هل يحدث رحيل إردوغان المحتمل عن السلطة تحولات جيوسياسية في أوروبا؟

قراءة في تحديات الانتخابات التركية من منظور غربي

أنصار الرئيس رجب طيب إردوغان في تجمع انتخابي بإسطنبول في 12 مايو (رويترز)
أنصار الرئيس رجب طيب إردوغان في تجمع انتخابي بإسطنبول في 12 مايو (رويترز)
TT

هل يحدث رحيل إردوغان المحتمل عن السلطة تحولات جيوسياسية في أوروبا؟

أنصار الرئيس رجب طيب إردوغان في تجمع انتخابي بإسطنبول في 12 مايو (رويترز)
أنصار الرئيس رجب طيب إردوغان في تجمع انتخابي بإسطنبول في 12 مايو (رويترز)

نادراً ما حظيت انتخابات رئاسية تركية بهذا القدر من الاهتمام الإقليمي والدولي. ففي المرتين السابقتين، كانت نتيجة الانتخابات بعيدة عن أي مفاجآت نظراً لهيمنة الرئيس رجب طيب إردوغان على المشهد السياسي في بلاده منذ أكثر من عشرين عاماً، وبسبب تشظي المعارضة. والحال، أن الأخير الذي يسعى لولاية رئاسية ثالثة، يواجه هذه المرة معارضة موحدة، ومرشحاً يتسم بالجدية والاتزان، نجح في فرض نفسه كرجل دولة يحمل برنامجاً سياسياً واقتصادياً متيناً، ويعد بإيجاد حلول للمشكلات التي تعاني منها تركيا اليوم، وعلى رأسها المشكلات الاقتصادية والمالية، والتضخم، وانهيار الليرة.

شخصيات متناقضة

كمال كليتشدار أوغلو وأنصاره يحملون وروداً لدى زيارته ضريح أتاتورك بأنقرة في 13 مايو (إ.ب.أ)

رغم الاستدارات التي سلكها إردوغان في الخارج، وسعيه لاستغلال الحرب في أوكرانيا ليعود بقوة إلى واجهة المشهد الدولي، ويفرض نفسه محاوراً وحيداً للرئيس الروسي من قلب الحلف الأطلسي، فإن الواضح اليوم أن الغرب لن يذرف عليه الدموع في حال هزيمته الانتخابية وفوز منافسه كمال كليتشدار أوغلو.

يقول ديديه بيون، الخبير في الشؤون التركية وصاحب كتاب «تركيا: الشريك الإلزامي» الصادر مؤخراً عن دار «أيرول للنشر»، في حديث لـ«الشرق الأوسط» إن تركيا «بحاجة لنوع من التجديد؛ لأن عامل التآكل أو الاهتراء موجود، ويلعب ضد الرئيس الحالي الذي استخدم دوماً عامل الاستقطاب الداخلي لإرساء سلطته».

ومن الأوراق التي تلعب ضده صورة أنه «ليس صديقاً للحريات العامة والخاصة، بما فيها حرية الصحافة»، الأمر الذي أبعد عنه الليبراليين.

وفي المقابل، فإن شخصية منافسه الرئيسي تتميز بالهدوء والرصانة والثبات، وكلها تتناقض مع شخصية إردوغان الاستقطابية، وفق الباحث الفرنسي. ويضيف أن تركيا بحاجة لـ«فترة من الهدوء»، علماً أن الأتراك أوجدوا صفتين لمرشح المعارضة البالغ من العمر 74 عاماً؛ الأولى، أنه «القوة الهادئة»، والثانية أنه «غاندي تركيا» تيمناً بالزعيم الهندي الذي رفض اللجوء إلى العنف لتمكين الهند من الحصول على استقلالها.

بايدن متوسطاً جونسون وإردوغان في قمة لـ«الناتو» بمدريد في 29 يونيو 2022 (أ.ب)

كثيرة هي الأصوات التي ترى أن خروج إردوغان اليوم من المشهد السياسي التركي سيعد على المستويين الأوروبي والغربي، بشكل عام، بمثابة «تحوّل إيجابي»؛ فقد قادت بعض التصريحات والمواقف في السنوات السابقة بعداوات لا تحصى مع الأوروبيين ومع الولايات المتحدة الأميركية. وآخر ما يؤخذ على إردوغان بشكل إجماعي على المستوى الغربي، هو رفضه حتى اليوم التصديق على انضمام السويد إلى الحلف الأطلسي. وتركيا هي العضو الأطلسي الوحيد الذي لم يقر برلمانه انضمام السويد، بعد أن قبل مؤخراً انضمام فنلندا رغم الضغوط الأوروبية والأميركية. كذلك يؤخذ عليه أن أنقرة، رغم تنديدها بالغزو الروسي لأوكرانيا، فإنها لا تطبق العقوبات الأوروبية والأميركية. ومن الواضح أن إردوغان يعي اليوم حاجة الغربيين له، وهو الذي تشكل بلاده الجناح الجنوبي للحلف الأطلسي؛ ولذا فإن الانتقادات الموجهة إليه تبقى في دوائر ضيقة ومحدودة.

والحرب في أوكرانيا لم تمنع إردوغان وبوتين من المشاركة عن بُعد في تدشين أولى المحطات النووي التركية الواقعة جنوب تركيا وقرب مياه المتوسط، التي شيدها الجانب الروسي ومول القسم الأكبر منها. ونقلت صحيفة «لو موند» في عددها ليوم الجمعة عن مارك بياريني، السفير الأسبق في أنقرة والباحث في معهد «كارنيغي أوروبا» قوله إن «انتصار إردوغان سيعني انتصاراً لبوتين»، وأن هزيمته ستكون «هدية» للغربيين. ويضيف بياريني أن التحدي الكبير بالنسبة للأوروبيين والغربيين، بشكل عام، هو نوعية علاقة تركيا المستقبلية مع الحلف الأطلسي، وذلك على ضوء علاقتها القائمة مع روسيا.

خلافات بين القادة

صورة أرشيفية لماكرون وإردوغان وميركل وبوتين في إسطنبول عام 2018 (أ.ب)

حتى اليوم، لم ينس الأوروبيون أسلوب إردوغان في التهجم على القادة الغربيين. ففي عام 2017، لم يتردد الرئيس التركي الذي كان يخوض الانتخابات الرئاسية السابقة، في اتهام المستشارة الألمانية السابقة أنغيلا ميركل بـ«ممارسات نازية»؛ لأنها منعت مهرجانات انتخابية موالية له في عدد من المدن الألمانية. كذلك، وصف الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، في شهر أكتوبر (تشرين الأول) من عام 2020 بأنه «مختل عقليا»، ونصحه باللجوء إلى الأطباء النفسيين للمعالجة بسبب ترويجه مشروع قانون لمحاربة ما سماه «الانفصالية الإسلامية» في بلاده. وسبق لماكرون أن انتقد بشدة تصرف البحرية التركية في مياه المتوسط ومقابل الشواطئ الليبية، عندما سعت باخرة عسكرية فرنسية تعمل تحت لواء الأطلسي لتفتيش سفينة تركية كان يظن أنها تنقل سلاحاً مهرباً لليبيا.

ووصف ماكرون وقتها الحلف بأنه في «حالة موت سريري». ثم إن إردوغان وجد نفسه وجهاً لوجه مع الغربيين في سوريا، حيث كان الغربيون يدعمون وحدات حماية الشعب الكردية في سوريا وقوات سوريا الديمقراطية التي قاتلت ميليشيات «داعش»، فيما يعدها إردوغان وحدات إرهابية مرتبطة بحزب العمال الكردستاني، ويسعى إلى اقتلاعها من شمال وشمال غربي سوريا.

أخيراً، تسبّب إردوغان بصداع للأوروبيين بسبب أنشطته في التنقيب عن الغاز والبترول في المياه الإقليمية العائدة لليونان وقبرص، الأمر الذي أوجد حالة من التوتر في المتوسط، بالتوازي مع استخدامه ورقة اللاجئين السوريين على أراضيه كلما أراد الضغط على الاتحاد الأوروبي. ثم ثمة مآخذ كثيرة على إردوغان المتهم بتجيير القضاء لصالحه، والتضييق على الحريات والفساد الذي ينخر المجتمع والاقتصاد التركيين.

ولاكتمال الصورة، تتعين الإشارة إلى خلافه مع الولايات المتحدة، الأمر الذي دفعه لإبرام اتفاق مع روسيا للحصول على منظومة صاروخية من طراز «إس 400»، ما حمل واشنطن على إخراجه من برنامج الطائرة المقاتلة «إف 35»، إلا أنه قبلت لاحقاً، ومع اندلاع الحرب الروسية على أوكرانيا، جرى تزويده بطائرات «إف 16» حديثة.

تحديات قائمة

كمال كليتشدار أوغلو مخاطباً أنصاره في أنقرة 12 مايو (أ.ف.ب)

تشكل العناصر المذكورة سابقاً أسباباً وجيهة تدفع الغربيين لتفضيل هزيمة إردوغان وفوز منافسه. بيد أن هذا التمني يبقى خبيئاً؛ لأن إردوغان، في حال ظهر إلى العلن، سوف يستخدمه سلاحاً في حملته الانتخابية من أجل اتهام الغرب بالتدخل في الشؤون الداخلية التركية. وتقول أرنشا غونزاليس، عميدة «معهد الشؤون الدولية» التابع لمعهد العلوم السياسية في باريس إنه «إذا تمكن الأتراك من إزاحة إردوغان، فإن ذلك سيشكل تحولاً جيوسياسياً رئيسياً».

وبعكس الرئيس الحالي، فإن كمال كليتشدار أوغلو أكد أكثر من مرة، منذ ترشحه، أنه يسعى لـ«تطبيع» علاقاته مع الغربيين وغير الغربيين، ما يذكر بمقولة وزير الخارجية الأسبق أحمد داود أوغلو الذي كان يدعو لـ«تصفير المشكلات» مع الخارج. وتجدر الإشارة إلى أن الأخير عضو في التحالف السداسي الذي يدعم مرشح المعارضة، وفي حال فوزه سيكون الأقرب للعودة إلى وزارة الخارجية.

ثمة مسألة عالقة بين تركيا والاتحاد الأوروبي عنوانها رغبة أنقرة في الانضمام إلى النادي الأوروبي؛ ولهذا الغرض، قامت منذ 15 عاماً مفاوضات بين الجانبين، وحتى اليوم ما زالت هناك فصول لم يبدأ البحث بها، فيما تغلب على الرأي العام الأوروبي نزعة رفض انضمام تركيا التي تملك تعداداً 85 مليون نسمة إلى الاتحاد.

وبموجب القوانين التأسيسية للاتحاد فإن الموافقة على انضمام عضو جديد يجب أن تمر في برلمانات الـ27 عضواً، ما يعني عملياً أن حظوظ تركيا في الانضمام معدومة. ومن هنا، يرى المحللون أن فوز كليتشدار أوغلو لن يحل المشكلات العالقة مع الاتحاد الأوروبي بسحر ساحر، بل إن علاقات أنقرة مع بروكسل يمكن أن تتحول إلى علاقات «طبيعية»، ما يعد تغيراً مهماً في الأجواء السائدة بين الطرفين.

هكذا تبرز التحديات الأوروبية والأميركية الكامنة في الانتخابات التركية، وتتضح خصوصاً انعكاساتها الجيوسياسية وتأثيراتها على مستقبل القارة القديمة.


مقالات ذات صلة

تركيا: إمام أوغلو يعزو محاكمته لإقصائه من انتخابات الرئاسة

شؤون إقليمية أنصار إمام أوغلو خلال مظاهرة أمام مجتمع محاكم تشاغليان في إسطنبول خلال الإدلاء بإفادته في اتهامه بالتجسس في نوفمبر الماضي (إ.ب.أ)

تركيا: إمام أوغلو يعزو محاكمته لإقصائه من انتخابات الرئاسة

أجلت محكمة تركية نظر القضية المتهم فيها رئيس بلدية إسطنبول المعارض المحتجز أكرم إمام أوغلو بتزوير شهادته الجامعية إلى 16 فبراير المقبل.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
شؤون إقليمية زعيم المعارضة التركية خلال خطاب أمام المؤتمر العام الـ39 لحزبه في أنقرة (حساب الحزب في إكس)

انتخاب أوزيل رئيساً لحزب «الشعب الجمهوري» للمرة الرابعة في عامين

تعهد زعيم المعارضة التركية رئيس حزب «الشعب الجمهوري»، أوزغور أوزيل، بانتزاع حزبه السلطة في البلاد بالانتخابات المقبلة.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
شؤون إقليمية رئيس حزب الشعب الجمهوري أوزغور أوزيل يتوسط قيادات وأعضاء بارزين في افتتاح المؤتمر العام الـ39 في أنقرة في 28 نوفمبر (حساب الحزب في «إكس»)

«الشعب الجمهوري» يسعى لتثبيت زعامة أوزيل للمعارضة التركية

انطلق في أنقرة، الجمعة، المؤتمر العام العادي الـ39 لحزب «الشعب الجمهوري» بعد موجة من التحقيقات والضغوط القضائية التي وصلت إلى حد المطالبة بإغلاقه.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
شؤون إقليمية متظاهرون في إسطنبول يرفعون لافتات للمطالبة بإطلاق سراح إمام أوغلو (حزب الشعب الجمهوري - إكس)

تركيا: محكمة تقبل لائحة الاتهام ضد رئيس بلدية إسطنبول المحتجز

قبلت محكمة تركية لائحة اتهام بحق رئيس بلدية إسطنبول المعارض المحتجز أكرم إمام أوغلو ومئات آخرين في إطار تحقيقات في شبهات فساد في البلدية.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
شؤون إقليمية تجمع لأنصار حزب الشعب الجمهوري في منطقة عمرانية في إسطنبول 5 نوفمبر للمطالبة بإطلاق سراح أكرم إمام أوغلو (حزب الشعب الجمهوري - إكس)

تركيا: إمام أوغلو يطالب ببث محاكمته على الهواء مباشرة

طالب رئيس بلدية إسطنبول المحتجز أكرم إمام أوغلو ببث محاكمته بتهمة الفساد على الهواء مباشرة عبر تلفزيون الدولة الرسمي.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)

الأمن الإسرائيلي يعتقل روسياً بتهمة التجسس لصالح إيران

عناصر من قوات الأمن الإسرائيلية (أ.ف.ب - أرشيفية)
عناصر من قوات الأمن الإسرائيلية (أ.ف.ب - أرشيفية)
TT

الأمن الإسرائيلي يعتقل روسياً بتهمة التجسس لصالح إيران

عناصر من قوات الأمن الإسرائيلية (أ.ف.ب - أرشيفية)
عناصر من قوات الأمن الإسرائيلية (أ.ف.ب - أرشيفية)

أعلنت وكالة الأمن الإسرائيلية (شين بيت) ومدير مؤسسة الأمن والدفاع، الجمعة، اعتقال مواطن روسي أرسل صور موانئ وسفن وبنية تحتية في إسرائيل إلى عناصر المخابرات الإيرانية.

ووفق ما أورده موقع صحيفة «جيروزاليم بوست» الجمعة، وصل فيتالي زفياجنيتسيف (30 عاماً) إلى إسرائيل يحمل تصريح عامل أجنبي، وتم اعتقاله في مطلع ديسمبر (كانون الأول) الحالي للاشتباه في ارتكابه جرائم أمنية بتوجيه من عناصر المخابرات الإيرانية.

وأشار التحقيق مع فيتالي إلى أنه أجرى اتصالات مع عنصر مخابرات إيراني في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، اسمه «رومان» زعم أنه مواطن روسي يقيم في موسكو، حسبما أفادت «وكالة الأنباء الألمانية».

وجاء في بيان لجهاز «شين بيت» أن المشتبه به قام بتصوير بنية تحتية وسفن في الموانئ عبر البلاد، وفي مقابل ذلك حصل على أموال عبر وسائل رقمية.

وكشفت التحقيقات أن فيتالي كان على علم بأن اتصالاته تستهدف استخدام الصور للإضرار بدولة إسرائيل، ولكنه «واصل القيام بمهام إضافية تلقى تكليفات بها من المتعاون معه، لأسباب مالية».

ووفق ما أوردته إذاعة الجيش الإسرائيلي، نجح فيتالي في التقاط عشرات من مقاطع الفيديو لمنشآت بالغة الحساسية في إسرائيل، وقد عمل تحت مراقبة ومتابعة من المؤسسة الأمنية الإسرائيلية لفترة ممتدة.


تحذيرات إسرائيلية من «رسائل نصية خبيثة» لتجنيد جواسيس لإيران

رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق نفتالي بينيت (أرشيفية - رويترز)
رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق نفتالي بينيت (أرشيفية - رويترز)
TT

تحذيرات إسرائيلية من «رسائل نصية خبيثة» لتجنيد جواسيس لإيران

رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق نفتالي بينيت (أرشيفية - رويترز)
رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق نفتالي بينيت (أرشيفية - رويترز)

بعد الصدمة التي أحدثها اختراق إيراني لهاتف رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق، نفتالي بينيت، حذّرت هيئة الأمن السيبراني في إسرائيل، الخميس، من هجمة رسائل نصية وصلت إلى آلاف الإسرائيليين سعياً لتجنيدهم للتجسس لصالح إيران.

وقالت الهيئة إن كمية كبيرة من الرسائل النصية القصيرة المكتوبة باللغة الإنجليزية وصلت خلال الساعات الأخيرة إلى عدد كبير من الإسرائيليين، تحاول إقناعهم بالتعاون مع جهات إيرانية. وأضافت أن الحديث يدور عن رسائل «خبيثة»، هدفها التضليل أو إثارة الذعر بين المواطنين.

وجاء في الرسالة أن إيران تعرض عملاً استخباراتياً لصالحها، وتدعو من هو معني بذلك أن يتصل مع أقرب سفارة إيرانية له.

وذكرت الهيئة أن الرسائل أُرسلت من رقم إسرائيلي، ووصلت أيضاً إلى شخصيات رفيعة المستوى، وأنها ترى أن هذه محاولة تجنيد مباشرة، وأنها تتابع القضية مع الجهات ذات الصلة.

ودعت هيئة الأمن السيبراني الإسرائيليين إلى تجاهل الرسائل كلياً، وعدم الرد عليها أو التواصل مع الجهة المُرسِلة. وشدّدت على ضرورة حظر رقم المُرسل، ووضعه ضمن الرسائل غير المرغوب فيها (Spam). كما طالبت بعدم إعادة إرسالها أو تداولها لمنع انتشارها على نطاق أوسع. وقالت إن الهدف من هذه الرسائل «التضليل أو إثارة الهلع».

ليست المرة الأولى

وربط خبراء في الأمن السيبراني بين تلك الرسائل التي تعرض التعاون مع أجهزة الاستخبارات الإيرانية، وتسريب قائمة جهات الاتصال الخاصة برئيس الحكومة السابق بينيت، من دون إعطاء تفاصيل.

غير أن مجرد الربط بين الأمرين يشير إلى مدى القلق من هذا العمل، ومن إمكانية نجاحه في الإيقاع بمواطنين، أو حتى بموظفين أو مسؤولين يواجهون مشاكل اقتصادية أو نفسية يمكن استغلالها لاستقطابهم.

وكانت مجموعة قرصنة مرتبطة بإيران قد أعلنت، الأربعاء، أنها اخترقت هاتف بينيت الشخصي، ونشرت 141 صفحة تضم أرقام هواتف ومحادثات سرية وشخصية عديدة له.

وقالت مصادر مطلعة لوسائل إعلام عبرية إن هذا النشر كاد يغري رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو للخروج ببيان عبر شريط مصور، يستغل فيه ورطة بينيت، الذي يُعتبر أقوى منافسيه على رئاسة الحكومة القادمة، ليقول إن من يتعرض هاتفه لمثل هذا الاختراق لا يصلح رئيساً للحكومة.

رئيس الوزراء الحالي بنيامين نتنياهو والسابق نفتالي بينيت (وسائل إعلام إسرائيلية)

وسبق أن فعل نتنياهو هذا قبل خمس سنوات عندما كشف أن قراصنة إيرانيين اخترقوا هاتف بيني غانتس، الذي كان في ذلك الوقت ينافس نتنياهو على رئاسة الحكومة. واستغل نتنياهو ذلك الحدث جيداً في الانتخابات حين شكك في قدرة غانتس، وقال: «من لا يقدر على حماية هاتفه، كيف يحمي الدولة إذا أصبح رئيساً للحكومة؟».

غير أن هذه المرة أُشير على نتنياهو بالتروي والتوقف عن مهاجمة بينيت؛ إذ إن الأمر مختلف، والعملية أخطر وأعمق. فقد سيطر القراصنة ليس على الهاتف فحسب، بل على برنامج الحماية الشديد الذي تم فيه تخزين أسرار اتصالات بينيت. كما أن القراصنة حرصوا على كشف أسماء عدد من الشخصيات التي تم الكشف عن هواتفها السرية، وهو ما يُعتبر مساساً بها أيضاً وليس فقط ببينيت.

المأزق والبلبلة

يُذكر أن بينيت دخل في ورطة أخرى عندما طُلب منه التعليق على منشور القراصنة، ولم يستطع إخفاء البلبلة التي أصابته؛

ففي البداية نفى الأمر، وقال إن الهاتف المذكور «غير مستخدم حالياً»، ثم عاد مكتبه ليقول لاحقاً إنه «بعد الفحوص التي أُجريت، تبيّن أن جهاز الهاتف الخاص برئيس الحكومة السابق لم يتعرض للاختراق»، ثم جاء الاعتراف بالاختراق في بيان ثالث، قال فيه بينيت إن القضية قيد معالجة الجهات الأمنية، وإن «أعداء إسرائيل سيفعلون كل ما بوسعهم لمنعي من العودة إلى رئاسة الحكومة».

وتابع أنه بعد فحص إضافي تبيّن أن هاتفه الشخصي لم يتعرض للاختراق، إلا أنه تم الوصول إلى حسابه على تطبيق «تلغرام» بطرق مختلفة.

ولفت إلى أن ذلك «أدى إلى تسريب محتوى قائمة أرقام الهواتف، إضافة إلى صور ومحادثات عديدة، بعضها حقيقي وبعضها زائف».

وسخرت مجموعة القرصنة التي قالت إنها نفذت عملية الاختراق من بينيت. وأصدرت المجموعة التي تطلق على نفسها اسم «حنظلة» (Handala)، وتقول إنها على صلة بوزارة الاستخبارات الإيرانية، بياناً، الأربعاء، وجهت فيه الحديث إلى رئيس الوزراء السابق قائلة: «عزيزي نفتالي بينيت، لقد تفاخرتَ يوماً بأنك منارة في مجال الأمن السيبراني، وقدّمت خبرتك للعالم. لكن يا للمفارقة، كيف سقط هاتفك (آيفون 13) بسهولة في أيدي مجموعة (حنظلة)؟! رغم كل تباهيك وغرورك، لم تكن قلعتك الرقمية سوى جدار من ورق ينتظر من يخترقه»، وفق ما نقله موقع «واي نت» الإسرائيلي.


رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق نفتالي بينيت يتعرض لهجوم سيبراني

نفتالي بينيت (رويترز)
نفتالي بينيت (رويترز)
TT

رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق نفتالي بينيت يتعرض لهجوم سيبراني

نفتالي بينيت (رويترز)
نفتالي بينيت (رويترز)

أقرّ رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق نفتالي بينيت، المرشّح لخلافة بنيامين نتنياهو في الانتخابات المقبلة، الأربعاء، بأن حسابه على «تلغرام» تعرّض لهجوم سيبراني، بعدما أعلن قراصنة معلوماتية أنهم اخترقوا هاتفه.

وقال بينيت في بيان إن «القضيّة قيد المعالجة من قبل الجهاز الأمني... وبعد تدقيقات إضافية، تبيّن أن هاتفي لم يتعرّض للقرصنة لكن تمّ النفاذ إلى حسابي على (تلغرام) بطرق مختلفة».

وأضاف بينيت الذي تولّى رئاسة الوزراء بين يونيو (حزيران) 2021 ويونيو 2022: «تمّ نشر محتويات سجلّي وعدّة صور ومحادثات».

والأربعاء، نشرت مراسلات وتسجيلات مصوّرة وصور قيل إنها أخذت من هاتف بينيت على حساب لقراصنة معلوماتية تحت اسم «حنظلة».

رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو (إ.ب.أ)

وأجرت صحيفة «هآرتس» الإسرائيلية اليسارية تحقيقات أظهرت أن العديد من أرقام الهواتف حقيقية وعائدة لمسؤولين رفيعي المستوى في إسرائيل والخارج من جهاز الأمن وقادة أجانب، من بينهم الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون.

ويؤكد قراصنة المعلوماتية أنهم استهدفوا بينيت في هجوم سيبراني تحت اسم «عملية أخطبوطية». وكتبوا في منشور على حسابهم في «إكس»: «عزيزي نفتالي بينيت، قلت بفخر إنك قدوة يقتدى بها في مجال الأمن السيبراني، مستعرضاً مهاراتك أمام العالم أجمع... ويا لها من مفارقة أن يقع هاتفك الشخصي من طراز آيفون 13 بهذه السهولة بين يدي (حنظلة)».

ونشرت وكالة أنباء «إرنا» الإيرانية أسماء جهات اتصال تمّ الحصول عليها من حساب بينيت على «تلغرام»، من دون القول ما إذا كان القراصنة على علاقة بطهران، كما ورد في الإعلام الإسرائيلي.

وقال بينيت في بيانه: «لن يوفّر أعداء إسرائيل جهداً لمنعي من العودة إلى رئاسة الوزراء. لكنهم لن يفلحوا. فلا أحد سيمنعني من التحرّك والنضال من أجل إسرائيل، دولة وشعباً»؛ من دون الإشارة إلى إيران.

وحرم نفتالي بينيت، الوجه البارز في أوساط اليمين الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو من رئاسة الوزراء في يونيو 2021 عبر تشكيل ائتلاف واسع ضمّ للمرّة الأولى في تاريخ إسرائيل حزباً عربياً.

وتشير استطلاعات الرأي إلى أن نفتالي بينيت الذي أعلن اعتزاله السياسة في 2022 هو المرشّح الأوفر حظّاً للتغلّب على نتنياهو في الانتخابات التشريعية المرتقبة في 2026.