لبنان يتخبط في «جمهورية الفراغ»

جلسة انتخاب الرئيس عالقة على ضمان فوز فرنجية!

جنود من الحرس الرئاسي اللبناني ينزلون العلم من سطح قصر بعبدا في أول أيام الفراغ الرئاسي أكتوبر الماضي (إ.ب.أ)
جنود من الحرس الرئاسي اللبناني ينزلون العلم من سطح قصر بعبدا في أول أيام الفراغ الرئاسي أكتوبر الماضي (إ.ب.أ)
TT

لبنان يتخبط في «جمهورية الفراغ»

جنود من الحرس الرئاسي اللبناني ينزلون العلم من سطح قصر بعبدا في أول أيام الفراغ الرئاسي أكتوبر الماضي (إ.ب.أ)
جنود من الحرس الرئاسي اللبناني ينزلون العلم من سطح قصر بعبدا في أول أيام الفراغ الرئاسي أكتوبر الماضي (إ.ب.أ)

يأتي الترويج في لبنان لعقد جلسة نيابية كحد أقصى قبل 15 يونيو (حزيران) المقبل لانتخاب رئيس للجمهورية، في سياق حث النواب على إنجاز الاستحقاق الرئاسي، لأن لبنان الذي يتخبط في «جمهورية الفراغ»، لم يعد يحتمل مزيداً من الانهيار، من دون أن يلوح في الأفق ما يدعو إلى التفاؤل بأن هذا التاريخ سيكون حاسماً على طريق إعادة الانتظام للمؤسسات الدستورية طالما أن الانقسام العمودي داخل البرلمان لا يزال يعيق انتخابه، خصوصاً أن الإعلان الوارد في مقررات القمة العربية التي استضافتها المملكة العربية السعودية حول لبنان حمّل المسؤولية للكتل النيابية، داعياً إياها للتحاور لانتخاب رئيس يرضي طموحات اللبنانيين.

فالترويج لعقد الجلسة النيابية كان يراهن على تدخّل الدول العربية بالضغط على الكتل النيابية، كما تقول مصادر نيابية لـ«الشرق الأوسط»، للإسراع في إنهاء الشغور الرئاسي، لكنها أعادت الكرة إلى المرمى النيابي انسجاماً مع تأكيدها على عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول العربية.

لبنان كان حاضراً في اجتماع القمة العربية بجدة الجمعة الماضي (واس - أ.ف.ب)

وتلفت المصادر النيابية إلى أن الترويج لعقد الجلسة انطلق من الرهان على أن لبنان قبل انعقاد القمة العربية هو غيره بعد انعقادها، وأنه يقف أمام استحقاق مع انتهاء ولاية حاكم مصرف لبنان رياض سلامة في مطلع يوليو (تموز) المقبل يستدعي تعيين من يخلفه في منصبه، شرط أن يسبق تعيينه انتخاب رئيس للجمهورية، لأنه من غير الجائز لحكومة تصريف الأعمال، في ظل غياب الرئيس أن تنوب عنه، لأنه يتعذّر على خلفه القيام بمهامه ما لم يقسم اليمين الدستورية أمامه.

وتكشف أن رئيس المجلس النيابي نبيه بري، وإن كان يتهيّب الموقف ويسعى لإنهاء الشغور الرئاسي، فإنه في المقابل يتريث بالدعوة للجلسة ما لم تكن مضمونة النتائج بتأمين فوز زعيم تيار «المردة» النائب السابق سليمان فرنجية، لئلا تتحول إلى مهزلة كسابقاتها من الجلسات.

وفي هذا السياق، تنقل مصادر سياسية على لسان قيادي في محور الممانعة بأن انسداد الأفق أمام انتخاب الرئيس لا يزال قائماً، وبالتالي لن يفرط الرئيس بري بالدعوة للجلسة إلا في حال أن الطريق سالكة سياسياً أمام انتخاب فرنجية، الذي لا يزال يواجه مشكلة في تأمين تأييد 65 نائباً له، وهو العدد المطلوب لانتخابه في دورة الانتخاب الثانية.

وتؤكد المصادر السياسية أن فرنجية، وفق ما تنقل المصادر عن القيادي في محور الممانعة، يحظى حالياً بتأييد 58 نائباً، وهو يحتاج إلى توسيع مروحة التأييد له لضمان حصوله على ما يزيد على 65 نائباً تحسُّباً لتخلّف أكثر من نائب عن تأييده. وتقول إن مجرد تحديد موعد لعقد جلسة الانتخاب يعني من وجهة نظره أن فرنجية سيُنتخب رئيساً للجمهورية.

وتضيف أن محور الممانعة يسعى للإفادة من الموقف الذي أعلنه سفير المملكة العربية السعودية لدى لبنان وليد البخاري بأن ليس لدى المملكة أي مرشح ولا تضع فيتو على اسم فرنجية، بتوسيع مروحة الاتصالات لتأمين تأييده من قبل النواب السُّنّة من غير المنتمين إلى محور الممانعة.

سليمان فرنجية (تويتر)

وتكشف المصادر نفسها لـ«الشرق الأوسط» بأن خللاً ما أدى إلى حرق المراحل باضطرار فرنجية للإعلان عن ترشحه، وكان يفترض ألا يعلن ترشحه ما لم يحصل على تأييد أكثر من 65 نائباً، لكن مبادرة البعض إلى استباق ترشحه لم تخدمه، وشكلت إحراجاً له بتقديمه على أنه مرشح الثنائي الشيعي.

ولدى سؤال المصادر السياسية عن المصير الذي ينتظر علاقة «حزب الله» برئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل، قالت إن التواصل عن بعد لم ينقطع بينه وبين مسؤول وحدة الارتباط والتنسيق في الحزب وفيق صفا، لكنه لا يزال يراوح مكانه. وأكدت أن مجرد اجتماعه بأمين عام الحزب حسن نصر الله يعني أن أموراً طارئة ستحصل، ولن يدور في حلقة مفرغة، مع الإشارة إلى أن الحزب يتمسك بدعمه فرنجية، رافضاً اقتراح باسيل بأن يترك له اختيار اسم المرشح البديل عنه.

وتستبعد أن يكون محور الممانعة على استعداد للانتقال إلى خطة «ب» بحثاً عن مرشح توافقي، ويعزو السبب إلى ثقة «حزب الله» بفرنجية، ولا يطعنه في الظهر.

وترجّح في ظل المشهد السياسي القائم في البرلمان، التمديد للشغور الرئاسي، وهذا ما يفتح الباب أمام البحث منذ الآن لتدارك الفراغ الناجم عن انتهاء ولاية سلامة على قاعدة رفض تعيين من يخلفه في ظل تعذّر انتخاب رئيس للجمهورية.
وترى ألا مفر من تكليف النائب الأول لحاكم مصرف لبنان وسيم منصوري للقيام بالنيابة بمهامه، رغم أن الرئيس بري يضغط لانتخاب الرئيس باعتباره الحل الذي يعيد الانتظام للمؤسسات الدستورية.
وبالعودة إلى مواقف الكتل النيابية من فرنجية، تسأل المصادر: ما الجدوى من الرهان على أن «اللقاء الديمقراطي» برئاسة النائب تيمور وليد جنبلاط يدرس توزيع أصواته بتأييد فرنجية من قبل النواب المنتمين إلى الحزب «التقدمي الاشتراكي»؟ وتقول إن ما قيل في هذا الخصوص يصطدم بإصرار جنبلاط الابن على التغيير لمصلحة التوافق على مرشح لا يشكل تحدّياً لأي فريق.
وتستبعد المصادر نفسها إمكانية لجوء تكتل «لبنان القوي» برئاسة باسيل للاقتراع بورقة بيضاء، وتقول إنه سبق لنوابه أن اقترعوا بورقة بيضاء مراعاة لمحور الممانعة، لكنهم لن يعيدوا الكرّة هذه المرة طالما أن باسيل يتحاور مع المعارضة على أساس ترشيح الوزير السابق جهاد أزعور.
كما تستبعد مصادر وزارية احتمال مجيء الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط إلى بيروت، على الأقل في المدى المنظور، لحث النواب على إنجاز الاستحقاق الرئاسي اليوم قبل الغد، وتقول لـ«الشرق الأوسط» إن لا علم لديها حيال ما يتردد بمعاودة اللجنة الخماسية اجتماعاتها، وإن انتخاب الرئيس يقع على عاتق النواب.

البطريرك الراعي مستقبلاً السفيرة الفرنسية أخيراً (الوكالة الوطنية)

 وتسأل المصادر عن الأسباب الكامنة وراء مبادرة سفيرة فرنسا لدى لبنان آن غريو إلى وقف تشغيل محركاتها لتسويق المبادرة الفرنسية، وتقول إن السبب يعود إلى اصطدامها برفض مسيحي لترشيح باريس لفرنجية كونه أقصر الطرق لإنهاء الشغور الرئاسي، وهذا ما سيبحثه الرئيس إيمانويل ماكرون مع البطريرك الماروني بشارة الراعي في محاولة لوقف تصدُّع العلاقات المسيحية - الفرنسية؟
وترى أن قوى المعارضة تقف حالياً أمام مطالبتها بالاتفاق على اسم المرشح لمنافسة فرنجية، وتقول إن «اللقاء الديمقراطي» يؤيد تفاهم الأطراف في الشارع المسيحي بالتفافها حول مرشح واحد، وإلا قد يضطر في حال انقسامها للاقتراع بورقة بيضاء.
لذلك يفترض أن تشهد باريس حراكاً نيابياً يسبق زيارة الراعي بدعوة من ماكرون، يتمثّل في توجّه وفد من المعارضة قوامه النواب غسان حاصباني، وفؤاد مخزومي، وإلياس حنكش، وراجي السعد، وبلال الحشيمي إلى باريس لملاقاة زميلهم العائد من واشنطن الدكتور غسان سكاف للقاء كبار المسؤولين عن الملف اللبناني لتبيان الأسباب الموجبة لمعارضتهم المبادرة الفرنسية.
وعليه، فإن التمديد لجمهورية الفراغ يبقى قائماً ما لم يتبدّل المشهد السياسي الذي لا يزال يعطل انتخاب الرئيس، وسيظل عالقاً على ضمان محور الممانعة فوز فرنجية!


مقالات ذات صلة

تقرير: إسرائيل تطالب بإبعاد فرنسا عن اتفاق وقف إطلاق النار في لبنان

المشرق العربي لبنانيون يشاهدون من جانب الطريق الدخان يتصاعد نتيجة قصف إسرائيلي على ضاحية بيروت الجنوبية (رويترز)

تقرير: إسرائيل تطالب بإبعاد فرنسا عن اتفاق وقف إطلاق النار في لبنان

نشرت القناة 12 الإسرائيلية تفاصيل عما وصفته بأنه «النقاط العالقة» بين إسرائيل و«حزب الله» اللبناني للوصول إلى وقف لإطلاق النار.

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)
المشرق العربي رئيس الحكومة اللبنانية نجيب ميقاتي خلال زيارته وزارة الدفاع (حسابه عبر منصة إكس)

ميقاتي: اللبنانيون مصرون رغم كل الظروف على إحياء ذكرى استقلالهم

أكد رئيس الحكومة اللبنانية نجيب ميقاتي أن «اللبنانيين مصرون رغم كل الظروف على إحياء ذكرى استقلالهم لإيمانهم بما تحمل لهم من معاني الحرية والسيادة»

«الشرق الأوسط» (بيروت)
الخليج الشيخ محمد بن زايد آل نهيان والملك عبد الله الثاني بن الحسين ويظهر الشيخ عبد الله بن زايد وأيمن الصفدي وعدد من المسؤولين خلال اللقاء (وام)

تأكيد إماراتي أردني على أهمية تكثيف الجهود لوقف إطلاق النار في غزة ولبنان

الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس دولة الإمارات، بحث مع العاهل الأردني، الملك عبد الله الثاني بن الحسين، قضايا المنطقة والعلاقات الثنائية.

«الشرق الأوسط» (أبوظبي)
المشرق العربي مسيّرة إسرائيليّة من نوع (هرمز 450)

«حزب الله» يعلن إسقاط مسيّرة إسرائيلية من طراز «هرمز 450» فوق الطيبة

أعلنت جماعة حزب الله اللبنانية، في ساعة مبكرة من صباح اليوم الثلاثاء، أنها أسقطت مسيرة إسرائيلية بصاروخ أرض-جو في جنوب لبنان.

«الشرق الأوسط» (هرمز 450)
المشرق العربي عناصر من خدمة الطوارئ الإسرائيلية في مكان سقوط مقذوف في حيفا أطلق من لبنان (رويترز)

الجيش الإسرائيلي: سقوط صواريخ أطلقها «حزب الله» على حيفا وتضرر كنيس

أعلن الجيش الإسرائيلي تضرر كنيس في «هجوم صاروخي كبير» شنه «حزب الله» اللبناني على مدينة حيفا (شمال غرب)؛ ما أسفر عن إصابة شخصين.

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)

تقرير: مقتل القيادي بـ«حزب الله» علي موسى دقدوق بغارة إسرائيلية في سوريا

الضابط الأميركي كيفين بيرغنير يعلن للصحافيين في بغداد اعتقال علي موسى دقدوق 2 يوليو (تموز) 2007 (أ.ف.ب - غيتي)
الضابط الأميركي كيفين بيرغنير يعلن للصحافيين في بغداد اعتقال علي موسى دقدوق 2 يوليو (تموز) 2007 (أ.ف.ب - غيتي)
TT

تقرير: مقتل القيادي بـ«حزب الله» علي موسى دقدوق بغارة إسرائيلية في سوريا

الضابط الأميركي كيفين بيرغنير يعلن للصحافيين في بغداد اعتقال علي موسى دقدوق 2 يوليو (تموز) 2007 (أ.ف.ب - غيتي)
الضابط الأميركي كيفين بيرغنير يعلن للصحافيين في بغداد اعتقال علي موسى دقدوق 2 يوليو (تموز) 2007 (أ.ف.ب - غيتي)

قال مسؤول دفاعي أميركي كبير إن قائداً كبيراً في «حزب الله» اللبناني كان قد ساعد في التخطيط لإحدى أجرأ وأعقد الهجمات ضد القوات الأميركية، خلال حرب العراق، قُتل في غارة إسرائيلية على سوريا.

واعتقلت القوات الأميركية علي موسى دقدوق، بعد مداهمة عام 2007، عقب عملية قتل فيها عناصرُ يتنكرون في صورة فريق أمن أميركي، خمسة جنود أميركيين. ووفقاً لموقع «إن بي سي» الأميركي، أطلقت السلطات العراقية سراحه لاحقاً.

وأضاف المسؤول الدفاعي الأميركي، وفق ما نقل عنه موقع «إن بي سي»، أن تفاصيل الضربة الجوية الإسرائيلية غير معروفة، متى حدثت، وأين وقعت في سوريا، وهل كان هدفها دقدوق تحديداً.

الغارة المعقدة، التي ساعد دقدوق في التخطيط لها، حدثت في مجمع عسكري مشترك أميركي-عراقي في كربلاء، في 20 يناير (كانون الثاني) 2007.

تنكَّر مجموعة من الرجال في زي فريق أمن عسكري أميركي، وحملوا أسلحة أميركية، وبعضهم كان يتحدث الإنجليزية، ما جعلهم يَعبرون من عدة نقاط تفتيش حتى وصلوا قرب مبنى كان يأوي جنوداً أميركيين وعراقيين.

كانت المنشأة جزءاً من مجموعة من المنشآت المعروفة باسم «محطات الأمن المشترك» في العراق، حيث كانت القوات الأميركية تعيش وتعمل مع الشرطة والجنود العراقيين. كان هناك أكثر من عشرين جندياً أميركياً في المكان عندما وصل المسلّحون.

حاصرت العناصر المسلّحة المبنى، واستخدموا القنابل اليدوية والمتفجرات لاختراق المدخل. قُتل جندي أميركي في انفجار قنبلة يدوية. بعد دخولهم، أَسَر المسلّحون جندين أميركيين داخل المبنى، واثنين آخرين خارج المبنى، قبل أن يهربوا بسرعة في سيارات دفع رباعي كانت في انتظارهم.

طاردت مروحيات هجومية أميركية القافلة، ما دفع المسلّحين لترك سياراتهم والهروب سيراً على الأقدام، وخلال عملية الهرب أطلقوا النار على الجنود الأميركيين الأربعة.

وفي أعقاب الهجوم، اشتبه المسؤولون الأميركيون بأن المسلّحين تلقّوا دعماً مباشراً من إيران، بناءً على مستوى التنسيق والتدريب والاستخبارات اللازمة لتنفيذ العملية.

وألقت القوات الأميركية القبض على دقدوق في مارس (آذار) 2007. وكما يذكر موقع «إن بي سي»، أثبتت أن «فيلق القدس»، التابع لـ«الحرس الثوري الإيراني»، كان متورطاً في التخطيط لهجوم كربلاء. واعترف دقدوق، خلال التحقيق، بأن العملية جاءت نتيجة دعم وتدريب مباشر من «فيلق القدس».

واحتجز الجيش الأميركي دقدوق في العراق لعدة سنوات، ثم سلَّمه إلى السلطات العراقية في ديسمبر (كانون الأول) 2011.

وقال المسؤول الأميركي: «قالت السلطات العراقية إنها ستحاكم دقدوق، لكن جرى إطلاق سراحه خلال أشهر، مما أثار غضب المسؤولين الأميركيين. وعاد للعمل مع (حزب الله) مرة أخرى بعد فترة وجيزة».