سانتياغو بينيا يواجه «صداعين» سياسيين: عقوبات واشنطن... والعلاقات مع تايوان

رغم تعزيز حزبه اليميني قبضته على الباراغواي

الرئيس المنتخب سانتياغو بينيا وسط مناصريه (رويترز)
الرئيس المنتخب سانتياغو بينيا وسط مناصريه (رويترز)
TT
20

سانتياغو بينيا يواجه «صداعين» سياسيين: عقوبات واشنطن... والعلاقات مع تايوان

الرئيس المنتخب سانتياغو بينيا وسط مناصريه (رويترز)
الرئيس المنتخب سانتياغو بينيا وسط مناصريه (رويترز)

مرة أخرى، وكما جرت العادة منذ 70 سنة بلا انقطاع، فاز الحزب الأحمر - أو الملوّن - (الكولورادو) بالانتخابات الرئاسية والاشتراعية في الباراغواي. الحزب اليميني القوي فاز بعدما حصل على 43 في المائة من الأصوات أمام معارضة منهارة ومبعثرة بين عشرات الأحزاب الصغيرة، خسرت على كل الجبهات بما فيها غالبية مجلس الشيوخ الذي كان لسنوات طويلة معقلها الرئيسي والوحيد في وجه الحزب الحاكم. هذا الفوز هو السابع الذي يحققه الحزب الأحمر من أصل ثماني انتخابات رئاسية خاضها منذ سقوط ديكتاتورية ألفريدو ستروسنر عام 1989، وهذا رقم قياسي لم يصل إليه أي حزب آخر في أميركا اللاتينية، وما يزيده أهمية أنه يأتي اليوم بينما يتسم المشهد السياسي في المنطقة بتراجع شعبية الأحزاب الحاكمة واليمينية وصعود الأنظمة اليسارية أو التقدمية. بهذه النتيجة، بعد أن ضمن الرئيس الجديد سانتياغو بينيا الغالبية في مجلسي الشيوخ والنواب، وحكام 15 مقاطعة من أصل 17، فإنه سيتمكن من حكم هذا البلد الذي يشكّل أقدم معقل يميني في قارة أميركا الجنوبية، من غير معارضة تذكر، بيد أنه سيواجه عدداً من التحديات على الجبهة الخارجية، أبرزها العلاقات مع واشنطن ومسألة المحافظة على الاعتراف بتايوان التي كانت أحد العناوين الرئيسية في الحملة الانتخابية.

كان سانتياغو بينيا في السابعة والثلاثين من عمره عندما انضمّ إلى الحزب الأحمر (الملوّن - الكولورادو) عام 2016 عندما تسلّم حقيبة وزارة المالية في حكومة الرئيس الأسبق أوراسيو كارتيس ليصبح الأصغر سناً في تاريخ الباراغواي بعدما كان قد تخرّج في جامعة هارفارد الأميركية العريقة، وتولّى مهام تخطيطية في صندوق النقد الدولي.

ولكن، لئن كان الرئيس الجديد يدين لـ«عرّابه» كارتيس بهذا الصعود السريع إلى قمة المشهد السياسي، فإن هذه العلاقة ستكون من العقبات الأساسية التي ستعترض ولايته منذ أصدرت الإدارة الأميركية قراراً بملاحقة الرئيس الأسبق بتهمة غسل الأموال والتعاون مع منظمات إجرامية لتهريب المخدرات. وكان بينيا بذل جهداً كبيراً خلال الحملة الانتخابية لفصل صورته وبرنامجه السياسي عن صورة كارتيس الذي ما زال الشخصية الأوسع نفوذاً في الحزب الحاكم. إلا أن بينيا صرّح أخيراً بـ«أن من حق الأشخاص الذين تشملهم هذه العقوبات الأميركية، وأيضاً من واجبهم، أن يدافعوا عن أنفسهم، سيما وأن كارتيس قد أنكر التهم الموجهة إليه».

قبل هذا التصريح سعى بينيا منذ إعلان ترشحه لرئاسة الجمهورية، وطوال الحملة الانتخابية إلى إبراز «استقلاليته» ودحض الاعتقاد السائد بأنه سيكون «دُمية» بيد الرئيس الأسبق الذي يملك أكبر ثروة في الباراغواي، والذي خرج أخيراً ظافراً من المعركة التي خاضها ضد الرئيس الحالي ماريو عبده للسيطرة على الحزب اليميني الحاكم. ولكون بينيا تكنوقراطياً لا يملك خبرة سياسية؛ فإنه بنى برنامجه السياسي على تأكيد قدرته على «تجديد الحزب» الذي يتوالى على الحكم في الباراغواي منذ سبعة عقود. غير أن بينيا تولّى إدارة مصرف يملكه كارتيس بعدما كان وزيراً للمالية في حكومته، وقبل أن يعلن ترشحه للرئاسة وينهزم في انتخابات الحزب التمهيدية أمام الرئيس الحالي ماريو عبده. ولاحقاً، في أول تصريح له بعد إعلان النتائج الرسمية للانتخابات قال بينيا إن الحزب الأحمر «صمد كل هذه السنين لأنه كان يعرف دائماً كيف يتماهى مع مختلف المراحل في تاريخ الباراغواي، وإنه اليوم قادر على التكيّف مع التغيرات الجديدة ومقتضيات العصر الحديث».

رئيس الباراغواي الأسبق كارتيس
رئيس الباراغواي الأسبق كارتيس

 

أسباب مساعدة للانتصار

عديدة هي الأسباب التي ساعدت «الكولورادو» على الاستمرار طوال هذه السنوات مسيطراً على المشهد السياسي في الباراغواي، باستثناء الفترة القصيرة التي فاز فيها الأسقف اليساري السابق فرناندو لوغو عام 2008. ولعل أبرز هذه الأسباب، أن الانتخابات الرئاسية تُحسم في جولة واحدة، وهو ما يعني أن مرشحاً يمكن أن يُنتخَب رئيساً للجمهورية حتى لو صوّت ضده 57 في المائة من المواطنين كما حصل الآن مع سانتياغو بينيا، وقبله مع سلفه ماريو عبده والرئيس الأسبق أوراسيو كارتيس.

السبب الثاني هو أن الحزب، الذي يسيطر منذ سبعة عقود على أجهزة الدولة، بنى خلال هذه الفترة الطويلة شبكات واسعة تدعم مصالحه وتؤمّن له الدعم الشعبي مقابل الخدمات التي يقدمها لأنصاره. والسبب الثالث، أن «الكولورادو» قرّر حسم صراعاته الداخلية قبل الانتخابات، فتوافق الطرفان المتنازعان بقيادة الرئيس الأسبق كارتيس والرئيس الحالي ماريو عبده على دعم ترشيح بينيا كمخرج من الأزمة بينهما. ورابعاً وأخيراً، أن العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة على كارتيس ساهمت في «شدّ العصب الحزبي» حوله خلال الأشهر الأخيرة... بعد الحملة التي شنّها أنصاره ضد ما اعتبروه «تدخلاً من واشنطن» في الشؤون الداخلية للباراغواي.

ولكن على الرغم من الفوز الواضح الذي حققه الحزب، ليس من الأكيد أن الرئيس المنتخب بينيا لن يواجه معارضة من التيار التقليدي داخله، وهو تيار كان يعارض ترشحه، خاصة أن الانقسامات الداخلية هي من السمات التي ميّزت هذا الحزب منذ سنوات، وهي تظهر عادة بكل حدتها عند تشكيل الحكومة. ومن هنا سيكون بينيا مضطراً إلى إيجاد «توازن» بين الابتعاد عن كارتيس مسافة كافية كي لا يظهر بأنه على صلة بالمنظمات الإجرامية من جهة، ومن جهة أخرى الحرص على تحييد التيار الموالي للرئيس الأسبق الذي حصد نتائج مهمة في الانتخابات. وتجدر الإشارة إلى أنه لم يسبق لـ«الكولورادو» الحصول على الأكثرية في مجلسي الشيوخ والنواب معاً. وتحقق هذا الأمر الآن قد يفتح شهيّة التيارات الداخلية المتنازعة على المزيد من الصراعات، ويحتّم على الرئيس الجديد ترتيب الأوضاع داخل الحزب قبل أن يتفرّغ لتنفيذ برنامجه الانتخابي، علماً بأن احتمالات الانشقاق تزداد منذ احتدم الصراع بين كارتيس وعبده.

انشقاقات وهواجس

من التداعيات المحتملة للانشقاق الداخلي انضمام بعض الأحزاب التي أيّدت منافس بينيا، المرشح الليبرالي إيفرايين آليغري، الذي لا يختلف برنامجه الانتخابي كثيراً عن برنامج الرئيس المنتخب، لتشكيل جبهة يمينية معتدلة. ولا يستبعد بعض المراقبين أن يكون بينيا ميّالاً إلى هذا الاحتمال، لا بل قد يكون يخطط له؛ إذ يرى فيه مدخلاً إلى تجديد حزبه الذي لمح إليه مراراً في حملته الانتخابية، وربما مخرج من العلاقة المحرجة مع كارتيس بسبب العقوبات الأميركية المفروضة عليه.

ولكن التحالف المحتمل مع آليغري والقوى الليبرالية والديمقراطية المسيحية التي دعمته، طريق محفوفة بالمحاذير والمخاطر. إذ إن معظم الأحزاب التي دعمته في الانتخابات الرئاسية لم تفعل ذلك اقتناعاً منها ببرنامجه، بل سعياً إلى تشكيل أوسع جبهة ممكنة لإسقاط مرشح الحزب الأحمر وإنهاء هيمنته المزمنة على مقدرات البلاد. وما يستحق الإشارة في هذا السياق، أن آليغري كان قد فشل مرتين في السابق للوصول إلى الرئاسة، الأولى عام 2013 ضد كارتيس والأخرى ضد ماريو عبده عام 2018. يضاف إلى ذلك أن معظم الأحزاب التي أيّدته في الانتخابات الأخيرة كانت قد اشترطت أن يكون العنوان الرئيس لحملته «محاربة المنظمات الإجرامية» التي تمارس نفوذاً واسعاً على الحياة الاقتصادية والسياسية في بلد يحتل المرتبة الثانية في أميركا اللاتينية على قائمة الفساد، التي تتصدرها فنزويلا. وبالفعل، كان آليغري قد صرّح في ختام حملته الانتخابية بأن هذه الانتخابات ليست ضد «الكولورادو»، بل ضد المال الذي تشتري به المنظمات الإجرامية ضمائر السياسيين وتفرض عليهم شروطها عندما يصلون إلى السلطة.

في القريب المنظور تبقى العلاقة مع الولايات المتحدة هي الهاجس الأكبر لدى سانتياغو بينيا، خاصة إذا قررت واشنطن طلب استرداد الرئيس الأسبق كارتيس الذي صدرت بحقه عقوبات، ومذكرة بملاحقته قضائياً بتهمة التعاون مع منظمات إجرامية وتبييض الأموال. وهنا سيجد الرئيس الجديد المنتخب نفسه أمام معضلة كبيرة وهامش ضيّق للمناورة يكاد يقتصر على ورقة العلاقات مع تايوان، التي كانت تحظى دائماً بترحيب الإدارات الأميركية، والتي كانت أحد العناوين الرئيسية التي دارت حولها الحملة الانتخابية الأخيرة بعدما دعا مرشح المعارضة إلى إعادة النظر فيها والاتجاه صوب الصين التي تتسع دائرة نفوذها الاقتصادي في الباراغواي كما في بقية بلدان أميركا اللاتينية.

تشيانغ كاي شيك

في الواقع، الباراغواي هي الدولة الوحيدة في أميركا الجنوبية التي لا تزال تحتفظ بعلاقات دبلوماسية مع تايوان. ولقد قال الرئيس المنتخب إنه «لا بد من المحافظة عليها طالما أن البنى الاقتصادية في البلاد ما زالت غير جاهزة لتعميق العلاقات التجارية مع الصين»؛ وذلك رغم الضغوط القوية التي يمارسها قطاع الصناعات الغذائية - الذي يشكّل العماد الأساسي لاقتصاد البلاد - للانفتاح على السوق الصينية الضخمة.

بل ربما كانت الباراغواي الدولة الوحيدة التي يقع المتجول في شوارع عاصمتها على نُصب وتمثال ضخم للزعيم الصيني تشيانغ كاي شيك.

وتشيانغ هو الزعيم اليميني وقف في الصين بوجه الثورة الشيوعية التي قادها ماو تسي تونغ، قبل أن ينتقل إلى جزيرة فورموزا، حيث أسس الدولة التي تعرف اليوم باسم تايوان، والتي تعدّها بكين جزءاً لا يتجزأ من الوطن الصيني. إذ يرتفع تمثال تشيانغ كاي شيك باللباس العسكري في الجادة الطويلة والفسيحة التي تحمل اسمه في أرقى أحياء العاصمة أسونسيون. ثم إن هناك مدرسة كبيرة تحمل اسم مؤسس جمهورية تايوان وجامعة خاصة باسم «تايوان - باراغواي»، وحديقة نباتية فريدة من نوعها في المنطقة، فضلاً عن الاستثمارات المقدّرة بمئات الملايين من الدولارات، ومساعدات مالية يسيل لها لعاب زعماء «الكولورادو»، وفي طليعتهم الرئيس الأسبق كارتيس، بجانب مشاريع ضخمة لترميم وسط العاصمة التاريخي، من بينها مبنى البرلمان ومقرّ وزارة الخارجية.

تمثال تشيانغ كاي شيك في أسونسيون
تمثال تشيانغ كاي شيك في أسونسيون

غير أن وجود سفارة للباراغواي في تايوان، التي لا يزيد عدد يكانها على 24 مليوناً، يعني أن لا وجود لسفارة لها في الصين التي تجاوز تعداد سكانها 1400 مليون نسمة. وعدم وجود علاقات دبلوماسية مباشرة بين البلدين يعني انعدام أي علاقات تجارية مباشرة بينهما؛ ما يجعل الباراغواي مضطرة إلى اللجوء لوسطاء مثل تشيلي والأرجنتين والبرازيل لاستيراد البضائع والمنتجات الصينية، كما أن صادرات الباراغواي الرئيسية من الصويا واللحوم لا يمكن أن تصل إلى السوق الصينية من دون أن تمرّ عبر بلدان ثالثة.

حسابات الاقتصاد

خلال ولاية الرئيس الحالي ماريو عبده أصبحت تايوان المستورد الثاني للحوم من الباراغواي بعد تشيلي. والباراغواي هي الآن في عداد الدول العشر الأولى المصدِّرة للحوم في العالم، والرابعة المصدّرة للصويا، وهي تملك أيضاً طاقات هائلة لمضاعفة إنتاجها وزيادة صادراتها إلى الأسواق الدولية. والمفارقة اليوم هي أن الباراغواي لا تصدّر سوى كمية ضئيلة من الصويا إلى الصين، عن طريق الأرجنتين بقيمة لا تزيد على 30 مليون دولار سنوياً، بينما معـظم وارداتها تأتي من السوق الصينية بقيمة تجاوز 4 مليارات دولار. ويقول رجل الأعمال الصيني تشارلز تانغ، الذي يرأس غرفة التجارة التي تضمّ أكثر من مائة شركة في الباراغواي تصدّر المنتوجات الزراعية، إن بكين لن تسمح أبداً بفتح مكتب تجاري للباراغواي في الصين قبل إقامة علاقات دبلوماسية بين الطرفين، وبالتالي قطع العلاقات مع تايوان.

إلى جانب ذلك، تعتبر تايوان أن لعلاقاتها الدبلوماسية مع الباراغواي أهمية رمزية كبيرة، خاصة في سياق التوتر المتزايد بين واشنطن وبكين والأزمة الناشئة عن الحرب الدائرة في أوكرانيا، فضلاً عن أن الباراغواي هي حليفها الوحيد في أميركا الجنوبية، وواحد من حلفائها الثلاثة عشر في العالم. وعليه، فإن خسارتها سيكون لها إثر معنوي كبير، خاصة بعدما قررت هوندوراس قبل فترة قصيرة قطع علاقاتها معها وإقامة علاقات مع بكين. ويطرح تانغ، في معرض النقاش الدائر حول التخلي عن تايوان وإقامة علاقات مع بكين العرض التالي: شبكة للقطارات الكهربائية تغطّي جميع أنحاء الباراغواي، وتجهيز 30 مستشفى، وبناء 30 ألف وحدة سكنية جديدة، وبجانب إنشاء قطار سريع يربط العاصمة بمدينة الشرق في أقل من ساعة، ومطار جديد، ومترو أنفاق في العاصمة واستثمارات بقيمة 4 مليارات دولار في العام الأول من العلاقات بين البلدين.

حقائق

الباراغواي... «دولة بوليسية» حقيقية في عهد ستروسنر

يعود تأسيس العلاقات الدبلوماسية بين الباراغواي وتايوان إلى العام 1957، أي بعد ثلاث سنوات على بداية حكم أطول نظام ديكتاتوري في أميركا اللاتينية قاده ألفريدو ستروسنر، مؤسس «الكولورادو» (الحزب الأحمر أو الملّون)، الذي تبنّى كلياً عقيدة واشنطن المناهضة للأنظمة الشيوعية إبّان الحرب الباردة، على غرار ما فعلت بلدان عدة في أميركا اللاتينية. إلا أنه مع بداية الصعود الاقتصادي لجمهورية الصين الشعبية راحت هذه البلدان اللاتينية تقطع علاقاتها الدبلوماسية مع تايوان وتقيمها مع بكين. ووصلت العدوى إلى الولايات المتحدة نفسها التي أسست علاقاتها الدبلوماسية الرسمية مع الصين في العام 1979، في حين أصرّ نظام ستروسنر على إبقاء علاقاته مع تايوان، لا بل سعى إلى تطويرها وترسيخها على شتى الصعد.

إلى جانب ذلك، أخذت الباراغواي تتحوّل على عهد ستروسنر «دولة بوليسية» لجأ إليها مئات المسؤولين العسكريين والمدنيين الفارين من وجه العدالة في عدد من البلدان الأميركية اللاتينية بسبب ارتكابهم فظائع ضد مواطنيهم. وهو ما أدى لاحقاً إلى إنشاء «أرشيف الإرهاب» في العاصمة الباراغوية أسونسيون، الذي يحوي مجموعة من الوثائق والمستندات والمعلومات حول القمع الذي كانت تمارسه الديكتاتوريات العسكرية في أميركا اللاتينية ابّان سبعينيات القرن الفائت. وتضمّ هذه الوثائق كل المراسلات الخطية التي كانت تتبادلها السلطات الأمنية والعسكرية والاستخباراتية المدنية في الباراغواي على عهد ستروسنر حول ملاحقة المعارضين، من شيوعيين وليبراليين وفنانين ونقابيين، وتعذيبهم أو إعدامهم.

كذلك يضم الأرشيف العديد من المراسلات والوثائق العائدة للبرازيل وتشيلي والأرجنتين والأوروغواي إبان عهد الديكتاتوريات العسكرية التي حكمت تلك البلدان في سبعينات وثمانينات القرن الماضي. وأيضاً تضمّ هذه المستندات معلومات مفصّلة عن التعاون الذي كان قائماً بين تلك الأنظمة بإشراف وتوجيه الولايات المتحدة وأجهزتها الاستخباراتية التي كانت تمدّ الأجهزة الأمنية والعسكرية في أميركا الجنوبية بالمساعدات والموارد التقنية والمالية لقمع المعارضين السياسيين.


مقالات ذات صلة

فوضى الأسواق تمهد لنظام عالمي ينهي حقبة منظمة التجارة «المعادية»

حصاد الأسبوع ترمب وقائمة التعرفة الجمركية المفروضة على دول العالم (غيتي)

فوضى الأسواق تمهد لنظام عالمي ينهي حقبة منظمة التجارة «المعادية»

لا يمكن رد قرار الرئيس الأميركي دونالد ترمب «المفاجئ» تأجيل فرض الرسوم الجمركية على غالبية الدول لمدة 90 يوماً، إلى نجاح مناشداتها فقط. ثم إنه لا يمكن اعتبار

إيلي يوسف (واشنطن)
حصاد الأسبوع معبر البوكمال على الحدود السورية - العراقية (آ ف ب)

العراق: محاولات للنأي بالنفس عن تداعيات صدام إقليمي

في مطلع شهر أبريل (نيسان) الحالي، تبادل رئيس الوزراء محمد السوداني التهاني والتبريكات بمناسبة عيد الفطر مع الرئيس السوري أحمد الشرع، في خطوة أثارت حفيظة بعض

فاضل النشمي (بغداد)
حصاد الأسبوع الزعفراني

سارة الزعفراني... مهندسة مخضرمة تترأس حكومة تونسية أولوياتها اقتصادية

بعد نحو ستة أشهر من تعديل حكومي واسع شمل 22 حقيبة وزارية ورئاسة الحكومة، أعلنت رئاسة الجمهورية في تونس عن إقالة رئيس الحكومة كمال المدوري، الخبير الدولي في المفاوضات الاجتماعية والاقتصادية، وتعويضه بوزيرة التجهيز والإسكان في حكومته سارة الزعفراني الزنزري. جاء هذا التعديل، وهو السادس من نوعه منذ يناير (كانون الثاني) 2020، في مرحلة شهدت تعقد الأزمات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والأمنية التي تمر بها تونس والمنطقة، وخلال فترة عرفت تزايد انتقادات الرئيس التونسي قيس سعيّد لـ«لوبيات» اتهمها بعرقلة مشاريع الإصلاح التي أراد أن يفتتح بها عهدته الرئاسية الثانية. هذه الانتقادات أعادت إلى الأذهان تصريحات وبلاغات إعلامية رئاسية عديدة صدرت خلال الأشهر الماضية عن الرئيس سعيّد ومقرّبين منه تتهم مسؤولين كباراً في الحكومة وفي الإدارة بالسلبية والفشل وسوء التصرف في الأملاك العمومية، وأيضاً في ملفات التضخم وارتفاع الأسعار وتدهور القدرة الشرائية للطبقات الشعبية، بجانب ملفات أمنية عديدة، بينها تدفق آلاف المهاجرين من بلدان أفريقيا جنوب الصحراء وتمركزهم في تونس بطريقة غير قانونية.

كمال بن يونس (تونس)
حصاد الأسبوع رئيس الدولة قيس سعيّد (رويترز)

صلاحيات رئيسَي الدولة والحكومة في دستور تونس الجديد

فتح التغيير الرابع لرئيس الحكومة التونسية في ظرف ثلاث سنوات ونصف السنة والسادس في ظرف خمس سنوات نقاط استفهام وسط المراقبين داخل البلاد وخارجها. وبرزت مواقف.

«الشرق الأوسط» (تونس)
حصاد الأسبوع ممارسات إسرائيل في الضغة الغربية مصدر قلق بالغ للأردن (آ ب)

الأردن يعيش شهوراً فاصلة بمواجهة الهموم الداخلية والإقليمية

لا يخلو تاريخ الأردن القريب من تحديات مصيرية هدّدت أمنه واستقراره، وسعت للتشويش على استقرار نظامه السياسي. فجملة التحديات التي فرضتها جغرافيا المملكة وتاريخها معاً صارت العناوين ذات الأولوية في مناقشة المصالح الأردنية في المدى المنظور. جولة على هذه التحديات تُمكّن المراقبين من تقدير الموقف الأردني وتعقيداته؛ فعلى جبهة الأردن الغربية عانت البلاد من حالة الطوارئ العسكرية على مدى السنوات والعقود الماضية بفعل الاحتلال الإسرائيلي، والتعامل مع نكبة هجرة الفلسطينيين عام 1948، ونكسة حزيران من عام 1967 التي تسبّبت بهجرة الفلسطينيين الثانية. والحال ليست بأفضل على الجبهة الشمالية مع سوريا، فخلال سنوات الحرب الماضية كانت الجبهة الشمالية ملفاً أمنياً - عسكرياً ساخناً، كما استقبل عبرها نحو مليون لاجئ سوري. وتستمر محاولات عصابات تجارة المخدّرات والسلاح في تهديد الأمن على الحدود في مشهد متكرّر دفع الأردن للقصف بالطائرات عدداً من مصانع المخدرات في الجنوب السوري، التي كانت تابعة لميليشيات محسوبة على «حزب الله» اللبناني وإيران و«الفرقة الرابعة» في الجيش السوري بقيادة ماهر الأسد. وأخيراً لا آخراً، على الشرق هناك الحدود البرية الطويلة مع العراق، وفي آخر 22 سنة ظلت هذه الحدود عنوان تهديد لأمن الأردن، كما حصل في أحداث تفجير الفنادق في العاصمة عمّان عام 2005، بالإضافة إلى محاولات أخرى أُحبطت قبل استكمال أهدافها.

محمد خير الرواشدة (عمّان)

فوضى الأسواق تمهد لنظام عالمي ينهي حقبة منظمة التجارة «المعادية»

ترمب وقائمة التعرفة الجمركية المفروضة على دول العالم (غيتي)
ترمب وقائمة التعرفة الجمركية المفروضة على دول العالم (غيتي)
TT
20

فوضى الأسواق تمهد لنظام عالمي ينهي حقبة منظمة التجارة «المعادية»

ترمب وقائمة التعرفة الجمركية المفروضة على دول العالم (غيتي)
ترمب وقائمة التعرفة الجمركية المفروضة على دول العالم (غيتي)

لا يمكن رد قرار الرئيس الأميركي دونالد ترمب «المفاجئ» تأجيل فرض الرسوم الجمركية على غالبية الدول لمدة 90 يوماً، إلى نجاح مناشداتها فقط. ثم إنه لا يمكن اعتبار «المخاوف» من تأثيراتها على الداخل الأميركي سبباً كافياً لإقناعه بتأجيلها، خاصةً أنها لم تؤد بعد إلى التحوّل مصدر قلق جدياً على قاعدته وحزبه. لكن ما لا شك فيه أن ترمب أراد إيصال رسالة أبعد إلى «من يهمه الأمر»... أي الصين، التي رفع نسبة رسومه عليها إلى 125 في المائة، في تصعيد كبير لـ«الحرب التجارية» معها. وهو ما يشير أن التوصل إلى تفاهمات وصفقات جوهرية معها ومع غيرها من الدول، لا يزال بعيد المنال في ظل تصريحاته التي بدت متناقضة. ترمب يأمل بأن يعزّز تكتيكا «الصدمة» و«الرعب» في فرض الرسوم الجمركية، نفوذه ومكانته وقوة أميركا ومكانتها، ويعتقد أن الوصول إلى السوق الأميركية هو أقوى سلاح في هذه الحرب، لكن بيل أكمان، مدير صندوق التحوّط، وصف هذه «الحرب»، في معرض انتقاده للرسوم الجمركية، بأنها بمثابة إطلاق «حرب نووية اقتصادية».

يدرك دونالد ترمب أن التجارة مع الولايات المتحدة مسألة حيوية لازدهار، وحتى استقرار، عشرات الدول، وأن الضمانات الأميركية تضمن أمن معظم دول العالم. ومع حالة الارتباك التي ضربت أسواق العالم، بدا أن الرئيس الأميركي يهدف إلى إحداث أكبر قدر ممكن من «الفوضى» التجارية، التي قد تجبر في نهاية المطاف الجميع على الإذعان لشروط واشنطن، وخلق نمط تجاري جديد ينهي حقبة «منظمة التجارة العالمية» وقوانينها، التي يرى أنها تعمل منذ وقت طويل ضد مصالح أميركا. وهو ما دعا رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر إلى القول أمام برلمان بلاده، الثلاثاء، إن ما يجري «ليس مرحلة عابرة، بل هو نظام عالمي يتغير».

وبينما يسعى أكثر من 70 دولة، للتوصل إلى اتفاق، تقول إدارة ترمب إن الصين فعلت العكس. وبدلاً من تسريع المباحثات الرفيعة المستوى، وعدت بمواصلة الرد بكل الوسائل المتاحة في محاولة لحماية اقتصادها. وبدا أن أكبر اقتصادين في العالم يخوضان الآن «حرباً تجارية» متصاعدة بسرعة قد تدفع تنافسهما إلى مستوى جديد من المواجهة، وقد تتسبّب في ركود عالمي.

الصين تحت الضغط

حتى الآن، تُظهر بكين الثقة، مراهنةً على اضطرابات السوق والانقسامات في دعم رسوم ترمب الجمركية، ومقتنعةً بأن لها اليد العليا، وهي فقط تحتاج لفترة انتظار أطول بقليل حتى تتراكم ردود الفعل، فتغدو في وضع أفضل قبل أي تفاوض.

ومع استبعاد خضوع الصين الآن للضغط - علناً على الأقل - فإنها تعمل بهمّة على توسيع أدواتها الانتقامية للتعويض عن فائضها التجاري الكبير مع الولايات المتحدة. وتشمل هذه الإجراءات فرض عقوبات على الشركات الأميركية العاملة في الصين، وتقييد وصول الولايات المتحدة إلى المواد الأساسية اللازمة لتصنيع منتجات عالية التقنية؛ من المعدات الطبية إلى المفاعلات النووية. كذلك تستطيع بكين فرض قيود إضافية على أنواع من المعادن النادرة أو المعادن الأساسية التي تُهيمن الصين على إنتاجها، وحتى تعليق تعاونها للحد من تدفّق الفنتانيل إلى الولايات المتحدة.

ولكن، مع حسم إدارة ترمب بأن معركتها التجارية الرئيسة هي مع الصين، تواجه بكين تحدّيات كبيرة. ورغم إطلاقها المزيد من الإجراءات لتحفيز اقتصادها، فالإنفاق من احتياطاتها المالية والنقدية - المستمر منذ أزماتها الأخيرة - وإفراطها الآن في تقديم القروض لشراء الأسهم، يهددان بتجفيفها، ما قد يعرضها لتكرار ما تعرضت له اليابان في ثمانينات القرن الماضي إبّان الحرب التجارية التي خاضها الرئيس الأسبق رونالد ريغان معها.

اقتصاد الصين حتى قبل رسوم ترمب الجمركية، ما كان بحالة جيدة، بل بدأ للتو في تجاوز ركود سوق العقارات، وضعف الإنفاق، وارتفاع معدلات البطالة بين الشباب. ثم إن الصين تصدّر إلى الولايات المتحدة أكثر بكثير مما تستورده منها، ما يعني أنها لا تستطيع مُجاراة الرسوم بدولار مقابل دولار، الأمر الذي سيؤدي حتماً إلى تأثر الشركات الصينية والوظائف، بل الاقتصاد العالمي برمّته، الذي يعتمد على الكثير مما تنتجه الصين.

الدول تريد التفاوض

يكرّر ترمب وكبار مسؤوليه القول إنهم «يتفاوضون» مع شركائهم التجاريين لخفض الرسوم الجمركية العالية، لكن العديد من الحكومات التي أبدت استعدادها للتفاوض، ذكرت أنها لم تحصل في السابق على أي رد. غير أنه بعد تأجيله فرضها لمدة 90 يوماً، قد يتغير الوضع خلال الفترة المقبلة، رغم الصعوبات التي قد تواجه فرق التفاوض الأميركية بسبب نقص أعداد العاملين إثر خفض العمالة في عدد من الوزارات، منها الخزانة والتجارة، ما قد يطيل أمد التوصل لتفاهمات مقبولة للطرفين.

وفق تقارير عدة، لا تزال العديد من الدول تنتظر ردوداً على طلبها عقد اجتماعات، بينما لم يوضح مسؤولو إدارة ترمب طبيعة التنازلات التي يسعون إليها، ويرون أنها تمهد الطريق لحل تفاوضي.

هذا قد يشير إلى أنه على الرغم من انتعاش الأسواق المالية التي سعى ترمب إلى طمأنتها وقادة الشركات والجمهوريين، عبر تأجيله فرض الرسوم الجمركية، وأن هدفه النهائي خفض العجز التجاري مع الدول الأجنبية، فإنه لا يزال بعيداً عن التوصل إلى أي صفقات جوهرية مع الشركاء الأجانب الأساسيين. وكل هذا، مع أنه يريد من تلك الدول «المعاملة بالمثل» لمعالجة الظروف غير التبادلية الكامنة وراء «حالة الطوارئ الوطنية» التي أعلنها في «يوم التحرير»، الأسبوع الماضي.

من جهة ثانية، بينما يشيد البيت الأبيض بعدد القادة الأجانب الذين يتواصلون للتفاوض، يقول البعض إن تنظيم تلك الاتصالات سيتحدد بناء على الأولويات، وإن التأخير سيؤدي إلى خطوات انتقامية. ومع أن ترمب قال إنه تكلّم مع العديد من قادة الدول، فهو لم يقل الكثير عمّا إذا كانت مباحثاته حركت الكرة إلى الأمام، أو ما إذا كان سيفكر في خفض الرسوم الجمركية المتضخمة على بلدانهم.

أيضاً لم يتجاوب ترمب مع عرض البعض؛ كإسرائيل واليابان وكوريا الجنوبية وفيتنام، الالتزام بتقليص العجز التجاري مع الولايات المتحدة، وتخفيف الحواجز التجارية الأخرى.

مع أن ترمب قال إنه تكلّم مع عدد من قادة الدول فهو لم يقل ما إذا كانت مباحثاته غيرت شيئاً

تنازلات «غير كافية»

وأحد الأمور التي أوضحها الرئيس وكبار مسؤوليه التجاريين هو أن التنازلات التي قدمتها بعض الدول حتى هذه اللحظة «غير كافية». إذ عرضت كمبوديا، التي تواجه تعريفة جمركية بنسبة 49 في المائة، خفض الرسوم الجمركية التي تفرضها على 19 فئة من السلع الأميركية، في حين تخطط تايلاند لزيادة وارداتها من النفط والغاز الأميركيين لمعالجة فائضها التجاري مع الولايات المتحدة.

ومن جهته، عرض الاتحاد الأوروبي خفض تعريفاته الجمركية على السلع الصناعية إلى الصفر، مقابل إلغاء أميركي مماثل. ولكن عندما سُئل ترمب بعد ظهر يوم الاثنين عما إذا كان ذلك كافياً لإلغاء زيادة التعريفات الجمركية البالغة 20 في المائة على الاتحاد الأوروبي، ردّ بالنفي.

غنيٌّ عن القول إن معدلات التعريفات الجمركية التي يرغب ترمب بفرضها على 100 دولة - من دون الصين - من بينها 60 شريكاً تجارياً، تتراوح بين 10 و50 في المائة، تضاف إلى الرسوم الجمركية التي فرضتها إدارته على واردات الصلب والألمنيوم، وواردات السيارات وقطع غيارها، وعلى كندا والمكسيك والصين لدورها «في تهريب مخدّر الفنتانيل إلى الولايات المتحدة».

هذا دفع البعض إلى التحذير من أن الارتباك الحاصل قد يضاعف من اضطراب الأسواق، ويؤجج المخاوف من أن تكون أميركا نفسها تتجه نحو الركود. وحقاً، قال أحد الاقتصاديين: «ما نشهده هو انتعاشٌ استثنائيٌّ على أمل أن يتحوّل هذا التوقّف إلى إلغاء دائم للرسوم الجمركية العقابية العشوائية التي فُرضت على شركاء أميركا التجاريين العالميين»، لكنه أضاف: «هذا لا يُزيل خطر الركود من المشهد».

الوجه الآخر لسياسات ترمب

محلياً، يعتقد ترمب أن القوة السياسية التي يكتسبها من تأكيد سيطرته الكاملة على سياسة التعريفات الجمركية، سيخيف الشركات ويدفعها إلى دعمه، كما يؤمن بأن علاقاته بمؤيديه ستصمد في وجه فترة اقتصادية صعبة. في حين يرى محللون أن سياسات ترمب الجمركية والتوترات مع الحلفاء «هي الوجه الآخر لسياساته الداخلية المستمرة منذ تسلمه منصبه»، بعدما خفّض موظفي الحكومة وأنهى الكثير من برامج الدعم والمساعدات لخفض الإنفاق، وقمع الهجرة.

مع هذا، صدرت تحذيرات، سواءً من عمالقة الشركات والمؤثّرين الذين كانوا من أكبر الداعمين له، ومن بعض المشرّعين الجمهوريين، ومن إيلون ماسك - أحد أقرب حلفاء ترمب - والتي أشارت كلها إلى أن استراتيجية الرسوم الجمركية تنطوي على أخطار جسيمة، قد تكلّفه وحزبه خسارة تأييد القاعدة الانتخابية.

سلع صينية بانتظار التصدير ... الضحية الأول لـ"حرب" واشنطن التجارية ضد بكين (آ ب)
سلع صينية بانتظار التصدير ... الضحية الأول لـ"حرب" واشنطن التجارية ضد بكين (آ ب)

تراجع القلق مؤقتاً؟

بيد أن تأجيل فرض الرسوم الجمركية - باستثناء الصين - خفّف من الانتقادات التي واجهها ترمب من مقدّمي البرامج والمؤثرين اليمينيين على مواقع التواصل الاجتماعي و«البودكاست» الذين لعبوا دوراً كبيراً في تعزيز شعبيته لدى ملايين المتابعين، بعدما قالوا إن رؤيته للتجارة الدولية «للأسف، خاطئة».

أيضاً، تراجع القلق في صفوف بعض أعضاء مجلسي الشيوخ والنواب الجمهوريين، بمن فيهم حلفاء ترمب، بشأن تعريفاته الجمركية، علماً بأن البيت الأبيض وقادة الحزب تمكنوا من إضعاف محاولات إقرار مشاريع قوانين لتقييدها، وسط ضعف غير مسبوق للديمقراطيين، يصل إلى حد التواطؤ مع «الأهداف البعيدة» المتوخّاة منها.

وبعدما قدّم النائب الجمهوري دون بيكون، الاثنين، تشريعاً لتقييد رسوم ترمب الجمركية، حثّ رئيس مجلس النواب مايك جونسون المشرّعين الجمهوريين على دعم الرئيس، قائلاً إن ترمب يستحق «حرية التصرف» في هذه القضية. وكان سبعة أعضاء جمهوريين في مجلس الشيوخ قد انضموا إلى رعاية مشروع قانون مماثل في مجلس الشيوخ يطلب من البيت الأبيض الحصول على موافقة الكونغرس لفرض الرسوم.

وأعلن زعيم الغالبية الجمهورية في مجلس الشيوخ جون ثون أن أي مشروع قانون يهدف إلى إعاقتها ليس له «مستقبل» في الكونغرس، ليعلن الجمهوريون، مساء الاثنين، عن مواصلة دعمهم لسياسات ترمب الجمركية. وقال السيناتور كيفن كريمر، الذي حذر من أن يصاب الناس بالذعر، إن «المخاوف بشأن الرسوم الجمركية لم تدفع بعد مؤيدي ترمب إلى النفور منه، لكن حتى أقوى مؤيديه قد يتراجعون عن موقفهم إذا بدأت تؤذي الأفراد، لكنني لا أعتقد أننا وصلنا إلى هذه المرحلة بعد».

حقائق

جمهوريو «وول ستريت» ينتقدون سياسات ترمب

بعد أشهر من تجنّب رؤساء الشركات الأميركية انتقاد سياسات الرئيس دونالد ترمب، أدت عمليات البيع المكثفة في السوق وتحذيرات عمالقة «وول ستريت» مثل بيل أكمان وجيمي ديمون، الرئيس التنفيذي لبنك «جي بي مورغان تشيس»، إلى إعراب المزيد من قادة الأعمال عن قلقهم علناً.

الملياردير كين غريفين، كبير المانحين الجمهوريين الذي يدير شركة صناديق التحوط «سيتادل»، وصف الرسوم الجمركية بأنها «خطأ سياسي فادح». وقال إنه من الخطأ أن تقول لعائلة من الطبقة المتوسطة أو ذات الدخل المحدود «سيكلفك ذلك 20 أو 30 أو 40 في المائة زيادةً في ثمن البقالة أو محمصة الخبز أو مكنسة كهربائية جديدة أو سيارة جديدة». وأضاف: «حتى لو تحقق حلم عودة الوظائف إلى أميركا، فهذا حلم يمتد لعشرين سنة، وليس 20 أسبوعاً. إنه ليس سنتن. إنه عقود».

أيضاً انتقد إيلون ماسك، أحد أكثر مستشاري ترمب نفوذاً، «أجندة» البيت الأبيض التجارية، «فاتحاً» سجالاً قاسياً مع مستشار ترمب التجاري، بيتر نافارو. ويوم الاثنين، نشر مقطع فيديو شهيراً للمرجع الاقتصادي ميلتون فريدمان وهو يروّج للتجارة الحرة، موضحاً كيف تتطلب مكوّنات قلم الرصاص سلاسل توريد معقدة.

وتوالت انتقادات كبار الرؤساء التنفيذيين الداعمين للجمهوريين، ولترمب خصوصاً، من أمثال بهرام أكرادي، الرئيس التنفيذي لسلسلة متاجر «لايف تايم»، وبريت شولمان الرئيس التنفيذي لسلسلة «كافا». وحتى كتب رايان كوهين، الرئيس التنفيذي لشركة «جيم ستوب»، على منصة «إكس» الأسبوع الماضي أن الرسوم الجمركية «تحوّلني ديمقراطياً».

حذَّر هؤلاء من أن خطة ترمب ستؤدي إلى ارتفاع تكاليف الشركات وانخفاض إيراداتها؛ ما سيخلق عوائق كبيرة أمام عمليات الإنتاج في جميع أنحاء العالم. لكن بعضهم توقع أن يكون التباطؤ الاقتصادي الخيار الأرجح من حرب تجارية شاملة، في حين يتحدث خبراء عن أن ما يجري قد يكون خطة لإعادة تمويل 7 تريليونات دولار من ديون أميركا، عبر خفض عوائد السندات الأميركية. وبحلول نهاية 2026، ستستحق تلك السندات التي سبق إصدار معظمها بين عامي 2020 و2022، بفائدة قريبة من الصفر، في حين أنها ‏اليوم تجاوزت 4.5 في المائة. وبما أن كل ارتفاع بمقدار 1 في المائة في العائد يعني 90 مليار دولار إضافية في مدفوعات الفائدة سنوياً، هذا يعني أن تكلفة إعادة التمويل قد تكون باهظة ما لم تنخفض العوائد بسرعة.

بناءً عليه؛ يقول خبراء إن التعريفات الجمركية لا تهدف إلى حماية الصناعة الأميركية، بل إلى إبطاء النمو؛ ما سيخفّض الطلب على السلع ويؤدي إلى تراجع التضخم، وانخفاض العوائد طويلة الأجل. كل هذا سيتيح إعادة تمويلها بسعر منخفض، بعد بيعها، وهو ما حصل في الأيام الأخيرة، مع عمليات البيع غير المسبوقة التي شهدتها السندات الأميركية.