طريق الموت... سودانيون يحكون أهوال رحلة الفرار من دارفور

استهداف الناس بناء على عِرقهم... وسكان الجنينة اتخذوا قراراً جماعياً بالرحيل

جثث في شوارع الجنينة في 16 يونيو (أ.ف.ب)
جثث في شوارع الجنينة في 16 يونيو (أ.ف.ب)
TT

طريق الموت... سودانيون يحكون أهوال رحلة الفرار من دارفور

جثث في شوارع الجنينة في 16 يونيو (أ.ف.ب)
جثث في شوارع الجنينة في 16 يونيو (أ.ف.ب)

قال شهود عيان، الأربعاء، إن عدداً متزايداً من المدنيين السودانيين الفارّين من مدينة الجنينة في دارفور يلقون حتفهم، أو يُصابون برصاص الميليشيات، خلال محاولات الهرب سيراً على الأقدام إلى تشاد، منذ منتصف الأسبوع الماضي.

وأكد شهود ونشطاء «أن ميليشيات من قبائل البدو، إلى جانب أفراد من (قوات الدعم السريع)، التي تخوض صراعاً على السلطة مع الجيش السوداني في العاصمة الخرطوم، كانت وراء أعمال العنف في الجنينة، على مدى الشهرين الماضيين».

وحاول عدد كبير من الأشخاص التماس الحماية، بالقرب من مقر للجيش في الجنينة، في 14 يونيو (حزيران)، لكن حِيل بينهم وبينها، وفق ما قاله رجل يُدعى إبراهيم، وهو أحد السكان الذين وصلوا إلى بلدة أدري التشادية، على بُعد نحو 27 كيلومتراً من الجنينة.

نازحون ينتظرون تسجيلهم في أحد المخيمات القريبة من الحدود التشادية (رويترز)

وقال، عبر الهاتف مستخدماً اسمه الأول فقط: «إن ميليشياتٍ داهمتهم فجأة، وأطلقت الرصاص عليهم»، مضيفاً أنهم أُخذوا على حين غِرة، وأن هناك من لقوا حتفهم دهساً بالأقدام أثناء محاولات الفرار».

وتحدثت «رويترز» مع 3 شهود آخرين أصيبوا بطلقات نارية، أثناء محاولتهم الهرب من الجنينة، وأيضاً مع أكثر من 10 شهود قالوا إنهم شاهدوا أعمال عنف على الطريق من المدينة. ولم يتضح عدد الأشخاص الذين قُتلوا في الأيام القليلة الماضية، أثناء المغادرة.

وقالت منظمة «أطباء بلا حدود»، الاثنين، إن نحو 15 ألف شخص فرّوا من غرب دارفور، على مدى الأيام الأربعة السابقة، ونقلت عن كثيرين من الوافدين قولهم إنهم رأوا أشخاصاً أُصيبوا بالرصاص، ولقوا حتفهم أثناء محاولتهم الفرار من الجنينة، كما رصدت المنظمة حالات اغتصاب.

وقال أحد السكان، من تشاد، إن «سكان الجنينة اتخذوا قراراً جماعياً بالرحيل»، وإن معظمهم فرُّوا سيراً على الأقدام صوب الشمال الشرقي من الجنينة، لكن كثيرين منهم قُتلوا على الطريق.

جثث مغطاة في شوارع الجنينة (أ.ف.ب)

وقال الرجل، الذي يُدعى إبراهيم، إن قرار الفرار جاء بعد مقتل والي غرب دارفور، في 14 يونيو، بعد ساعات من اتهامه «قوات الدعم السريع»، والميليشيات المتحالفة معها، بارتكاب «إبادة جماعية»، في مقابلة تلفزيونية.

وأضاف إبراهيم: «الناس بعد أن علموا بخطف الوالي وقتله، قرروا مغادرة المدينة». واكتشف إبراهيم فيما بعد أن 8 من أفراد عائلته لقوا حتفهم؛ من بينهم جَدّته، وأن والدته تعرضت للضرب.

وجاء في بيانات لـ«الأمم المتحدة»، أن الحرب، التي اندلعت في أبريل (نيسان)، تسببت في نزوح نحو 2.2 مليون شخص، معظمهم من العاصمة، ومن دارفور التي عانت بالفعل من الصراع والنزوح الجماعي على مدى عقدين.

وتشير البيانات إلى أن أكثر من 600 ألف عبروا الحدود إلى البلدان المجاورة، من بينهم أكثر من 115 ألفاً فرُّوا من دارفور إلى تشاد.

وقال شهود إن الاضطرابات في دارفور تصاعدت، مع احتدام الحرب في العاصمة، واتخذت طابعاً عِرقياً على نحو أكثر وضوحاً، حيث يستهدف المهاجمون السكان غير العرب، مستدلّين عليهم بلون بشرتهم.

وأثار العنف تحذيرات من تكرار الفظائع، التي شهدتها دارفور بعد عام 2003، حين ساعدت ميليشيات «الجنجويد»، التي انبثقت منها لاحقاً «قوات الدعم السريع»، الحكومة، في سحق تمرد جماعات معظمها من غير العرب في دارفور.

وقالت «الأمم المتحدة» إن فظائع دارفور آنذاك أودت بحياة أكثر من 300 ألف شخص، وأدت إلى نزوح 2.5 مليون.

جثة في الجنينة (أ.ف.ب)

وقال زعيم «قوات الدعم السريع»، الفريق أول محمد حمدان دقلو «حميدتي»، الثلاثاء، إن قوته ستحقق في أحداث الجنينة، واتهم الجيش بإذكاء الاضطرابات من خلال تسليحه القبائل، بينما وجَّه الجيش الاتهام لـ«الدعم السريع» بقتل والي غرب دارفور، وأعمال عنف أخرى في المنطقة.

وقال سلطان سعد بحر الدين، زعيم قبيلة المساليت، التي تشكل العدد الأكبر من سكان الجنينة، إن عمليات قتل «منهجية» وقعت في الأيام الماضية. وأضاف، لتلفزيون «الحدث»، أن الجثث ملقاة على الطريق بين الجنينة ومدينة أدري التشادية بأعداد كبيرة، لا قِبل لأحد بإحصائها، مشيراً إلى الصعوبة البالغة لرحلة الفرار إلى تشاد.

وقال ناشط غادر الجنينة يوم الأحد، لـ«رويترز»، إن «فصائل مسلَّحة عربية و(قوات الدعم السريع) عززت وجودها في المدينة، منذ مقتل الوالي»، مضيفاً «أن الجماعات العربية تسيطر على الطريق المؤدي إلى تشاد».

وأضاف، متحدثاً شريطة عدم الكشف عن هويته بسبب مخاوف على سلامته، «أن شهوداً أبلغوا عن حالات اغتصاب وقتل واختفاء قسري على هذا الطريق».

أرملة تشادية تستقبل في بيتها المتواضع أسرة سودانية مؤلفة من 11 شخصاً (رويترز)

ويعدّ التنافس على الأرض من دوافع الصراع في دارفور منذ زمن بعيد. وقال إبراهيم «إن القرى الواقعة على الطريق من الجنينة إلى أدري كانت للمساليت، لكن القبائل العربية استوطنت بها منذ 2003».

وقال عدد من الشهود من الجنينة، التي تشهد انقطاعاً للاتصالات على نطاق كبير منذ أسابيع: «إن غير العرب من ذوي البشرة الداكنة يتعرضون للاستهداف، ولا سيما المساليت».

وقال عبد الناصر عبد الله، الذي وصل إلى تشاد في 15 يونيو، إن منزله كان واحداً من منازل كثيرة تعرضت للاقتحام، وإن ابن عمه قُتل بينما كان يختبئ فوق السطح.

وأضاف «أنهم لا يبحثون فحسب عن المساليت، ولكن عن أي شخص أسود»، مشيراً إلى «أن الجثث تملأ شوارع المدينة، ومنها جثث نساء وأطفال».

وقال إنه واجه عدداً من المشكلات، خلال رحلته سيراً على الأقدام إلى تشاد، ومنها تعرضه للضرب، وإطلاق النار والإهانة، مشيراً إلى أن من يفعلون ذلك «ينتمون لقوات الجنجويد، بعضهم يرتدون زي قوات الدعم السريع، وآخرون في ملابس مدنية، وجميعهم يضعون اللثام على وجوههم».

الجثث تملأ شوارع المدينة، ومنها جثث نساء وأطفال

نازح من دارفور

حقائق

600 ألف

عبروا الحدود إلى البلدان المجاورة، من بينهم أكثر من 115 ألفاً فروا من دارفور إلى تشاد


مقالات ذات صلة

غوتيريش: السودان يعاني «كابوس» الجوع والأمراض والعنف الإثني

شمال افريقيا الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش (رويترز) play-circle 00:24

غوتيريش: السودان يعاني «كابوس» الجوع والأمراض والعنف الإثني

أكد الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، الاثنين، أن الشعب السوداني الذي يواجه معاناة كبيرة كل يوم، يعيش «كابوساً» من الجوع والأمراض.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
شمال افريقيا علم روسيا (رويترز)

سفارة روسيا بالسودان تحقق في تقارير إسقاط طائرة شحن فوق دارفور

قالت السفارة الروسية في السودان، الاثنين، إنها تحقّق في تقارير عن احتمال إسقاط طائرة شحن، على متنها أفراد طاقم روس في غرب البلاد.

«الشرق الأوسط» (الخرطوم)
شمال افريقيا امرأة وطفلها في مخيم «زمزم» للنازحين قرب الفاشر شمال دارفور بالسودان مطلع العام (رويترز)

السودان بين أعلى 4 دول تعاني «سوء التغذية الحاد»

رسمت منظمة تابعة للأمم المتحدة صورة قاتمة للأوضاع الإنسانية في السودان، وصنّفته بين الدول الأربع الأولى في العالم التي ينتشر فيها سوء التغذية الحاد.

أحمد يونس (كمبالا)
شمال افريقيا ملايين الأطفال والنساء في السودان يعانون من سوء التغذية الحاد (رويترز)

تقرير: معدل وفيات الحوامل جنوب درافور «صادم»

قالت منظمة «أطباء بلا حدود» إن «النساء الحوامل والأمهات والأطفال حديثي الولادة يموتون بمعدل صادم في ولاية جنوب دارفور بالسودان».

«الشرق الأوسط» (الخرطوم)
العالم العربي الرئيس السوداني السابق عمر البشير (أرشيفية - رويترز)

محامي البشير: نقل الرئيس السوداني السابق إلى مدينة شمالية لتلقي العلاج

قال محامي الرئيس السوداني السابق عمر البشير اليوم الثلاثاء إن موكله نُقل من العاصمة السودانية التي مزقتها الحرب إلى مدينة مروي بشمال البلاد لتلقي العلاج.

«الشرق الأوسط» (الخرطوم)

مقتل 49 شخصاً بقصف جوي على العاصمة السودانية

أشخاص يسيرون بشارع يحمل آثار الدمار في أم درمان يوم 27 أغسطس 2024 (د.ب.أ)
أشخاص يسيرون بشارع يحمل آثار الدمار في أم درمان يوم 27 أغسطس 2024 (د.ب.أ)
TT

مقتل 49 شخصاً بقصف جوي على العاصمة السودانية

أشخاص يسيرون بشارع يحمل آثار الدمار في أم درمان يوم 27 أغسطس 2024 (د.ب.أ)
أشخاص يسيرون بشارع يحمل آثار الدمار في أم درمان يوم 27 أغسطس 2024 (د.ب.أ)

قتل 49 شخصاً وأصيب آخرون، ودُمر أكثر من 160 مسكناً، جراء قصف جوي نفذه طيران الجيش السوداني على منطقة العامرية غرب مدينة أم درمان، وهي منطقة تقع تحت سيطرة «قوات الدعم السريع». وفي الوقت ذاته شهدت مدينة النهود بولاية غرب كردفان اشتباكات عنيفة بين قوات الشرطة من جهة؛ وقوات الاحتياط التابعة للجيش و«المستنفرين» المؤيدين للجيش من الجهة الأخرى، أدت إلى مقتل 3 أشخاص؛ هم: اثنان من قادة قوات الاحتياط التابعة للجيش، وضابط من الشرطة.

وقالت «لجان المقاومة الشعبية» إن الطيران الحربي التابع للجيش السوداني ألقى 11 برميلاً متفجراً على ضاحية العامرية مساء الأحد، ما أدى إلى مقتل 49 شخصاً معظمهم من النساء والشيوخ والأطفال، وأصيب المئات بجراح، وإن القصف الجوي دمر نحو 160 منزلاً، وإن عشرات الضحايا ما زالوا تحت الأنقاض.

ولم يعلق الجيش على تلك الأحداث كالعادة، بينما تداولتها منصات موالية لـ«قوات الدعم السريع» بكثافة، خصوصاً أن المنطقة التي قصفها الطيران تقع تحت سيطرة هذه القوات، فيما قالت منصات موالين للجيش إن ما حدث كان استهدافاً لـ«قوات الدعم السريع».

دبابة مُدمَّرة نتيجة الحرب بين الجيش و«قوات الدعم السريع» في أم درمان (رويترز)

إدانة الغارة الجوية

وأدانت «غرفة طوارئ أحياء العامرية ودار السلام» في غرب مدينة أم درمان الغارة، وعدّتها «جريمة حرب؛ إذ إن تنفيذ طيران الجيش هذه المجازر يعيد إلى الأذهان قصص وروايات القتل والإبادة الجماعية في جنوب السودان ودارفور وجبال النوبة، وجرائم الحرب الحالية في الكومة ومليط والجزيرة وسنار».

ودعت «غرفة الطوارئ» الجهات الإنسانية والصحية إلى التحرك للمنطقة، وتقديم الدعم الطبي العاجل للجرحى والمصابين من المدنيين، وإنقاذ العالقين وسط نيران الحرب في أم درمان. ودعت المجتمع الدولي إلى القيام بدوره، و«فرض حظر طيران شامل لحماية المدنيين، والضغط على الأطراف لوقف الحرب».

وتناقلت وسائل التواصل الاجتماعي مقاطع فيديو لمشاهد صادمة لجثث النساء والأطفال المتفحمة، فيما عدّت «مبادرة دارفور للعدالة»، وهي منظمة طوعية، ما حدث في العامرية تعميقاً للأزمة والمأساة الإنسانية، وقالت إن «طيران الجيش استهدف المدنيين بضراوة، وألحق دماراً كبيراً بالأعيان المدنية والصحية، خلال أكتوبر (تشرين الأول) الماضي».

وعقب مطالبة رئيس الوزراء السابق عبد الله حمدوك، خلال زيارته بريطانيا لبحث موضوع حظر الطيران وتحديد مناطق آمنة للمدنيين، أكدت السفيرة البريطانية لدى الأمم المتحدة، باربرا وودوورد، أن بريطانيا ستقدم مسودة قرار تهدف إلى ضمان امتثال الأطراف المتحاربة لالتزاماتها السابقة بحماية المدنيين، ودعم جهود الوساطة لوقف إطلاق النار تدريجياً.

نازحون يصطفون للحصول على مساعدات غذائية في مخيم بشمال ولاية كردفان (أ.ف.ب)

غرب كردفان

وفي مدينة النهود بولاية غرب كردفان، دارت اشتباكات عنيفة بين قوات تابعة للشرطة، وقوات تابعة للجيش، أدت إلى مقتل 3؛ هم: ضابط شرطة، واثنان من قادة قوات الاحتياطي «المستنفرين» للقتال مع الجيش ضد «قوات الدعم السريع».

وتسيطر «قوات الدعم السريع» على معظم مناطق ولاية غرب كردفان، باستثناء مدينتي بابنوسة، والنهود التي تحاصرها «قوات الدعم السريع» من جميع الجهات. وقالت مصادر إن سبب المعركة هو اختلاف على سيارة من نوع «لاند كروزر» تتبع شرطة الجمارك، وقد استولى عليها «المستنفرون» بناء على قرار لجنة الأمن تسخير عربات المؤسسات الحكومية في العمليات الحربية.

ووفقاً لمصادر، فإن شرطة الجمارك طالبت باسترداد السيارة، لكن «المستنفرين» رفضوا إعادتها، ونتيجة لذلك، هاجمت قوة مسلحة من شرطة الجمارك اجتماعاً أمنياً، وأطلقت عليه النار من رشاشات متوسطة. وأوضحت المصادر أن بقية أفراد الشرطة تدخلوا لمصلحة زملائهم في شرطة الجمارك، وأن الأوضاع تحولت إلى قتال بين الطرفين.

وقال شهود عيان إن «الأوضاع لا تزال مضطربة في المدينة، فيما فرضت الشرطة حظر التجوال فيها»، وإن «عدداً من المواطنين الذين أصابهم الرعب الناتج عن تبادل إطلاق النار نزحوا من المدينة إلى المناطق القريبة؛ بما في ذلك مدينة غبيش التي تسيطر عليها (قوات الدعم السريع)».