توجُّهات عالمية لمعالجة مياه الصرف وتدويرها لامركزياً

الأبنية المحايدة مائياً

محطة لمعالجة مياه الصرف الصحي على نهر التيمس في لندن (أ.ف.ب)
محطة لمعالجة مياه الصرف الصحي على نهر التيمس في لندن (أ.ف.ب)
TT

توجُّهات عالمية لمعالجة مياه الصرف وتدويرها لامركزياً

محطة لمعالجة مياه الصرف الصحي على نهر التيمس في لندن (أ.ف.ب)
محطة لمعالجة مياه الصرف الصحي على نهر التيمس في لندن (أ.ف.ب)

تُعد معالجة المنصرفات وإعادة استخدام المياه المعالَجة ممارسة تقليدية في العديد من الأماكن حول العالم، لا سيما في المناطق التي تعاني من ندرة الموارد المائية أو في البلدان التي تضع شروطاً صارمة على طرح المياه العادمة إلى الأنهار والمسطحات المائية.

ومع تواتر الجفاف واتساع نطاقه نتيجة تغيُّر المناخ، يزداد الاتجاه عالمياً نحو الحلول التي تعتمد اللامركزية في معالجة الصرف الصحي وتوفير المياه لإعادة استخدامها من جديد. وتُعرف هذه الحلول أيضاً بأنظمة المياه الموزّعة، أو أساليب إعادة تدوير المياه في الموقع، ويجري تطويرها كاستراتيجية رائدة في إطار الجهود المبذولة لجعل المياه أكثر استدامة.

الجفاف يفرض إعادة استعمال المياه

بينما كانت تطبيقات معالجة مياه الصرف وإعادة استخدامها تجري عادةً في الأماكن الريفية والنائية عبر ممارسات تقليدية، تشمل على سبيل المثال الحُفَر التعفنية ومعالجة المنصرفات بواسطة نباتات الأراضي الرطبة، ظهرت نظم جديدة تتيح معالجة المياه الرمادية (منصرفات الحمّامات والغسّالات) والمياه السوداء (منصرفات دورات المياه والمطابخ) في المباني التجارية والسكنية، والمرافق الخدمية والتعليمية، وغيرها.

وتساعد هذه النظم في توفير المياه، لغير أغراض الشرب، بسعر أقل من شراء المياه الصالحة للشرب من الشبكة العامة. ومع خفض الطلب على المياه الصالحة للشرب، التي تُعدّ ذات تكلفة مرتفعة في معالجتها وتوزيعها، تزداد كفاءة إدارة المياه. ويعتقد علماء أن مستقبل المياه سيقوم على جعل المباني مكتفية ذاتياً، بحيث تصبح «محايدة مائياً» نتيجة استخدام المياه ذاتها مراراً وتكراراً في حلقة مغلقة.

ولا تبدو هذه الرؤية المستقبلية حلماً بعيد المنال، فمدينة سان فرانسيسكو لا تسمح منذ عام 2015 بترخيص الأبنية الجديدة التي تزيد مساحتها على 100 ألف قدم مربع (نحو 9290 مترا مربعا) دون وجود أنظمة معالجة وتدوير للمياه في الموقع. ومن بين النظم المستخدمة حالياً معالجة الصرف الصحي في أراضٍ رطبة موزّعة حول كتل الأبنية، واستخدام المياه المعالجة في دورات المياه. وتقلل هذه العملية من إمدادات المياه المطلوبة من الشبكة العامة بنسبة 40 في المائة.

وتوجد ضغوطات كبيرة على إمدادات المياه العذبة في جميع أنحاء العالم، حيث تتوقع الأمم المتحدة أن 5 مليارات شخص قد يعانون من نقص المياه بحلول 2050. وستكون أنظمة معالجة المياه اللامركزية خيار المجتمعات لتحقيق التنمية الاقتصادية مع ضمان الأمن المائي، وقد أخذ يشقّ طريقه في مناطق تعاني حالياً من الجفاف وأزمات المياه، كما في ولايات كولورادو وتكساس وواشنطن في الغرب الأميركي، وكذلك في الهند وأستراليا واليابان.

وتقوم إحدى المبادرات، التي رُشِّحت هذه السنة لجائزة زايد للاستدامة، على تطوير محطة متنقلة لمعالجة مياه الصرف الصحي يمكن تخصيصها وفقاً للحاجة، ونشرها متى وكيفما دعت الضرورة. وتسمح المحطة المتنقلة، التي صمّمتها شركة «سيسوي» اليابانية، بمعالجة مياه الصرف الصحي في الموقع، وتخليصها من المواد الصلبة والزيوت والمعادن الثقيلة، ما يسمح بإعادة استخدام المياه. وتُقدِّر هيئة المرافق العامة في سان فرانسيسكو، التي تزوّد المدينة بالمياه العذبة، أن هناك ما مجموعه 48 نظاماً قيد التشغيل حالياً لمعالجة مياه الصرف موضعياً وإعادة استخدامها، إلى جانب 29 مشروعاً آخر يجري التخطيط لها في المدينة.

وتتيح التقنيات الحالية جمع جميع المنصرفات ومعالجتها، بحيث تصبح مياهاً صالحةً للشرب. لكن سلامة الاستخدام المباشر لمياه الصرف الصحي المعالجة لا تزال قيد الدراسة، إذ تحول التشريعات الأميركية الحالية دون استخدام المياه المعالجة لأغراض الشرب. ويرى خبراء أن النظام الدائري الكامل، الذي تتم فيه إعادة استخدام المياه في الموقع لجميع الأغراض بما فيها الشرب، سيكون متاحاً في غضون 5 إلى 10 سنوات في الولايات المتحدة.

وفي مدينة دبي، يستفيد «برج خليفة» من مجموعة الإجراءات التي يجري اتباعها للحدّ من هدر موارد الطاقة والمياه، حيث يتم تجميع الماء المتكثّف من أنظمة التكييف لتبريد مياه الشرب التي تؤمّنها هيئة كهرباء ومياه دبي (ديوا). وتُضَخ مياه التكاثف إلى خزان كبير لاستخدامها في عمليات ري الحدائق والمسطحات الخضراء المحيطة بالبرج، ما يتيح توفير نحو 57 ألف متر مكعب من المياه سنوياً.

وفي مقابل الحلول الناشئة لتدوير المياه في الموقع، تستمر الأنظمة المركزية لمعالجة المياه وتدويرها في التطوّر والنمو منذ عقود لحل مشكلة نقص المياه المتسارعة. وتعالج منشأة كبيرة لإعادة تدوير المياه في مقاطعة أورانج في كاليفورنيا نحو 500 ألف متر مكعب من مياه الصرف يومياً، في عملية إعادة استخدام غير مباشرة لمياه الشرب. والبداية من خلال عملية تشمل ثلاث مراحل هي الترشيح الدقيق، والتناضح العكسي، والتطهير بالأشعة فوق البنفسجية وبيروكسيد الهيدروجين، بعدها تُحقن المياه المعالجة في المياه الجوفية، ثم يتم ضخها ومعالجتها في المرافق المحلية لتصبح مواصفاتها مطابقة لمعايير مياه الشرب. وهي أكبر محطة في العالم تعتمد هذا الأسلوب.

وفي سنغافورة، التي تعاني من نقص المياه، تقوم محطة شانغي الضخمة لمعالجة المياه بتنظيف وتنقية نحو 900 ألف متر مكعب من مياه الصرف الصحي يومياً لتتوافق مع معايير مياه الشرب. أما في العالم العربي، فتنتشر محطات معالجة مياه الصرف الصحي على نطاق واسع لمعالجة المنصرفات إلى الحدّ الذي يسمح بطرحها في المسطحات المائية بشكل آمن. كما توجد العديد من المشاريع، كما في دول الخليج والأردن وفلسطين، لمعالجة مياه الصرف الصحي واستخدامها في الزراعة بهدف توفير الموارد المائية الثمينة وتخفيف فاتورة تحلية مياه البحر.

وكانت وزارة الموارد المائية المصرية أعلنت مؤخراً أنها تقوم بإعادة استخدام كميات من المياه، تصل إلى 20 مليون متر مكعب سنوياً، بفضل شبكة واسعة من محطات معالجة مياه الصرف الصحي والزراعي والصناعي. وتتوقع الوزارة أن تصبح مصر ضمن أكثر الدول تدويراً لمياه الصرف المعالجة عند انتهاء مشروعات محطات المعالجة في مناطق بحر البقر والحمام والمحمسة.

المعالجة في الموقع أرخص وأسهل

وتواجه الحلول المركزية لمعالجة مياه الصرف مصاعب كبيرة، لا سيما في ما يخص تأمين النفقات التأسيسية والتشغيلية. وفي المقابل، تسمح نظم تدوير المياه في الموقع بتوفير كلفة ضخ المياه لمسافات طويلة، وما يرتبط بها من نفقات حفر الشوارع لمد قساطل الصرف الصحي وأنابيب مياه الشرب. وهي من ناحية أخرى أكثر تكيُّفاً مع أحوال الطقس المتطرفة التي تتسبب في كثير من الأحيان بتعطيل محطات معالجة الصرف الصحي التقليدية.

ومما يساعد في تحسين جدوى الحلول اللامركزية لمعالجة المنصرفات أنها تتجاوب بشكل مرن مع طبيعة المنصرفات وغاية الاستخدام النهائية، مما يخفّض كلفة تشغيلها. فعلى سبيل المثال، لا توجد ضرورة لاستخدام تقنيات مكلفة في الموقع لمعالجة المياه الرمادية لاستخدامها في دورات المياه، في حين تصل مياه الصرف إلى محطات المعالجة المركزية مختلطة وتتطلب استخدام أساليب معالجة مكثّفة ومكلفة.

يزداد الاتجاه عالمياً نحو الحلول التي تعتمد اللامركزية في معالجة الصرف الصحي

وتشير دراسة حول اقتصاديات المعالجة اللامركزية لمياه الصرف وتدويرها، نُشرت العام الماضي في دورية «ووتر ريسيرتش»، إلى أن النفقات التأسيسية والتشغيلية لأنظمة حصاد المياه وإعادة التدوير في الموقع ستزيد من التكلفة الإجمالية لتشييد الأبنية الطابقية المتعددة المساكن بنحو 6 في المائة، وستصل هذه الزيادة إلى 12 في المائة للمنازل المستقلة.

وتقدّر هذه الدراسة أن السعر الإجمالي لتأمين المياه في الموقع، بما فيها كلفة حصاد مياه الأمطار وعمليات المعالجة والتدوير والمراقبة، ستتراوح ما بين 1.5 و2.7 دولار للمتر المكعب، وهو سعر أقل بكثير من التعرفة الوسطية للمياه في الولايات المتحدة وأوروبا الغربية. وعلى سبيل المثال، تصل تعرفة مياه الصنبور في ولاية سان فرانسيسكو إلى 6 دولارات للمتر المكعب.

وتتوافر في الأسواق حالياً مجموعة من أجهزة معالجة وتدوير المياه الصغيرة المخصصة للاستخدام في المنزل. ومن بينها جهاز «هيدرالوب»، الذي تنتجه شركة هولندية، ويأتي في حجم غسّالة لتنظيف المنصرفات ومعالجتها. ويسمح هذا الجهاز بتدوير ما يصل إلى 95 في المائة من المنصرفات المنزلية لاستخدامها في غسل الملابس وري الحدائق ولدورات المياه. كما تصنع شركة كندية جهاز «رين ستيك»، الذي يعيد تدوير مياه «الدوش» مراراً وتكراراً أثناء الاستحمام.

ويمثّل القبول الاجتماعي لإعادة استخدام المياه المعالجة حجر عثرة أمام انتشار نظم معالجة المنصرفات وتدويرها في الموقع، ما يجعل المطوّرين والمعماريين يغضّون النظر عن لحظ هذه النظم ضمن المشاريع العمرانية الحديثة، وإن كانت في تصميمها تحاكي دورة المياه في الطبيعة.

لكن المتوقَّع أن تسير أنظمة معالجة المنصرفات وتدوير المياه اللامركزية في النهاية على الخطى ذاتها التي اتبعتها نظم العزل الحراري وخفض الانبعاثات في الأبنية خلال العقود القليلة الماضية، حيث أُهملت قبل أن تصبح جزءاً ثابتاً في مواصفات البناء. ففي عالم يعاني من إجهاد مائي متزايد سيكون توفير كل قطرة ماء واجباً وليس خياراً.


مقالات ذات صلة

ارتفاع الحرارة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بوتيرة أسرع من مثلي المعدل العالمي

بيئة عامل يقف تحت أشعة الشمس وسط درجات الحرارة المرتفعة (رويترز)

ارتفاع الحرارة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بوتيرة أسرع من مثلي المعدل العالمي

قالت المنظمة العالمية للأرصاد الجوية التابعة للأمم المتحدة، في تقرير، إن منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا سجّلت أكثر الأعوام حرارة على الإطلاق في عام 2024

«الشرق الأوسط» (جنيف)
يوميات الشرق نفايات القهوة تعزز قوة الخرسانة وتقلل البصمة الكربونية (معهد ملبورن الملكي للتكنولوجيا)

نفايات القهوة تصنع خرسانة أقل انبعاثاً للكربون

تكشف الدراسة عن إمكانية تحويل مخلفات القهوة إلى مادة بناء مستدامة تعزز صلابة الخرسانة وتخفض بصمتها الكربونية، مما يدعم التوجه نحو اقتصاد دائري.

«الشرق الأوسط» (القاهرة )
ثقافة وفنون عالمة الرئيسيات والناشطة البيئية جين غودال

جين غودال وإرث البشرية المضطرب

غيابها ليس مجرد فقدانٍ لعالمةِ رئيسياتٍ أو ناشطةِ بيئةٍ، بل هو إغلاق للنافذة التي فتحتها بنفسها بقوةٍ وصبرٍ في غابات غومبي التنزانية قبل أكثر من ستة عقود.

ندى حطيط (لندن)
آسيا فيضانات في تايلاند (أ.ب)

ارتفاع عدد الوفيات جراء الفيضانات في تايلاند وسريلانكا

ذكر بيان حكومي أن حصيلة الوفيات جراء الفيضانات في جنوب تايلاند ارتفعت إلى 87 اليوم الجمعة.

«الشرق الأوسط» (بانكوك)
يوميات الشرق يعكس ظهور النسر ضمن المحمية أهميتها المتزايدة بوصفها ملاذاً للطيور المهاجرة (واس)

رصد أول ظهور للنسر أبيض الذيل في السعودية منذ 20 عاماً

رصدت محمية الأمير محمد بن سلمان الملكية ظهوراً نادراً للنسر أبيض الذيل، أحد الطيور المهاجرة، وهو الرصد المؤكد الأول لهذا النوع في السعودية منذ أكثر من 20 عاماً.

«الشرق الأوسط» (تبوك)

ارتفاع الحرارة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بوتيرة أسرع من مثلي المعدل العالمي

عامل يقف تحت أشعة الشمس وسط درجات الحرارة المرتفعة (رويترز)
عامل يقف تحت أشعة الشمس وسط درجات الحرارة المرتفعة (رويترز)
TT

ارتفاع الحرارة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بوتيرة أسرع من مثلي المعدل العالمي

عامل يقف تحت أشعة الشمس وسط درجات الحرارة المرتفعة (رويترز)
عامل يقف تحت أشعة الشمس وسط درجات الحرارة المرتفعة (رويترز)

قالت المنظمة العالمية للأرصاد الجوية التابعة للأمم المتحدة، في تقرير، إن منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا سجّلت أكثر الأعوام حرارة على الإطلاق في عام 2024، حيث ارتفعت درجات الحرارة بوتيرة تزيد بمقدار المثلين عن المتوسط العالمي في العقود الأخيرة.

وأصبحت الموجات الحارة في المنطقة أطول وأكثر حدة، وفقاً لأول تقرير للمنظمة العالمية للأرصاد الجوية، يركز على المنطقة.

وقالت سيليست ساولو الأمينة العامة للمنظمة العالمية للأرصاد الجوية: «ترتفع درجات الحرارة بمعدل مثلي المتوسط العالمي، مع موجات حرّ شديدة ومرهقة للمجتمع إلى أقصى الحدود».

وخلص التقرير إلى أن متوسط درجات الحرارة في عام 2024 تجاوز متوسط الفترة من 1991 إلى 2020، بمقدار 1.08 درجة مئوية، فيما سجّلت الجزائر أعلى زيادة بلغت 1.64 درجة مئوية فوق متوسط الثلاثين عاماً الماضية.

وحذّرت ساولو من أن الفترات الطويلة التي زادت فيها الحرارة عن 50 درجة مئوية في عدد من الدول العربية كانت «حارة للغاية» بالنسبة لصحة الإنسان والنظم البيئية والاقتصاد.

درجات الحرارة المرتفعة سجلت أرقاماً قياسية (أرشيفية - رويترز)

وأشار التقرير إلى أن موجات الجفاف في المنطقة، التي تضم 15 بلداً من أكثر بلدان العالم ندرة في المياه، أصبحت أكثر تواتراً وشدة، مع اتجاه نحو تسجيل موجات حرّ أكثر وأطول في شمال أفريقيا منذ عام 1981.

وخلص التقرير إلى أن مواسم الأمطار المتتالية، التي لم يسقط فيها المطر، تسببت في جفاف في المغرب والجزائر وتونس.

وقالت المنظمة العالمية للأرصاد الجوية إن أكثر من 300 شخص في المنطقة لقوا حتفهم العام الماضي بسبب الظواهر الجوية القاسية، ولا سيما موجات الحر والفيضانات، في حين تضرر ما يقرب من 3.8 مليون شخص.

وأكّد التقرير الحاجة الماسة للاستثمار في الأمن المائي، عبر مشروعات مثل تحلية المياه وإعادة استخدام مياه الصرف الصحي، إلى جانب تطوير أنظمة الإنذار المبكر للحدّ من مخاطر الظواهر الجوية. ويمتلك نحو 60 في المائة من دول المنطقة هذه الأنظمة حالياً.

ومن المتوقع أن يرتفع متوسط درجات الحرارة في المنطقة بمقدار 5 درجات مئوية، بحلول نهاية القرن الحالي، في ظل مستويات الانبعاثات الحالية، استناداً إلى التوقعات الإقليمية الصادرة عن الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ.


دراسة جينية تكشف مرحلة فارقة في تاريخ استئناس القطط

قطة سوداء تظهر بين قطط أخرى في ملجأ للحيوانات بجنوب إسبانيا (أ.ف.ب)
قطة سوداء تظهر بين قطط أخرى في ملجأ للحيوانات بجنوب إسبانيا (أ.ف.ب)
TT

دراسة جينية تكشف مرحلة فارقة في تاريخ استئناس القطط

قطة سوداء تظهر بين قطط أخرى في ملجأ للحيوانات بجنوب إسبانيا (أ.ف.ب)
قطة سوداء تظهر بين قطط أخرى في ملجأ للحيوانات بجنوب إسبانيا (أ.ف.ب)

تعيش مع البشر مئات الملايين من القطط في جميع أنحاء العالم، سواء أكانت سيامية أو فارسية أو من سلالة ماين كون أو غيرها. لكن على الرغم من شعبيتها كحيوانات أليفة، ظلّ تاريخ استئناسها وتربيتها بالمنازل سرّاً صعباً يستعصي على العلماء.

وتقدم دراسة جينية جديدة نظرة في هذه المسألة، من خلال تحديد التوقيت الزمني لمرحلة رئيسية في تدجين القطط، عندما استُقدمت القطط المنزلية إلى أوروبا من شمال أفريقيا.

ووجد الباحثون أن القطط الأليفة وصلت إلى أوروبا منذ ما يقرب من ألفي عام، في أوائل عصر الإمبراطورية الرومانية، ربما من خلال التجارة البحرية.

ويحتمل أن يكون البحارة قد جلبوا بعض هذه القطط لاصطياد الفئران على متن السفن التي كانت تجوب البحر المتوسط حاملة الحبوب من حقول مصر الخصبة إلى الموانئ التي تخدم روما والمدن الأخرى في الإمبراطورية الرومانية مترامية الأطراف.

تتناقض هذه النتائج مع الفكرة السائدة منذ فترة طويلة بأن الاستئناس حدث في عصور ما قبل التاريخ، ربما قبل 6 إلى 7 آلاف سنة، حينما انتقل المزارعون من الشرق الأدنى والشرق الأوسط القديم إلى أوروبا لأول مرة، حاملين القطط معهم.

قطة (أ.ف.ب)

وقال عالم الجينات كلاوديو أوتوني، من جامعة روما تور فيرجاتا، المؤلف الرئيسي للدراسة التي نُشرت اليوم (الخميس)، في مجلة «ساينس»: «أظهرنا أن أقدم جينومات للقطط المنزلية في أوروبا تعود إلى فترة الإمبراطورية الرومانية وما بعدها»، بداية من القرن الأول الميلادي.

استخدمت الدراسة بيانات جينية من بقايا القطط من 97 موقعاً أثرياً في جميع أنحاء أوروبا والشرق الأدنى، وكذلك من قطط تعيش في الوقت الحاضر. قام الباحثون بتحليل 225 عظمة من عظام القطط، الأليفة والبرية، التي ترجع إلى نحو 10 آلاف سنة مضت إلى القرن التاسع عشر الميلادي، وأنتجوا 70 جينوماً قديماً للقطط.

ووجد الباحثون أن بقايا القطط من مواقع ما قبل التاريخ في أوروبا تنتمي إلى القطط البرية، وليس القطط الأليفة القديمة.

كانت الكلاب هي أول حيوان مستأنس من قبل البشر، إذ انحدرت من فصيلة ذئاب قديمة مختلفة عن الذئاب الحديثة. وجاءت القطط الأليفة في وقت لاحق، منحدرة من القط البري الأفريقي.

قال ماركو دي مارتينو، عالم الحفريات بجامعة روما تور فيرجاتا، والمؤلف المشارك في الدراسة: «دخول القطط الأليفة إلى أوروبا مهم لأنه يمثل لحظة مهمة في علاقتها طويلة الأمد مع البشر. فالقطط ليست مجرد نوع آخر وصل إلى قارة جديدة. إنها حيوان أصبح مندمجاً بعمق في المجتمعات البشرية والاقتصادات حتى المعتقدات».

وحدّدت البيانات الجينية مرحلتين لدخول القطط إلى أوروبا من شمال أفريقيا. فمنذ ما يقرب من 2200 سنة، جلب البشر القطط البرية من شمال غربي أفريقيا إلى جزيرة سردينيا، التي تنحدر قططها البرية الحالية من تلك القطط المهاجرة.

لكن هذه القطط لم تكن أليفة. فهناك هجرة منفصلة من شمال أفريقيا بعد نحو قرنين من الزمان، شكّلت الأساس الجيني للقطط المنزلية الحديثة في أوروبا.

تشير نتائج الدراسة إلى أنه لم تكن هناك منطقة أساسية واحدة لترويض القطط، بل لعبت عدة مناطق وثقافات في شمال أفريقيا دوراً في ذلك، وفقاً لعالمة الآثار الحيوانية والمؤلفة المشاركة في الدراسة، بيا دي كوبير، من المعهد الملكي البلجيكي للعلوم الطبيعية.

وقالت دي كوبير: «يتزامن توقيت الموجات الوراثية لإدخال القطط من شمال أفريقيا مع الفترات التي تكثفت فيها التجارة حول البحر المتوسط بقوة. ومن المرجح أن القطط كانت تسافر لصيد فئران على متن سفن الحبوب، لكن ربما أيضاً كحيوانات ذات قيمة دينية ورمزية».

كانت القطط مهمة في مصر القديمة، وكان ملوك مصر يحتفظون بقطط أليفة، وأحياناً يحنطونها لدفنها في توابيت أنيقة.

ولعب الجيش الروماني القديم، الذي انتشرت مواقعه العسكرية في جميع أنحاء أوروبا، وحاشيته، دوراً أساسياً في انتشار القطط الأليفة في جميع أنحاء القارة، وتشهد على ذلك بقايا القطط التي اكتشفت في مواقع المعسكرات الرومانية.

ويرجع تاريخ أقدم قط مستأنس في أوروبا تم تحديده في الدراسة، وهو قط مشابه وراثياً للقطط المنزلية الحالية، إلى ما بين 50 قبل الميلاد و80 ميلادية من بلدة ماوترن النمساوية، وهي موقع حصن روماني على طول نهر الدانوب.

ومع ذلك، لم تكشف الدراسة عن توقيت ومكان التدجين الأولي للقطط.

قال أوتوني: «تدجين القطط أمر معقد، وما يمكننا قوله حالياً هو توقيت دخول القطط المنزلية إلى أوروبا من شمال أفريقيا. لا يمكننا أن نقول الكثير عما حدث قبل ذلك، وأين حدث».


إسطنبول تتجه لحظر الكلاب الضالة في الأماكن العامة

رجل يحمل كلباً على كتفه (أ.ف.ب)
رجل يحمل كلباً على كتفه (أ.ف.ب)
TT

إسطنبول تتجه لحظر الكلاب الضالة في الأماكن العامة

رجل يحمل كلباً على كتفه (أ.ف.ب)
رجل يحمل كلباً على كتفه (أ.ف.ب)

أصدرت السلطات المحلية في إسطنبول، اليوم (الاثنين)، مرسوماً يقضي بحظر إطعام الكلاب الضالة داخل المدينة في المستقبل، وكذلك منع وجودها في الأماكن العامة بالمدينة.

وقالت السلطات إنه سيتم منع الكلاب الضالة من الوجود على الأرصفة، والمرافق الصحية والتعليمية، والمطارات، ودور العبادة، والمتنزهات، وذلك بهدف منع انتشار الآفات والتلوث البيئي.

ولم يتم تقديم أي تفاصيل حول العقوبات المحتملة، وفقاً لوكالة الأنباء الألمانية.

وتهدف الإجراءات الجديدة أيضاً إلى تسريع عملية الإمساك بالكلاب التي لا مالك لها وتعقيمها، وإيوائها في ملاجئ الحيوانات. وستكون البلديات مسؤولة عن تنفيذ القواعد الجديدة.

وأصبحت هذه القضية محل جدل كبيراً منذ صدور قانون العام الماضي، يسمح في حالات معينة بإعدام الكلاب الضالة. ويمكن الآن إلزام البلديات بإمساك الحيوانات الضالة وإيوائها في ملاجئ خاصة.

وتقوم هذه الملاجئ بالبحث عن مالكين جدد للاعتناء بهذه الحيوانات.