آنية جزيرة تاروت ونقوشها الغرائبية

تقع في المنطقة الشرقية من المملكة العربية السعودية

«سيّد الوحوش» على كسر من آنية محفوظ  في المتحف الوطني بالرياض مصدره جزيرة تاروت
«سيّد الوحوش» على كسر من آنية محفوظ في المتحف الوطني بالرياض مصدره جزيرة تاروت
TT

آنية جزيرة تاروت ونقوشها الغرائبية

«سيّد الوحوش» على كسر من آنية محفوظ  في المتحف الوطني بالرياض مصدره جزيرة تاروت
«سيّد الوحوش» على كسر من آنية محفوظ في المتحف الوطني بالرياض مصدره جزيرة تاروت

من جزيرة تاروت، خرج كم هائل من الآنية الأثرية، منها مجموعة كبيرة صنعت من مادة الكلوريت، أي الحجر الصابوني الداكن. تنقسم هذه المجوعة أنواعاً عدة، أهمّها فنياً تلك التي تميّزت بنقوش تصويرية تتبنّى أبجدية خاصة، تتمثّل في سلسلة من العناصر التشكيلية تعبّر عن عالم رؤيوي غامض احتار أهل الاختصاص في تفسير معانيه.

ثعبانان متشابكان على كسر من آنية محفوظ  في المتحف الوطني بالرياض مصدره جزيرة تاروت

تقع جزيرة تاروت على الساحل الشرقي لشبه الجزيرة العربية، وهي اليوم من مكوّنات القطيف في المنطقة الشرقية من المملكة العربية السعودية، وكانت في الماضي حاضرة من حواضر إقليم البحرين التاريخي، كما تشهد آثارها التي يرجع بعضها إلى فترة فجر السلالات الأُول لبلاد ما بين النهرين، وبعضها الآخر إلى الحضارة العيلامية. في مطلع ستينات القرن الماضي، شرعت السلطة السعودية في شق طريق تصل هذه الجزيرة، وخلال قيامها بهذا العمل، تمّ اكتشاف مقابر حوت آنية مزخرفة مصنوعة من الحجر الصابوني. بعد فترة وجيزة، ظهرت أعداد أخرى من هذه الأواني حين قام بعض سكان الجزيرة بتوسيع الأراضي الزراعية. سارعت شركة «مصفاة أرامكو» إلى جمع هذه اللقى، وقدّمتها إلى المتحف الوطني في الرياض، وشكّلت هذه القطع نواة لمجموعة أثرية اتّسعت سريعاً في السنوات التالية.

بدأ التنقيب الفعلي في نهاية الستينات، وتبعه مسح شامل في منتصف السبعينات، وكشفت هذه الأعمال عن مجموعة كبيرة من هذه الأواني في مقابر أثرية ظهرت في موقع «تل الرفيعة»، في الناحية الشرقية من الجزيرة. بعدها، تمّ إعداد تقرير علمي شامل خاص بهذه الاكتشافات نُشر في فهرس توثيقي دقيق في 1978. حوى هذا الفهرس نحو ستمائة قطعة محفوظة في متحف الرياض الوطني، أغلبها كسور جزئية. وتبيّن أن القسم الأكبر من هذه الأواني يخلو من النقوش التصويرية، ومنه ما جاء بشكل مجرّد صرف، ومنه ما حمل حللاً زخرفية. في المقابل، برز قسم آخر من هذه اللقى تميّز بنقوشه التصويرية، واتّضح سريعاً أن هذه النقوش تتبع نمطاً خاصاً يعتمد سلسلة من المفردات التشكيلية الآدمية والحيوانية والنباتية، إضافة إلى مفردات أخرى تحاكي العناصر العمرانية.

يتمثّل الحضور الآدمي في الدرجة الأولى برجل يظهر وسط هذا العالم المتخيّل بشكل ثابت، مرتدياً مئزراً يلتفّ حول الحوض والقسم الأعلى من الساقين. وجهه جانبي، وملامحه ثابتة، تتكوّن من أنف ضخم وعين لوزية فارغة وشفتين مطبقتين، مع شعر كثيف وطويل يتدلّى من خلف الرأس. على العكس، يبدو صدر هذا الرجل في وضعية المواجهة، وتحدّه ذراعان مرفوعتان نحو الأعلى. تتغيّر وضعيّة الساقين بين نقش وآخر، حيث يظهر الرجل تارة منتصباً، وتارة جاثياً، ممسكاً بكلّ من يديه المرفوعتين حيواناً متوحّشاً تتبدّل هويّته بين صورة وأخرى، فهو طوراً أفعى، وطوراً ثور، وطوراً نمر أو أسد أو وحش من الوحوش السنّورية. يحضر «سيّد الوحوش» في هذه الصور التي يغلب عليها الطابع العجائبي، ويتجلى حضوره في هذه السيادة.
يحضر «سيّد الوحوش» حيناً، ويغيب حيناً، وتبقى هذه الحيوانات حاضرة في تآليف تتكرّر في تنويعات مختلفة. تحتل الأفعى المرتبة الأولى في هذه التآليف كما يبدو، وتبرز بأشكال لولبية متعددة، حيث تتوالد مراراً وتتشابك، وتبدو كأنها تتواجه فيما بينها وهي تفتح فكّي فمها. مظهر هذه الأفاعي واحد، ويتمثّل بجلد تعلوه شبكة من الثقوب اللوزية، شابه ثقوب عيونها، ويبدو أن هذه الثقوب كانت في الأصل مرصّعة بأحجار أو بمواد أخرى مضافة. كذلك، تتميّز هذه الأفعى بأذنين ثابتين على شكل فاصلتين مقلوبتين، وبأنف ضخم؛ مما يوحي بأنها ثعبان له رأس تنين. إلى جانب هذه الأفاعي، يحضر الثور الوحشي بقرنيه الكبيرين، وتحضر الوحوش السنّورية المتحرّكة باستمرار، كما تحضر الطيور الجارحة المحلّقة في الفضاء.
تمتزج هذه الكواسر في بعض الأحيان، ويحلّ النسر برأس أسد، في صورة تماثل صورة الصقر الأسطوري في بلاد ما بين النهرين، وهو الصقر الذي عُرف باسم آنزو، كما باسم إمدوغود. تحتل هذه الكائنات الحية موقعها وسط مساحة تشكيلية تتكوّن من مجموعة عناصر ثابتة. تحضر سعف النخيل المتناسقة والورديات المرصّعة، وتحضر الأسيجة التي تحاكي السلال المنزلية، كما تحضر النقوش المتوازية التي ترمز كما يبدو إلى المياه. كذلك، تتكرر العناصر المعمارية بشكل ثابت في هذه الصور، ويبرز في هذا الميدان باب مغلق يحتل في بعض الأحيان وسط التأليف.
تعود هذه الآنية المصنوعة من الحجر الصابوني والمزيّنة بالصور إلى النصف الثاني من الألفية الثالثة قبل الميلاد، وتمثّل عينة من نتاج واسع تظهر شواهده في مناطق عدة تقع في دائرة جغرافية مترامية الأطراف، تمتدّ من الهضبة الإيرانية إلى آسيا الوسطى. تماثل آنية جزيرة تاروت السعودية بنقوشها، الآنية التي عُثر عليها في جزيرة فيلكا الكويتية الواقعة في الركن الشمالي الغربي من الخليج العربي. كما تماثل الآنية التي عُثر عليها في مواقع عدة في جنوب شرقي إيران من مقاطعتي بلوشستان وكرمان، في مقدمها موقع «تبه يحيى» وموقع «جيروفت».
في هذه المواقع تحديداً، تمّ اكتشاف أكبر مجموعات من هذه الآنية في العقدين الأخيرين؛ مما يوحي بأن هذه المنطقة شكّلت أكبر مراكز إنتاج هذه الأواني. عُرفت هذه المنطقة في المصادر السومرية باسم مارحاشي، وعُرفت في المصادر الأكادية باسم بارحاشوم، وكانت في الألفية الثالثة قبل الميلاد دولة تقع شرق عيلام، وعيلام كما هو معروف تمثّل حضارة ما قبل إيرانية قديمة، توسعت إلى أقصى الغرب والجنوب الغربي من إيران، وضمّت الأراضي المنخفضة المتاخمة.
بعيداً من هذه البقاع، عُثر على آنية مشابهة في وادي فرغانة، في آسيا الوسطى، كما في مواقع عدة من بلاد ما بين النهرين؛ مما يوحي بأن هذه الآنية شكّلت أسلوباً «متعدّد الثقافات» اعتمد في مناطق متباعدة، منها جزيرة تاروت. خرجت هذه الآنية من المدافن، وكانت تحوي زيوتاً وطيوباً رافقت الراقدين في انتقالهم إلى العالم الآخر، ويبدو أن هذه الزيوت العطرة كانت تستخرج قنة تنبت في أقاصي الهضاب الواقعة بين إيران وأفغانستان، وكانت أشبه بصمغ طبي امتاز بطابع «سحري» وقائي.
في الخلاصة، زُيّنت هذه الأواني بصور حملت طابعاً جنائزياً، وعكست هذه الصور رؤيا ماورائية يصعب تفكيك رموزها في غياب أي نصوص كتابية مرافقة لها.


مقالات ذات صلة

«تيك توك» أكثر جدوى من دور النشر في تشجيع الشباب على القراءة

يوميات الشرق «تيك توك» أكثر جدوى من دور النشر  في تشجيع الشباب على القراءة

«تيك توك» أكثر جدوى من دور النشر في تشجيع الشباب على القراءة

كشفت تقارير وأرقام صدرت في الآونة الأخيرة إسهام تطبيق «تيك توك» في إعادة فئات الشباب للقراءة، عبر ترويجه للكتب أكثر من دون النشر. فقد نشرت مؤثرة شابة، مثلاً، مقاطع لها من رواية «أغنية أخيل»، حصدت أكثر من 20 مليون مشاهدة، وزادت مبيعاتها 9 أضعاف في أميركا و6 أضعاف في فرنسا. وأظهر منظمو معرض الكتاب الذي أُقيم في باريس أواخر أبريل (نيسان) الماضي، أن من بين مائة ألف شخص زاروا أروقة معرض الكتاب، كان 50 ألفاً من الشباب دون الخامسة والعشرين.

أنيسة مخالدي (باريس)
يوميات الشرق «تيك توك» يقلب موازين النشر... ويعيد الشباب إلى القراءة

«تيك توك» يقلب موازين النشر... ويعيد الشباب إلى القراءة

كل التقارير التي صدرت في الآونة الأخيرة أكدت هذا التوجه: هناك أزمة قراءة حقيقية عند الشباب، باستثناء الكتب التي تدخل ضمن المقرّرات الدراسية، وحتى هذه لم تعد تثير اهتمام شبابنا اليوم، وهي ليست ظاهرة محلية أو إقليمية فحسب، بل عالمية تطال كل مجتمعات العالم. في فرنسا مثلاً دراسة حديثة لمعهد «إبسوس» كشفت أن شاباً من بين خمسة لا يقرأ إطلاقاً. لتفسير هذه الأزمة وُجّهت أصابع الاتهام لجهات عدة، أهمها شبكات التواصل والكم الهائل من المضامين التي خلقت لدى هذه الفئة حالةً من اللهو والتكاسل.

أنيسة مخالدي (باريس)
يوميات الشرق خليل الشيخ: وجوه ثلاثة لعاصمة النور عند الكتاب العرب

خليل الشيخ: وجوه ثلاثة لعاصمة النور عند الكتاب العرب

صدور كتاب مثل «باريس في الأدب العربي الحديث» عن «مركز أبوظبي للغة العربية»، له أهمية كبيرة في توثيق تاريخ استقبال العاصمة الفرنسية نخبةً من الكتّاب والأدباء والفنانين العرب من خلال تركيز مؤلف الكتاب د. خليل الشيخ على هذا التوثيق لوجودهم في العاصمة الفرنسية، وانعكاسات ذلك على نتاجاتهم. والمؤلف باحث وناقد ومترجم، حصل على الدكتوراه في الدراسات النقدية المقارنة من جامعة بون في ألمانيا عام 1986، عمل أستاذاً في قسم اللغة العربية وآدابها في جامعة اليرموك وجامعات أخرى. وهو يتولى الآن إدارة التعليم وبحوث اللغة العربية في «مركز أبوظبي للغة العربية». أصدر ما يزيد على 30 دراسة محكمة.

يوميات الشرق عمارة القاهرة... قصة المجد والغدر

عمارة القاهرة... قصة المجد والغدر

على مدار العقود الثلاثة الأخيرة حافظ الاستثمار العقاري في القاهرة على قوته دون أن يتأثر بأي أحداث سياسية أو اضطرابات، كما شهد في السنوات الأخيرة تسارعاً لم تشهده القاهرة في تاريخها، لا يوازيه سوى حجم التخلي عن التقاليد المعمارية للمدينة العريقة. ووسط هذا المناخ تحاول قلة من الباحثين التذكير بتراث المدينة وتقاليدها المعمارية، من هؤلاء الدكتور محمد الشاهد، الذي يمكن وصفه بـ«الناشط المعماري والعمراني»، حيث أسس موقع «مشاهد القاهرة»، الذي يقدم من خلاله ملاحظاته على عمارة المدينة وحالتها المعمارية.

عزت القمحاوي
يوميات الشرق «تقنيات الكتابة الروائية»

«تقنيات الكتابة الروائية»

صدر حديثاً عن «دار كنعان» كتاب «تقنيات الكتابة الروائية»، من إعداد الناقد الأميركي أبراهام شاول بوراك. نقلته إلى العربية إيفا شاهين، وصمم غلافه باسم صباغ. يقدم الكتاب، وفقاً للناشر: «نهوجاً مختلفة في كتابة الرواية لدى أربعين روائياً ناجحاً، جمعيهم يبرهنون أنه لا يوجد نهج واحد لكتابة الرواية. ففي الحقيقة، كل روائي من هؤلاء يستخدم تقنية مختلفة. بعضهم يبدأ روايته بشخصية أو مكان، فيما يميل بعض آخر إلى بدئها بحبكة، أو موضوع، بينما يقدّم آخرون موجزاً عاماً.

«الشرق الأوسط» (بيروت)

ليوناردو دي كابريو يحذر الممثلين الشباب من خطأ واحد يضر بمسيرتهم

النجم الأميركي ليوناردو دي كابريو (رويترز)
النجم الأميركي ليوناردو دي كابريو (رويترز)
TT

ليوناردو دي كابريو يحذر الممثلين الشباب من خطأ واحد يضر بمسيرتهم

النجم الأميركي ليوناردو دي كابريو (رويترز)
النجم الأميركي ليوناردو دي كابريو (رويترز)

أصدر النجم الأميركي ليوناردو دي كابريو تحذيراً للممثلين الشباب، موضحاً سبب رفضه عروضاً ضخمة في بداية مسيرته الفنية الحافلة.

وأكد دي كابريو، البالغ من العمر 51 عاماً، أن الإفراط في الظهور قد يضر بالممثل الطموح الذي يتطلع إلى النجاح في هوليوود، وفقاً لشبكة «فوكس نيوز».

وقال نجم فيلم «تايتانيك»: «أكثر ما يمكنني قوله هو إنه إذا كنت تحب هذه المهنة، إذا كنت تحب التمثيل، فعليك أن تدرك أنها أشبه بماراثون، وليست سباقاً قصيراً».

وأضاف: «هذا لا يعني أن هذه كلها خيارات مصيرية. لا تجرّبوا شيئاً تجارياً. لا تفعلوا هذا مبكراً جداً.. يتعلق الأمر بفكرة النظر إلى مسيرتكم المهنية بعد 20، 30، 40، 50 عاماً من الآن، ووضع هذه العناصر معاً لضمان استمراريتها».

وتابع: «ربما يكون الإفراط في التعرض مضراً... أعتقد، إن لم يكن هناك أي شيء، أنني كنتُ أملك حدساً مبكراً بشأن الإفراط في التعرض. صحيحٌ أن ذلك كان زمناً مختلفاً. كان زمناً شاهدتُ فيه ممثلين اختفوا عن الأنظار، ولم نكن نعرف الكثير عنهم. أما الآن، فقد اختلف الأمر كثيراً مع وسائل التواصل الاجتماعي. لكنني لم أتمكن من معرفة الكثير عنهم إلا ما رأيته على الشاشة».

أشار دي كابريو إلى أن الزمن تغير بفضل وسائل التواصل الاجتماعي، لكن مشاهدة ممثلين آخرين يبنون ببطء أعمالاً قوية أثّرت على قراراته المهنية.

وشرح: «رأيتهم يبنون أعمالاً رائعة مع مرور الوقت. لم أُغمر بفيضٍ هائل من أفلامهم في عام أو عامين. هذا لا يعني أنه لا يجب عليك قبول العمل عندما يُعرض عليك، ولكن الفكرة هي توزيعه، أو ربما مجرد اختيار الأفلام التي تضم شخصيات ثانوية رائعة ومثيرة للاهتمام وتترك بصمتك في هذا المجال».

اشتهر دي كابريو برفضه دوراً في فيلم «هوكس بوكس»، وهو أعلى أجر كان سيحصل عليه آنذاك. وبدلاً من ذلك، قبل دور «ما الذي يزعج جيلبرت جريب»، الذي نال عنه أول ترشيح لجائزة الأوسكار. وصرح الممثل أن نقطة التحول في مسيرته كانت فيلم «تايتانيك»، الذي مكّنه من اختيار أفلامه بنفسه.

وأوضح: «كنت محظوظاً جداً في البداية. وكما ذكرتُ مع فيلم (تايتانيك)، كانت تلك نقطة التحول الحقيقية، عندما أتيحت لي فرصة اختيار أفلامي بنفسي. ولكن حتى ذلك الحين، كنتُ أشارك في العديد من الأفلام المستقلة. كنتُ أختار الشخصية التي أجدها الأكثر إثارة للاهتمام، والتي أستمتع بها».


«البحر الأحمر» يُعيد للسينما سحرها... افتتاح مدهش يُكرّم مايكل كين ويحتفي بالبدايات الجديدة

‎لحظة تاريخية لتكريم النجم البريطاني مايكل كين في حفل الافتتاح (إدارة المهرجان)
‎لحظة تاريخية لتكريم النجم البريطاني مايكل كين في حفل الافتتاح (إدارة المهرجان)
TT

«البحر الأحمر» يُعيد للسينما سحرها... افتتاح مدهش يُكرّم مايكل كين ويحتفي بالبدايات الجديدة

‎لحظة تاريخية لتكريم النجم البريطاني مايكل كين في حفل الافتتاح (إدارة المهرجان)
‎لحظة تاريخية لتكريم النجم البريطاني مايكل كين في حفل الافتتاح (إدارة المهرجان)

في لحظة يصعب نسيانها، ظهر النجم الأميركي فين ديزل، وهو يدفع الأسطورة البريطانية مايكل كين على كرسيه المتحرّك فوق خشبة مسرح حفل افتتاح مهرجان «البحر الأحمر السينمائي الدولي»، مساء الخميس، في مشهد بدا كأنه يُلخّص روح دورة خامسة تجمع بين شغف السينما وامتنانها لرموزها، وبين حضور دولي يُرسّخ جدة منصةً تلتقي فيها قصص نجوم «هوليوود» و«بوليوود» والعالم العربي.

وقف ديزل على المسرح لتقديم الجائزة التكريمية، قائلاً: «هذه الليلة مميّزة بالنسبة إليّ، لأنني أقدّم جائزة لشخص تعرفونه جميعاً بأنه من أفضل الممثلين الذين عاشوا على الإطلاق... مايكل كين يملك من الكاريزما ما يفوق ما لدى معظم نجوم هوليوود». أمّا كين، الذي بلغ التسعين من عمره، فصعد إلى المسرح بدعم 3 من أحفاده، وقال مازحاً: «أتيتُ لأتسلم جائزة، ولا يفاجئني ذلك... فقد فزت بأوسكارين».

مايكل كين متأثّراً خلال كلمته على المسرح (إدارة المهرجان)

كان ذلك المشهد الشرارة التي أعطت مساء الافتتاح طابعاً مختلفاً؛ إذ لم تكن الدورة الخامسة مجرّد احتفاء بفنّ السينما، وإنما إعلان عن نقلة نوعية في موقع السعودية داخل الخريطة العالمية، حيث تتقاطع الأضواء مع الطموح السينمائي، ويتحوَّل الافتتاح من استقطاب للنجوم وعروض الأفلام، إلى قراءة لصناعة تتشكَّل أمام العالم.

وانضم إلى مايكل كين في قائمة النجوم المكرّمين لهذا العام: سيغورني ويفر، وجولييت بينوش، ورشيد بوشارب، وستانلي تونغ، فيما استمرَّت أسماء عالمية في التوافد إلى جدة في اليومين الماضيين، من بينهم جيسيكا ألبا، وأدريان برودي، والمخرجة كوثر بن هنية.

وينسجم ذلك مع كلمة وزير الثقافة السعودي الأمير بدر بن عبد الله بن فرحان، خلال الحفل، بأنّ المهرجان أصبح منصةً تعكس التحوّل الكبير الذي يشهده القطاع الثقافي في المملكة، ويُظهر دور الشباب في تشكيل مشهد سينمائي ينسجم مع طموحات «رؤية 2030»، مشيراً إلى أنّ الثقافة تُعد إحدى أقوى أدوات التأثير عالمياً.

حشد سينمائي عالمي كبير في الحفل (إدارة المهرجان)

السعودية... بدايات هوليوود

ومثل عادة المهرجانات، اتّجهت الأنظار نحو السجادة الحمراء، فامتلأت «الريد كاربت» الواقعة في منطقة البلد التاريخية بطيف نادر من نجوم السينما العالمية؛ من داكوتا جونسون، وآنا دي أرماس، ورئيس لجنة التحكيم شون بيكر وأعضاء اللجنة رض أحمد، وناعومي هاريس، ونادين لبكي، وأولغا كوريلنكو، إضافة إلى كوين لطيفة، ونينا دوبريف؛ اللتين شاركتا في جلسات حوارية مُعمَّقة قبل الافتتاح.

وخلال الحفل، أكد رئيس لجنة التحكيم شون بيكر، أنه متحمّس جداً للحضور في السعودية، التي شبَّهها بـ«هوليوود في أيامها الأولى»، مضيفاً: «بينما نُقاتل للحفاظ على دور العرض في الولايات المتحدة، افتُتِحت هنا مئات الصالات خلال 5 سنوات، لتصبح السعودية أسرع أسواق شباك التذاكر نمواً في العالم. ما يحدث هنا مُلهم ودافئ للقلب».

رئيسة مجلس أمناء مؤسّسة «البحر الأحمر السينمائي» جمانا الراشد (إدارة المهرجان)

من جهتها، تحدَّثت رئيسة مجلس أمناء مؤسّسة «البحر الأحمر السينمائي»، جمانا الراشد، عن أثر المؤسّسة خلال السنوات الخمس الماضية، قائلة: «لقد بنينا بهدوء ما كان كثيرون يرونه مستحيلاً: منظومة تمنح صنّاع الأفلام من آسيا وأفريقيا والعالم العربي القدرة على القيادة». وأشارت إلى أنّ 7 أفلام دعمها «صندوق البحر الأحمر» اختارتها بلدانها لتمثيلها في «الأوسكار»، وهو دليل على أثر الصندوق الذي دعم أكثر من 130 مشروعاً خلال 5 سنوات فقط. وأوضحت أنّ الدورة الخامسة تضم هذا العام 111 فيلماً من أكثر من 70 دولة، وتسلّط الضوء على 38 مُخرجة، مؤكدة أنّ حضور المرأة في هذه الدورة يُسهم في إعادة تعريف حدود السرد السينمائي، ويشكّل جزءاً أساسياً من روح المهرجان.

 

«العملاق»... فيلم الافتتاح

وفي نهاية الحفل، بدأ عرض فيلم الافتتاح «العملاق» للمخرج البريطاني - الهندي روان أثالي، وهو عمل يستعيد سيرة الملاكم البريطاني - اليمني الأصل نسيم حمد «برنس ناز»، والفيلم من إنتاج سيلفستر ستالون، ويقدّم فيه الممثل المصري - البريطاني أمير المصري أهم أدواره حتى الآن، بينما يلعب بيرس بروسنان دور المدرّب الذي شكّل مسيرة ناز.

ورغم أنّ السِّير الرياضية مألوفة في السينما العالمية، فإنّ اختيار هذا الفيلم تحديداً يحمل دلالة ضمنية؛ فهو عن شاب صنع مساراً لم يكن موجوداً، وعَبَر حدود التصوّرات الطبقية والثقافية ليصنع له مكاناً يُشبهه. بما يُشبه إلى حد كبير قصة الصناعة السينمائية المحلّية التي تُحاول إعادة تعريف صورتها أمام العالم، وتبني حضورها من نقطة البدايات، بمزيج من الحلم والهوية والإصرار، لتصل اليوم إلى مرحلة النضج في دورة تحتفي بشعار «في حبّ السينما»، وتحمل معها 10 أيام من عروض وتجارب تُعيد إلى الفنّ السابع قدرته الأولى على الدهشة.


ابتلعها بهدف سرقتها... استعادة قلادة مستوحاة من أفلام جيمس بوند من أحشاء رجل نيوزيلندي

شرطي يعرض بيضة فابرجيه خضراء مرصعة بالماس في أوكلاند بعد مراقبة دامت 6 أيام للص المتهم بابتلاعها (أ.ف.ب)
شرطي يعرض بيضة فابرجيه خضراء مرصعة بالماس في أوكلاند بعد مراقبة دامت 6 أيام للص المتهم بابتلاعها (أ.ف.ب)
TT

ابتلعها بهدف سرقتها... استعادة قلادة مستوحاة من أفلام جيمس بوند من أحشاء رجل نيوزيلندي

شرطي يعرض بيضة فابرجيه خضراء مرصعة بالماس في أوكلاند بعد مراقبة دامت 6 أيام للص المتهم بابتلاعها (أ.ف.ب)
شرطي يعرض بيضة فابرجيه خضراء مرصعة بالماس في أوكلاند بعد مراقبة دامت 6 أيام للص المتهم بابتلاعها (أ.ف.ب)

كشفت شرطة نيوزيلندا، التي أمضت 6 أيام في مراقبة كل حركة أمعاء لرجل متهم بابتلاع قلادة مستوحاة من أحد أفلام جيمس بوند من متجر مجوهرات، اليوم (الجمعة)، أنها استعادت القلادة المزعومة.

وقال متحدث باسم الشرطة إن القلادة البالغة قيمتها 33 ألف دولار نيوزيلندي ( 19 ألف دولار أميركي)، تم استردادها من الجهاز الهضمي للرجل مساء الخميس، بطرق طبيعية، ولم تكن هناك حاجة لتدخل طبي.

يشار إلى أن الرجل، البالغ من العمر 32 عاماً، والذي لم يكشف عن هويته، محتجز لدى الشرطة منذ أن زعم أنه ابتلع قلادة الأخطبوط المرصعة بالجواهر في متجر بارتريدج للمجوهرات بمدينة أوكلاند في 28 نوفمبر (تشرين الثاني)، وتم القبض عليه داخل المتجر بعد دقائق من السرقة المزعومة.

وكانت المسروقات عبارة عن قلادة على شكل بيضة فابرجيه محدودة الإصدار ومستوحاة من فيلم جيمس بوند لعام 1983 «أوكتوبوسي». ويدور جزء أساسي من حبكة الفيلم حول عملية تهريب مجوهرات تتضمن بيضة فابرجيه مزيفة.

وأظهرت صورة أقل بريقاً قدمتها شرطة نيوزيلندا يوم الجمعة، يداً مرتدية قفازاً وهي تحمل القلادة المستعادة، التي كانت لا تزال متصلة بسلسلة ذهبية طويلة مع بطاقة سعر سليمة. وقال متحدث إن القلادة والرجل سيبقيان في حوزة الشرطة.

ومن المقرر أن يمثل الرجل أمام محكمة مقاطعة أوكلاند في 8 ديسمبر (كانون الأول) الحالي، وقد مثل أمام المحكمة لأول مرة في 29 نوفمبر.

ومنذ ذلك الحين، تمركز الضباط على مدار الساعة مع الرجل لانتظار ظهور الدليل.