يقول كل مرشح للرئاسة في تركيا إنه سيفوز بأصوات الشباب، وكثير من السياسيين والأحزاب المتنافسين في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، التي تجرى في 14 مايو (أيار)، يقولون ذلك أيضاً.
لكن يبدو أنه لا يجب أن يثق أحدٌ بنسبة كبيرة في أنه ضمن أعلى أصوات بين الشباب، لأن هذا الجيل، الذي يعرف في تركيا باسم «الجيل زد»، له تفضيلات مختلفة تماماً عما يفكر فيه غالبية السياسيين، ووسائله للوصول إلى ما يريد من معلومات عن أي موضوع مختلفة تماماً.
غالبية الشباب لا تشغلهم السياسة بقدر ما يشغلهم الهاتف الجوال وجهاز الحاسوب اللوحي، والعثور على أدوات التكنولوجيا بأسعار رخيصة، كما أنهم مشغولون كثيراً بالمستقبل وفرص الحياة في تركيا، والبحث عن فرص للهجرة منها من أجل حياة أفضل، كما تؤكد العديد من الدراسات التي صدرت في السنين الأخيرة.
وسط الحشود التي اجتمعت في ميدان مالتبه في إسطنبول، السبت، للاستماع إلى المرشح الرئاسي للمعارضة كمال كليتشدار أوغلو، وقادة أحزاب «تحالف الأمة»، ظهرت لافتات يحملها شباب حملت عبارات من قبيل «الجيل (زد) يريد تركيا تحمل مستقبلاً أفضل له»، وأخرى تقول: «الجيل (زد) يريد العدالة في وطن متقدم» و«جيل (زد) الذي يصوت للمرة الأخرى يعدك بالتصويت لك».
كتلة الشباب الذين سيصوتون للمرة الأولى في الانتخابات تبلغ 5.2 مليون شاب، أي ما يعادل 7.5 في المائة من إجمالي أصوات الناخبين، البالغ 64 مليوناً و113 ألفاً و941 ناخباً. وإذا اتجهت الانتخابات الرئاسية إلى الجولة الثانية سيضاف إلى قائمة الناخبين 47 ألف شاب بلغوا سن الـ18 عاماً.
هؤلاء جميعاً ولدوا في ظل حكم «حزب العدالة والتنمية» والرئيس رجب طيب إردوغان. لم يروا أي تغيير، وكثيرون منهم سئموا السياسة، ولا يقرأون الصحف أو يتابعون نشرات الأخبار على قنوات التلفزيون، ومصدرهم في الغالب منصات التواصل الاجتماعي، التي تعد أيضاً مسرحهم للتعبير عن أنفسهم.
بحسب دراسة أعدتها مؤسسة البحوث الاقتصادية والسياسية التركية، يتركز معظم الشباب الذين سيصوتون للمرة الأولى في منطقة جنوب شرقي البلاد، ذات الغالبية الكردية، وأعلى الولايات التي توجد بها نسبة كبيرة من الشباب، هي: شرناق، هكاري، سيرت، وأغري، على التوالي، بينما الولايات التي يوجد بها أقل عدد من الشباب هي: موغلا، أوردو، باليكسير، إزمير، وبورصة.
وذكر التقرير أن مليوناً و166 ألف ناخب شاب موجودون في إسطنبول، التي يتولى رئاسة بلديتها أكرم إمام أوغلو، المرشح لمنصب نائب الرئيس، حال فوز المعارضة، الذي يحظى بشعبية واسعة في أوساط الشباب، ويؤكد أن الانتخابات المقبلة هي انتخابات الشباب، و285 ألفاً في إزمير، و176 ألفاً في أنقرة، سيدلون بأصواتهم للمرة الأولى.
وأوضح أن النسبة الكبيرة من الشباب يفضلون عدم متابعة الأخبار بعد فترة وباء «كورونا»، كما هي الحال في معظم أنحاء العالم، ويفضلون منصات التواصل الاجتماعي.
أظهرت الاستطلاعات أن 20 في المائة فقط من الشباب يؤيدون مرشح تحالف «الشعب» إردوغان، ولذلك بدأ منذ ما يقرب من عام عقد لقاءات مع مجموعات من الشباب وجهاً لوجه.
وانتبه مرشح تحالف «الأمة» المعارض كمال كليتشدار أوغلو، إلى الأمر، فركز كثيراً على التواصل مع الجمهور عبر منصات التواصل الاجتماعي من خلال مقاطع فيديو يصورها من صالون منزله أو من المطبخ، كما أنشأ حساباً على تطبيق «تيك توك» المنتشر بين الشباب والنساء، لا سيما المحسوبات على تيار «المحافظين» المؤيد تقليدياً لإردوغان.
واجتذب كليتشدار أوغلو أكثر من نصف مليون متابع على «تيك توك»، الذي انضم إليه قبل أسابيع من الانتخابات، بينما تخطت نسبة مشاهدة بعض المقاطع التي يبثها عبر تلك المنصات أكثر من 30 مليون متابع، كما حدث مع الفيديو الذي تحدث فيه عن هويته العلوية، وانتشر بشكل واسع جداً داخل تركيا وخارجها.
ولدى رئيس حزب «التغيير» مصطفى صاري غل، الذي أعلن دعمه لكليتشدار أوغلو، وخوض الانتخابات البرلمانية على قائمة «حزب الشعب الجمهوري»، الذي سبق أن انشق عنه، ما يقرب من مليون متابع على «تيك توك» يتابعون تعليقاته على القضايا المطروحة على جدول الأعمال، كما يظهر أحياناً وهو يغني، أو يشارك فيديوهات فكاهية قصيرة.
ويقول مرشح الرئاسة، رئيس حزب «البلد» محرم إينجه، إن غالبية الأصوات التي سيحصل عليها تتركز في أوساط الشباب، بعد أن نشر رقصة قام بأدائها في حافلة الانتخابات، وكذلك رقصة شعبية في أحد الميادين، حققتا نسبة مشاهدة عالية.
يؤكد الخبراء أن منصات التواصل الاجتماعي تقدم متنفساً أكثر ديمقراطية، وتوفر للناس فرصة للنقاش والتضامن في هذه الفترة، وستكون وسيلة حاسمة في الاختيار، كما أكد أستاذ العلوم السياسية التركي توغتشا أرتشين لـ«الشرق الأوسط».
وأضاف أرتشين أنه على الرغم من النقاط المشتركة بين الشباب مثل البطالة واليأس من المستقبل، هناك مجموعات تختلف من حيث التوزيع الإقليمي بين الهوية والتعليم باللغة الأم.
أما عن تفضيل الشباب لمنصات التواصل الاجتماعي، فقال إن هذا يرجع إلى عدم ثقة الشباب في وسائل الإعلام التقليدية الخاضعة بشكل شبه كامل للحكومة، وتزايد اليأس لديهم من تصريحات السياسيين.
أما عن الشباب أنفسهم، فتتباين أمزجتهم، فالشاب أحمد يلديز، البالغ من العمر 19 عاماً المقيم في منطقة الفاتح، معقل المحافظين المؤيدين لإردوغان، فقال إن «إردوغان يجب أن يرحل في الانتخابات المقبلة... لن أصوت له».
على العكس، قال محرم كاليجي، البالغ من العمر 23 عاماً، إنه سيصوت لإردوغان على الرغم من أنه عاطل عن العمل.
أما محمود كليتش (18 عاماً)، فقال إنه سيصوت لكليتشدار أوغلو لأنه يريد أملاً في المستقبل، كما أنه قدم وعوداً بدعم الشباب لاقتناء وسائل التكنولوجيا واستخدامها بحرية.