نتذكرها بأكثر من مسلسل وعمل درامي، كما في «عشرة عبيد زغار» و«أدهم بيك» و«العشق المجنون» و«جمهورية نون» و«مراهقون» وغيرها. ولكنها في مسلسل «ستليتو» حُفرت في ذاكرة الناس حتى أذهان زملائها.
هُم أيضاً ورفقاؤها صاروا ينادونها في هذا العمل بـ«جماعة ستليتو». فهذا المسلسل الذي حقق نجاحاً باهراً على الصعيد العربي كله، لفت الناس بحبكته وقصته وكذلك بأبطاله. من بينهم ريتا حرب، التي جسّدت فيه شخصية «جويل» المرأة خفيفة الظل التي تلعب دوراً بارزاً في حبكة العمل. ومنذ عرضه حتى اليوم لا تزال ريتا حرب تعيش نجاح هذا العمل الذي كما تقول لـ«الشرق الأوسط» إنه محطة لن تنساها في مشوارها المهني.
هذه الذكرى الحلوة تختلط عندها بأخرى مُرّة، علّمت عندها وتركت أثرها النفسي والجسدي. فأثناء تصويرها «ستليتو» تعرضت حرب لحادث سير مروع، أسفر عن إصابات بالغة في وجهها وأنحاء جسدها. وكم مرة رددت: «شفت الموت بعيوني ولكني تمسكت بالحياة وعدت». فعام 2021، كان صعباً عليها من نواحٍ عدة، من بينها خسارتها والدتها وتعرضها لهذا الحادث.
اليوم تنتصب ريتا حرب من جديد مكملة طريقها بصلابة الشجعان. وقد انتهت أخيراً من تصوير مسلسل جديد معرّب أيضاً لعمل تركي بعنوان «الخائن». تُشارك فيه مع مجموعة ممثلين من سوريا ولبنان، من بينهم سلافة معمار ومرام علي وقيس الشيخ نجيب وغيرهم.
وتخبر «الشرق الأوسط» عن طبيعة دورها فيه: «الدور كناية عن شخصية امرأة صاحبة نفوذ كبير ومتسلطة بفعل الثراء الذي تتمتع فيه. هي بمثابة دينامو العمل ومرجعية لحل مشكلات المحيطين بها، لكنه من ناحية ثانية يحمل كثيراً من مزايا الأم المنتبهة لأمور أولادها. كما أن الحفاظ على أفراد عائلتها وحمايتهم من كل سوء يشكل واحداً من اهتماماتها الرئيسية».
يختلف إذاً دورها في «الخائن» عن الذي سبق أن قدمته في «ستليتو»، الذي وضعها هناك في إطارٍ مغايرٍ تماماً، وعن الأثر الذي تركته عندها هاتان التجربتان المتشابهتان من حيث إنتاجهما ونصهما المعرب ومساحة دورها الكبيرة فيهما. تقول: «العملان أضافا إليّ تجربتين غنيتين جداً، من ناحية تعاملي مع نفس شركة الإنتاج (إم بي سي)، ومن ناحية كشفهما عن طاقات دفينة عندي في مجال التمثيل، ويمكنني وصفهما بالأجمل في مشواري، وأتمنى أن أعيد الكرة وأقوم بتجارب مشابهة مرة جديدة».
لا شك أن مشوار ريتا حرب قبل «ستليتو» ليس كما بعده. فاسمها انتشر عربياً، فأظهرت حنكة تمثيل في دورها «جويل» ومن خلاله أثنى عليها الجميع. لكن على ماذا صارت تحرص اليوم أكثر من أي وقت مضى؟ ترد لـ«الشرق الأوسط»: «اسمعي، دوري (جويل) أُغرمت به وتعلقت كثيراً بشخصيته، لكن في الوقت نفسه لم أتوقف عنده. لأن الحياة تكمل طريقها وصناعة المسلسلات أيضاً. (ستليتو) شكّل علامة فارقة في مشواري من دون شك، والنجاح الذي أحرزته معه كان مدوياً، والفرص يمكن أن تتوفر في أي وقت. لذلك أحرص اليوم على قراءة النصوص المعروضة عليّ بتأنٍ، وأتصور نفسي بالدور، وهل سيخدمني كممثلة وسيكون له مردوده الإيجابي على المشاهد، وبالمجمل أدرك أن مشواري وخياراتي أصبحا بمرحلة أصعب من قبل. فمسؤوليتي كبرت، ولا سيما أن هناك عامل شهرة واسعة لا يمكن الاستخفاف به. فصرت أبحث اليوم عن الدور الذي يستفزني».
في «ستليتو» كما في «الخائن» تشاركت ريتا حرب أدوار البطولة مع مجموعة ممثلين سوريين، كما كانت لها تجربة خليجية سابقة في «ضرب الرمل»، فوقفت إلى جانب نجوم خليجيين مع خالد عبد الرحمن وليلى السلمان. تقول: «هذه الأعمال الدرامية، في حال توظيف الممثلين بالمكان المناسب، حسب قصة محبوكة بما يتناغم مع تعدد الجنسيات العربية، تثري أعمال الدراما. كما أنها تولد بيننا الممثلين خلفية ثقافية حلوة، فنتعرف أكثر فأكثر على مجتمعاتنا العربية عن قرب. وعندما يتألف العمل من حلقات تصل إلى عدد 90 حلقة، يولد بين فريق العمل الواحد تناغم يتحول إلى أجواء عائلية».
في عملية اختيارها لأدوارها، تؤكد ريتا حرب أنها تركن إلى استشارة مقربين منها: «أُصغي وأستمع إلى الآراء وأُقيّم مدى تفاعلها مع هذا العرض أو ذاك. ومرات كثيرة كما (ستليتو) أحاول إلقاء نظرة سريعة على النسخة الأصلية للعمل. فأُكوّن فكرة أولية عن الشخصية التي ألعبها. وأُدرك بعدها كيف أتحكم بها على طريقتي، فلا أكون متجهة نحو المجهول. ومن بعدها يأتي قراري الذي آخذه عن تصميم واقتناع».
ردود الفعل حول مسلسل «ستليتو» اتخذت منحى إيجابياً بشكل لافت، حتى إن صناع العمل الأصليين اعترفوا بأنه تفوق بنسخته العربية على الأصلية منه: «نعم هذا صحيح، لقد كُتب كثير عن هذا الأمر. والأتراك أنفسهم تفاجأوا بأداء الممثلين واعترفوا علناً بذلك وأثنوا عليه. فهو في تركيا لم يحقق النجاح كما في نسخته المعرّبة التي عُرضت عبر منصة (شاهد) وتلفزيون (إم بي سي)».
وترى حرب أن هناك عناية إلهية كانت تبارك العمل كله، فعملية الكاستينغ لفريق الممثلين كانت مواتية جداً لقصة المسلسل: «كنا جميعنا نعمل يداً واحدة من أجل إنجاح العمل. فعندما لا يحضر التجانس بين الممثلين في عمل واحد لا بد أن يسقط. ومع كل العذاب الذي واجهته خلال تصوير القسم الأخير منه بسبب الحادث الذي تعرضت له نجحت. لكني كنت أتمتع بالصلابة والقوة وحب العمل حتى آخر لحظة».
أشتاق للعمل الإعلامي ولديّ فكرة برنامج أنفذها في الوقت المناسب
ومع أن المسلسل غلبت عليه وقائع ممزوجة بالخيال، تصلح فقط في الدراما، تقول حرب: «اكتشفنا من خلال (ستليتو) أن الناس باتت تبحث عن البنية الدرامية القوية التي تنقل الواقع، ولو تم تلوينه بالمبالغة. كما أنه تضمن أسماء تمثيلية كبيرة وعناصر فنية وبصرية أبهرت المشاهد، وجميعها أسهمت في نجاحه».
تجربة السفر التي عاشها فريق التمثيل بعيداً عن أوطانهم حفرت في أذهانهم: «لقد كانت جديدة لنا جميعاً لأنها استمرت أشهراً طويلة، ما عزز علاقتنا بعضنا ببعض، واستمرت حتى الساعة. وعندما نريد أن نستذكر محطة فيها نقول (أيام ستليتو)، وهي التسمية التي اتفقنا على إطلاقها على تلك الفترة».
«ستليتو» شكّل علامة فارقة في مشواري والنجاح الذي أحرزته معه كان مدوياً
اليوم، بعد كل هذه التجارب المُرّة والحلوة التي مرت بها ريتا منذ «ستليتو» ماذا تعلمت؟ ترد لـ«الشرق الأوسط»: «أحاول دائماً أن أحيط نفسي بالإيجابية وأبتعد كل البعد عن عكسها. هناك من أدرك مشاعري هذه، وابتعد وحده. وهناك من بقي إلى جانبي لأني أشعر بالراحة معه. لقد عانيت لوقت طويل من الألم والعذابات والأوجاع الجسدية والنفسية، فلم أعد قادرة أن أضغط على نفسي وأساير من أجل إرضاء الغير. صحيح أني اجتزت المرحلة الأصعب في حياتي، لكني اتخذت قراري بعدها. وهو أن أرتاح من كل ما يمكن أن يزعجني أو يؤثر على مزاجي بشكل سيئ».
تشتاق ريتا إلى عملها كإعلامية خصوصاً أنها حققت نجاحات معروفة في هذا المجال: «كلٌ بوقته، إذ لا أحب أن أتقيد أو ألتزم بعمل معين كموظفة. ويمكن أن أسجل موسماً تلفزيونياً وأشارك في عمل درامي على السواء. فأخذ (بريك) من العمل الإعلامي أمر مُتبع عند كثيرين». وعما إذا كانت الدراما ولّدت عندها أفكار برامج تلفزيونية، ترد: «الأفكار يمكن أن تولد من حياتنا وإيقاعنا اليومي وليس من الدراما فقط. وفي الوقت الحالي، لدي فكرة برنامج أو بالأحرى خلطة منها في رأسي، ويمكن أن أنفذها في الوقت المناسب».
وتختم حرب متحدثة عن الدراما اللبنانية المحلية التي لا تزال تشدها للمتابعة حتى اليوم: «أنا ابنة هذه الدراما، ومنها انطلقت وأحبها كمشاهدة. لكن يلزمها التحسين مقارنة بالأعمال العربية، ويلزمها دعم الدولة لها. كما ألاحظ مواهب جديدة كثيرة تستحق الفرص. ومع الأسف هناك دائماً عامل المحسوبيات والشللية التي تؤثر عليها. فتصبح فرص إبرازها أقل مع أنها تتمتع بأداء جيد».