مع تواصل المعارك في السودان... قصف مدفعي يزلزل أرجاء الخرطوم

الدخان يتصاعد من الخرطوم (أ.ب)
الدخان يتصاعد من الخرطوم (أ.ب)
TT

مع تواصل المعارك في السودان... قصف مدفعي يزلزل أرجاء الخرطوم

الدخان يتصاعد من الخرطوم (أ.ب)
الدخان يتصاعد من الخرطوم (أ.ب)

لا يزال دوي القصف المدفعي يهز أرجاء العاصمة السودانية وبعض المناطق الأخرى، اليوم (الخميس)، حيث يتواصل القتال بين الجيش و«قوات الدعم السريع» وسط تبادل اتهامات بين الطرفين بارتكاب انتهاكات في حق المدنيين.

وأفاد شهود عيان وكالة الصحافة الفرنسية، صباح الخميس، بحصول «قصف مدفعي على شارع الستين شرق الخرطوم».

وأكد آخرون ليل (الأربعاء - الخميس) توجيه ضربات صاروخية من شمال أم درمان غرب العاصمة، حيث يقع الكثير من مراكز الجيش الرئيسية، باتجاه جنوب أم درمان وحي بحري في شمال الخرطوم.

وتبادل طرفا النزاع الاتهامات (الأربعاء) في بيانين بارتكاب انتهاكات في حق المدنيين، إذ اتهم الجيش «قوات الدعم السريع» بـ«استغلال الهدنة في تحشيد قواتها وارتكاب عدة انتهاكات بحق المدنيين»، من دون مزيد من التفاصيل.

وردت «قوات الدعم السريع» في بيان اتهمت فيه الجيش بـ«فبركة مقطع فيديو قالوا إنه لعملية اغتصاب ومحاولة إلصاق هذا الفعل الشنيع بقواتنا».

وأضافت: «من الواضح أن الذين قاموا بهذا الفعل الشنيع لم يستطيعوا إخفاء معالم مهمة أثبتت إدانتهم، حيث ظهر أحد الممثلين غير المهرة في كامل زيّ قوات الفلول والانقلابيين»، في إشارة إلى زيّ الجيش السوداني.

خارج العاصمة، شهدت مدينة نيالا عاصمة جنوب دارفور، ليل الأربعاء، «اشتباكات بمختلف أنواع الأسلحة بين الجيش و(الدعم السريع)»، على ما أفاد شهود عيان.

يتواصل القتال بين الجيش و«قوات الدعم السريع» وسط تبادل اتهامات بين الطرفين (أ.ف.ب)

كذلك، شهدت مدينة الأُبيّض عاصمة ولاية شمال كردفان، قصفاً مدفعياً.

وتدور المعارك بين الجيش بقيادة عبد الفتّاح البرهان و«قوات الدعم السريع» بقيادة محمد حمدان دقلو منذ 15 أبريل (نيسان)، وقد أوقعت حتى الآن أكثر من ألفي قتيل، وفقاً لتقديرات يرى خبراء أنّها أقلّ بكثير من الواقع.

وصباح الأربعاء انتهت هدنة مدتها 72 ساعة تم الاتفاق عليها بين الطرفين بوساطة أميركية - سعودية.

«لا يستطيعون النوم بسلام»

في مختلف أنحاء السودان، بلغ عدد النازحين «مليونَي شخص»، وفقاً لمفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين، كما أحصت المنظمة الدولية للهجرة نحو 600 ألف شخص فرّوا إلى الدول المجاورة.

وأكدت منظمة الصحة العالمية (الأربعاء) خروج نحو ثلثي مرافق الرعاية الصحية، في مناطق القتال في السودان، من الخدمة.

وأشار المدير العام للمنظمة، تيدروس أدهانوم غيبريسوس، إلى وقوع «46 هجوماً على مرافق الرعاية الصحية منذ بدء الاقتتال».

وأفادت المنظمة بأن نحو 11 مليون شخص بحاجة إلى مساعدة صحية، مبديةً قلقها بشأن محاولات السيطرة على أوبئة الحصبة والملاريا وحمى الضنك المستمرة.

وكان المجتمع الدولي قد تعهّد خلال اجتماع عُقد في جنيف (الاثنين) بتقديم 1.5 مليار دولار من المساعدات، وهو نصف ما تحتاج إليه المنظمات الإنسانية، وفقاً لتقديراتها الميدانية.

الأطفال ما زالوا لا يستطيعون النوم بسلام (رويترز)

وفي هذا الصدد رأى مدير المجلس النرويجي للاجئين بالسودان، وليام كارتر، حسب مقال له نُشر (الأربعاء)، على موقع «ذا نيو هيومانتيريان» المستقل المعنيّ بإبراز القضايا الإنسانية، أن هذه التعهدات «سخيّة... لكنها ضئيلة للغاية بالنظر إلى الحجم الهائل للكارثة التي بدأت في الظهور».

ويعتمد 25 مليون شخص، أي أكثر من نصف سكّان السودان، على المساعدات الإنسانية للاستمرار في بلد يغرق في الدمار والعنف بسرعة «غير مسبوقة»، وفق الأمم المتّحدة.

وحذّر مدير برنامج الأغذية العالمي في السودان، إدي راو، الثلاثاء، من أنّ «الاحتياجات الإنسانية بلغت مستويات قياسية في وقت لا تبدو فيه أيّ مؤشّرات على نهاية للنزاع».

ونقل كارتر في مقاله شهادة من أحد النازحين من الخرطوم بسبب الحرب، قابله بولاية النيل الأبيض الحدودية مع جنوب السودان.

وقال الرجل السوداني، حسب كارتر: «ظلت القنابل تتساقط والجدران تهتز... ظل الأطفال تحت أسرّتهم، لكنّ رصاصة اخترقت الجدار وكانت على مسافة قليلة منهم».

ورغم مغادرة هذا السوداني للعاصمة، فإنه أكد أن «الأطفال ما زالوا لا يستطيعون النوم بسلام».


مقالات ذات صلة

أول قافلة مساعدات برية مصرية إلى السودان

شمال افريقيا القافلة خلال تحركها الأحد من أمام مقر «الهلال الأحمر المصري» (مجلس الوزراء المصري)

أول قافلة مساعدات برية مصرية إلى السودان

انطلقت من القاهرة، الأحد، أول قافلة مساعدات برية مصرية إلى السودان، تحمل نحو 70 طناً من الأغذية والمستلزمات الطبية.

عصام فضل (القاهرة )
شمال افريقيا الرئيس التركي رجب طيب إردوغان يصافح رئيس «مجلس السيادة» قائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان في مجمع الرئاسة بأنقرة يوم 25 ديسمبر 2025 (أ.ف.ب)

البرهان يطلب من الرئيس التركي المساعدة في وقف الحرب

طلب رئيس «مجلس السيادة» قائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان من الرئيس التركي رجب طيب إردوغان التدخل والمساعدة في وقف الحرب ببلاده

محمد أمين ياسين (نيروبي)
شمال افريقيا نازحون من شمال كردفان (أ.ف.ب)

الأمم المتحدة: أكثر من عشرة آلاف نازح خلال ثلاثة أيام في السودان

نزوح أكثر من عشرة آلاف شخص في غضون ثلاثة أيام خلال الأسبوع الحالي بولايات شمال دارفور وجنوب كردفان بالسودان وسط استمرار المعارك بين الجيش وقوات «الدعم السريع»

«الشرق الأوسط» (بورتسودان (السودان))
شمال افريقيا رئيس الحكومة الانتقالية في السودان كامل إدريس متحدثاً مع الصحافيين في نيويورك الاثنين الماضي (الأمم المتحدة)

السودان: إدريس سيباشر مهامه من الخرطوم خلال الأيام المقبلة

قالت وزيرة شؤون مجلس الوزراء السودانية لمياء عبد الغفار اليوم الأحد إن رئيس مجلس الوزراء كامل إدريس سيباشر مهامه من العاصمة الخرطوم في «غضون الأيام المقبلة».

«الشرق الأوسط» (الخرطوم)
شمال افريقيا جرحى أُصيبوا خلال معارك الفاشر في وقت سابق يخضعون للعلاج بمستشفى ميداني شمال دارفور (رويترز) play-circle

بعثة أممية إنسانية تدخل الفاشر المنكوبة للمرة الأولى منذ 18 شهراً

كشفت الأمم المتحدة عن وصول بعثة إنسانية أممية إلى مدينة الفاشر، عاصمة ولاية شمال دارفور، في أول دخول إنساني للمدينة منذ سيطرة «قوات الدعم السريع»

أحمد يونس (كمبالا)

احتجاجات مستمرة وقطع طرق بالعاصمة الليبية

رئيس حكومة الوحدة الليبية عبد الحميد الدبيبة (مكتب الدبيبة)
رئيس حكومة الوحدة الليبية عبد الحميد الدبيبة (مكتب الدبيبة)
TT

احتجاجات مستمرة وقطع طرق بالعاصمة الليبية

رئيس حكومة الوحدة الليبية عبد الحميد الدبيبة (مكتب الدبيبة)
رئيس حكومة الوحدة الليبية عبد الحميد الدبيبة (مكتب الدبيبة)

عاشت العاصمة الليبية، طرابلس، ليلة جديدة على صفيح ساخن، مع تجدُّد موجة احتجاجات غاضبة ضد حكومة «الوحدة» المؤقتة، بالتزامن مع انضمام ما تُعرف بـ«كتائب وسرايا الثوار بمدينة مصراتة» إلى مطالب المحتجين التي تجاوزت الدعوة لإقالة الحكومة إلى المطالبة بإسقاط جميع «الأجسام السياسية» الحاكمة، في بلد يرزح منذ سنوات تحت وطأة الانقسام السياسي والأمني.

وحسب شهود عيان ووسائل إعلام محلية، شهدت طرابلس، مساء السبت، إغلاق الطريق السريع وطريق الشط من قبل محتجين على حكومة عبد الحميد الدبيبة، مع إشعال إطارات في وسط العاصمة، وخروج مظاهرات ليلية بعدة أحياء، احتجاجاً على ما وُصف بتفشي الفساد وتدهور الخدمات والأوضاع المعيشية.

ونقل الدبلوماسي الليبي محمد خليفة العكروت مشهداً اتسم بقطع طرق وحرق إطارات وارتباك في حركة المرور، وازدحام خانق أسفر عن اصطدام عدد من السيارات.

إطارات محترقة في أحد شوارع العاصمة طرابلس (لقطة مثبتة)

ودخلت الاحتجاجات يومها الثاني بعد تظاهرات مماثلة يوم الجمعة في طرابلس، ترافقت مع مظاهرات أخرى في مدينتي مصراتة والزاوية؛ حيث ندد المحتجون بتردي الأوضاع الاقتصادية والخدمية والأمنية، مطالبين بإنهاء المرحلة الانتقالية.

وأعلن قادة «كتائب وسرايا الثوار بمدينة مصراتة» تأييدهم الكامل لما وصفوه بـ«انتفاضة شعبية»، مطالبين بـ«إسقاط كل الأجسام السياسية المسؤولة عن معاناة الوطن»، ودعوا الليبيين إلى الخروج للشوارع، كما وجَّهوا نداءً للأجهزة الأمنية والعسكرية في مصراتة للوقوف إلى جانب المحتجين.

ويبدو أن إشارة البيان إلى «الأجسام السياسية» تشمل مجلسَي النواب والأعلى للدولة، إضافة إلى حكومة الوحدة في طرابلس، والحكومة المكلفة من البرلمان في شرق البلاد.

وتبرأ قادة «الكتائب» في بيان لهم من وكيل وزارة الدفاع عبد السلام زوبي، معتبرين أنه «لا يمثلهم»، وأنه لم يقم بأي دور يُذكَر «في الدفاع عن حقوق الثوار»، أو في التعاطي مع حادثة وفاة رئيس الأركان محمد الحداد، إثر سقوط طائرة كانت تقله وقادة عسكريين بعد قليل من إقلاعها من العاصمة التركية أنقرة، الثلاثاء الماضي، منتقدين صمته حيالها.

كما استنكروا ما وصفوه بالموقف «الهزيل» لحكومة الوحدة، بسبب غياب بيان نعي رسمي متلفز أو مؤتمر صحافي يوضح ملابسات تحطم الطائرة، عادِّين ذلك «إهانة للمؤسسة العسكرية وتضحيات الثوار».

وتُعتبر «كتائب ثوار مصراتة» أكبر وأقوى القوى العسكرية المنظمة في غرب ليبيا، ولعبت منذ بروزها خلال ثورة 17 فبراير (شباط) 2011، دوراً محورياً في العمليات العسكرية التي أسهمت في إسقاط نظام الرئيس السابق معمر القذافي؛ خصوصاً في جبهات مصراتة وسرت وطرابلس.

جانب من إحدى جلسات مجلس النواب الليبي في بنغازي (مكتب إعلام المجلس)

وعلى مدى السنوات اللاحقة، احتفظت هذه التشكيلات بنفوذ عسكري ملحوظ داخل مصراتة وخارجها، مستندة إلى تنظيمها القتالي وتسليحها وقاعدتها الاجتماعية الواسعة، إضافة إلى حضورها في عدد من المفاصل الأمنية والعسكرية للدولة.

في هذه الأثناء، تجددت الحرائق الغامضة في مدينة الأصابعة بغرب البلاد؛ حيث اندلعت نحو 3 حرائق متزامنة، ما أعاد تسليط الضوء على سلسلة الحرائق التي شهدتها المدينة في 19 فبراير الماضي، وأسفرت عن احتراق عشرات -وربما مئات- المنازل.

وناشد المجلس البلدي لمدينة الأصابعة الجهات المعنية توفير سيارة إطفاء إضافية وأخرى للإسعاف، لتعزيز قدرات فرق السلامة الوطنية في ظل محدودية الإمكانات، وفق ما ذكرت وكالة الأنباء الليبية (وال) نقلاً عن مدير مكتب الإعلام بالمجلس، الصديق المقطف.

وأكد المقطف أن أسباب الحرائق «لا تزال مجهولة»، ودعا إلى «تكثيف المتابعة واتخاذ تدابير لحماية السكان؛ خصوصاً مع تكرار الحوادث منذ فبراير الماضي، بعد توقف مؤقت في مايو (أيار)».

أما في شرق البلاد، فيسود تكتم حول جدول أعمال جلسة مجلس النواب المقررة في بنغازي يومي الاثنين والثلاثاء، وسط ترجيحات بمناقشة 3 ملفات رئيسية، تشمل اعتماد ترشيحات رئيس المفوضية العليا للانتخابات عماد السايح لتعيينات إدارية، وتعديل جدول مرتبات «الجيش الوطني» بقيادة المشير خليفة حفتر، إضافة إلى إعادة انتخاب هيكل قيادي جديد للمجلس.


«توسيع الخط الأصفر»... مخطط جديد يُهدد مسار «اتفاق غزة»

منظر عام لكتلة خرسانية تمثل «الخط الأصفر» الذي رسمه الجيش الإسرائيلي في البريج وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)
منظر عام لكتلة خرسانية تمثل «الخط الأصفر» الذي رسمه الجيش الإسرائيلي في البريج وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)
TT

«توسيع الخط الأصفر»... مخطط جديد يُهدد مسار «اتفاق غزة»

منظر عام لكتلة خرسانية تمثل «الخط الأصفر» الذي رسمه الجيش الإسرائيلي في البريج وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)
منظر عام لكتلة خرسانية تمثل «الخط الأصفر» الذي رسمه الجيش الإسرائيلي في البريج وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)

تسريبات إسرائيلية جديدة تتضمن توسيع وجود قواتها بقطاع غزة من 53 إلى 75 في المائة، وسط جهود للوسطاء من أجل الدفع بالمرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار في القطاع، وترقب نتائج لقاء مرتقب بين الرئيس الأميركي دونالد ترمب، ورئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو.

تلك التسريبات يراها خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط» تأتي ضمن مخطط إسرائيلي جديد يُهدد مسار اتفاق وقف إطلاق النار، وتوقعوا أن «تكون حيلة من مساعي نتنياهو لتخفيف الضغوط المرتقبة في لقاء ترمب، والمساومة بعدم التوسع وعدم الانسحاب مقابل دخول المرحلة الثانية وفق شروط نزع سلاح (حماس) دون أي استحقاق على الجانب الإسرائيلي، وإطالة أمد تنفيذ الاتفاق».

ونقلت صحيفة «معاريف» الإسرائيلية، الأحد، عن مصادر مطلعة قولها إن «واشنطن وتل أبيب بلورتا خطة تسمح بتوسيع نطاق (الخط الأصفر) إلى 75 في المائة من مساحة قطاع غزة بدلاً من 53 فقط، واعتبار ذلك ضغطاً مدنياً على حركة (حماس)، لتفادي صدام نزع سلاح الحركة، والحيلولة دون الحاجة إلى نشر قوات دولية».

تلك الخطة، التي لا تزال قيد الدراسة، تزيد من وتيرة الشروع في إعادة إعمار غزة داخل المناطق الخاضعة للسيطرة الإسرائيلية، وتُطرح قبيل زيارة نتنياهو إلى الولايات المتحدة، في إطار تفاهم استراتيجي بين تل أبيب وواشنطن، يفضي إلى إعادة إعمار القطاع في الأراضي التي تحتلها إسرائيل، ما دامت حركة «حماس» تواصل رفض نزع سلاحها.

وقدّرت المصادر أن الخطة المطروحة تحظى بقبول كبير لدى إسرائيل والولايات المتحدة، وتسمح بأن تحتل قوات الجيش الإسرائيلي أراضي جديدة في قطاع غزة، لتبتلع 75 في المائة من مساحته، تحت ذريعة أنه لا يمكن انتظار نزع سلاح «حماس» بوصفه شرطاً لبدء جهود إعادة الإعمار فوراً على مراحل دون أن يطول ذلك مناطق تقع تحت سيطرة «حماس».

وترى إسرائيل، حسب المصادر ذاتها، أن هذا الوضع سيُؤدي إلى زيادة الضغط الداخلي في قطاع غزة؛ إذ يفضل الغزيون حينها الانتقال إلى المنطقة المُعاد تأهيلها، في حين ستُفرغ مناطق حركة «حماس» تدريجياً، وتبقى مأهولة بشكل رئيسي بعناصر الحركة، ما يسمح بعمليات عسكرية محدودة عند الضرورة، دون العودة إلى قتال واسع النطاق.

عضو «المجلس المصري للشؤون الخارجية»، الأكاديمي المتخصص في الشؤون الإسرائيلية، الدكتور أحمد فؤاد أنور، يرى أن «هذه التسريبات دعاية إسرائيلية لإرباك جهود الوسطاء، وتهديد مسار اتفاق غزة، ومحاولة فرض مساومات خلال لقاء ترمب نتنياهو المرتقب لعدم الانسحاب من القطاع»، مؤكداً أن «ذلك اللقاء حاسم لمستقبل الاتفاق وإنهاء تلك الخطط غير القابلة للتطبيق أو التوافق بشأنها، وسيكون موقف واشنطن الفيصل في ذلك».

عناصر من «حماس» وأعضاء من اللجنة الدولية للصليب الأحمر وسط الأنقاض في مدينة غزة (أ.ف.ب)

ويعتقد المحلل السياسي الفلسطيني، نزار نزال، أن مخطط توسيع «الخط الأصفر» باتجاه غرب غزة يعني أن هناك تصعيداً عسكرياً سيحدث تجاه مناطق وجود «حماس» وهذا تهيئة له، وسط انسجام إسرائيلي أميركي لهذا المخطط الذي يُهدد مسار الاتفاق بالأساس، مشدداً على أن «الاتفاق يلزم إسرائيل باستحقاق الانسحاب؛ لكنها تراوغ في التنفيذ، وسيكون لقاء ترمب نتنياهو حاسماً أمام هذه المراوغات».

في المقابل، قال وزير الخارجية المصري، بدر عبد العاطي، في مقابلة متلفزة، مساء السبت، إن واشنطن تتفهم تماماً أن مصر لا تطرح أفكاراً بشأن غزة لمجرد فرض الرأي، وإنما لوضع خطة ترمب موضع التنفيذ على الأرض، مشيراً إلى «أهمية النشر السريع لقوة الاستقرار الدولية لمراقبة التزام الطرفين بوقف إطلاق النار، والتثبت من ذلك، وإتمام الانسحابات الإسرائيلية من القطاع».

وذكر أن خطة ترمب مكونة من 20 نقطة، ولا يجوز التعامل معها بـ«انتقائية»، مضيفاً: «يجب ألا نتحدث فقط عن حصر السلاح وخلافه ونغفل مسألة الانسحاب الإسرائيلي من القطاع، الخطة حزمة واحدة ولا تتجزأ، ويتعين الالتزام بها كلها وتنفيذها على أرض الواقع».

واستعرض أولويات مصر خلال تلك المرحلة، وهي تثبيت وقف إطلاق النار، وعدم عودة العدوان الإسرائيلي الغاشم والواسع على غزة، وإغراق القطاع بالمساعدات الغذائية والطبية.

ويرى أنور أن موقف مصر يأتي على الدوام للحيلولة دون استمرار عراقيل إسرائيل، مشدداً على أن انسحاب إسرائيل يجب أن يتم وفق ما تنص عليه خطة ترمب، ويجب عدم تجزئة التنفيذ بالوقوف عند أعتاب نزع سلاح «حماس» وفقط، متوقعاً أن تتفهم واشنطن الرغبة المصرية وتضغط أكثر على إسرائيل لتنفيذ الاتفاق.

في حين أكد نزال أن «مصر حريصة على إنهاء كل المراوغات الإسرائيلية، والدفع بالاتفاق للأمام»، متوقعاً أن «تضغط واشنطن في إطار هذه المواقف، ولا سيما المصرية، على إسرائيل لبدء المرحلة الثانية، على أن يوافق نتنياهو على ذلك، مع العمل على إطالة أمد التنفيذ تحت دعاوى، منها عدم نزع سلاح (حماس) لعدم تنفيذ الانسحاب المقرر في المرحلة الثانية».


«الصندوق الأسود» يربك رواية سقوط طائرة الحداد ويشعل تساؤلات الليبيين

من مراسم تشييع الحداد ومرافقيه في مدينة مصراتة الليبية (مكتب الدبيبة)
من مراسم تشييع الحداد ومرافقيه في مدينة مصراتة الليبية (مكتب الدبيبة)
TT

«الصندوق الأسود» يربك رواية سقوط طائرة الحداد ويشعل تساؤلات الليبيين

من مراسم تشييع الحداد ومرافقيه في مدينة مصراتة الليبية (مكتب الدبيبة)
من مراسم تشييع الحداد ومرافقيه في مدينة مصراتة الليبية (مكتب الدبيبة)

خيّمت أجواء من الارتباك والجدل على المشهد الليبي عقب اعتذار ألمانيا عن تحليل الصندوق الأسود لطائرة «فالكون 50» التي تحطمت في أنقرة الأسبوع الماضي، وأودت بحياة رئيس الأركان التابع لحكومة «الوحدة» المشير محمد الحداد ومرافقيه.

وتزاحمت الشكوك مع الروايات الرسمية في النقاشات العامة لليبيين حول تفسير أسباب الحادث خلال الأربع والعشرين ساعة الماضية، وسط مخاوف البعض من أن يقود مسار التحقيق إلى نتائج حساسة تتجاوز حدود حادث طيران تقليدي.

الحداد بجوار المنفي قبل اجتماع الشهر الماضي في طرابلس (المجلس الرئاسي)

القرار الألماني الذي أعلنته وزارة الداخلية في حكومة «الوحدة الوطنية» الليبية، الجمعة، لم يُأخذ بوصفه إجراءً تقنياً صرفاً، بل فجّر تساؤلات واسعة لدى سياسيين ونشطاء بشأن دوافعه وتوقيته، لا سيما في ظل تأكيد الحكومة أن دولاً أخرى قادرة على تحليل الصندوق الأسود، وأن بريطانيا اختيرت لاستكمال الإجراءات الفنية، بالتوازي مع تحقيقات ليبية - تركية مشتركة لا تزال جارية.

وفي خضم جدل هيمن على مواقف سياسيين ونشطاء على منصات التواصل الاجتماعي، شدّد عضو لجنة الدفاع والأمن القومي بمجلس النواب الليبي، علي الصول، على أن «البرلمان يترقّب نتائج شفافة ودقيقة ونزيهة للتحقيقات الجارية في حادث سقوط الطائرة»، مؤكداً ضرورة «تحييد هذا الملف الحساس عن أي توظيف أو تسييس أو اتهامات لأي طرف».

الدبيبة في مراسم تشييع الحداد ومرافقيه في مدينة مصراتة الليبية (مكتب الدبيبة)

وقال الصول، في حديث لـ«الشرق الأوسط» إن «انخراط الليبيين بشكل مباشر في مسار التحقيق بات أمراً لا غنى عنه»، داعياً إلى «إشراك خبرات وكوادر ليبية متخصصة في مجال الطيران، إلى جانب أعضاء من مكتب النائب العام، بما يضمن سيادة القرار الوطني، ويعزّز ثقة الرأي العام في نتائج التحقيق، وصولاً إلى كشف مهني ومسؤول لأسباب الحادث وملابساته».

ومنذ اللحظة الأولى، بدا الاعتذار الألماني «غير مقنع» لقطاع من السياسيين والمحللين الليبيين، إذ يصعب - برأيهم - التسليم بعجز تقني لدولة تُعد من رواد العالم في صناعات الطيران والتحقيقات الفنية المعقّدة.

وتساءل عضو مجلس النواب سعيد مغيب، في منشور عبر حسابه بموقع «فيسبوك»: «من الذي لا يريد للحقيقة أن تظهر؟» فيما عبّر عضو المجلس الأعلى للدولة سعد بن شرادة عن استغرابه من غياب لجنة تحقيق مشتركة تضم الحكومتين المتنافستين في ليبيا وتركيا، متسائلاً عن أسباب عدم تشكيل مثل هذه اللجنة عقب الاعتذار الألماني.

وذهب بعض الفاعلين المحليين إلى أبعد من ذلك، إذ أدرج رئيس حزب «الائتلاف الجمهوري» عز الدين عقيل الحادث ضمن سردية أوسع أقرب إلى «نظرية المؤامرة»، عادّاً أن سقوط الطائرة لا يمثل مجرد خلل تقني، بل حلقة في سلسلة طويلة من الاضطرابات التي عاشتها ليبيا منذ عام 2011. وقال إن مصير الطائرة «يتصل اتصالاً عضوياً بما جرى للبلاد منذ إسقاط نظام القذافي وحتى لحظة رحيل الحداد».

أما الأكاديمي وأستاذ القانون الليبي مجدي الشبعاني، فقد رأى أن ألمانيا تمتلك قدرات متقدمة في تحليل الصناديق السوداء، وأن الامتناع عن القيام بهذه المهمة «من دون سبب قانوني أو فني واضح» يفتح الباب أمام تساؤلات مشروعة، عادّاً أن هذا الموقف «لا يمكن قراءته قراءة تقنية بحتة، بل قد يُفهم بوصفه تحفّظاً أو تهرّباً ذا بعد سياسي».

غير أن عضو الأمانة العامة لحزب «ليبيا النماء» حسام فنيش يذهب إلى ضرورة الفصل بين المسارين الفني والسياسي، محذّراً من أن التسرع في تفسير الحادث سيزيد الغموض بدلاً من كشفه، وأكد لـ«الشرق الأوسط» أن «الحقيقة التقنية هي التي يجب أن ترسم حدود القراءة السياسية، لا العكس»، وأن التحقيقات في حوادث الطيران ذات الأبعاد السياسية ينبغي أن تنطلق من معطيات فنية مستقلة وموثوقة.

مراسم تشييع الحداد ومرافقيه في مدينة مصراتة الليبية (مكتب الدبيبة)

هذا الجدل الليبي الدائر، ومن منظور محللين من بينهم الباحث في المعهد الملكي البريطاني للدراسات الدفاعية والأمنية جلال حرشاوي، «ينطوي على مبالغة واضحة في سياق الأزمة السياسية الليبية وتراكماتها منذ 14 عاماً».

ويعتقد حرشاوي، متحدثاً لـ«الشرق الأوسط»، أن الحادث لا يمكن فصله عن المناخ العام للصراع في ليبيا، لكنه عبّر في الوقت ذاته عن «تشاؤمه من الوصول إلى نتائج حاسمة»، مستشهداً بحوادث طيران مشابهة لسياسيين وعسكريين حول العالم، بقيت ملابساتها غامضة حتى بعد مرور عقود.

يأتي الارتباك في تفسيرات ملف الصندوق الأسود لطائرة الحداد، فيما ودّع الليبيون ضحايا الحادث، حيث أدى آلاف المواطنين، الأحد، صلاة الجنازة في مدينتي مصراتة وغريان على رئيس الأركان ومرافقيه، في مشهد عكس حجم الصدمة التي خلّفها سقوط الطائرة.

وكانت طائرة «فالكون 50» قد تحطمت بعد أقل من 40 دقيقة على إقلاعها من أنقرة أثناء عودتها إلى طرابلس عقب زيارة رسمية إلى تركيا، يوم الثلاثاء الماضي، ما أسفر عن مصرع ثمانية أشخاص، بينهم خمسة ليبيين من كبار القادة العسكريين.

وضمت قائمة الضحايا، إلى جانب الحداد، قائد القوات البرية الفريق ركن الفيتوري غريبيل، ومدير التصنيع العسكري العميد محمود جمعة القطيوي، ومستشار رئيس الأركان محمد العصاوي، والمصور محمد عمر أحمد محجوب.