتل أبيب والرافض للاعتراف بالضفة الغربية وحقوق الفلسطينيين. ويقول بارون: «إن تعيين مايك هاكابي مثال جيد هنا، فهو داعم قوي لدولة إسرائيل مهما كلّف الأمر. لكنه يدعمها من وجهة نظر معينة؛ فهو مسيحي قومي وهو جزء من حركة متنامية ومجموعة من الأميركيين المسيحيين الذين يشعرون بأن وجود علاقة قوية مع دولة إسرائيل اليهودية أفضل من عدم وجودها لأسباب دينية».

ترمب والسفير المعين في إسرائيل مايك هاكابي خلال حدث انتخابي في بنسلفانيا 12 نوفمبر 2024 (أ.ف.ب)

وهنا يسلّط ريتشارد لوبارون، السفير الأميركي السابق إلى الكويت ونائب مدير البعثة الأميركية إلى تل أبيب سابقاً وكبير الباحثين في معهد «ذي أتلانتيك»، الضوء على سياسة الرؤساء الأميركيين بشكل عام في منطقة الشرق الأوسط، مذكراً بأنهم لا يريدون تورطاً عميقاً في المنطقة. ويتحدث عن ترمب بشكل خاص فيقول: «ترمب لم يُنتخب من قبل أشخاص يهتمون بالشرق الأوسط، بل انتخبه الأشخاص الذين يرغبون بجعل أميركا عظيمة مجدداً، وهذه وجهة نظر انعزالية. لذا أعتقد أنه سيضغط للتوصل إلى حلول تخرج الولايات المتحدة من مستوى تورطها الحالي في الشرق الأوسط، لا أعتقد أنه سيكون متعاطفاً مع التورط في صراعات كبرى، وسيرغب بالحفاظ على أسعار منخفضة للنفط بسبب تأثير ذلك على الداخل. لكنه سيفاجأ على غرار معظم الرؤساء الأميركيين بقدرة الشرق الأوسط على جذبهم إلى داخله رغم جهود البقاء بعيداً».

ترمب يعتمر قبعة تحمل شعار «اجعل أميركا عظيمة مجدداً» (أ.ف.ب)

وتوافق ستراول مع مقاربة الانعزالية في فريق ترمب، مشيرة إلى وجود وجوه كثيرة ضمن فريقه من الداعمين للانعزالية الذين يسعون للتركيز على الوضع الداخلي و«جعل أميركا عظيمة مجدداً»، وأن هؤلاء سيعملون على تقليص الدور العسكري للولايات المتحدة حول العالم، ومنح دولارات دافعي الضرائب الأميركيين لأي بلد.

لكن ستراول تُذكّر في الوقت نفسه بأن العامل المشترك في فريق ترمب الذي اختاره، هو أنه «يريد من الفريق المحيط به أن يفكّر فيه هو وفي ما يريده». وتفسر قائلة: «ما نعلمه من رئاسته الأولى هو أن ما يريده أو ما يفكّر به قد يتغير من يوم إلى آخر، ومن ساعة إلى أخرى. هذا النوع من الغموض عادة ما لا يكون جيداً بالنسبة إلى الولايات المتحدة، وبالنسبة إلى الحلفاء والشركاء في أماكن مثل الشرق الأوسط، وهي أماكن نريد التعاون معها. فهم يطلبون قيادة أميركية يمكن الاتكال عليها ومستقرة. وبرأيي، استناداً إلى الفريق الذي يتم تشكيله حتى الآن، حيث يقوم أناس مختلفون بقول أشياء مختلفة وعقد اجتماعات مختلفة، فإنه من غير الواضح إن كانوا سيتمكنون في الواقع من العمل بعضهم مع بعض».

تساؤلات حول نوع الضغوطات التي قد يمارسها ترمب على نتنياهو (أ.ف.ب)

وضمن الحديث عن حلول واستراتيجيات في المنطقة، يعرب لوبارون عن تشاؤمه من فرص التوصل إلى حلّ الدولتين، مُرجّحاً أن تقوم إسرائيل «بضم الأراضي المحتلة والضفة الغربية بموافقة أميركية، أو حتى من دونها». ويضيف السفير السابق: «هناك أيضاً احتمال استمرار وجود انقسام في إسرائيل حول هذه القضايا، وسنضطر إلى التدخل بسبب علاقتنا. أعتقد أن هناك مسائل وجودية بحتة ينبغي أن تواجهها إسرائيل حول ماذا تريد أن تصبح بعد 5 إلى 10 سنوات، أو حتى بعد 20 أو 50 سنة. هل تريد أن تصبح دولة ديمقراطية؟ أو أن تكون متورطة في صراع إلى الأبد في الشرق الأوسط؟ أو هل تريد التوصل إلى سلام حقيقي يحترم الآمال الفلسطينية؟».

ويُفسر لوبارون أسباب استمرار الحرب في لبنان وغزة فيقول: «من الأسباب المحزنة لاستمرار الحرب في لبنان وفي غزة أن نتنياهو لا يمكنه الاستغناء عن الحرب، وهذه إحدى مشاكل علاقته مع ترمب. فترمب لا يريد الحرب، لكن نتنياهو يحتاج إليها وسيكون من المثير للاهتمام مشاهدة كيف سيقوم الاثنان على الاتفاق خلال الـ6 أشهر أو السنة المقبلة. لكن لحظة الحساب قادمة في إسرائيل، وهي تأجلت بسبب النزاع. سيكون لها نتائج كبيرة، وسيكون من المثير للاهتمام أن نرى إن كان ترمب سيقرر اللعب في السياسة الإسرائيلية المحلية كما فعل نتنياهو في السياسة المحلية الأميركية».

إيران وسياسة الضغط القصوى

تعهد ترمب باستعادة سياسة الضغط القصوى مع إيران (أ.ف.ب)

تلعب إيران دوراً بارزاً في التصعيد في المنطقة، ومع استعداد ترمب لتسلُّم الرئاسة في العشرين من يناير (كانون الثاني)، تزداد التساؤلات حول ما إذا كان سيعود إلى سياسة الضغط القصوى التي اعتمد عليها في إدارته الأولى. وهنا يتساءل بارون: «ترمب يعد بالانسحاب من الحروب الخارجية بينما يخوض حروباً خارجية فيما يتعلق بإيران». ويضيف: «إذن، ماذا يعني الضغط الأقصى على الإيرانيين؟ أتوقع أموراً مثل دعم نتنياهو وإسرائيل بالكامل حين يقومون بهجمات في لبنان وغيره من دون أي انتقاد، ومن دون أي قيود. قد يعني أيضاً القتال في أماكن مثل سوريا والعراق ومناطق أخرى لم نسمع عنها كثيراً علناً».

وهنا تشدد ستراول على أن سياسة الضغط القصوى هي «نشاط»، وليس هدفاً، وتفسر قائلة: «ما لم نره بعد من فريق ترمب هو تحديد أو عرض الهدف المثالي: هل الهدف احتواء البرنامج النووي الذي تم الاستثمار فيه بشكل كبير؟ هل الهدف التراجع عن هذا البرنامج أو تفكيكه أو القضاء عليه؟ هل الهدف صد دعم إيراني للإرهاب؟ لتحقيق ذلك، سيحتاج إلى أكثر من سياسة ضغط قصوى، وسيحتاج للتعاون مع حلفاء وشركاء أي أنه سينبغي أن يبذل جهوداً دبلوماسية، لأن الأمر لا يتعلّق فقط بما يمكن أن نقوم به عسكرياً، فسيتوجب عليه أن يرغب بإقامة حوار مع النظام في طهران على بعض النقاط».

الحرب الروسية - الأوكرانية

ترمب يصافح بوتين في مؤتمر صحافي في هلسنكي 16 يوليو 2018 (أ.ف.ب)

من الوعود التي أطلقها ترمب إنهاء الحرب الروسية - الأوكرانية في 24 ساعة. ويصف لوبارون الوضع الحالي بمثابة «رقصة بين بوتين وترمب للوصول إلى طريقة لإنهاء هذا النزاع». وأوضح: «لقد انضم زيلينسكي إلى تلك الرقصة مؤخراً. يجب أن نتذكر أن هذين الخصمين قد أرهقتهما الحرب، لا يمكنهما العثور على المزيد من العناصر من شعبهم للقتال، كما يريان أن تسلُّم ترمب الرئاسة سيضع حدوداً على الفترة التي يستطيعان فيها الاستمرار بهذه الحرب». ويرجّح السفير السابق أن تنتهي الحرب «بحل دبلوماسي غير مناسب وغير مرض لن يسعد أياً من الأطراف، على غرار كل الحلول الدبلوماسية. وهذا سيشكل نقطة يعلن فيها ترمب عن نجاحه ليقول: لقد أنهيت الحرب في أوكرانيا».

ويشير بارون إلى رفع إدارة بايدن الحظر عن أوكرانيا لاستعمال الأسلحة الأميركية في روسيا، فيقول إن «ما تغيّر هو أن ترمب فاز بالانتخابات، وهناك فترة شهرين سيسعى بايدن خلالهما لتقديم كل ما بوسعه إلى أوكرانيا؛ لأن الأمور ستتغير في 20 يناير عندما يتولى ترمب منصبه». ويضيف: «إذن، الفكرة هي التوفير لأوكرانيا أكبر قدر من الدفاعات الآن لكي ينتقلوا إلى طاولة المفاوضات».

وتوافق ستراول مع هذا التقييم قائلة: «إن هذا التصعيد الذي يجري حالياً هو فرصة لكل من الطرفين لكي يعززا موقفهما قبل تنصيب دونالد ترمب، الذي بدوره صرّح بأنه سيطالب أن ينضم الجميع إلى طاولة المفاوضات. وسيعمل على تقليل سلطة التفاوض الأوكرانية عبر التهديد بإيقاف المساعدات العسكرية».