دراسة: نصف الأنواع الحيوانية تشهد تراجعاً في أعدادها

قرد في حديقة حيوان قرب كولمبو (أ.ف.ب)
قرد في حديقة حيوان قرب كولمبو (أ.ف.ب)
TT

دراسة: نصف الأنواع الحيوانية تشهد تراجعاً في أعدادها

قرد في حديقة حيوان قرب كولمبو (أ.ف.ب)
قرد في حديقة حيوان قرب كولمبو (أ.ف.ب)

كشف بحث جديد عن أن ما يقرب من نصف الأنواع الحيوانية على سطح الأرض تشهد حاليا انخفاضا في أعدادها.

وتبحث الدراسة، التي نشرت اليوم (الثلاثاء)، التغيرات في الأعداد لأكثر من 70 ألف نوع من الحيوانات من جميع أنحاء سطح الأرض بمرور الوقت، مما يجعل البحث الأكثر شمولا من نوعه حتى الآن، وفقا لـ«وكالة الأنباء البريطانية».

ماشية ترعى في مرج بألمانيا (أ.ب)

وقال الباحثون من جامعة كوينز بلفاست إن النتائج هي «تنبيه شديد» لأن فقدان التنوع البيولوجي العالمي الناجم عن التصنيع البشري أكثر إثارة للقلق مما كان يعتقد سابقا.

ووجدوا أن 48 في المائة من الأنواع على الأرض تشهد حاليا انخفاضا في أعدادها، في حين أن أقل من 3 في المائة منها يتزايد في العدد.

وتم قياس مدى انقراض الأنواع تقليديا وتبين أن 28 في المائة من الحياة على الأرض مهددة حاليا بالانقراض.

وفي الوقت نفسه، يظهر التحليل أن نقص الأنواع ذات الأعداد المتزايدة يظهر أن الأنواع الأخرى لا تتطور لتحل محل الأنواع المنقرضة في النظام البيئي.

وينظر إلى فقدان التنوع البيولوجي العالمي على أنه أحد أخطر التحديات التي تواجه البشرية في العقود القادمة، مما يؤثر على عمل النظم الإيكولوجية وإنتاج الغذاء وانتشار الأمراض واستقرار الاقتصاد العالمي.


مقالات ذات صلة

شوارع بريطانيا تحمل أسماء الطيور... وسماؤها تفتقدها

يوميات الشرق الأسماء تتكاثر لكنّ الطيور تختفي من الحقول والسماء (شاترستوك)

شوارع بريطانيا تحمل أسماء الطيور... وسماؤها تفتقدها

تزداد في بريطانيا تسمية الشوارع بأسماء طيور مثل القُبرات والزقزاق والزرازير، في وقت تشهد فيه أعداد هذه الأنواع تراجعاً مقلقاً.

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق روائح تحكُم قرارات الحياة والموت في عالم الحشرات (غيتي)

النمل يطلب موته بإرادته... اكتشاف رائحة «تعالوا واقتلوني» داخل المستعمرة

أكد علماء أنّ النمل الصغير المريض يُطلق رائحة معيّنة تستدعي النمل العامل للقضاء عليه من أجل حماية المستعمرة من العدوى...

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق حلم ينتهي بمأساة (شاترستوك)

لبؤة تفترس شاباً برازيلياً حلمَ بأن يكون مُدرّباً للأُسود

لقي شاب برازيلي يبلغ 19 عاماً حتفه بعدما افترسته لبؤة أمام أعين زوار حديقة الحيوانات، وبعدما تسلّق جداراً يبلغ ارتفاعه 6 أمتار وسياج أمان...

«الشرق الأوسط» (ريو دي جانيرو )
يوميات الشرق حشرة صغيرة تُثير مخاوف كبيرة (أ.ف.ب)

نيوزيلندا في معركة مع دبور قادر على افتراس 50 نحلة يومياً

أطلقت نيوزيلندا تحذيراً يحضّ الجمهور على الحذر من أعشاش الدبابير الآسيوية الغازية التي تتميَّز بأرجلها الصفراء.

«الشرق الأوسط» (أوكلاند (نيوزيلندا))
يوميات الشرق كارثة تضرب مشروع الأمير ويليام البيئي (شراكة أراضي الخث في الجنوب الغربي)

«هجوم كيميائي» على أشجار الأمير ويليام

تعرَّضت أشجار صفصاف، زُرعت ضمن مشروع لاستعادة الطبيعة في أراضٍ تابعة للأمير ويليام داخل متنزه دارتمور الوطني البريطاني، لعملية تسميم مُتعمَّدة...

«الشرق الأوسط» (لندن)

«التمويه»... أسلوب نفسي لإخفاء الأفكار والسلوك

«التمويه»... أسلوب نفسي لإخفاء الأفكار والسلوك
TT

«التمويه»... أسلوب نفسي لإخفاء الأفكار والسلوك

«التمويه»... أسلوب نفسي لإخفاء الأفكار والسلوك

عندما كانت أمارا بروك تتدرب لتصبح اختصاصية نفسية سريرية، أسدى إليها أحد المشرفين نصيحة قبل اجتماع مهم بشأن مريض: التزمي الصمت، واستمعي لرؤسائك.

في المجال الطبي ذي التسلسل الهرمي، يُعدّ احترام السلطة، والتعامل مع الشخصيات المتغطرسة أمراً طبيعياً. لكن بالنسبة لبروك، التي تعاني من اضطراب نقص الانتباه مع فرط النشاط والتوحد، كانت القواعد الاجتماعية غير المكتوبة صعبة التطبيق.

لذا، لجأت بروك إلى تناول قطعة حلوى جولي رانشر، التي شكلت المادة اللاصقة فيها «كمّامة» بين أسنانها، كما وصفتها بروك؛ فمن دونها، لكانت رغبتها الشديدة في الكلام قد غلبتها، و«أثارت حفيظة الآخرين بالتأكيد».

التمويه: إخفاء الأفكار والسلوك

كانت بروك تستخدم أسلوباً للتأقلم يُسمى التمويه: إخفاء الأفكار أو السلوكيات للانسجام مع الآخرين.

وتقول بروك: «علينا أحياناً فقط أن نفعل ما هو فعال، أليس كذلك؟ لكن هناك جانب سلبي، إذ عندما تتظاهر طوال الوقت، فسيصبح الأمر مُرهقاً».

قد يُساعد التظاهر أي شخص على التأقلم مع بيئات صعبة، مثل مكان العمل. لكن بالنسبة للأشخاص المصابين بالتوحد واضطراب نقص الانتباه مع فرط النشاط، قد يُصبح إخفاء السلوك الاجتماعي غير المألوف استراتيجيةً مُستمرةً للبقاء. وعندما يصبح التظاهر أمراً مُستمراً ولا مفر منه، فقد يُؤدي ذلك إلى ظهور مشكلات في الصحة النفسية، أو تفاقمها.

حوار علمي

* ما «الإخفاء masking »، ومن أين جاء هذا المصطلح؟

- الإخفاء (التظاهر)، الذي يُشار إليه أحياناً بالتمويه، هو طريقة لإدارة كيفية تقديم أنفسنا من خلال إخفاء أشياء قد يجدها الآخرون مرفوضة، وذلك بهدف خلق انطباع أكثر إيجابية.

في الأوساط الأكاديمية، اكتسبت هذه الفكرة زخماً لأول مرة في الستينات عندما كشف عالم النفس الاجتماعي إرفينغ غوفمان كيف دفعت الوصمة الاجتماعية الناس إلى إخفاء جوانب مُعينة من هويتهم، مثل الميول الشاذة، أو الانتماء الديني، التي لم تكن ظاهرة للعيان.

لكن مصطلح «الإخفاء» لم يُستخدم على نطاق واسع إلا لاحقاً، في سبعينات القرن الماضي، عندما استخدمه عالما النفس بول إيكمان ووالاس ف. فريزن للإشارة إلى فعل إخفاء المشاعر.

«الإخفاء التوحدي»

وفي الآونة الأخيرة، بدأ أفراد مجتمع التوحد باستخدام عبارة «الإخفاء التوحدي autistic masking » على الإنترنت لوصف الطريقة التي يخفون بها سلوكيات مثل رفرفة اليدين، أو كيف يدرسون، أو كيف يقلدون الأعراف الاجتماعية، مثل الحفاظ على التواصل البصري.

وفي عام 2013 أشار الدليل الذي يستخدمه مقدمو خدمات الصحة النفسية إلى هذا المفهوم قائلاً إن أعراض التوحد «قد تُخفى باستراتيجيات مكتسبة في مراحل لاحقة من الحياة».

ويُعد الإخفاء التوحدي الآن مجالاً بحثياً ناشئاً، وطور الباحثون مقياساً للإخفاء يُسمى «استبانة سمات التوحد المموهة».

التظاهر والإخفاء... من أجل الرفاهية

* متى يكون الإخفاء مفيداً؟

- يحتاج الجميع، سواء كانوا من الأشخاص «ذوي التنوع العصبي neurodivergent » أم لا، إلى الإخفاء أحياناً. يُساعد ذلك الأفراد على الشعور بالقبول ضمن المجموعة. إذ يُعدّ الشعور بالانتماء «أحد أفضل مؤشرات الرفاهية»، كما يقول مارك ليري، الأستاذ الفخري لعلم النفس وعلم الأعصاب في جامعة ديوك، والذي درس الدوافع الاجتماعية.

وتقول إيريس ماوس، أستاذة علم النفس، ومديرة معهد الشخصية والبحوث الاجتماعية في جامعة كاليفورنيا، بيركلي، إنّ التظاهر قد يكون مُحفّزاً عندما يتم وفقاً لقيم الشخص، وباختياره.

وأوضحت ماوس أنه على سبيل المثال، إذا كنت تُقدّر اللطف، والصبر، فقد تختار تجنّب التعبير عن الملل، والإحباط خلال اجتماع عمل يبدو لا نهاية له. وأضافت أن التظاهر بهذه الطريقة يُتيح «فهماً أعمق وأكثر دقة لمعنى الأصالة الحقيقي» من خلال مساعدة الأفراد على التمسك بمبادئهم الأساسية.

الإخفاء يهدد الصحة النفسية

* متى يُصبح التظاهر مُشكلة؟

- أحياناً يتجاوز التظاهر الحدّ. يقول جون باتشانكيس، أستاذ العلوم الاجتماعية والسلوكية في كلية ييل للصحة العامة، إن إخفاء جوانب مهمة من أنفسنا قد يضر بالعلاقات الوثيقة، ويسبب الشعور بالخجل، أو الذنب.

قد يؤدي إخفاء هذه الجوانب إلى الاكتئاب، والقلق، والإرهاق، بالإضافة إلى إغفال تشخيصات الصحة النفسية، بل وحتى إلى سلوك انتحاري.

إن «إخفاء الذات طوال الوقت يوحي بأن جوهرك هو المشكلة» كما تقول سارة وودز، الاختصاصية النفسية السريرية في مركز التوحد بجامعة واشنطن، والتي تعمل أيضاً في عيادة «ديسكفر سايكولوجي» الخاصة، وتضيف: «يتطلب ذلك جهداً كبيراً يومياً».

وأوضحت وودز أن بعض الأشخاص قد يخشون، عن حق، العواقب الاجتماعية، أو المهنية المترتبة على تقليل إخفاء الذات، وقد تتفاقم هذه المخاوف إذا كانوا معرضين لخطر التمييز لأسباب أخرى، كالعنصرية.

وإذا كنت تتساءل عما إذا كنت تبالغ في إخفاء ذاتك، يقترح ماوس أن تسأل نفسك: هل يفيدني إخفاء الذات بشكل عام؟ هل يُحسّن علاقاتي؟ أم أنه يُسبب المزيد من الضرر؟ ويضيف أنه إذا كانت السلبيات تفوق الإيجابيات، فقد ترغب في التفكير في تقليل إخفاء الذات.

الكشف عن الذات

* كيف تبدأ الكشف عن نفسك؟

- تنصح ديفون برايس، عالمة النفس الاجتماعي في جامعة لويولا شيكاغو ومؤلفة كتاب «الكشف عن الذات من أجل الحياة»، بإيجاد «مساحات آمنة»، والبدء تدريجياً في الكشف عن نفسك برفقة أفراد العائلة، أو الأصدقاء الداعمين.

وتنصح برايس، المصابة بالتوحد، بتجربة الأمر أولاً بمساعدة اختصاصي الصحة النفسية، مثل أولئك المدرجين في دليل المعالجين النفسيين ذوي التنوع العصبي.

ويُعدّ العثور على مجموعة تتوافق مع هويتك أمراً بالغ الأهمية لتنمية تقبلك لذاتك، سواء كانت مجموعة مناصرة للأشخاص المصابين بالتوحد، أو نادياً للقصص المصورة. وتقول برايس: «عندما تنظر حولك، قد تفكر: حسناً، لا يوجد خطأ فيهم؛ إذن ربما لا يوجد خطأ فيّ». وإذا كشفت عن نفسك ولم تحصل على الدعم الذي كنت تتوقعه، ففكّر في المحاولة مرة أخرى لاحقاً، فالأمور قد تتغير نحو الأفضل.

ويقول باتشانكيس: «من المهم أن نتذكر أن الناس قد يصبحون أكثر تقبلاً مع مرور الوقت، خاصةً إذا استطاعوا فهم القضية من منظور شخص مهم في حياتهم».

* خدمة «نيويورك تايمز»


«ساعة الأعضاء»: حين تكشف الخوارزميات لحظة شيخوخة كل عضو

«ساعة الأعضاء»: حين تكشف الخوارزميات لحظة شيخوخة كل عضو
TT

«ساعة الأعضاء»: حين تكشف الخوارزميات لحظة شيخوخة كل عضو

«ساعة الأعضاء»: حين تكشف الخوارزميات لحظة شيخوخة كل عضو

لم يعد سؤال الطب في 2025 هو: كيف يشيخ الإنسان؟ بل أصبح: أي عضوٍ يشيخ أولاً؟ وكيف نلتقط همسه قبل أن يتحول إلى مرض؟

ففي نيويورك ولندن وسان دييغو، تراكَمت نتائج 3 دراسات كبرى نُشرت في مجلات مرموقة، مثل: «نيتشر»، و«لانسيت ديجيتال»، و«نيتشر ميديسن»، لتقلب فهمنا للشيخوخة. لم يعد الجسد يُرى كياناً واحداً يتقدَّم في العمر بوتيرة متساوية؛ بل كمنظومة من الساعات البيولوجية المستقلة، لكل عضو عقاربُه وخطُّه الزمني الذي لا يشبه سواه.

والمذهل أن هذه الساعات لا تُقرأ من الأشعة ولا من خزعات الأنسجة؛ بل من بروتينات دقيقة تنساب في بلازما الدم بصمت يشبه الهمس؛ بروتينات لا تظهر في التحاليل التقليدية، ولكنها -حين تتناولها الخوارزميات- تتحول إلى لغة متكاملة تُخبر الطبيب: أي عضو يتقدَّم نحو الضعف، وأي عضو يدخل مرحلة الشيخوخة المبكرة، وأي مرض سيظهر بعد 3 أو 5 أو 10 سنوات... إن لم نتدخل. إنه انتقال من التشخيص إلى استباق الزمن نفسه. فالذكاء الاصطناعي لم يعد يحلل ما نراه؛ بل ما لم نره بعد.

حين يتحوَّل الدم إلى خريطة تكشف العمر الحقيقي لكل عضو

لم يعد الدم مجرد ناقل للأكسجين والهرمونات؛ بل أصبح أرشيفاً خفيّاً يخزن العمر الحقيقي لكل عضو. وقد اعتمد العلماء في هذه الدراسات على تحليل آلاف البروتينات التي تعمل كـ«توقيعات جزيئية» لكل نسيج، تشبه بصمة الأصابع.

وبناءً على هذه التوقيعات، طوَّر الباحثون خوارزمية واسعة الطيف، قادرة على قراءة العمر البيولوجي لـ11 عضواً رئيسياً، من الدماغ والقلب والكليتين، وصولاً إلى الرئتين والعضلات والكبد. وتقارن الخوارزمية هذه البروتينات بخريطة معيارية، فتحدد أي عضو يتقدم نحو الشيخوخة بمعدل أسرع من الطبيعي، حتى لو بدت جميع الفحوص سليمة.

دماغ أكبر عمراً وقلب أصغر سناً

وهكذا ظهرت مفارقة لافتة: قد يكون شخصان في العمر نفسه يعيشان زمنين مختلفين تماماً. فقد يحمل أحدهم قلباً أصغر من عمره بخمس سنوات، بينما يعيش الآخر بدماغٍ أكبر من عمره الزمني بثلاث أو عشر سنوات. وقد تُظهر البروتينات أن الكليتين تتجهان نحو الضعف -في صمت- من دون أي عرض ظاهر.

إنها خريطة جديدة للصحة، لا تعتمد على الأعراض ولا الألم؛ بل على لغتها الداخلية التي يلتقطها الذكاء الاصطناعي قبل الجميع.

لماذا تتسارع ساعات بعض الأعضاء؟

تكشف النتائج أن الشيخوخة ليست حدثاً واحداً يبدأ في لحظة معينة؛ بل هي تفكك بطيء يبدأ قبل المرض بسنوات طويلة. بعض الأعضاء -لأسباب وراثية أو التهابية أو نمط حياة- تبدأ «العدَّ السريع» قبل غيرها. هذا التسارع هو أول إنذار مبكر لأمراض مثل: الخرف، وقصور القلب، والسكري، والفشل الكلوي، والأمراض المناعية.

«ستانفورد» ترسم خريطة العمر الدقيقة

في دراسة حديثة تُعد من أهم إضافات العام، نشر البروفسور طوني ويس– كوراي وفريقه في جامعة ستانفورد بحثاً موسعاً في مجلة «نيتشر ميديسن» (Nature Medicine) بتاريخ 3 يونيو (حزيران) 2025. وحلَّل الباحثون فيه أكثر من 5200 بروتين بلازمي، لرسم خريطة دقيقة للعمر البيولوجي لـ14 عضواً بدلاً من 11.

وبيَّنت النتائج أن بعض الأعضاء يُظهر تسارعاً في الشيخوخة قبل 7 إلى 10 سنوات من التشخيص السريري. فتسارع عمر الدماغ يزيد خطر الخرف بنسبة 67 في المائة، بينما يرتبط تسارع عمر القلب برفع خطر قصور القلب بنحو 45 في المائة.

كما كشفت الدراسة اختلافات جوهرية في أنماط الشيخوخة بين الرجال والنساء؛ إذ تبين أن البروتينات تُعبِّر عن «إيقاعات» مختلفة بين الجنسين، لم تكن معروفة سابقاً.

وبهذا منحت «ستانفورد» مفهوم «ساعة الأعضاء» دقة أعلى واتساعاً أكبر، ودفعت الطب خطوة نحو اللحظة التي يمكن فيها قراءة المرض قبل ظهوره.

التطبيقات السريرية... من التنبؤ إلى الوقاية الاستباقية

ليست «ساعة الأعضاء» مجرد معرفة عمر بيولوجي؛ بل أداة سريرية تعمل قبل المرض لا بعده. وتفتح أمام الأطباء 4 مسارات جديدة:

1- اكتشاف المرض قبل ظهوره بسنوات: الخوارزميات قادرة على التقاط الانحرافات الخفية في إيقاع الأعضاء، ما يتيح تشخيصاً مبكراً قبل 5– 10 سنوات من العلامات الأولى للخرف أو قصور القلب أو الفشل الكلوي.

تصميم علاجات شخصية تُخاطب العضو نفسه لا عمر المريض

2- لم يعد العلاج يعتمد على العمر الرسمي؛ بل على «العمر الحقيقي» لكل عضو. فقد يملك مريضٌ في الخامسة والخمسين قلباً عمره 40 أو دماغاً عمره 65 سنة.

إعادة تعريف الفحص الدوري ليصبح قراءة لإيقاع الجسد

3- تتحول زيارة المتابعة إلى قراءة ديناميكية للزمن الداخلي، يرصد فيها الطبيب سرعة شيخوخة العضو، ويتدخل حين يبدأ التسارع.

4- حماية المرضى من الانهيار المفاجئ عبر تحديد (العضو الأضعف): تُمكن هذه الخريطة الطبيب من معرفة العضو الأكثر عرضة للانهيار قبل ظهور أي أعراض، ما يسمح بتدخل وقائي يغير مسار المرض.

وهكذا ينتقل الطب من رد الفعل إلى طب استباقي يرى ما سيحدث... قبل أن يحدث.

حين تتلاقى الخوارزمية مع حكمة الطب وتتكلم الساعات الخفية للجسد

يستعيد هذا التحول كلمات ابن سينا، حين شبَّه الجسد بمدينة تتعاون فيها الأعضاء؛ مدينة تعمل بنظام لا يراه إلا من يعرف لغته. واليوم يتضح أن لهذه المدينة ساعات داخلية لا يسمع دقاتها إلا الذكاء الاصطناعي، القادر على اكتشاف خلل الزمن قبل أن يعمَّ الخراب.

وهنا تتضح الخلاصة: إن «ساعة الأعضاء» ليست دراسة عابرة؛ بل بداية لطبٍّ جديد يتعلم الإصغاء إلى الزمن. طبٍّ يعرف متى يبدأ المرض قبل أن يتجسد، وينقذ المريض قبل أن يطلب النجدة، ويقرأ العمر الحقيقي للجسد... لا الرقم البارد في الهوية.


اكتشاف وميض كوني هائل يعود إلى 13 مليار سنة

رصد «انفجار غاما» المرتبط بانهيار نجم ضخم قبل نحو 13 مليار سنة (أ.ب)
رصد «انفجار غاما» المرتبط بانهيار نجم ضخم قبل نحو 13 مليار سنة (أ.ب)
TT

اكتشاف وميض كوني هائل يعود إلى 13 مليار سنة

رصد «انفجار غاما» المرتبط بانهيار نجم ضخم قبل نحو 13 مليار سنة (أ.ب)
رصد «انفجار غاما» المرتبط بانهيار نجم ضخم قبل نحو 13 مليار سنة (أ.ب)

رصد القمر الاصطناعي الفرنسي الصيني «سفوم» SVOM في مارس (آذار) الماضي «انفجار غاما» المرتبط بانهيار نجم ضخم قبل نحو 13 مليار سنة، ومن شأن هذا الوميض القوي الآتي من أعماق الكون تزويد الأوساط العلمية بمعلومات عن تاريخه.

ويقول برتران كوردييه، الرئيس العلمي لمشروع «سفوم» في الهيئة الفرنسية للطاقات البديلة والطاقة الذرية، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، إنّ «هذا الاكتشاف نادر جداً، فهو خامس أبعد انفجار لأشعة غاما يُرصَد على الإطلاق» و«الأكثر دقة من ناحية الضوء الذي جمعناه والقياسات التي أجريناها».

أُطلقت مهمة «سفوم» (المرصد الفضائي متعدد الأطياف للأجسام الفلكية المتغيرة) في يونيو (حزيران) 2024، وتهدف إلى اكتشاف وتحديد مواقع هذه الظواهر الكونية ذات القوة الهائلة.

تحدث انفجارات أشعة غاما عادة بعد انفجار نجوم ضخمة (تزيد كتلتها على كتلة الشمس عشرين مرة) أو اندماج النجوم الكثيفة. يمكن لهذه الانفجارات الإشعاعية ذات السطوع الهائل أن تُطلق طاقة تعادل أكثر من مليار مليار شمس مثل شمسنا.

يوضح كوردييه الذي شارك في دراستين عن هذا الاكتشاف نشرتا الثلاثاء في مجلة «أسترونومي آند أستروفيزيكس»، أنها «الظواهر الكونية التي تنبعث منها الكميات الأكبر من الطاقة».

الجيل الأول من النجوم

تُتيح دراسة انفجارات أشعة غاما التقدّم في مسائل «الفيزياء الأساسية»، مثل محاولة «فهم كيفية إطلاق هذه الكمية من الطاقة، وما الآليات المؤثرة» في ذلك.

ويقول كوردييه: في انفجارات أشعة غاما «تتسارع المادة إلى سرعات تُقارب سرعة الضوء. إنها ظروف فيزيائية لا يُمكننا إعادة إنتاجها على الأرض، ولكن يُمكننا رصدها في المختبرات الكونية».

تُستخدم هذه الإشارات شديدة السطوع أيضا كأنها «مسبارات»، إذ تُضيء كل المادة التي تمرّ بها قبل أن تصل إلى الأرض. ويقول كوردييه: «نحن بحاجة ماسة إلى وميض بهذه الشدة لنتمكن من قياس» الظروف الفيزيائية للكون في عصور بعيدة جداً، مضيفاً أنها «الطريقة الوحيدة للقيام بذلك مباشرةً».

في 14 مارس، عندما تلقوا تنبيهاً عبر جوالاتهم، أدرك العلماء المُناوبون في مهمة «سفوم» بسرعة أنهم يتعاملون مع حدث كبير. ثم أقنعوا طواقم التلسكوبات الأخرى بإعادة توجيه عدساتها إلى منطقة الانبعاث.

بعد انفجار لأشعة غاما استمر بضع عشرات من الثواني، أصدر الجسم المسؤول عنه، لفترة أطول ولكن بكثافة متناقصة، أطوالاً موجية أخرى: أشعة سينية، وبصرية، وأشعة تحت الحمراء، وراديوية. ويتّسم هذا «الانبعاث اللاحق» بأهمية كبيرة لتحديد موقع المصدر بدقة ودراسة طبيعته.

وتوصل العلماء إلى أنّ الإشارة بُعثت «عندما كان الكون في بداياته»، أي قبل 700 مليون سنة تقريباً. ويقول كوردييه إنّ «الفوتونات التي وصلت إلى أجهزتنا قطعت 13 مليار سنة».

وبحسب كوردييه، فإن عصر «الأجيال الأولى من النجوم» التي تشكلت بعد الانفجار العظيم من «مادة بدائية تتكون أساساً من الهيليوم خصوصاً الهيدروجين» أنتجت هذه النجوم العناصر الثقيلة الأولى (الحديد، والكربون، والأكسجين...)، وأدّت دوراً أساسياً في تطور الكون.

ولإحداث هذا الانفجار الهائل، ربما كانت كتلة النجم المنهار «أكبر بمائة مرة من كتلة الشمس»، بحسب عالم الفيزياء الفلكية الذي يأمل أن يتمكّن «سفوم» من رصد «ربما حدث أو حدثين» من هذا القبيل سنوياً.

ويكمن التحدي في ربط كل التفاصيل في سلسلة من عمليات رصد الانبعاثات اللاحقة.

بعد تنبيه 14 مارس، «مرت 17 ساعة قبل أن يغيّر التلسكوب العملاق جداً (VLT) الموجود في تشيلي اتجاهه»، بحسب كوردييه الذي يضيف: «خلال تلك الفترة، انخفضت شدة الرصد. الهدف هو تحسين كفاءتنا. إذا وصلنا مبكراً، فسنحصل على بيانات أفضل».