كارولين شوفوليه رئيسة «شوبار» وظفت ذكاءها في خلق شراكات مهمة مثل مهرجان «كان» السينمائي (أ.ب)
إلى عهد قريب، كان عالم الساعات عصياً على المرأة. أقفاله كانت موصدة في وجهها، ودورها فيه كان هامشياً، يقتصر إما على الاستهلاك أو الإنتاج في معامل تحتاج إلى أناملها الناعمة لتنفيذ تفاصيل دقيقة. حالات قليلة كنّ فيها صاحبات قرار أو في مراكز عالية، وهذه غالباً عندما تكون وريثة مثل نايلة حايك، التي تتولى منصب رئيس تنفيذي في «هاري وينستون»، إلى جانب أنها عضو مجلس إدارة في مجموعة «سواتش» التي أسسها والدها الراحل نيكولا حايك، وياسمين أوديمار التي وصفت نفسها في أحد اللقاءات بأنها «حامية الدار» وكارولين شوفوليه من دار «شوبار».
اختراق أبواب الموضة والأزياء كان أسهل بكثير بالمقارنة... بدليل أن عدد الرئيسات فيها أكبر. هناك مثلاً فرنسيسكا بيليتيني التي تقود دار «سان لوران» بنجاح منذ 2013، ولينا ناير التي التحقت بدار «شانيل» في بداية عام 2022، وهلم جرا من الأسماء والأدوار المؤثرة في «بالنسياغا» وغيرها.
لكن اللافت في الآونة الأخيرة أن أقفال شركات الساعات العريقة بدأت تلين. هناك حالياً أكثر من خمس سيدات في منصب رئيس تنفيذي أو مدير مجلس إدارة أو رئيس قسم الابتكار والإنتاج لشركات مهمة، مثل «كارتييه» و«بياجيه» و«شوبار» و«جيجير لوكولتر» و«بوشرون» وأخيراً وليس آخراً «أوديمار بيغه».
فقد أعلنت هذه الأخيرة في الأسبوع الماضي أن رئيسها التنفيذي الحالي فرنسوا هنري بنهامياس سيُسلِم المشعل، وبعد ما يقرب من 30 عاماً، لإيلاريا ريستا.
أرسل هذا الأمر إشارة قوية بأن عهد المرأة في عالم الساعات والمجوهرات سيكون مثيراً. فانضمام ريستا وهي مواطنة سويسرية - إيطالية تقيم بالقرب من جنيف في سويسرا إلى شركة بحجم «أوديمار بيغه»، يأتي في وقت تشهد فيه هذه الصناعة تحديات عدة، وفي الوقت ذاته فُرصة ذهبية لمن يستطيع قراءة نبض الأسواق النامية تحديداً. والمرأة أكدت بحسها أنها قارئة جيدة، بفضل تمتعها بذكاء عاطفي، إلى جانب مهاراتها الإدارية. في عام 2015 حصلت سابينا بيلي على منصب رئيس تنفيذي في دار «بوميلاتو» للمجوهرات. في العام نفسه، عُيّنت هيلين بولي ديكين رئيساً تنفيذياً لدار «بوشرون»، وفي عام 2018 تبوأت كاثرين رينييه المنصب ذاته في شركة «جيجير لوكولتر»، بينما عَيّنت دار «ريبوسي» للمجوهرات أنا دي فيرجيرون رئيساً تنفيذياً لها في عام 2020.
لكن ربما يكون المثير في تعيين ريستا هو أنها، مثل كاثرين رينييه في «جيجير لوكولتر» ستتولى قيادة شركة ارتبط اسمها بالساعات أكثر. في تصريحها، برّرت «أوديمار بيغه» الأمر بقولها إن سيرتها الذاتية غنية. فهي تتمتع بخبرة 26 عاماً في إدارة أقسام رئيسية لشركات مرموقة. آخرها منصب رئيس شركة العطور والمكوّنات العطرية العالمية «فيرمنتك (Firmenich)». قبل انضمامها إلى «فيرمنتك»، عملت في شركة «بروكتر آند غاميل» لأكثر من عقدين من الزمن، حيث تولّت مناصب عليا في مقرّي الشركة الرئيسيَّين في أوروبا والولايات المتحدة. ومع ذلك فإن التحدي أمامها كبير، كذلك حجم التوقعات. فهي تخلف بنهامياس الذي أصبح بمثابة وجه الشركة وسفيرها بحكم وجوده فيها لثلاثة عقود. يُذكر اسمها فيتبادر اسمه على البال والعكس. إضافة إلى هذا، فهو سيُسلمها مقاليدها وهي في قمة عنفوانها، بالنظر إلى ما حققه لها من نجاحات فنية وتجارية على حد سواء. ففي السنوات الخمس الماضية زادت مبيعاتها بأكثر من الضعف، لتتجاوز ملياري فرنك سويسري (2.2 مليار دولار) في عام 2022.
قامت ميلانيا بالخطوة الأولى بدبلوماسية ناعمة بإعلانها أنها امرأة مستقلة ولها آراء خاصة قد تتعارض مع سياسات زوجها مثل رأيها في حق المرأة في الإجهاض وغير ذلك
حوَّلت «لورو بيانا» الواجهات إلى احتفالية بإرثها وحرفييها وأيضاً بالثقافة البريطانية التي تمثلها معلمة مثل «هارودز» (لورو بيانا)
مع اقتراب نهاية كل عام، تتسابق المتاجر والمحلات الكبيرة على التفنن في رسم وتزيين واجهاتها لجذب أكبر نسبة من المتسوقين إلى أحضانها. بيوت الأزياء الكبيرة هي الأخرى تتسابق على حجز مكان رئيسي لها على هذه الواجهات لتسليط الضوء عليها وعلى إبداعاتها. فما لا يختلف عليه اثنان أن هذه الواجهات والزينة، بما في ذلك الأنوار التي تُزين الشوارع والساحات، تعد نقطة جذب سياحي تعتمد عليه لندن كل سنة. عادةً ما تبدأ الحجوزات قبل فترة طويلة.
وبما أن محلات «هارودز» معلمة ووجهة سياحية، فإن فرصة العرض فيها لا تقدر بثمن، وبالتالي فهي لا تمنح الفرصة لأيٍّ كان لاحتلال واجهاتها. لكنَّ «لورو بيانا» ليست أياً كان؛ فهي من أهم بيوت الأزياء العالمية حالياً. تصاميمها المترفة تجذب النظر وتحفز حركة البيع في الوقت ذاته، بدليل أنها من بين بيوت أزياء تعد على أصابع اليد الواحدة لا تزال تحقق الأرباح رغم الأزمة التي ألمَت بكثير من الأسماء الشهيرة.
هذا العام، أُتيحت لها الفرصة لتجعل 36 نافذة عرض في «هارودز» ملكها الخاص. لم يكن الأمر سهلاً. بدأت العمل عليه منذ أكثر من عام تقريباً ليأتي بصورة تسلط الضوء على تاريخها وإرثها وأيضاً مهارات حرفييها بشكل جيد، وهو ما مثَّلته «ورشة العجائب» Workshop of Wonders. فكرتُها استعراضُ خبراتهم في غزْل الصوف وأساليبهن الخاصة في المزج بين الحرفية والفن. هنا سيستمتع الناظر بقصة تُسرد من زاوية مدهشة تتبع رحلتهم، من المراعي و طرق عيش الخرفان والغزلان الخرفان وكيفية الحصول على المواد الخام وصولاً إلى المنتج النهائي.
ورشة العجائب
تتميز بديكورات متحرّكة ميكانيكية تُجسّد فكرة مسرح الدمى من خلال الآليات التي تحركها وراء الكواليس. أغلبها من الخشب لتعزيز الطابع اليدوي التقليدي. فهذه الورشة تعكس فكرة مفادها أنّ الطبيعة نفسها ورشة من الجمال والتفرد والكمال.
تأتي التصاميم هنا مستوحاة من روح عشرينات القرن الماضي، وهي الحقبة التي أبصرت فيها الدار النور، ممّا يعزز الشعور بالعراقة من خلال استخدام القوام الخشبي والألوان الدافئة الممزوجة بلمسات من الذهب المطفي. تملأ المشهد، دمى مرسومة ومحاطة بسحب من الصوف المنسوج يدوياً. هنا أيضاً يُكشف الستار عن مجتمعات الحرفيين الماهرين Masters of Fibers والأماكن الساحرة حول العالم، حيث يعيش الماعز، والألباكا، وحيوان الأيل، والغزال. هنا كل شيء يتأرجح بين الواقع والخيال،
وخلال هذه الفترة، ستفتتح الدار متجرَين جديدَين في «هارودز»؛ الأوّل مخصّص لأزياء الصغار، والآخر للديكور المنزلي، إلى جانب منتجات وتصاميم حصرية تحتفي بتاريخ الدار وبموسم الأعياد.
الواجهة والنوافذ
الجميل في تصميم الواجهات أن التركيز لم يقتصر على عرض تصاميمها بشكل يُغري المتسوقين، بقدر ما جرى التركيز على أخذهم في رحلة ممتعة إلى أماكن بعيدة، لتُعرفهم من أين تُستورد الألياف النادرة قبل أن تتحول إلى رزمٍ قطنية ثم إلى أقمشة فاخرة، يُزيِن بعضها شجرة عيد ميلاد بارتفاع 17 متراً .
صُممت كل نافذة بدقة لتحاكي تحفة فنية تروي مرحلة من تاريخ «لورو بيانا» وقصةً نجمُها الرئيسي أليافٌ وأنسجة خفيفة على شكل رزم تتحرك على حزام ناقل، لتتحوّل إلى قماش من خلال آلية مذهلة، وفي النهاية تتّخذ شكل شجرة عيد ميلاد بطول 17 متراً مزينة بالأقمشة وحلة العيد الفريدة.
نوافذ أخرى، تسرد فصولاً تتناول مواقع ومجتمعات «الحرفيين الماهرين» Masters of Fibers من منغوليا وأستراليا وجبال الأنديز وما بعدها، وصولاً إلى إيطاليا حيث يتم تحويل الألياف والمواد الخام إلى قطع لا تقدر بثمن.
منها ما يحكي قصص صوف الفيكونيا، ونسيج بيبي كشمير، وصوف الملوك وقماش «بيكورا نيراPecora Nera® وغيرها. النوافذ المخصّصة لـصوف الملوك مثلا تركز على عملية البحث عن أفضل المراعي الخضراء لخراف المارينو، وهي عملية تعود بنا إلى أواخر القرن الثامن عشر، حين وصل القبطان جيمز كوك إلى نيوزيلندا وأستراليا، حاملاً معه خراف المارينو لأول مرة. لدهشة الجميع، وجدت هذه الخراف مكانها المثالي، حيث حظيت بعناية مكثفة على يد المربّين المحليين ومنحتهم هذه الخراف بدورها أجود أنواع الصوف في العالم. أمّا نافذة Pecora Nera® فتروي رؤية وإبداع المزارعة النيوزيلندية فيونا غاردنر التي ركّزت على الخراف ذات اللون الداكن تحديداً. صوفها الثمين يتحوّل إلى ألياف طبيعية لا تحتاج إلى صبغات.
قطع حصرية لـ«هارودز»
احتفالاً بالذكرى المئوية للدار وأسلوبها المتميز بالفخامة الهادئة، تم طرح مجموعة جاهزة للرجال والنساء، حصرياً في «هارودز». كان من الطبيعي أن تستمد إيحاءاتها من الأناقة البريطانية الكلاسيكية مطعَّمة بلمسات مستوحاة من الفروسية وأنماط المربعات، إضافةً إلى اللون الأخضر الأيقوني الخاص بـ«هارودز» و ألوان أخرى مستوحاة من أجواء العيد، مثل الأحمر والأبيض.
الإطلالات المسائية للمرأة في المقابل تتميز بفساتين طويلة من الحرير المطرّز يدوياً وفساتين محبوكة بقصات عمودية، إلى جانب قمصان ناعمة مصنوعة هي الأخرى من الحرير تم تنسيقها مع سراويل واسعة بسيطة بعيدة عن التكلّف. تضيف أحذية الباليه المسطحة المصنوعة من المخمل الأسود، والصنادل ذات الكعب العالي المطرزة بزهور الشوك الذهبية، لمسة نهائية راقية.
من جهته يتألق رجل «لورو بيانا» في كل المناسبات الرسمية والاحتفالات الموسمية، بفضل التشكيلة الواسعة من البدلات الرسمية.
متجران مؤقتان
بهذه المناسبة خصصت الدار متجرَين مؤقّتَين من وحي الأعياد. الأول في الباب 6، ويشمل عناصر مستوحاة من ورش العمل والأقمشة المطرّزة. تتوسطه طاولة عمل من الجلد مضاءة بمصباح علوي، بالإضافة إلى عجلة صناعية كبيرة تعرض المنتجات الجلدية والإكسسوارات. يمكن للزوّار هنا العثور على تشكيلة حصرية من ربطات العنق والقبّعات المصنوعة من الكشمير الفاخر للأطفال، والصوف، وقماش التويل الحريري بألوان هادئة أو مزيّنة بزخارف تحمل رموز الدب وزهرة الشوك وغيرها. أما للمنزل، فتتوفر تماثيل خشبية للماعز والألباكا، بالإضافة إلى نسخ محشوة منها على قواعد خشبية. وقد جرى تخصيص زاوية خاصة لإدخال اللمسات الشخصية على وشاح Grande Unita الأيقوني، حيث يمكن للعملاء تطريز الأحرف الأولى من أسمائهم.
أما المتجر الثاني بباب 9، فخُصّص لفنّ تقديم الهدايا وتجربة حصرية يمكن حجزها لمزيد من المتعة. تبدأ بتعريف الضيوف بعالم الحرف اليدوية، من خلال أشجار الأعياد المغلّفة بالصوف والكشمير، وحيوانات محشوة على شكل الماعز، والألباكا، وحيوان الأيل، والغزال، بالإضافة إلى رؤوس أقلام على شكل حيوانات. وتتجلّى بهجة موسم الأعياد في كرة الثلج المصنوعة من الخشب والزجاج التي تضم ماعز الكشمير محاطاً بحبّات الثلج المتطايرة. يستضيف هذا المتجر أيضاً ورشة عمل تُتيح للضيوف اختبار مهاراتهم في الحرف اليدوية أو تعلّم كيفية صنع زينة العيد وتغليف نماذج خشبية بالصوف.
تستمر فعاليّات Workshop of Wonders حتّى الثاني من يناير (كانون الثاني) 2025، وتُشكّل جزءاً مهماً وأساسياً من احتفالات الدار بعيدها المئة حول العالم، وبذكرى تأسيسها عام 1924 على يد بييترو لورو بيانا.