2022 «عام الجوع»... والقادم غامض

الأمم المتحدة: الحرب والجفاف التاريخي يفاقمان انعدام الأمن الغذائي

سيدة وطفلتها الرضيعة محتجزتان للعلاج من سوء التغذية العنيف في أحد مستشفيات مدغشقر عقب أعاصير مدمرة في مارس الماضي (أ.ب)
سيدة وطفلتها الرضيعة محتجزتان للعلاج من سوء التغذية العنيف في أحد مستشفيات مدغشقر عقب أعاصير مدمرة في مارس الماضي (أ.ب)
TT

2022 «عام الجوع»... والقادم غامض

سيدة وطفلتها الرضيعة محتجزتان للعلاج من سوء التغذية العنيف في أحد مستشفيات مدغشقر عقب أعاصير مدمرة في مارس الماضي (أ.ب)
سيدة وطفلتها الرضيعة محتجزتان للعلاج من سوء التغذية العنيف في أحد مستشفيات مدغشقر عقب أعاصير مدمرة في مارس الماضي (أ.ب)

أظهر تحليل أجرته منظمات دولية تشمل الاتحاد الأوروبي ووكالات الأمم المتحدة المختلفة أن عدد الأشخاص الذين يعانون من الجوع أو يشهدون أوضاعا تتسم بانعدام الأمن الغذائي ارتفع في مختلف أنحاء العالم في 2022.
وتوصل التقرير الذي صدر يوم الأربعاء، وحصلت «الشرق الأوسط» على نسخة منه، إلى أن أكثر من ربع مليار شخص عانوا من جوع شديد أو من مجاعات كارثية العام الماضي. وتحت تأثير النزاعات والصدمات الاقتصادية وظواهر المناخ، ارتفع انعدام الأمن الغذائي بشكل إضافي في 2022، حيث هناك 258 مليون شخص بحاجة لمساعدة عاجلة مقابل 193 مليوناً في السنة السابقة، كما حذر تقرير لوكالات عدّة تابعة للأمم المتحدة الأربعاء.
وفي مقدّمة هذه النسخة السابعة من «التقرير العالمي حول أزمات الغذاء»، اعتبر الأمين العام للأمم المتّحدة أنطونيو غوتيريش أنّ هذا الواقع يمثّل وصمة عار على جبين الإنسانية؛ لأنّها عجزت عن إحراز تقدّم نحو القضاء على الجوع، الذي يمثل الهدف الثاني للأمم المتحدة للتنمية المستدامة.
وأكدت الأطراف الـ17 في هذه الشبكة التي تضمّ منظمة الأمم المتّحدة للأغذية الزراعة (فاو) وبرنامج الأغذية العالمي والاتّحاد الأوروبي، أن انعدام الأمن الغذائي يرتفع «للسنة الرابعة على التوالي» مع ملايين الأشخاص الذين يعانون «من جوع شديد لدرجة أنه يهدد بشكل مباشر حياتهم».
ويشمل التقرير خمس دول إضافية عن التقرير السابق، أي 58 دولة، مما أسهم في رفع الأرقام. وانعدام الأمن الغذائي الحاد يشمل المستويات 3 إلى 5 على المقياس الدولي للأمن الغذائي، وهي: «أزمة» و«وضع طارئ» و«كارثة».
وشدّد التقرير على أن انعدام الأمن الغذائي يبقى في «مستوى غير مقبول»، لا سيما في جمهورية الكونغو الديمقراطية وإثيوبيا وأفغانستان ونيجيريا وحتى اليمن. وهناك 376 ألف شخص في مرحلة «كارثة»، وهي الأشد خطورة، يعيش 57 في المائة منهم في الصومال.
ومنذ نهاية 2020 عانى الصومال على غرار بقية دول القرن الأفريقي (إثيوبيا وإريتريا وجيبوتي وكينيا والسودان) من أسوأ جفاف في الأربعين عاما الماضية، وهو ما نسبته دراسة علمية حديثة أصدرها «وورلد ويذر أتريبيوشن» World Weather Attribution إلى الاحتباس الحراري... لكنّ «التمويل الإنساني لمكافحة الجوع وسوء التغذية لا يصل إلى المستوى المطلوب»؛ كما قال غوتيريش.
وفي الدول الـ58 التي حللها هذا التقرير «هناك أكثر من 35 مليون طفل تقل أعمارهم عن خمس سنوات» يعانون من سوء التغذية و9.2 مليون منهم بمستويات حادة. وقالت «فاو» في ملخّص عن التقرير: «لا تزال الصراعات هي المحرك الرئيسي للأزمات الغذائية» في 2022، مذكرة بأن هذه الأزمات ناجمة عن عدة عوامل.
فالصدمات الاقتصادية المرتبطة بوباء «كوفيد - 19»، وتداعيات الحرب في أوكرانيا أثرا بشكل إضافي على بعض الدول في 2022، لا سيما أفغانستان وسوريا وجنوب السودان. وقالت المنظمة إن «التقرير يؤكد تأثير الحرب في أوكرانيا على الأمن الغذائي العالمي بسبب المساهمات الكبرى لأوكرانيا وروسيا في إنتاج وتجارة الوقود عالميا، وكذلك المواد الزراعية والمنتجات الغذائية الأساسية، لا سيما القمح والذرة وزيت دوار الشمس». وأدّى الغزو الروسي لأوكرانيا في فبراير (شباط) 2022 «إلى تعطيل الإنتاج الزراعي والتجارة في منطقة البحر الأسود، ما تسبب في ارتفاع غير مسبوق في أسعار المواد الغذائية عالميا في النصف الأول من عام 2022».
ورغم أن الاتفاق الذي أتاح تصدير الحبوب الأوكرانية عبر البحر الأسود في 22 يوليو (تموز) الماضي أدى إلى خفض الأسعار، فإنّ «الحرب لا تزال تؤثر بشكل غير مباشر على الأمن الغذائي، خصوصا في الدول ذات الدخل المنخفض التي تعتمد على الواردات الغذائية»، وقد سبق أن أضعفت بسبب الوباء.
كما أنّ ظواهر الطقس الشديدة المرتبطة بالتغير المناخي؛ مثل الجفاف التاريخي في القرن الأفريقي، أو الفيضانات المدمرة في باكستان شكلت أيضا سبباً رئيسياً لتفاقم حالة انعدام الأمن الغذائي.
أما فيما يخص التوقعات المستقبلية، قال التقرير: «لا تزال النزاعات والصدمات الاقتصادية الوطنية والعالمية والظواهر المناخية المتطرفة متشابكة بشكل متزايد، وتتغذى بعضها على بعض، وتحدث آثارا سلبية متصاعدة على انعدام الأمن الغذائي والتغذية... وليس هناك ما يشير إلى أن هذه الدوافع ستتراجع في عام 2023، ومن المتوقع أن يؤدي تغير المناخ إلى مزيد من الظواهر المناخية المتطرفة، وتواجه الاقتصادات العالمية والوطنية نظرة قاتمة، بينما من المرجح أن تستمر الصراعات وانعدام الأمن».
وفقاً لتوقعات 2023 المتاحة لـ38 من 58 دولة وإقليما، اعتبارا من مارس (آذار) الماضي، سيكون ما يصل إلى 153 مليون شخص (أو 18 في المائة من السكان الذين تم تحليلهم) في المرحلة الثالثة من التصنيف الدولي للخطر أو أعلى منه. بالإضافة إلى ذلك، من المتوقع أن يكون هناك نحو 310 آلاف شخص في المرحلة الخامسة من التصنيف في ستة بلدان، هي بوركينا فاسو وهايتي ومالي وأجزاء من نيجيريا والصومال وجنوب السودان، ثلاثة أرباعهم في الصومال.


مقالات ذات صلة

«الفيدرالي» الأميركي يرفع الفائدة للمرة العاشرة في تشدد تاريخي

الاقتصاد «الفيدرالي» الأميركي يرفع الفائدة للمرة العاشرة في تشدد تاريخي

«الفيدرالي» الأميركي يرفع الفائدة للمرة العاشرة في تشدد تاريخي

للمرة العاشرة منذ مارس (آذار) العام الماضي، اتجه البنك الاتحادي الفيدرالي الأميركي إلى رفع سعر الفائدة بمقدار 0.25 نقطة أساس، يوم الأربعاء، في محاولة جديدة لكبح جماح معدلات التضخم المرتفعة، التي يصارع الاتحادي الفيدرالي لخفضها إلى 2 في المائة دون نجاح ملحوظ. وأعلن مجلس الاحتياطي الاتحادي رفع سعر الفائدة الرئيسي 25 نقطة أساس إلى نطاق 5.00 و5.25 في المائة، لتستمر بذلك زيادات أسعار الفائدة منذ مارس 2022 وهي الأكثر تشدداً منذ 40 عاماً، في وقت يثير المحللون الاقتصاديون تساؤلات حول ما إذا كانت هذه الزيادة ستكون آخر مرة يقوم فيها الاتحادي الفيدرالي برفع الفائدة، أم أن هناك مزيداً من الخطوات خلال الفت

هبة القدسي (واشنطن)
الاقتصاد أميركا تعرقل تقدمها في الطاقة الشمسية بـ«الرسوم الصينية»

أميركا تعرقل تقدمها في الطاقة الشمسية بـ«الرسوم الصينية»

لا تتوقف تداعيات الحرب التجارية الدائرة منذ سنوات بين الولايات المتحدة والصين عند حدود الدولتين، وإنما تؤثر على الاقتصاد العالمي ككل، وكذلك على جهود حماية البيئة ومكافحة التغير المناخي. وفي هذا السياق يقول الكاتب الأميركي مارك غونغلوف في تحليل نشرته وكالة بلومبرغ للأنباء إن فرض رسوم جمركية باهظة على واردات معدات الطاقة الشمسية - في الوقت الذي يسعى فيه العالم لمواجهة ظاهرة الاحتباس الحراري ومكافحة تضخم أسعار المستهلك وتجنب الركود الاقتصادي - أشبه بمن يخوض سباق العدو في دورة الألعاب الأوليمبية، ويربط في قدميه ثقلا يزن 20 رطلا. وفي أفضل الأحوال يمكن القول إن هذه الرسوم غير مثمرة.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
الاقتصاد الدولار يتراجع  في «ساعات الترقب»

الدولار يتراجع في «ساعات الترقب»

هبط الدولار يوم الأربعاء بعد بيانات أظهرت تراجع الوظائف الجديدة في الولايات المتحدة، فيما ترقبت الأنظار على مدار اليوم قرار مجلس الاحتياطي الفيدرالي (البنك المركزي الأميركي) الذي صدر في وقت لاحق أمس بشأن أسعار الفائدة. وأظهرت بيانات مساء الثلاثاء انخفاض الوظائف الجديدة في الولايات المتحدة للشهر الثالث على التوالي خلال مارس (آذار)، وسجلت معدلات الاستغناء عن الموظفين أعلى مستوياتها في أكثر من عامين، ما يعني تباطؤ سوق العمل، وهو ما قد يساعد الاحتياطي الفيدرالي في مكافحة التضخم.

«الشرق الأوسط» (لندن)
الاقتصاد النفط يواصل التراجع... والخام الأميركي  أقل من 70 دولاراً للبرميل

النفط يواصل التراجع... والخام الأميركي أقل من 70 دولاراً للبرميل

واصلت أسعار النفط تراجعها خلال تعاملات أمس الأربعاء، بعد هبوطها بنحو 5 في المائة في الجلسة السابقة إلى أدنى مستوى في خمسة أسابيع، فيما يترقب المستثمرون المزيد من قرارات رفع أسعار الفائدة هذا الأسبوع.

«الشرق الأوسط» (لندن)
الاقتصاد «النقد الدولي»: استراتيجية حكومية قللت تأثر الاقتصاد السعودي

«النقد الدولي»: استراتيجية حكومية قللت تأثر الاقتصاد السعودي

في حين ارتفع مؤشر مديري المشتريات المعدل موسمياً في السعودية ليصل إلى 59.6 نقطة في أبريل (نيسان) الماضي، مقارنةً بمارس الفائت 58.7 نقطة، مع استمرار تحسن الأداء العام لشركات القطاع الخاص غير المنتجة للنفط، أكد صندوق النقد الدولي أن الإصلاحات التي تقودها الحكومة ونمو الاستثمار الخاص في قطاعات جديدة سيساعدان في دعم نمو الاقتصاد غير النفطي في المملكة وسط توقعات بتباطؤ حاد في النمو الإجمالي هذا العام، مبيناً في الوقت ذاته أن استراتيجية البلاد في الأعوام السابقة قللت من تأثير حركة أسعار النفط على الاقتصاد والميزانية العامة.

«الشرق الأوسط» (الرياض)

«المركزي التركي» يخفض سعر الفائدة إلى 47.50 %

مبنى البنك المركزي التركي (رويترز)
مبنى البنك المركزي التركي (رويترز)
TT

«المركزي التركي» يخفض سعر الفائدة إلى 47.50 %

مبنى البنك المركزي التركي (رويترز)
مبنى البنك المركزي التركي (رويترز)

خفض البنك المركزي التركي سعر الفائدة على «إعادة الشراء لمدة أسبوع (الريبو)»، المعتمد معياراً أساسياً لأسعار الفائدة، من 50 إلى 47.50 في المائة، متجاوزاً التوقعات السابقة.

وبعدما حافظ «البنك» على سعر الفائدة عند 50 في المائة خلال الأشهر الثمانية الأخيرة، فقد قرر في اجتماع لجنته للسياسة النقدية، الخميس، خفض سعر الفائدة بواقع 250 نقطة أساس، متجاوزاً التوقعات السابقة التي تراوحت بين 150 و200 نقطة أساس.

كما أجرى «البنك المركزي» تغييرات على الإطار التشغيلي، وقرر خفض الفائدة على الودائع لليلة واحدة، وتحديد أسعار الفائدة على الاقتراض بهامش -/+ 150 نقطة أساس، مقارنة بسعر فائدة مزاد «الريبو» الأسبوعي.

رئيس البنك المركزي التركي فاتح كاراهان (موقع البنك)

وقال «البنك»، في بيان، عقب اجتماع اللجنة برئاسة رئيسه فاتح كاراهان، إن «الاتجاه الأساسي للتضخم في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي ظل قريباً من مستواه، لكن البيانات الأولية تشير إلى تراجع الاتجاه الأساسي في ديسمبر (كانون الأول)» الحالي.

وأضاف أن مؤشرات الربع الأخير من العام تظهر أن الطلب المحلي مستمر في التباطؤ، وأنه عند مستويات تدعم تراجع التضخم، و«في حين أن تضخم السلع الأساسية لا يزال منخفضاً، فإن التحسن في تضخم الخدمات أصبح واضحاً، بسبب ظروف العرض المؤقتة».

وتابع البيان أن تضخم أسعار الأغذية غير المصنعة كان معتدلاً في ديسمبر الحالي، بعد المسار المرتفع الذي سجله خلال الشهرين السابقين، «وعلى الرغم من أن توقعات التضخم وسلوكيات التسعير تُظهر اتجاهاً للتحسن، فإنها لا تزال تشكل عامل خطر من حيث عملية تباطؤ التضخم».

مراقبة التضخم

وتعهد «المركزي التركي» بالاستمرار في مراقبة مؤشرات التضخم واتجاهه الأساسي، والعمل على تقليل الاتجاه الرئيسي للتضخم الشهري، وتعزيز عملية خفض التضخم من خلال موازنة الطلب المحلي، وارتفاع قيمة الليرة التركية الحقيقية، وتحسين توقعات التضخم، لافتاً إلى أن زيادة تنسيق السياسة المالية ستساهم بشكل كبير في هذه العملية.

وأكد أنه سيجري الحفاظ على موقف السياسة النقدية المتشددة حتى يحقَّق انخفاض كبير ودائم في الاتجاه الأساسي للتضخم الشهري وتتقارب توقعات التضخم مع النطاق المتوقع.

وكرر البنك المركزي التركي موقفه الحذر تجاه المخاطر الصعودية للتضخم، مؤكداً أن أدوات التشديد النقدي ستُستخدم بشكل فعال إذا جرى توقع حدوث تدهور كبير ودائم في التضخم، «وفي حال حدوث تطورات غير متوقعة بأسواق الائتمان والودائع، فستُدعم آلية التحويل النقدي بخطوات احترازية كلية إضافية، وستُراقب ظروف السيولة من كثب، مع الأخذ في الحسبان التطورات المحتملة، وسيستمر استخدام أدوات التعقيم بشكل فعال».

زحام في إحدى أسواق إسطنبول خلال يوم عطلة (إعلام تركي)

وأكد البيان أن «البنك المركزي» سيحدد قرارات السياسة النقدية بطريقة من شأنها الحد من الاتجاه الأساسي للتضخم وتوفير الظروف النقدية والمالية التي تجعل التضخم يصل إلى هدف 5 في المائة على المدى المتوسط، مع الأخذ في الحسبان الآثار المتأخرة للتشديد النقدي.

وعقب انتخابات 2023، رفع البنك المركزي التركي سعر الفائدة من 8.5 إلى 50 في المائة ضمن محاولة للسيطرة على التضخم المتسارع، وحافظ على أسعار الفائدة دون تغيير في الأشهر الـ8 الماضية.

وتعهد «البنك» بأن يتخذ قراراته في إطار شفاف يمكن التنبؤ به وقائم على البيانات.

وساد ترقب واسع لقرار البنك المركزي التركي بشأن سعر الفائدة قبل انعقاد لجنة السياسة النقدية، وتوقعت مؤسسة «مورغان ستانلي» الأميركية أن يبدأ «البنك» خفض سعر الفائدة الرئيسي 200 نقطة أساس، على أن يتبع ذلك بتخفيضات أخرى في أسعار الفائدة، مع توقع خفضَين إضافيين بمقدار 200 نقطة أساس بحلول نهاية الربع الأول من عام 2025، وهو ما سيؤدي إلى خفض سعر الفائدة إلى 44 في المائة بحلول مارس (آذار) المقبل.

وكانت توقعات خبراء الاقتصاد الأتراك تشير إلى خفض يتراوح بين 15 و200 نقطة أساس.