الفقر... الضيف الدائم على موائد ملايين اليمنيين

أسر محرومة من الغذاء الصحي... ووجبات غايتها سد الرمق

صيادون يجلبون الأسماك لبيعها في مدينة الحديدة اليمنية (أ.ف.ب)
صيادون يجلبون الأسماك لبيعها في مدينة الحديدة اليمنية (أ.ف.ب)
TT

الفقر... الضيف الدائم على موائد ملايين اليمنيين

صيادون يجلبون الأسماك لبيعها في مدينة الحديدة اليمنية (أ.ف.ب)
صيادون يجلبون الأسماك لبيعها في مدينة الحديدة اليمنية (أ.ف.ب)

تفقد محمد الصهيبي ما في جيبه من نقود ليرى ما إذا كانت ستكفيه ورفيقه ثمن وجبة عشاء في المطعم الشعبي الذي يقف أمامه، قبل أن يقرر دعوة رفيقه، ليشعر بعدها بتأنيب الضمير.

على الطاولة المجاورة لطاولة الصهيبي ورفيقه كان ثمة رجلان متقدمان في السن يتناولان الخبز مع «السحاوق»، وهو عصير الطماطم والفلفل الأخضر فقط، والذي يعدّ أهم المقبلات في المائدة اليمنية، وغالباً الوحيد، وعادة ما يتم تقديمه في المطاعم مجاناً رفقة الوجبات، غير أن الأوضاع المعيشية جعلته وجبة ثمينة لوحده.

بحسب الصهيبي؛ فإن الرجلين طلبا قطعة كبيرة من الخبز مع السحاوق، وعندما ألح عليهما عامل التقديم في المطعم ليطلبا أي طبق آخر؛ رفضا ذلك وهما يشعران بالخجل الشديد، وعندما وضعت الوجبة التي طلباها أمامهما؛ سارعا بالتهامها بشراهة من لم يأكل منذ وقت طويل.

عندما أكمل الرجلان وجبتهما وذهبا لدفع حسابها، وقعا في مشادة مع عامل المطعم لأنه احتسب ثمن السحاوق؛ الأمر الذي لم يتوقعاه، وكان مبرر العامل أن السحاوق يقدم مجاناً إذا كانت الوجبة تتكون من طبق أو أطباق أخرى، ولحل الخلاف أعلن الصهيبي استعداده لدفع ثمن وجبتهما إلى جانب وجبته.

عائلة يمنية في الحديدة تجمع أوراق الشجر لتناولها (تويتر)

يفيد الصهيبي بأنه بادر إلى ذلك وهو يشعر بتأنيب الضمير لأنه لم يدعهما لمشاركته ورفيقه وجبتهما التي تتكون من طبق من الفاصوليا الحمراء وآخر من الفول؛ فالمبلغ الذي يملكه لن يكفي لإضافة طبق أو طبقين، لكنه يكفي لإضافة وجبتهما البسيطة إلى الفاتورة.

ويقول لـ«الشرق الأوسط»: «بهذا المبلغ الذي دفعته ثمن عشائي ورفيقي كان يمكننا قبل سبع سنوات أن نتناول الوجبة نفسها طيلة أسبوع كامل، أو يمكنني أن أتناول بها وجبتين من اللحوم والأسماك، أما الآن لا أدري كيف يستطيع الناس حتى دخول المطاعم في صنعاء».

مساعدات من تعز إلى صنعاء

خلال أبريل (نيسان) الماضي قلص الانقلابيون الحوثيون كميات المساعدات الغذائية المقدمة من برنامج الغذاء العالمي والمخصصة للموظفين العموميين، ليزيد ذلك من تضاؤل الموائد التي تتجمع حولها العائلات اليمنية، خصوصاً في مناطق سيطرة الانقلابيين، وهو ما لاحظه الصهيبي في زيارته.

كان الصهيبي عاد إلى صنعاء لقضاء بعض حاجياته؛ بعد سبع سنوات من نزوحه منها، حين تسببت الحرب بفقدان عمله؛ إلى مسقط رأسه، حيث يعمل في الزراعة والبناء وأعمال أخرى بالأجر اليومي، واستقر به الحال على الرغم من قسوة المعيشة، وخلال رحلته هذه حمل معه كيساً كبيراً مليئاً بمواد غذائية من امرأة عجوز في قريته إلى ابنها المقيم في صنعاء.

لم تكن هذه العجوز أول من يرسل مواد غذائية إلى أقاربها في العاصمة صنعاء، فمنذ سنوات تعودت الكثير من العائلات في المناطق المحررة مقاسمة أقاربها في مناطق سيطرة الانقلابيين الحوثيين ما تتحصل عليه من المساعدات الغذائية عبر المنظمات الدولية، وهذه هي طريقة المساندة الوحيدة لهم؛ نظراً لصعوبة مساندتهم بالنقود.

يمني يطهو أوراق نبتة «الحلص» لإطعام أسرته في محافظة حجة (برنامج الغذاء العالمي)

يذكر الصهيبي أن الشاب الذي حمل إليه كيس المواد الغذائية المرسل من والدته كان ممتناً جداً، وأبدى خجلاً كبيراً لأنه يفترض أن يقوم هو بكفالتها، غير أن الأوضاع المعيشية فرضت هذه الحال عليهما، فهو يعمل مدرساً في مدرسة خاصة، وراتبه الذي ينقطع خلال إجازة الصيف؛ يكفي بالكاد لدفع إيجار المنزل وإطعام عائلته الصغيرة.

«سأعزمك على الحاصل يا محمد... عصيدة من الغَرِب والوزف اللذين أرسلتهما أمي، أنت تعرف الظروف». هكذا دعا الشاب الصهيبي بخجل لتناول وجبة الغداء في منزله، حيث «على الحاصل» جملة يستخدمها اليمنيون لإزالة الحرج عند تواضع ما يقدمون من وجبات لضيوفهم وتعني المتوفر من الأكل.

والغَرِب (بفتح الغين وكسر الراء)، هو حبوب السورغم الذي يعدّ منه اليمنيون بعض المخبوزات إلى جانب العصيدة، وهي وجبة تتكون من خلط الدقيق بالماء الساخن، أما الوزف فهو الأسماك الصغيرة المجففة، والتي يصنع منها اليمنيون صوصاً يتناولونه مع العصيدة أو المخبوزات.

نبتة «الحلص» بديلاً

هذا الشاب يبدو أسعد حظاً من غيره ممن كانوا يتلقون مساعدات غذائية من أقاربهم في المناطق المحررة، فلأن أمه العجوز تعيش وحدها في قريتها في محافظة تعز؛ ولديها قطعة أرض تزرعها بالاستعانة بشباب القرية؛ يتوفر لها قدر لا بأس به من الحبوب والدقيق سواء من تلك التي تزرعها أو التي تأتي مساعدات إلى جانب بعض البقوليات.

على العكس من ذلك، يبدي نجيب طه، من أهالي مديرية الشمايتين في محافظة تعز أيضاً، أسفه من تراجع كميات المساعدات الغذائية التي تقدمها المنظمات الإغاثية إلى حد كبير، وهو ما منعه من إرسالها إلى عائلة شقيقه المتوفي، والذين يقيمون في العاصمة صنعاء.

تسببت إجراءات الحوثيين ضد المطاعم في رفع أسعار الوجبات (فيسبوك)

ففي السابق كانت عدد من المنظمات الإغاثية دولية وإقليمية تقدم سلالاً غذائية متنوعة تفيض أحياناً عن حاجة العائلات فتضطر إما إلى بيعها والاستفادة من أثمانها في شراء حاجيات أخرى كالأدوية أو المستلزمات المدرسية لأطفالها، أو ترسلها مع المسافرين أو سيارات النقل إلى أقاربها في المناطق الخاضعة للانقلابيين الحوثيين.

يذكر نجيب أن عائلة شقيقه طلبت منه مرة أن يرسل لها ما يستطيع من نبتة «الحلص» أو «الغلف» وقد شعر حينها بتأنيب الضمير؛ لأن حاجة أقاربه إلى هذه النبتة تعني أنهم لا يجدون ما يأكلونه خلال الفترة الأخيرة التي عجز فيها عن مساندتهم؛ وتقديراً منهم لظروفه القاسية، طلبوا منه هذه النبتة التي لن تكلفه إلا عناء جلبها من منابتها في الوديان وتعبئتها في أكياس وإرسالها إليهم.

وتسببت الأزمة المعيشية في اليمن بدفع اليمنيين إلى تناول هذه النبتة بكثرة، خصوصاً في مناطق سيطرة الانقلابيين الحوثيين، وبحسب ما يفيد الأهالي في محافظة حجة (شمال غرب)؛ فإن الحلص أوشك على الانقراض من الكثير من المناطق بسبب التنافس على اقتطافها، وعدم السماح لها بالنمو.

يشرح عائض علوان حيلته لإطعام أولاده الأربعة أطعمة جيدة الفوائد بأنه يضطر وزوجته إلى الصيام خلال النهار والاكتفاء بوجبتي الإفطار والعشاء اللتين تتكونان من أي نوع من أنواع الخبز إلى جانب السحاوق أو الفول أو الفاصوليا، وغالباً ما تغيب هذه الأصناف ويكتفيان بالخبز والشاي ليتركا وجبة الغداء لأطفالهما.

ويفسر علوان ذلك بأنه يسعى جاهداً لتوفير دجاجة أو اثنتين وتقسيمهما على وجبات غداء عدة كل أسبوع، وحرمان نفسيهما منها مقابل أن يستمتع الأطفال بأكبر قدر ممكن منها، فبعد ارتفاع أسعار اللحوم والأسماك والدجاج؛ لم يبقَ أمامه إلا هذه الحيلة للحفاظ على صحة أطفاله من سوء التغذية.

عائلة يمنية بلا مأوى تتناول وجبتها في الشارع (رويترز)

ويحذر الطبيب على الموشحي من آثار كارثية على صحة اليمنيين بسبب سوء التغذية الحاصل حالياً، وخصوصاً لدى الأطفال والرضع، فالعادات الغذائية التي انتشرت بسبب الفقر والبطالة تضر بصحة الجميع، إلا أن الأطفال هم الفئة الأكثر ضعفاً، وتبدأ معاناتهم من عدم تلقي الأمهات تغذية صحية خلال فترتي الحمل والرضاعة، وعندما يبدأ الطفل بالأكل فإن فقر العائلات لا يسمح لها بتقديم وجبات صحية له.

ويشير الموشحي في حديثه لـ«الشرق الأوسط» إلى زيادة احتمال إصابة الجيل الحالي من الرضع بالتقزم وضعف البنية الجسدية واختلالات في المناعة وهشاشة العظام وضعف الإدراك، ويؤكد أنه لن ينجو من طائلة هذه الأمراض حتى أولئك الأطفال الذين يملك آباؤهم جينات مقاومة للأمراض.


مقالات ذات صلة

العالم العربي مخاوف يمنية من إفراغ الحوثيين اتفاق تبادل المحتجزين من مضامينه (إعلام حكومي)

«اتفاق مسقط» للمحتجزين يفتح نافذة إنسانية وسط تفاؤل يمني حذر

اتفاق مسقط لتبادل نحو 2900 محتجز ينعش آمال اليمنيين بإنهاء معاناة الأسرى وسط تفاؤل حذر ومطالب بضمانات أممية لتنفيذ «الكل مقابل الكل»

«الشرق الأوسط» (الرياض - صنعاء)
العالم العربي لوحة في عدن تعرض صورة عيدروس الزبيدي رئيس «المجلس الانتقالي الجنوبي» الداعي للانفصال (رويترز)

الرياض ترسم مسار التهدئة شرق اليمن... «خروج سلس وعاجل» لـ«الانتقالي»

يرسم البيان السعودي مسار التهدئة شرق اليمن، داعياً لانسحاب قوات «الانتقالي» من حضرموت والمهرة، وسط ترحيب رئاسي وحكومي وإجماع حزبي ضد التصعيد.

«الشرق الأوسط» (جدة)
وفد سعودي زار حضرموت ضمن مساعي التهدئة وخفض التوتر (سبأ)

حضرموت تتمسك بالشرعية وتحذر من تكلفة «التحركات الأحادية»

جددت سلطة حضرموت دعمها الكامل للشرعية، محذّرة من التحركات العسكرية الأحادية، ومؤكدة أن أمن المحافظة، والحوار السياسي هما السبيل للاستقرار، والتنمية

«الشرق الأوسط» (جدة)
العالم العربي العليمي مستقبلاً في الرياض السفيرة الفرنسية لدى اليمن (سبأ)

العليمي يرفض «تقطيع» اليمن ويؤكد حماية المركز القانوني للدولة

جدّد العليمي رفضه القاطع لأي محاولات لتفكيك الدولة اليمنية أو فرض وقائع أحادية خارج المرجعيات الحاكمة للمرحلة الانتقالية مؤكداً حماية المركز القانوني للدولة

«الشرق الأوسط» (جدة)

رئيس هيئة الاستعلامات المصرية: نتنياهو يعمل على عرقلة المرحلة الثانية من اتفاق غزة

رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو (رويترز)
رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو (رويترز)
TT

رئيس هيئة الاستعلامات المصرية: نتنياهو يعمل على عرقلة المرحلة الثانية من اتفاق غزة

رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو (رويترز)
رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو (رويترز)

قال رئيس الهيئة العامة للاستعلامات المصرية، ضياء رشوان، اليوم الخميس، إن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يعمل على عرقلة المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار في غزة.

وأضاف رشوان في تصريحات لقناة تلفزيون «القاهرة الإخبارية» أن نتنياهو يعمل وفق اعتبارات انتخابية لصياغة تحالف جديد.

وتابع أن نتنياهو يسعى لإشعال المنطقة، ويحاول جذب انتباه ترمب إلى قضايا أخرى، بعيداً عن القطاع، لكنه أشار إلى أن الشواهد كلها تدل على أن الإدارة الأميركية حسمت أمرها بشأن المرحلة الثانية من اتفاق غزة.

وحذر رئيس الهيئة العامة للاستعلامات المصرية من أن نتنياهو يريد أن تؤدي قوة حفظ الاستقرار في غزة أدواراً لا تتعلق بها.

وفي وقت سابق اليوم، نقل موقع «واي نت» الإخباري الإسرائيلي عن مصدر عسكري قوله إن نتنياهو سيُطلع ترمب على معلومات استخباراتية عن خطر الصواريخ الباليستية الإيرانية خلال اجتماعهما المرتقب قبل نهاية العام الحالي.

وأكد المصدر الإسرائيلي أن بلاده قد تضطر لمواجهة إيران إذا لم تتوصل أميركا لاتفاق يكبح جماح برنامج الصواريخ الباليستية الإيرانية.


الصوماليون يصوتون في أول انتخابات محلية بنظام الصوت الواحد منذ 1969

حملات حزبية في شوارع العاصمة الصومالية مقديشو لتشجيع الناخبين على المشاركة في الانتخابات (إ.ب.أ)
حملات حزبية في شوارع العاصمة الصومالية مقديشو لتشجيع الناخبين على المشاركة في الانتخابات (إ.ب.أ)
TT

الصوماليون يصوتون في أول انتخابات محلية بنظام الصوت الواحد منذ 1969

حملات حزبية في شوارع العاصمة الصومالية مقديشو لتشجيع الناخبين على المشاركة في الانتخابات (إ.ب.أ)
حملات حزبية في شوارع العاصمة الصومالية مقديشو لتشجيع الناخبين على المشاركة في الانتخابات (إ.ب.أ)

أدلى الناخبون في الصومال، الخميس، بأصواتهم في انتخابات محلية مثيرة للجدل، تُعدّ الأولى التي تُجرى بنظام الصوت الواحد منذ عام 1969. ويقول محللون إن هذه الانتخابات تُمثل خروجاً عن نظام مفاوضات تقاسم السلطة القائم على أساس قبلي.

وقد نظمت الحكومة الاتحادية في البلاد التصويت لاختيار أعضاء المجالس المحلية، في أنحاء المناطق الـ16 في مقديشو، ولكنه قوبل برفض من جانب أحزاب المعارضة التي وصفت الانتخابات بالمعيبة والمنحازة.

يذكر أن الصومال انتخب لعقود أعضاء المجالس المحلية والبرلمانيين من خلال المفاوضات القائمة على أساس قبلي، وبعد ذلك يختار المنتخبون الرئيس.

يُشار إلى أنه منذ عام 2016 تعهّدت الإدارات المتعاقبة بإعادة تطبيق نظام الصوت الواحد، غير أن انعدام الأمن والخلافات الداخلية بين الحكومة والمعارضة حالا دون تنفيذ هذا النظام.

أعضاء «العدالة والتضامن» في شوارع مقديشو قبيل الانتخابات المحلية وسط انتشار أمني واسع (إ.ب.أ)

وجدير بالذكر أنه لن يتم انتخاب عمدة مقديشو، الذي يشغل أيضاً منصب حاكم إقليم بانادير المركزي، إذ لا يزال شاغل هذا المنصب يُعيَّن، في ظل عدم التوصل إلى حل للوضع الدستوري للعاصمة، وهو أمر يتطلب توافقاً وطنياً. غير أن هذا الاحتمال يبدو بعيداً في ظل تفاقم الخلافات السياسية بين الرئيس حسن شيخ محمود وقادة ولايتي جوبالاند وبونتلاند بشأن الإصلاحات الدستورية.

ووفق مفوضية الانتخابات، هناك في المنطقة الوسطى أكثر من 900 ناخب مسجل في 523 مركز اقتراع.

ويواجه الصومال تحديات أمنية، حيث كثيراً ما تنفذ جماعة «الشباب» المرتبطة بتنظيم «القاعدة» هجمات دموية في العاصمة، وجرى تشديد إجراءات الأمن قبيل الانتخابات المحلية.

وذكر محللون أن تصويت مقديشو يمثل أقوى محاولة ملموسة حتى الآن لتغيير نظام مشاركة السلطة المعتمد على القبائل والقائم منذ أمد طويل في الصومال.

وقال محمد حسين جاس، المدير المؤسس لمعهد «راد» لأبحاث السلام: «لقد أظهرت مقديشو أن الانتخابات المحلية ممكنة من الناحية التقنية».


اجتماعات في مصر وتركيا... مساعٍ لتفكيك عقبات «اتفاق غزة»

فلسطينيون يسيرون وسط الملاجئ في مخيم النصيرات للنازحين بقطاع غزة (أ.ف.ب)
فلسطينيون يسيرون وسط الملاجئ في مخيم النصيرات للنازحين بقطاع غزة (أ.ف.ب)
TT

اجتماعات في مصر وتركيا... مساعٍ لتفكيك عقبات «اتفاق غزة»

فلسطينيون يسيرون وسط الملاجئ في مخيم النصيرات للنازحين بقطاع غزة (أ.ف.ب)
فلسطينيون يسيرون وسط الملاجئ في مخيم النصيرات للنازحين بقطاع غزة (أ.ف.ب)

توالت اجتماعات الوسطاء لدفع اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة، المتعثر حالياً، واستضافت القاهرة وأنقرة اجتماعين بشأن تنفيذ بنود الاتفاق، بعد لقاء موسع في مدينة ميامي الأميركية قبل نحو أسبوع بحثاً عن تحقيق اختراق جديد.

تلك الاجتماعات الجديدة في مصر وتركيا، يراها خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط» أنها بمثابة مساعٍ لتفكيك عقبات الاتفاق المتعثر، وشددوا على أن إسرائيل قد لا تمانع للذهاب للمرحلة الثانية تحت ضغوط أميركية؛ لكنها ستعطل مسار التنفيذ بمفاوضات تتلوها مفاوضات بشأن الانسحابات وما شابه.

وقال مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، في بيان: «بتوجيه من رئيس الوزراء، غادر منسق شؤون الأسرى والمفقودين، العميد غال هيرش، على رأس وفد ضم مسؤولين من الجيش وجهاز الأمن العام (الشاباك)، والموساد إلى القاهرة».

والتقى الوفد الإسرائيلي مسؤولين كباراً وممثلي الدول الوسيطة، وركزت الاجتماعات على الجهود وتفاصيل عمليات استعادة جثة الرقيب أول ران غوئيلي.

وسلمت الفصائل الفلسطينية منذ بدء المرحلة الأولى لوقف إطلاق النار في 10 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، 20 أسيراً إسرائيلياً أحياء ورفات 27 آخرين، فيما تبقى رفات ران غوئيلي الذي تواصل «حماس» البحث عن رفاته، وتقول إن الأمر سيستغرق وقتاً نظراً للدمار الهائل في غزة، فيما ترهن إسرائيل بدء التفاوض لتدشين المرحلة الثانية من الاتفاق بتسلمها تلك الجثة.

وبالتزامن، أعلنت حركة «حماس»، في بيان، أن وفداً قيادياً منها برئاسة رئيس الحركة في قطاع غزة خليل الحية، قد التقى في أنقرة مع وزير الخارجية التركي، هاكان فيدان، في لقاء بحث «مجريات تطبيق اتفاق إنهاء الحرب على غزة والتطورات السياسية والميدانية».

وحذر الوفد من «استمرار الاستهدافات والخروقات الإسرائيلية المتكررة في قطاع غزة»، معتبراً أنها تهدف إلى «عرقلة الانتقال إلى المرحلة الثانية من الاتفاق وتقويض التفاهمات القائمة».

وجاء اللقاءان بعد اجتماع قبل نحو أسبوعٍ، جمع وسطاء اتفاق وقف إطلاق النار في مدينة ميامي الأميركية، وأفاد بيان مشترك عقب الاجتماع بأنه جارٍ مناقشة سبل تنفيذ الاتفاق.

ويرى الخبير في الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، الدكتور سعيد عكاشة، أن اجتماعي القاهرة وأنقرة يأتيان في توقيت مهم بهدف دفع تنفيذ الاتفاق وإنهاء العقبات بشكل حقيقي، والوصول لتفاهمات تدفع واشنطن لزيادة الضغط على إسرائيل للدخول للمرحلة الثانية المعطلة، مشيراً إلى أن مسألة الرفات الأخير تبدو أشبه بلعبة لتحقيق مكاسب من «حماس» وإسرائيل.

فالحركة تبدو، كما يتردد، تعلم مكانها ولا تريد تسليمها في ضوء أن تدخل المرحلة الثانية تحت ضغط الوسطاء والوقت وفي يدها ورقة تتحرك بها نظرياً، وإسرائيل تستفيد من ذلك بالاستمرار في المرحلة الأولى دون تنفيذ أي التزامات جديدة مرتبطة بالانسحابات، وفق عكاشة.

ويعتقد المحلل السياسي الفلسطيني، الدكتور عبد المهدي مطاوع، أن هذه الاجتماعات تبحث كيفية سد الفجوات، خاصة أن الجثة تمثل عقبة حقيقية، مشيراً إلى أن لقاء «حماس» في تركيا يهدف لبحث ترتيبات نزع السلاح ودخول القوات الدولية، خاصة أن أنقرة تأمل أن يكون لها دور، وتعزز نفسها وعلاقاتها مع واشنطن.

صورة عامة للمنازل المدمرة في مخيم النصيرات بوسط قطاع غزة (أ.ف.ب)

ولا تزال إسرائيل تطرح مواقف تعرقل الاتفاق، وقال وزير الدفاع الإسرائيلي، إسرائيل كاتس، إن بلاده «لن تغادر غزة أبداً»، وإنها ستقيم شريطاً أمنياً داخل قطاع غزة لحماية المستوطنات، مشدداً على أنه يجب على «حماس» أن تتخلى عن السلاح، وإلا «فستقوم إسرائيل بهذه المهمة بنفسها»، وفق موقع «واي نت» العبري، الخميس.

فيما سعى رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، مساء الثلاثاء، إلى تحميل حركة «حماس» المسؤولية عن إصابة ضابط بالجيش الإسرائيلي في ‌انفجار عبوة ناسفة ‍في رفح، وانتهاك اتفاق ‌وقف إطلاق النار، الذي دخل حيز التنفيذ في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن الحركة الفلسطينية أكدت أن الانفجار وقع في منطقة تسيطر عليها إسرائيل بالكامل، ورجحت أن يكون الحادث ناجماً عن «مخلفات الحرب».

وجاء اتهام نتنياهو لـ«حماس» قبل أيام من لقائه المرتقب مع الرئيس الأميركي دونالد ترمب في الولايات المتحدة. ونقلت تقارير عبرية أن نتنياهو يريد إقناع ترمب بتثبيت «الخط الأصفر» حدوداً دائمة بين مناطق سيطرة إسرائيل و«حماس»؛ ما يعني احتلال إسرائيل لـ58 في المائة من مساحة القطاع.

ويتوقع عكاشة أن تعلن إسرائيل بعد لقاء ترمب أنها لا تمانع من دخول المرحلة الثانية، ولكن هذا سيظل كلاماً نظرياً، وعملياً ستطيل المفاوضات بجدولها وتنفيذ بنودها، ويبقي الضغط الأميركي هو الفيصل في ذلك.

ووفقاً لمطاوع، فإن إسرائيل ستواصل العراقيل وسط إدراك من ترمب أنه لن يحل كل المشاكل العالقة مرة واحدة، وأن هذه الاجتماعات المتواصلة تفكك العقبات، وسيراهن على بدء المرحلة الثانية في يناير (كانون الثاني) المقبل، تأكيداً لعدم انهيار الاتفاق.